بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على فتوى ( أبو رائد المالكي )
حول الحكم بغير ما أنزل الله


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ  آل عمران:102.
 يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً النساء:1.
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً الأحزاب:71.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد :
فقد كتب أحدهم يدعى أبو رائد المالكي رسالة موجهة إلى بعض طلبة العلم على حد قوله ، هذه الرسالة تتكلم عن مسألة الحكم بغير ما أنزل الله على منهج شيخه العنبري .
وكان من المفترض عند من يدعي السلفية ويدعي اتباع أهل العلم أن تكون هذه المسألة قد حسمت عنده خاصة بعد فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والتي تناولت الرد على عدد من الكتب الضالة التي نحا فيها أصحابها مذاهب أهل الإرجاء والتجهم والتي لا يخلو منها كتاب إلا وقد تناول مسألة الحكم بغير ما أنزل الله وقرر فيها ما قرره هذا الكاتب ، من أن الحكم بغير ما أنزل الله بجميع صوره يعد معصية دون الكفر حتى في التشريع العام من التحليل والتحريم وغير ذلك !
فكانت فتوى اللجنة وفقها الله الحاسمة في كتاب الحكم بغير ما أنزل الله لصاحبة خالد العنبري والتي أفتت بتحريم طباعته ووجوب توبة صاحبه وذكرت أن من أسباب الفتوى :
- (( دعواه إجماع أهل السنة على عدم كفر من حكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام إلا بالاستحلال القلبي كسائر المعاصي التي دون الكفر " وهذا محض افتراء على أهل السنة والجماعة " منشأه الجهل أو سوء القصد نسأل الله العافية )) ا.هـ
- ثم يخرج علينا هذا الدعي بعد ذلك وفي تجاهل تام لكلام اللجنة وفقها الله في العنبري ! ليقرر لنا أن المخالف في هذه المسألة يعد من الخوارج المارقين بل وكذلك يبدع ويضلل ولا كرامة !!!
- فنال بهذه الأوصاف الجارحة ثلة من أهل العلم من السلف والخلف ممن يتعبد المرء بالدفاع عنهم والذب عن دينهم وأعراضهم …. ولذا فلا يلومني القارئ الكريم مما قد يشعر به من شدة في القول على صاحب هذه الرسالة العوجاء فقد عرف السبب والله المستعان
…..علما بأن رسالة المدعو أبو رائد المالكي هذا لم يأت فيها بشيء جديد ، فقد بناها على أصول شيخه العنبري ، في التحريف وتحميل كلام أهل العلم ما لم يحتمل والتصرف في النصوص الشرعية ومقالات أهل العلم على وجه يفهم منه غير المراد أصلا ليخلص إلى ما خلص إليه شيخه في أن الحكم بغير ما أنزل الله بجميع صوره هو كفر دون كفر وعليه يتهم مخالفه أنه من الخوارج المارقين !!!
وكان يكفيني ويكفي كل من يرد عليه أن يبرز له فتوى اللجنة الدائمة في كتاب شيخه العنبري والتي ألقمته حجرا رمي على أثره في مزبلة التاريخ مع خلوف المرجئة و أفراخ الجهمية !!!.
ولنرى بعد ذلك توجيهه لكلام اللجنة الدائمة وفي أي قسم من أقسامه المبتدعة وضعها!
ولكن الرجل وضع رسالته في صورة نصيحة لطلاب العلم مما قد يجعل البعض ينخدع بتدليسه وكلامه ،لذا كان مما أراه نصحا لله ورسوله ولعامة المسلمين أن أكتب هذا الرد ..
-وأنا بإذن الله أعلق على ما أراه قد أمعن فيه تدليسا وتلبيسا محتسبا عند الله هذا ومتوكلا عليه وهو حسبي ونعم الوكيل .
قال المدعو أبو رائد :
( فآية الحكم بغير ما أنزل الله لا يخفاكم أن المقصود بالكفر فيها الكفر الأصغر كما ذهب إلى ذلك ابن عباس وطاوس ومجاهد وأحمد وجمع من السلف وليس لهم مخالف في ذلك ..)
ثم نقل كلام شيخ الإسلام رحمه الله مبتورا بترا كالحا ومحرفا تحريفا زائفا والذي يقول فيه
: ( قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (3/268) في تفسير قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " (المائدة 44): " أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله ) أ.هـ
ثم زعم أن الإجماع منعقد على ذلك فقال :
( قال ابن عبد البر كما في التمهيد (5/74) في صدد الكلام على الكبائر" وأجمع العلماء على أن الجور في الحكم من الكبائر لمن تعمد ذلك عالماً به رويت في ذلك آثار شديدة عن السلف وقال الله عز وجل ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) و ( الظالمون ) و ( الفاسقون ) نزلت في أهل الكتاب . قال حذيفة و ابن عباس : وهي عامة فينا ، قالوا ليس بكفر ينقل عن الملة إذا فعل ذلك رجل من أهل هذه الأمة حتى يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ) ا.هـ كلامه
أقول :
في هذه الأسطر من التلبيس والتدليس ما لا يخفى على ذي معرفة بأقوال السلف وكلام أهل العلم !
فقد زعم أن السلف رحمهم الله على قول واحد في كون الكفر في قوله تعالى:
( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) كفرا أصغرا وكفرا دون كفر !!!
بل زعم إجماع الأمة على ذلك وهذا لا شك أنه من التدليس والتلبيس الذي تعلمه من شيخه العنبري !
فإن الخلاف في هذه الآية ثابت ومقرر ولا يخفى على عامي قد قرأ تفسير الآية فضلا عن طالب علم فضلا عمن يدعي التحقيق والتأصيل مما ينبئ عن مدى تدليس هذا الرجل وتلاعبه ! ولكي يظهر هذا نرجع إلى تفسير الآية لنرى شهادة واضحة مسجلة على هذا الدعي بأنه كذاب !!! …

1- يقول الإمام بن كثير رحمه الله ج: 2 ص: 61
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون فيه قولان سيأتي بيانهما "
ثم قال رحمه الله :
ا-وقال ابن جرير أيضا حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخبر عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل عن علقمة ومسروق أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة فقال من السحت قال فقالا وفي الحكم قال ذاك الكفر ثم تلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وقال السدي ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون يقول ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين

ب-وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال من جحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أقربه فهو ظالم فاسق..."
( ج: 2 ص: 62)
- فتأمل قول الإمام ابن كثير رحمه الله فيه قولان ونقله لكلام بعض السلف في ذلك ليبين للمنصف مدى مجازفة هذا الدعي وتهوره.

2- وقال بن الجوزي رحمه الله في زاد المسير ج: 2 ص: 366
( فأما قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وقوله تعالى بعدها فأولئك هم الظالمون فأولئك هم الفاسقون فاختلف العلماء فيمن نزلت على خمسة أقوال أحدها أنها نزلت في اليهود خاصة رواه عبيد بن عبد الله عن ابن عباس وبه قال قتادة والثاني أنها نزلت في المسلمين روى سعيد بن جبير عن ابن عباس نحو هذا المعنى والثالث أنها عامة في اليهود وفي هذه الأمة قاله ابن مسعود والحسن والنخعي والسدي والرابع أنها نزلت في اليهود والنصارى قاله أبو مجلز والخامس أن الأولى في المسلمين والثانية في اليهود والثالثة في النصارى قاله الشعبي
وفي المراد بالكفر المذكور في الآية الأولى قولان :
أحدهما : أنه الكفر بالله تعالى .
والثاني : أنه الكفر بذلك الحكم وليس بكفر ينقل عن الملة. ) ا.هـ

3- وقال شيخ الإسلام رحمه الله : مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 267
( والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء وفي مثل هذا
نزل قوله على " أحد القولين " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله ) ا.هـ
وهذا النقل قد ذكره هذا الدعي ممعنا فيه تدليسا وتلبيسا فحذف قول شيخ الإسلام :
" على أحد القولين " لأنه يبطل زعمه أن السلف على قول واحد في هذه الآية والذي بنى عليه افتراءة على أهل السنة ووصفهم بأنهم خوارج !

4- وقال بن القيم رحمه الله : مدارج السالكين ج: 1 ص: 336
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " المائده 44
1- قال ابن عباس ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعله فهو به كفر وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وكذلك قال طاووس وقال عطاء هو كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق
2- ومنهم من تأول الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحدا له وهو قول عكرمة وهو تأويل مرجوح فإن نفس جحوده كفر سواء حكم أو لم يحكم
3- ومنهم من تأولها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله قال ويدخل في ذلك الحكم بالتوحيد والإسلام وهذا تأويل عبد العزيز الكناني وهو أيضا بعيد إذ الوعيد على نفي الحكم بالمنزل وهو يتناول تعطيل الحكم بجميعه وببعضه
4- ومنهم من تأولها على الحكم بمخالفة النص تعمدا من غير جهل به ولا خطأ في التأويل حكاه البغوي عن العلماء عموما
5- ومنهم من تأولها على أهل الكتاب وهو قول قتادة والضحاك وغيرهما وهو بعيد وهو خلاف ظاهر اللفظ فلا يصار إليه
6- ومنهم من جعله كفرا ينقل عن الملة .
والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم…" ) ا.هـ
فهذه أقوال أهل العلم يقررون فيها الخلاف في الآية بين السلف رحمهم الله ومن بعدهم فكيف يتأتى لهذا الدعي أن يزعم الإجماع على ذلك فضلا أن يتهم مخالفه بأنه على مذهب الخوارج .
- مع العلم أنه ليس المقصود من نقلي للخلاف بين السلف هو تحقيق القول في هذه المسالة - فهذا ليس مجاله - بل المقصود مجرد سردها ليقف القارئ على مدى تزييف كاتب الرسالة لكلام أهل العلم وتدليسه على القارئ .
- إلا أن هذا لا يمنع أن أشير إشارة بسيطة إلى حقيقة الخلاف الحادث وفي أي صورة اختلفوا فأقول والله الموفق :
- إن أكثر الخلاف المنقول عن السلف رحمهم الله في تفسير آية الحكم هو عن صورة معينة من صور الحكم والتي جاء بها لفظ الآية الكريمة حيث قال سبحانه
- ( ومن لم يحكم بما أنزل الله .. ) الآية فقوله تعالى " ومن لم يحكم" يعني ( ترك الحكم ) وهذه هي الصورة التي عليها أكثر كلام السلف وخلافهم حول كفر فاعلها هل يكفر بمجرد ترك الحكم بما أنزل الله ؟ أو أن مجرد الترك معصية لا يكفر إلا باستحلالها أو جحود حكم الله فيها ؟ هذا هو أصل الخلاف الحاصل بين السلف وعلى مدى تاريخ الحكم الإسلامي والخلافة الإسلامية ..
- وترك الحكم بما أنزل الله يختلف عن الحكم " بغير" ما أنزل الله والتي حكي الإجماع على كفر فاعلها !!!
-… وهذا المعنى لخصه الإمام أبو السعود رحمه الله في تفسيره حيث قال في سياق تفسير آية الحكم :
1- (( ….حيث علق فيه الحكم بالكفر بمجرد ترك الحكم بما أنزل الله تعالى فكيف وقد انضم إليه الحكم بخلافه لا سيما مع مباشرة ما نهوا عنه من تحريفه ووضع غيره موضعه وادعاء أنه من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا )) ا .هـ
2- وقال ابن كثير رحمه الله :
" وقال السدي ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون يقول ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين"
- ونقل ابن القيم رحمه الله الخلاف في الآية حيث قال:
3-( ومنهم من تأولها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله قال ويدخل في ذلك الحكم بالتوحيد والإسلام وهذا تأويل عبد العزيز الكناني وهو أيضا بعيد إذ الوعيد على نفي الحكم بالمنزل وهو يتناول تعطيل الحكم بجميعه وببعضه ) ا .هـ
فهذا وغيره يؤكد المعنى الذي أشرت إليه والله أعلم
______________
*** - قد يقول قائل أنت بنقلك الخلاف في الآية تبطل قولك أيضا لأنك تزعم الإجماع كذلك على كفر من يحكم بغير ما أنزل الله " فنقلك هذا يبطل كلا القولين …!!!
فالجواب عن هذا:
هو أننا نقرر أن هناك صور متعددة للحكم بغير ما أنزل الله ونقرر أن لكل صورة حكم مختلف عن الأخرى فمنها ما هو معصية وكبيرة دون الكفر ومنها ما هو كفر أكبر بالإجماع فكان الخلاف موجه من قبّلنا كما أسلفت فيما سبق ، ولكن الأمر بخلاف ذلك عند الطرف الأخر فهو ملتزم بأن جميع صور الحكم معصية وكبيرة دون الكفر ويزعم الإجماع على ذلك فكان نقل الخلاف المتقدم مبطلا لقوله بلا شك . والله أعلم
فإن قيل وماذا عن إجماع الإمام ابن عبد البر رحمه الله ؟
- فالجواب : أن الإجماع الذي نقله الإمام ابن عبد البر هو على ظاهره من دون تحريف ولا تأويل ، فالجور في الحكم صورة من صور الحكم بغير ما أنزل الله تختلف عن صورة تشريع الأحكام المخالفة لشرع الله والحكم بها …..
- بل إن هذا الإجماع من أظهر الأدلة عليهم لو فقهوا ! كما سيأتي
- فالإجماع منعقد على أن الجور في الحكم من الكبائر وهذا لا خلاف فيه فنحن نقرره ونؤكده , لكن اختلافا في أن الجور في الحكم يتضمن جميع صور الحكم بما فيها التشريع العام فهذا باطل لا شك فيه ….
فالجور صورة من صور الحكم محتواها الجور والظلم في ترك تطبيق الأحكام الشرعية ويكون هذا مع التزام أصل التشريع والحكم به وهذا الجور لا يتضمن بحال صورة تغيير الأحكام .
- كما أن الإجماع منعقد كذلك على أن تبديل الشريعة ، وتحكيم غيرها ،وترك التحاكم إليها كفر أكبر مخرج من الملة .
- قال ابن كثير رحمه الله في كلامه عن الياسق :
- " فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين …" [ البداية والنهاية 13 / 119 ]
- فهذا إجماع صريح وواضح لا مجال لتحريفه ولا تأويله وما يفعله هذا الدعي وغيره في هذا الإجماع من تحريف وتلاعب مما ينبغي أن يستتاب منه لأنه تلاعب بأدلة الشرع وتحريف لها بل يخشى على صاحبه والعياذ بالله !!!
ويؤكد هذا الإجماع إجماع آخر نقله ابن عبد البر رحمه الله أيضا عن إمام السنة إسحاق بن راهويه رحمه الله قال فيه :
( وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا أنزله الله أو قتل نبيا من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر ) ا.هـ( التمهيد لابن عبد البر ج: 4 ص: 226 )
فهذا إجماع آخر يعضد إجماع ابن كثير رحمه الله ويبطل كذلك فرية الإجماع الذي أرادوا أن يلبسوا به على الناس من أنه عام في كل صور الحكم …
- وليس معنى الدفع هنا الجحود أو الاستحلال لقوله رحمه الله " مقر بما أنزل الله" فمعنى أنه مقر بما أنزل الله أنه إن كان حكم الله بالوجوب فإقراره ينافي جحده وإن كان حكم الله بالحرمة فإقراره يعني عدم استحلاله فيبقى معنى الدفع وهو " الرد والامتناع عن القبول "
يقول الجصاص رحمه الله في قوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ...... الآية } :
( في هذه الآية دلالة على أن من يرد شيئاً من أوامر الله أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم أنه خارج عن دائرة الإسلام سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة " ترك القبول والامتناع عن التسليم" )أ.هـ
………………………………………………………

ولكي يبطل هذا التعميم الجائر والذي لم يفرق بين صور الحكم بغير ما أنزل الله
أقول والله الموفق :
إن من القرائن المؤكدة على كون الجور في الحكم لا يتضمن بحال تغيير وتبديل الشرائع هو ما جاء عن أهل العلم في تقرير أصل من أصول أهل السنة والجماعة وهو عدم الخروج على أئمة الجور والصبر عليهم ،وهذا الأصل مقرر ومعروف عند أهل العلم وطلابه …………
1- جاء في مسائل الإمام أحمد في العقيدة ج: 1 ص: 72
( والصبر تحت لواء السلطان على ما كان منه من عدل أو جور ولا نخرج على الأمراء بالسيف وإن "جاروا " )
وقال أيضا رحمه الله ج: 1 ص: 123
2-( وأن الغزو مع الأئمة واجب وإن " جاروا" )
3- قال الإمام الطحاوي رحمه الله :
( ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من) طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة.) الطحاوية
4- قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وقد جاء عن إبن عباس وهو أحد الذين روى عنهم تكفير تارك الصلاة أنه قال في حكم الحاكم الجائر كفر دون كفر ……. ( التمهيد لابن عبد البر ج: 4 ص: 237)
5- وقال الإمام النووي رحمه الله : ( شرح النووي على صحيح مسلم ج: 12 ص: 229)
( ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين ..)
…………………………….

فهذا تقرير السلف رحمهم الله مدعم بإجماع الأمة على حرمة الخروج على أئمة الجور ولو كانوا فسقة ظالمين ...هذا وجه
- كما أن أنه ومع هذا فقد أوجب العلماء الخروج عليهم في بعض الحالات مما يعني بالضرورة خروج هذه الحالات من معنى الجور المقصود في كلامهم الأول .

1- قال النووي رحمه الله :
( وأما قوله أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا ففيه معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئا من قواعد الإسلام ) ا.هـ
( شرح النووي على صحيح مسلم ج: 12 ص: 244 )

- فقول النووي رحمه الله : " ما لم يغيروا شيئا من قواعد الإسلام " واضح في عدم اشتمال الفسق والظلم والجور على هذا التغيير !
ولا شك أن تغيير الأحكام الشرعية والتزام غيرها هو قطعا من تغيير قواعد الإسلام .
2-وقال بن كثير رحمه الله بعد كلامه في سياق حديثه عن التتار وأنهم بدلوا الأحكام بالياسق :
( فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير ) فتأمل قوله رحمه الله " يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه " تجد فيه فائدتين :
ا-بيان لعلة تكفير التتار وأنه تبديل حكم الله بالياسق وترك وتحكيمه والإعراض عنه .
ب-بيان لموجب القتال الذي ذكره رحمه الله فإنه يؤكد ما قرنناه سابقا من عدم اشتمال الجور في الحكم على تبديل الأحكام والإعراض عنها، حيث أن الجور في الحكم ليس مسوغا للقتال والخروج على الحكام ، بينما هذا تبديل الشرائع والخروج عن أحكامها موجب له !!!.

3-قال شيخ الإسلام رحمه الله :
( كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين ، وإن تكلمت بالشهادتين. فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا … وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة …) [ مجموع الفتاوى 28 / 510 ]
- فقوله رحمه الله واضح في وجوب الخروج والقتال عند الامتناع عن الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
4-وقال النووي رحمه الله :
" قال القاضي عياض أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنغقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل قال وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها ..قال: وكذلك عند جمهورهم البدعة قال وقال بعض البصريين تنعقد له وتستدام له لأنه متأول ، قال القاضي فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب أمام عادل أن أمكنهم ذلك فإن لم يقع ذلك الا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه ......" ا.هـ
5- وقال أيضا :
( "وحجة الجمهور أن قيامهم للحجاج ليس بمجرد الفسق بل لما غير من الشرع، وظاهر من الكفر" ) ا .هـ ( شرح النووي على صحيح مسلم ج: 12 ص: 229 )
فمما سبق من كلام أهل العلم من الإجماع على " وجوب " الخروج على الحاكم إذا طرأ عليه الكفر وتغيير للشرع أو تغيير لقواعد الإسلام ، أو الامتناع عن الحكم بحكم الكتاب والسنة –وإن كان كل هذا متلازما – يتبين أن الإجماع الأول على حرمة الخروج على الحاكم الجائر لم يكن هذا الجور متضمنا بالضرورة هذه الصور التي ذكرت ،كما أنه لا يشمل كذلك ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها . والله أعلم
فهذا وجه قوي يدل على التفريق بين صور الحكم ،وأن كلام السلف رحمهم الله إنما كان في حكام الجور الذين لم يتضمن جورهم هذه الأفعال والتي أوجب أهل العلم الخروج عليهم وقتالهم إذا فعلوها ، وسيأتي إن شاء الله من كلام أهل العلم الصريح في هذا التفريق .
قال المدعو أبو رائد :
( فإذا فعله مستحلاً له خرج بذلك من الملة والعياذ بالله وصور الاستحلال ظلمات بعضها فوق بعض فأدناها أن يرى جواز الحكم بغير ما أنزل الله . يدل على ذلك سبب نزول الآية فقد جاء عند مسلم (كتاب الحدود) ما يبين حال من نزلت فيهم الذين قالوا " ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا فأنزل الله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) : فعن البراء بن عازب قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمماً مجلوداً فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قالوا نعم .. الحديث .) ا.هـ

زعم أبو رائد أن المناط المكفر في الآية هو المستنبط من قول اليهود " نعم " كما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه
وأن قولهم ( نعم ) ردا على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن أن حكم الزاني في التوراة هو ما فعلوه هذا هو ( الجحود لحكم الله ) وهو أيضا ( نسبة الحكم إلى الله)… وهذا هو الكفر على حد زعمه ..
فأقول:
إن تحقيق المناط على فرض تزاحم الأوصاف التي يتعلق بها الحكم أمر لابد منه لأي محقق يريد معرفة مراد الله سبحانه وتعالى من كلامه ، فلو رجعنا لأسباب النزول والسياق الخاص بآية الحكم لوقفنا على معنى مطرد يحدد بدقة الوصف المناسب الذي تعلق به حكم الكفر في هذه الآية ألا وهو ( الاصطلاح على حكم مخالف لحكم الله )
ففي حديث البراء ابن عازب رضي الله عنه نجد أن اليهود اصطلحوا على تبديل حكم الله في الزنى من الرجم إلى الجلد والتحميم .
فأولا:
الكفر في الآية لم يعلق بالجحود وإنما هو معلق بترك الحكم بما أنزل الله فتعليق الحكم بمناطه المذكور أولى والعدول عنه بلا دليل شرعي باطل ! .
وثانيا :
سياق الآيات من أوله إلى آخره لم يشر ولو مرة واحدة إلى الجحود وإنما الكلام كله في تحريف الحكم والرضى بالحكم والتولى عن الحكم والتحكيم …..كما هو مبين من السياق كما سيأتي :.
- فالسياق يبدأ من قوله تعالى : "فلا يحزنك الذين يسارعون في الكفر "
قال بن كثير رحمه الله:
" نزلت هذه الآيات الكريمات في المسارعين في الكفر الخارجين عن طاعة الله ورسوله المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله عز وجل…"
وقال سبحانه " يحرفون الكلم من بعد مواضعه "
قال ابن كثير :
أي يتأولونه على غير تأويله ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
قال تعالى " يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا"
قال ابن كثير :
( قيل نزلت في أقوام من اليهود قتلوا قتيلا وقالوا تعالوا حتى نتحاكم إلى محمد فإن حكم بالدية فاقبلوه وإن حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه والصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم من الأمر برجم من أحصن منهم فحرفوه واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة والتحميم والإركاب على حمارين مقلوبين فلما وقعت تلك الكائنة بعد الهجرة قالوا فيما بينهم تعالوا حتى نتحاكم إليه فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه واجعلوه حجة بينكم وبين الله ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه في ذلك….) ا.هـ
قال تعالى : وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين "
يقول ابن كثير :
( وليس هذا من باب الإكرام لهم بما يعتقدون صحته لأنهم مأمورون باتباع الشرع المحمدي لامحالة ولكن هذا بوحي خاص من الله عز وجل إليه بذلك وسؤاله إياهم عن ذلك ليقررهم على ما بأيديهم مما تواطؤا على كتمانه وجحده وعدم العمل به تلك الدهور الطويلة فلما اعترفوا به مع علمهم على خلافه بان زيغهم وعنادهم وتكذيبهم لما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم وعدولهم إلى تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان عن هوى منهم وشهوة لموافقة آرائهم لا لاعتقادهم صحة ما يحكم به ولهذا قالوا إن أوتيتم هذا أي الجلد والتحميم فخذوه أي اقبلوه وإن لم تؤتوه فاحذروا أي من قبوله واتباعه…) ا.هـ
إلى قوله تعالى :
( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )
- قال البيضاوي في تفسيره ج: 2 ص: 328
( ولا تشتروا بآياتي ولا تستبدلوا بأحكامي التي أنزلتها ثمنا قليلا هو الرشوة والجاه ومن لم يحكم بما أنزل الله مستهينا به منكرا له فأولئك هم الكافرون لاستهانتهم به وتمردهم بأن حكموا بغيره ولذلك وصفهم بقوله الكافرون و الظالمون و الفاسقون فكفرهم لإنكاره وظلمهم بالحكم على خلافه وفسقهم بالخروج عنه ويجوز أن يكون كل واحدة من الصفات الثلاث باعتبار حال انضمت إلى الامتناع عن الحكم به ملائمة لها أو لطائفة كما قيل هذه في المسلمين لاتصالها بخطابهم والظالمون في اليهود والفاسقون في النصارى ) ا.هـ
وقال ابن كثير ج: 2 ص: 61
( قال تعالى منكرا عليهم آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الزائغة في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم الذي يزعمون أنهم مأمورن بالتمسك به أبدا ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم فقال وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ثم مدح التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران فقال إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا أي لا يخرجون عن حكمها ولايبدلونها ولا يحرفونها) ا.هـ
وجاء في عون المعبود ج: 9 ص: 356
((… قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون فقال جماعة من المفسرين إن الآيات الثلاث نزلت في الكفار ومن غير حكم الله من اليهود لأن المسلم وإن ارتكب كبيرا لا يقال إنه كافر وهذا قول ابن عباس وقتادة والضحاك ويدل على صحة هذا القول ما روي عن البراء بن عازب قال أنزل الله تبارك وتعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) في الكفار كلها أخرجه مسلم
وعن ابن عباس قال ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون إلى قوله الفاسقون هذه الآيات الثلاث في اليهود خاصة قريظة والنضير )) أخرجه أبو داود …." ا.هـ

- فتأمل قوله نزلت في الكفار ومن غير حكم الله من اليهود ثم قوله بعد ذلك ويدل على صحة هذا القول ما روي عن البراء بن عازب ، ! تعلم أن المناط المستنبط من حديث البراء رضي الله عنه هم تغيير الشرع لا جحد الحكم …..!!!
ثالثا :
ومما يؤكد أن هذا هو المناط المعني هو السبب الثاني لنزول هذه الآيات والذي تأكد فيه المناط المكفر مرة ثانية بصورة واضحة لا أشكال فيها …
" قال ابن عباس : أنزلها الله في الطائفتين من اليهود ، و كانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتله العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا ، وكل قتيل قتله الذليلة ) من العزيزة ) فديته مائة وسق ، فكانوا على ذلك ، حتى قدم النبي المدينة ، فذلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله ، و يومئذ لم يظهر و لم يوطئهما عليه وهو في الصلح ، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا ، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا إلينا بمائة وسق ، فقالت الذليلة : و هل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ، و نسبهما واحد ، و بلدهما واحد ، دية بعضهم نصف دية بعض ؟! إنا إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا ، و فرقا منكم ، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك ، فكادت الحرب تهيج بينهما ، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله بينهم 0 ثم ذكرت العزيزة فقالت : و الله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ، و لقد صدقوا ، ما أعطونا هذا إلا ضيما منا ، و قهرا لهم ، فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه ، إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه ، و إن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه 0 فدسوا إلى رسول الله ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله ، فلما جاء رسول الله أخبر الله رسوله بأمرهم كله و ما أرادوا ، فأنزل الله عز و جل : ( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا : آمنا ) إلى قوله : ( و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) ، ثم قال : فيهما و الله نزلت ، و إياهما عنى الله عز و جل….." السلسلة الصحيحة 2552
ففي هذا الحديث تكرر نفس المناط وهو تغير الحكم والاصطلاح على حكم غيره يرد إليه التنازع مما يوضح بجلاء أن المناط الذي تعلق به الكفر هو تبديلهم لحكم الله سبحانه وتعالى في القصاص والدية وهذا يؤكد المعنى الذي استنبطناه من سبب النزول الأخر في قصة الزانيين من اليهود كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه .
رابعا :
نحن إذا ما قررنا أن المناط المكفر في آية الحكم هو التبديل أو التشريع المتضمن للتحليل والتحريم من دون الله وهذا التبديل ثابت بنص كتاب الله ولا يجرأ المخالف على إنكاره لكنه يعلق الحكم بغيره أو يضيف إليه ما يجعله راجعا إلى الجحود والاستحلال !
فنقول إن هذا المناط الذي أشرنا إليه قد تقرر أنه كفر أكبر في غير ما آية من كتاب الله فلنترك آية الحكم قليلا ونذهب إلى آية أخرى من كتاب الله لنرى كلام أهل العلم حولها :
- قال تعالى : ( إنما النسيء زيادة في الكفر ..) الآية
1- تفسير البيضاوي ج: 3 ص: 145
( النسي بحذفها والنسء والنساء وثلاثتها مصادر نسأه إذا أخره زيادة في الكفر لأنه تحريم ما أحله الله وتحليل ما حرمه الله فهو كفر آخر ضموه إلى كفرهم...) ا.هـ
2- تفسير القرطبي ج: 8 ص: 139
( قوله تعالى زيادة في الكفر بيان لما فعلته العرب من جمعها من أنواع الكفر فإنها أنكرت وجود الباري تعالى فقالت وما الرحمن في أصح الوجوه وأنكرت البعث فقالت من يحيي العظام وهي رميم وأنكرت بعثة الرسول فقالوا ابشرا منا واحدا نتبعه وزعمت أن التحليل والتحريم إليها فابتدعته من ذاتها مقتفية لشهواتها فأحلت ما حرم الله ولا مبدل لكلماته ولو كره المشركون قوله تعالى يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين ) ا.هـ
3- تفسير ابن كثير ج: 2 ص: 357
( هذا مما ذم الله تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع الله بآرائهم الفاسدة وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة وتحليلهم ماحرم الله وتحريمهم ما أحل الله فإنهم كان فيهم من القوة الغضبية والشهامية والحمية مااستطالوا به مدة الأشهر الثلاثة في التحريم المانع لهم من قضاء أوطارهم من قتال أعدائهم فكانوا قد حدثوا قبل الإسلام بمدة تحليل المحرم فأخروه إلى صفر فيحلون الشهر الحرام ويحرمون الشهر الحلال ليواطئوا عدة ماحرم الله الأشهر الأربعة كما قال شاعرهم وهو عمير بن قيس المعروف بجذل الطعان لقد علمت معد بأن قومي كرام الناس إن لهم كراما ألسنا الناسئين على معد شهور الحل نجعلها حراما فأي الناس لم ندرك بوتر وأي الناس لم نسلك لجاما وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله إنما النسئ زيادة في الكفر قال النسئ أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم في كل عام وكان يكنى أبا ثمامة فينادى ألا إن أبا ثمامة لا يجاب ولايعاب ألا وإن صفر العام الأول العام حلال فيحله للناس فيحرم صفرا عاما ويحرم المحرم عاما فذلك قول الله إنما النسئ زيادة في الكفر يقول يتركون المحرم عاما وعاما يحرمونه ) ا.هـ
4- تفسير الطبري ج: 10 ص: 129
( لقول في تأويل قوله تعالى إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين يقول تعالى ذكره ما النسيء إلا زيادة في الكفر والنسيء مصدر من قول القائل نسأت في أيامك ونسأ الله في أجلك أي زاد الله في أيام عمرك ومدة حياتك حتى تبقى فيها حيا وكل زيادة حدثت في شيء فالشيء الحادث فيه تلك الزيادة بسبب ما حدث فيه نسيء ولذلك قيل للبن إذا كثر بالماء نسيء وقيل للمرأة الحبلى نسوء ونسئت المرأة لزيادة الولد فيها وقيل نسأت الناقة وأنسأتها إذا زجرتها ليزداد سيرها وقد يحتمل أن النسيء فعيل صرف إليه من مفعول كما قيل لعين وقتيل بمعنى ملعون ومقتول ويكون معناه إنما الشهر المؤخر زيادة في الكفر وكأن القول الأول أشبه بمعنى الكلام وهو أن يكون معناه إنما التأخير الذي يؤخره أهل الشرك بالله من شهور الحرم الأربعة وتصييرهم الحرام منهن حلالا والحلال منهن حراما زيادة في كفرهم وجحودهم أحكام الله وآياته وقد كان بعض القراء يقرأ ذلك إنما النسي بترك الهمز وترك مده يضل به الذين كفروا واختلف القراء في قراءة ذلك فقرأته عامة الكوفيين يضل به الذين كفروا بمعنى يضل الله بالنسيء الذي ابتدعوه وأحدثوه الذين كفروا ..) ا.هـ
5- تفسير أبي السعود ج: 4 ص: 64
( زيادة في الكفر لأنه تحليل ما حرمه الله وتحريم ما حلله فهو كفر آخر مضمون إلى كفرهم يضل به الذين كفروا ضلالا على ضلالهم القديم وقرئ على البناء للفاعل من الأفعال على أن الفعل لله سبحانه أي يخلق فيهم الضلال عند مباشرتهم لمباديه وأسبابه وهو المعنى على القراءة الأولى أيضا وقيل المضلون حينئذ رؤساؤهم والموصول عبارة عن أتباعهم وقرئ يضل بفتح الياء والضاد من ضلل يضلل ونضل بنون العظمة يحلونه أي الشهر المؤخر عاما من الأعوام ويحرمون مكانه شهرا آخر مما ليس بحرام ويحرمونه أي يحافظون على حرمته كما كانت والتعبير عن ذك بالتحريم باعتبار إحلالهم له في العام الماضي أو لإسنادهم له إلى آلهتهم كما سيجيء عاما آخر إذا لم يتعلق بتغييره غرض من أغراضهم قال الكلبي أول من فعل ذلك رجل من كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة وكان إذا هم الناس بالصدر من الموسم يقوم فيخطب ويقول لا مرد لما قضيت وأنا الذي لا أعاب ولا أجاب فيقول له المشركون لبيك ثم يسألونه أن ينسئهم شهرا يغيرون فيه فيقول إن صفر العام حرام فإذا قال ذلك حلوا الأوتار ونزعوا الأسنة والأزجة وإن قال حلال عقدوا الأوتار وشدوا الأزجة وأغاروا وقيل هو جنادة بن عوف الكناني وكان مطاعا في الجاهلية كان يقوم على جمل في الموسم فينادي بأعلى صوته إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه ثم يقوم في العام القابل فيقول إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه وقيل هو رجل من كنانة يقال له القلمس قال قائلهم ومنا ناسئ الشهر القلمس وعن ابن عباس رضي الله عنهما أول من سن النسيء عمر بن لحي ابن قمعة بن خندف والجملتان تفسير للضلال أو حال من الموصول والعامل عامله ليواطئوا أي ليوافقوا عدة ما حرم الله من الأشهر الأربعة واللام متعلقة بالفعل الثاني أو بما يدل عليه بمجموع الفعلين فيحلوا ما حرم الله بخصوصه من الأشهر المعينة زين لهم سوء أعمالهم ) ا.هـ
6- فتح القدير ج: 2 ص: 359
( وسمى الله سبحانه النسيء زيادة في الكفر لأنه نوع من أنواع كفرهم ومعصية من معاصيهم المنضمة إلى كفرهم بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر قوله يضل به الذين كفروا) ا.هـ
7- زاد المسير ج: 3 ص: 435
( فأعلم الله عز وجل أن ذلك زيادة في كفرهم لأنهم أحلوا الحرام وحرموا الحلال ليواطؤوا أي ليوافقوا عدة ما حرم الله فلا يخرجون من تحريم أربعة ويقولون هذه بمنزلة الأربعة الحرم ولا يبالون بتحليل الحرام وتحريم الحلال وكان القوم لا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة إذا اجتمعت العرب للموسم..) ا.هـ
8- ابن حزم في ( الفصل 3/245) :
- قوله تعالى {إنما النسيءُ زيادةٌ في الكفرِ} [التوبة: 37]:
( …..أن الزيادة في الشيء لا تكون ألبته إلاّ منه لا من غيره، فصح أن النسيء كفر، وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله . )ا.هـ

فهذه أقوال المفسرين وغيرهم في هذه الآية مقررين بوضوح أن التحليل والتحريم من دون الله نوع من أنواع الكفر مضافا إلى كفر أهل الجاهلية الذي كانوا عليه قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .
- وأخيرا في هذه النقطة :
قد يكون هناك إشكالا عندما نرى بعض أهل العلم يصف ما كان عليه اليهود من تبديل للشرائع بأنه جحود أو استخفاف واستهانة وبالتالي يتمسك المخالف بنص لفظ العالم معرضا عن التحقيق في أسباب النزول وباحثا عن لفظة أو ألفاظ يقتنصها من الأيات تناسب قول هذا العالم كما فعل أبو رائد هنا …

فأقول والله الموفق :
إن هذا التبديل في حد ذاته والذي حصل من اليهود يستلزم جملة من الأوصاف يصدق إطلاقها على المبدل ولعل هذا يحل إشكالات كثيرة لو تأملها المخالف :
منها : 1- أن المبدل لشرع الله بغيره من الشرائع والقوانين هو في ذاته ممتنع عن التزام حكم الله .
1- ومنها أنه مستهين بحكم الله ومستخف به .
2- ومنها أنه جاحدا له ومنكرا له .
3- ومنها أنه متولي عن حكم الله
4- ومنها أنه معرض عنه.
5- ومنها انه مفضل لحكم غيره على حكم الله .
6- ومنها أنه يعتقد جواز الحكم بغير ما أنزل الله
7- ومنها أنه سوغ اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم…
والدليل على ذلك :
1- تفسير أبي السعود ج: 3 ص: 42
ومن لم يحكم بما أنزل الله كائنا من كان دون المخاطبين خاصة فانهم مندرجون فيه اندراجا أوليا أي من لم يحكم بذلك ( مستهينا به) ( منكرا له ) كما ( يقتضيه ) ما فعلوه من تحريف آيات الله تعالى اقتضاء بينا فاؤلئك إشارة إلى من والجمع باعتبار معناها كما أن الإفراد فيما سبق باعتبار لفظها هم الكافرون لاستهانتهم به وهم إما ضمير الفصل أو مبتدأ وما بعده خبره والجملة خبر لأولئك وقد مر تفصيله في مطلع سورة البقرة والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها ابلغ تقرير وتحذير عن الإخلال به اشد تحذير حيث علق فيه الحكم بالكفر بمجرد ترك الحكم بما أنزل الله تعالى فكيف وقد انضم إليه الحكم بخلافه لا سيما مع مباشرة ما نهوا عنه من تحريفه ووضع غيره موضعه وادعاء أنه من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا .
2- تفسير البيضاوي ج: 2 ص: 328:
(فلا تخشوا الناس واخشون نهي للحكام أن يخشوا غير الله في حكوماتهم ويداهنوا فيها خشية ظالم أو مراقبة كبير ولا تشتروا بآياتي ولا تستبدلوا بأحكامي التي أنزلتها ثمنا قليلا هو الرشوة والجاه ومن لم يحكم بما أنزل الله ( مستهينا به منكرا له) فأولئك هم الكافرون ( لاستهانتهم ) به ( وتمردهم ) ( بأن حكموا بغيره ….) ا.هـ
3- تفسير النسفي ج: 1 ص: 284:
( ومن لم يحكم بما أنزل الله ( مستهينا ) به فأولئك هم الكافرون ) ا.هـ
وقال أيضا : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون بالامتناع عن ذلك….) ا.هـ
4- تفسير الواحدي ( الوجيز ) ج: 1 ص: 321
( 45 46 استحفظوا استرعوا أي بما كلفوا حفظه من كتاب الله وقيل العمل بما فيه وذلك حفظه من كتاب الله وكانوا عليه شهداء أنه من عند الله ثم خاطب اليهود فقال فلا تخشوا الناس في إظهار صفة محمد ص والرجم واخشون في كتمان ذلك ولا تشتروا بآياتي بأحكامي وفرائضي ثمنا قليلا يريد متاع الدنيا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون نزلت في من( غير حكم الله من اليهود ) وليس في أهل الإسلام منها ومن اللتين بعدها شيء) ا .هـ
5- وقال أيضا رحمه الله : ( الوسيط ) ج/1 صـ 190
( فقال جماعة إن الآيات في الكفار ومن غير حكم الله من اليهود وليس في أهل الإسلام منها شيء لأن المسلم وإن ارتكب كبيرة لا يقال له كافر وهذا قول قتادة والضحاك وأبي صالح ورواية البراء ابن عازب عن النبي ..) ا.هـ
7- وقال إسماعيل القاضي في أحكام القرآن :
( فمن فعل مثل ما فعلوا ( أي اليهود ) واقترح حكماً يخالف به حكم الله وجعله ديناً يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكماً كان أو غيره ) ا.هـ
8- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( … ومن أطلق من الفقهاء أنه لا يكفر إلا من يجحد وجوبها فيكون الجحد عنده متناولا للتكذيب بالإيجاب ومتناولاً( للامتناع عن الإقرار والالتزام )… )) ا.هـ
9- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : [ مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 2 / 143 ]
" من لم يحكم بما أنزل الله ( استخفافا به) أو ( احتقارا له) أو ( اعتقادا أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق) فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة ، ومن هؤلاء من يصنعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية ، لتكون منهاجا يسير عليه الناس ، فإنهم لم يصنعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه "

-وقال رحمه الله : " وفي ظني أنه لا يمكن لأحدٍ أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه في عباد الله إلا وهو( يستحله) ( ويعتقد أنه خير من القانون الشرعي) ، فهو كافر ، هذا هو الظاهر وإلا فما حمله على ذلك؟…"
10- وقال الشيخ صالح الفوزان :
( لأن من نحَّى الشريعة الإسلامية وجعل القانون الوضعي بديلاً عنها فهذا دليل على أنه يرى أن القانون( أحسن من الشريعة ) وهذا كفر أكبر مخرج من الملة ) التوحيد للصف الثالث الثانوي .
وغالب هذه الأوصاف إنما تعرف بالضرورة العقلية والشرعية ،وهي أوصاف لازمة لمن بدل شرع الله سبحانه وتعالى ، فلا غرابة إذن في استعمال بعض علماء السلف رضوان الله عليهم بعض هذه الأوصاف كالجحد والاستهانة وغيرها فهي من لوازم تبديل الشرع بالضرورة كما سبق عن أهل العلم

- واستعمال العلماء للفظ الجحد على حالين :
الأول :
حول ترك الحكم بما أنزل الله في قضية أو بعض القضايا مع التزام الشرائع
(التزام تحكيم ورد ) وأنه لا يكفر بمجرد الترك لأن ذلك معصية فلا كفر في هذه الصورة إلا بالجحد أو الاستحلال وهذا سبق النقل فيه عن أهل العلم والتدليل عليه .
الثاني :
حول تبديل الحكم الشرعي بغيره وهذا إنما يصفه بعض العلماء بالجحد لأن التبديل يستلزمه وهو داخل في معناه لأنه يشمل كتمان حكم الله وليس العكس ( فكل مبدل جاحد ومستحل وليس كل جاحد أو مستحل مبدل ) ولأن الجحد هو أبرز معالم التبديل فهو يبدل حكما لله يعتقد أن الله أوجب العمل به . والله أعلم

قال أبو رائد :
( والاختلاف في هذه المسألة الخطيرة سلمك الله يمكن تقسيمه إلى أربعة أقسام كما سيأتي ……………
فالقسم الأول من أقسام الخلاف في هذه المسألة الخطيرة ): هل قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " يراد به الكفر الأصغر أم الأكبر .
والصحيح وهو الذي عليه اتفاق السلف ، أن المراد بالكفر هنا الأصغر وأن الحكم بغير ما أنزل الله كباقي الكبائر لا يخرج به صاحبه من الملة إلا إذا كان جاحداً أو مستحلاً ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج فالخلاف في هذا القسم خلاف بين أهل السنة والخوارج وليس بين أهل السنة كما يزعم البعض فالمخالف في هذا القسم يضلل ويبدع ولا كرامة …) ا.هـ
أقول:
قد مر بك أخي القارئ كثير من النقولات عن أهل العلم ما يدحض هذه الافتراء والمجازفة ! وبان لك أن أقل ما يقال في الآية أن الخلاف متحقق فيها سلفا وخلفا وبينا أن الإجماعات المنقولة في المسألة لا تتعارض مع بعضها البعض بل هي تسير في نسق واحد يعجز أهل الإرجاء وأفراخ الجهمية عن توجيهها على أصولهم فتكلفوا تحريفها والتلاعب بها والله المستعان .
قال المدعو أبو رائد :
(القسم الثاني ) هل هناك فرق من جهة الحكم بين القضية المعينة والتشريع العام ، ولاحظ أنني قلت فرق من جهة الحكم وإلا فإنه لا شك أن هنالك فرقاً ، لكن ليس كل فرق معتبر .
فقد ذهبت طائفة إلى أن القول السابق الذي قال به أهل السنة ومنهم ابن عباس إنما يقال في الواقعة المعينة وأما التشريع العام فهو كفر أكبر بذاته وهذا أيضاً قول الخوارج ، لكن خوارج العصر وأما أهل السنة فلا يفرقون هذا التفريق ..) ا.هـ
أقول :
- هذا والله من الكذب والافتراء على أهل السنة وإلا فقد نص أهل العلم من السلف والخلف على هذا التفريق بين صور الحكم بين تشريع الأحكام المتضمنة لتحليل الحرام وتحريم الحلال وبين صورة ترك الحكم بما أنزل الله مجردا أو ما يسمونه القضية المعينة والتشريع العام .
واليك بعض أقوالهم في ذلك :
1- قال أبو السعود في تفسيره وفي سياق تفسير آية الحكم :
"….حيث علق فيه الحكم بالكفر بمجرد ترك الحكم بما أنزل الله تعالى فكيف وقد انضم إليه الحكم بخلافه لا سيما مع مباشرة ما نهوا عنه من تحريفه ووضع غيره موضعه وادعاء أنه من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا " ا .هـ
2- ونقل ابن كثير وغيره قول السدي رحمه الله :
" وقال السدي ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون يقول ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين"
3- وسبق النقل عن ابن القيم رحمه الله في قوله :
" ومنهم من تأولها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله قال ويدخل في ذلك الحكم بالتوحيد والإسلام وهذا تأويل عبد العزيز الكناني…"
- وقال أيضا :
( ومنهم من تأولها على الحكم بمخالفة النص تعمدا من غير جهل به ولا خطأ في التأويل حكاه البغوي عن العلماء عموما.)
وكلام هؤلاء الأئمة في ذكرهم للخلاف في الآية هو في حد ذاته دليل على اختلاف صور الحكم .
4- وقال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 35 ص: 388
" فإن الحاكم إذا كان دينا لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار وإن كان عالما لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولى أن يكون من أهل النار وهذا إذا حكم فى قضية معينة لشخص وأما إذا حكم حكما عاما فى دين المسلمين فجعل الحق باطلا والباطل حقا والسنة بدعة والبدعة سنة والمعروف منكرا والمنكر معروفا ونهى عما أمر الله به ورسوله وأمر بما نهى الله عنه ورسوله فهذا لون آخر يحكم فيه رب العالمين وإله المرسلين مالك يوم الدين"
5- وقال رحمه الله أيضا : منهاج السنة النبوية ج: 5 ص: 131
" وقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما سورة النساء فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا لكن عصى واتبع هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة …….. والحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو عدل خاص وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها والحكم به واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر…"
6- وقال ابن القيم رحمه الله : الصلاة وحكم تاركها ج: 1 ص: 79
" وإذا حكم بغير ما أنزل الله أو فعل ما سماه رسول الله كفرا وهو " ملتزم للإسلام وشرائعه " فقد قام به كفر وإسلام "
وهذا القول منه جاء بعد أن قرر تفصيل الصحابة رضوان الله عليهم وذلك بقوله في
صـ 74 حيث قال :
" وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم اعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما …….إلى قوله رحمه الله …. والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل فها هنا كفر دون كفر ونفاق دون نفاق وشرك دون شرك وفسوق دون فسوق وظلم دون ظلم قال سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكفرون ه سورة المائدة الآية 44 ليس هو بالكفر الذي يذهبون إليه عبدالرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن ابيه قال سئل ابن عباس عن قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون 5 سورة المائدة الآية 44 قال هو بهم كفر وليس كمن كفر بالله وملائكته كتبه ورسله وقال في رواية أخرى عنه كفر لا ينقل عن الملة…" ا.هـ
- فتبين أن التفصيل المذكور عن الصحابة إنما كان عن هذه الصورة التي ذكرها وقيدها بقوله " وهو ملتزم للإسلام وشرائعه " وهو ما قررناه
وممن فرق من المعاصرين للقانون الوضعي جملة من كبار أهل العلم :
7-على رأسهم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وذلك في فتواها في كتاب العنبري حيث قالت منكرة عليه :
…(( دعواه إجماع أهل السنة على عدم كفر من حكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام إلا بالاستحلال القلبي كسائر المعاصي التي دون الكفر " وهذا محض افتراء على أهل السنة والجماعة " منشأه الجهل أو سوء القصد نسأل الله العافية )) ا.هـ
ففي التخصيص لهذه الصورة من صور الحكم بغير ما أنزل الله دلالة واضحة على التفريق بين صور الحكم من حيث كون بعضها كفرا مخرجا من الملة وبعضها معصية دون الكفر فتأمل .
ولقد وقع على هذه الفتوى جملة من كبار أهل العلم فهل يرعوي هذا الدعي ؟
أم أن هؤلاء من الخوارج المارقين على حد زعمه ؟!!
8- قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعليقا على أثر ابن عباس و أبي مجلز رحمهما الله ورضي عنهما :
" وإذن فلم يكن سؤالهم عما أحتج به مبتدعة زماننا من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان رسوله محمد  فهذا الفعل إعراض عن حكم الله سبحانه وتعالى وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه ."
9- وقال الشيخ محمد ابن ابراهيم رحمه الله :
(وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاده أنه عاص وأن حكم الله هو الحق فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها : أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل ) أ. هـ فتاوى محمد بن إبراهيم 12/280 ، 6 ، 189 .
10- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
(وهناك فرق بين المسائل التي تعتبر تشريعاً عاماً والمسألة المعنية التي يحكم فيها القاضي بغير ما أنزل الله ....) الفتاوى للشيخ (6/158)
- ويقول رحمه الله عن الصورة التي يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر :
"أن تبقي أحكام الله عز وجل علي ما هي عليه، وتكون السلطة لها ويكون الحكم منوطاً بها ولكن يأتي حاكم من الحكام فيحكم بغير ما تقتضيه هذه الأحكام أي يحكم بغير ما أنزل الله …"
(كتاب فقه العبادات ص60،61)
فتأمل هذه القيود التي جعلها الشيخ رحمه الله في هذه الصورة تجد أن جميعها تصب في عبارة ابن القيم رحمه الله في قوله : ( ملتزم للإسلام وشرائعه )

11- ويقول الشيخ صالح بن فوزان الفوزان معلقاً على كلام الشيخ محمد بن إبراهيم
" ففرق رحمه الله بين الحكم الجزئي الذي لا يتكرر وبين الحكم العام الذي هو المرجع في جميع الأحكام أو أغلبها وقرر أن هذا الكفر ناقل عن الملة مطلقاً…" كتاب التوحيد
12- وقال الشيخ صالح آل الشيخ وفقه الله :
( إن تحكيم القوانين كفر أكبر بالله لأنه استبدال شريعة مكان شريعة ، يأتون بشريعة فرنسا أو شريعة أوروبا أو شريعة إنكلترا أو شريعة أمريكا هذا استبدال ، فإذا كان الحكم به غالبا صار تحكيمها ، يعني صار الحكم لأكثر أمور الشريعة بهذه الأحكام والقوانين القانونية ، صار استبدالا فمتى يكون كفرا ؟ إذا صار استبدالا …"

- فهذه وغيرها عن أهل العلم كثير لم ننقلها …. فهل عمي هذا الدعي عن أقوالهم ؟
وهل يتحمل تبعة افتراءه وكذبه واضلاله لغيره ؟ وعند الله تجتمع الخصوم ….
قال المدعو أبو رائد :
( فنقول رداً على أصل تلك الشبهة : لا شك أن الحكم بما أنزل الله له تعلق بأقسام التوحيد الثلاثة ، فكون أن الله هو الحاكم وله الحكم فهذا يدل على توحيد الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية وكون أن العبد مأمور بالتحاكم إلى شريعة الله فهذا يدل على توحيد العبادة وهو توحيد الألوهية لكن الذي ينبغي التنبيه عليه أن الشرك هنا في توحيد الربوبية بمعنى إعطاء حق التشريع - أي تشريع - لغير الله ليس بالضرورة أن يكون صاحبه مشركاً شركاً أكبر لأمرين:
الأول )
ليس كل تشريع يخالف أحكام الشريعة ، فإذا كان المقصود بالتشريع ما يتعبد به بحيث يكون فيه تحليلاً للحرام وتحريماً للحلال ، فهذا لا يكون إلا لله فمن أعطى هذا الحق لغير الله فقد أشرك مع الله ، وشركه هذا متعلق بالربوبية والأسماء والصفات وهو من الأكبر بالإجماع . أما من شرع قانوناً - كبعض قوانين المرور مثلاً - تدعو إليه المصلحة فهل يقال أنه قد شارك الله في صفة وفعل اختص الله به وهل يقال لمن قبل مثل هذا القانون وعمل به أنه قد أعطى مخلوقاً حق التشريع من دون الله ، ولا يقال هنا أن هذا ليس فيه مخالفة لحكم الله كما قرر الكاتب لأننا سنقول أن الخلاف حول التشريع ذاته وليس حول كونه مخالفاً أم موافقاً ولكن نقول تنزلاً مع الخصم ما الدليل على أنه إذا كان مخالفاً فإنه كفر و إذا لم يكن مخالفاً فإنه ليس كفر ، لن يستطيع المخالف أن يجد دليلاً على ذلك إلا وفيه القيد السابق، إذاً المسألة فيها تقييد لابد من التنبه له فرجع الأمر حينئذ إلى الجحود والاستحلال كما جاء في كلام من عاصروا مثل هذه الوقائع من أئمة العصر . ) ا .هـ
أقول :
تعلق الحكم بأقسام التوحيد الثلاثة ليس كما قرر هذا الدعي !
وليس المجال مجال بسط وتحرير ولكن نذكر باختصار ما يبين زيف أقواله وبطلانها :
أولا :
فإن تعلق الحكم بتوحيد الأسماء والصفات هو بإثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالي لنفسه من صفات ومنها صفة الحَكم كما جاء في الحديث
" إن الله هو الحكم واليه الحكم " ويكون الكفر بتكذيب ذلك أو رده ….
ثانيا :
أما تعلق الحكم بتوحيد الربوبية فهو كما هو معلوم توحيد الله بأفعاله هو سبحانه وتعالى بأن نعتقد أن الله متفرد بالخلق والملك والتدبير ومنها التشريع والأمر قال تعالى ( ألا له الخلق والأمر ) والأمر هنا تشمل الكوني والشرعي ! ولذا ذم الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل بأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ، قال تعالى " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " وفسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الربوبية بأنهم أحلوا وحرموا وشرعوا الأحكام كما في حديث عدي رضي الله عنه .
فالتحليل والتحريم عمل من أعمال الربوبية بنص كتاب الله فمن يحلل ويحرم فقد نصب نفسه ربا فضلا أن يدعي هذا الحق لنفسه أو لغيره وهذا لا يشك في كفره وطغيانه إلا من طمس الله بصيرته نسأل الله العافية
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله
(... ولما كان التشريع وجميع الأحكام ، شرعية كانت أو كونية قدرية ، من خصائص الربوبية كما دلت عليه الآيات المذكورة كان كل من اتبع تشريعا غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرع ربا ، وأشركه مع الله [ أضواء البيان 7 / 162 ]

فالتوحيد في هذا يكون بالاعتقاد والإقرار له بأعماله سبحانه بلا شريك فكيف إذا أقر ليس بالشريك فحسب بل بالعمل كله لغير الله فأين التوحيد إذن يا أهل التوحيد ؟!!!
ثالثا :
أما تعلق الحكم بتوحيد الألوهية فيكون بأن يفرد الله سبحانه وتعالى بالحكم والتشريع
فيحلل ما أحله الله ويحرم ما حرمه الله - تحكيما وتحاكما - قال تعالى ( إن الحكم إلا لله ) وقال : (ولا يشرك في حكمه أحدا ) وقال سبحانه: ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وإفراده سبحانه وتعالى بالحكم بمعنى قبوله والانقياد له،
- وهذا يتمثل في تحكيمه وحده إن كان المكلف حاكما ، قال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ..) فنفى أصل الإيمان عن عدم التحكيم يدل على أن هذا التحكيم من أصله .
- أو التحاكم إليه وحده إن كان المكلف محكوما ، قال تعالى: : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم أمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به )
فجعل إيمان من يريد التحاكم مزعوم وجعله من المؤمنين بالطاغوت فدل على أن التحاكم إلى شرع الرسول صلى الله عليه وسلم من أصل الإيمان .
فإن فعل كل من الحاكم والمحكوم ذلك فقد أفردا الله بالحكم والتشريع والطاعة …
وما يقابل هذا أمران :
الأول : هو الشرك في الطاعة
والثاني: هو التولي عنها،
فالشرك في الطاعة هو قبول الأحكام من غير الله ، والتولي عنها هو الإعراض عن حكمه وكلاهما كفر وشرك.
ومما سبق يتبين لهذا الدعي خطورة قوله :
" أن الشرك هنا في توحيد الربوبية بمعنى إعطاء حق التشريع - أي تشريع - لغير الله ليس بالضرورة أن يكون صاحبه مشركاً شركاً أكبر "
وما ذكره من أسباب لا يدخل إلا على خفافيش البصائر ! فليس كلامنا عمن شرع أحكاما لا تخالف شرع الله إن كان ممن أذن الله له بذلك من أولياء الأمور المسلمين القائمين بشرع الله . فهذا تهويش فارغ وتلبيس مكشوف !

وليس كلامنا عمن شرع أحكام المرور أو غيرها من القوانين الإدارية التي تستمد من مقاصد الشريعة فكل هذا غثاء يريد به صاحبه أن يطمس الحق الواضح فيمن يدعي حق التشريع المطلق الذي هو أخص خصائص الربوبية لنفسه أو لغيره فإذا كان من يدعي لنفسه حق الربوبية وأخص خصائص الألوهية بوصف كتاب الله شركه شرك أصغر فمتى يكون شركه أكبر …؟
- قال الإمام الشنقيطي رحمه الله :
( مسألة
اعلم أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرة، صفات من يستحق أن يكون الحكم له، فعلى كل عاقل أن يتأمل الصفات المذكورة، التي سنوضحها الآن إن شاء الله، ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية، فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التشريع.
سبحان الله وتعالى عن ذلك. فإن كانت تنطبق عليهم ولن تكون، فليتبع تشريعهم وإن ظهر يقيناً أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك، فليقف بهم عند حدهم، ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبية.
فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع قوله هنا: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}، ثم قال مبيناً صفات من له الحكم {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّ
سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته، أو حكمه أو ملكه………
فهل في الكفرة الفجرة المشرعين للنظم الشيطانية، من يستحق أن يوصف بأنه الرب الذي تفوض إليه الأمور،……….
فعليكم أيها المسلمون أن تتفهموا صفات من يستحق أن يشرع ويحلل ويحرم، ولا تقبلوا تشريعاً من كافر خسيس حقير جاهل….) ا.هـ أضواء البيان تفسير سورة الشورى .

أما قوله :
ولا يقال هنا أن هذا ليس فيه مخالفة لحكم الله كما قرر الكاتب لأننا سنقول أن الخلاف حول التشريع ذاته وليس حول كونه مخالفاً أم موافقاً ولكن نقول تنزلاً مع الخصم ما الدليل على أنه إذا كان مخالفاً فإنه كفر و إذا لم يكن مخالفاً فإنه ليس كفر.
أقول:
بل الخلاف حول كليهما …!
فمن ادعى لنفسه حق التشريع فهو كافر وإن لم يشرع لأن الإقرار لله بهذا الحق هو من الإيمان بربوبية الله سبحانه وتعالى فكيف إذا أقر بهذا الحق لغيره ..؟؟؟
وكذلك لو شرع حكما مخالفا لأحكام الله فهو كافر مشرك ولو لم يدعي لنفسه حق التشريع من دون الله .
فكوننا نقرر أن هذا الحكم موافقا أو مخالفا ليس لأي أحد !! بل هو فقط لمن أفرد الله بالتشريع وأقر له بالحكم فهنا نقول مخالف أو موافق ………….
أما من يدعي لنفسه أو لغيره حق التشريع فلا ينظر كما سبق في مخالفته أو موافقته كمن يدعي لنفسه حق العبادة لا ننظر أعبد أم لا !
بل هو بمجرد ادعاءه يكفر ولو لم يعبد أصلا.
- قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله:
(نرى في بعض بلاد المسلمين - ولو كان في زماننا هذا ما بعض- قوانين ضربت عليها، ونقلت عن أوربة الوثنية الملحدة، وهي قوانين تخالف الإسلام مخالفة جوهرية في كثير من أصولها وفروعها، بل إن في بعضها ما ينقض الإسلام ويهدمه، وذلك أمر واضح بديهي، لا يخالف فيه إلا من يغالط نفسه، ويجهل دينه أو يعاديه من حيث لا يشعر، وهي في كثير من أحكامها أيضا توافق التشريع الإسلامي، أو لا تنافيه على الأقل.
وإن العمل بها في بلاد المسلمين غير جائز، حتى فيما وافق التشريع الإسلامي، لأن من وضعها حين وضعها لم ينظر إلى موافقتها للإسلام أو مخالفتها، إنما نظر إلى موافقتها لقوانين أوربة أو لمبادئها وقواعدها وجعلها هي الأصل الذي رجع إليه، فهو آثم مرتد بهذا سواء أوضع حكماً موافقاً للإسلام أم مخالفا..)
كلمة حق صـ 97.

قال المدعو أبو رائد :
" القسم الثالث من أقسام الخلاف في هذه المسألة ) وهو خلاف بين أهل السنة من المعاصرين فقد قرر المخالفون في هذا القسم أن مذهب أهل السنة أن الحاكم بغير ما أنزل لا يخرج من الملة بفعله هذا ، إلا أن يكون جاحداً أو مستحلاً وهذا هو الحق لكن قالوا إن تحكيم القوانين وجعلها نظاماً عاماً قرينة على الاستحلال القلبي ."

أقول:
إن هذا القسم المزعوم لا وجود له ( فيما أعلم )
وأتحدى هذا الدعي أن يأتي عن عالم من علماء الأمة المعتبرين قد قرر أن تبديل الشرائع والحكم بغير ما أنزل الله معصية دون الكفر ثم قرر أن هذا قرينة على الاستحلال وبهذا يكون الكفر عنده .! أريد كلام صريح يقرر فيه ما ذكرته ليناسب هذا التأصيل المفترى !!!
- فإن هذا كذب مفضوح وافتراء مكشوف بل تجني على العلماء واتهامهم بمذهب الخوارج بمجرد الفهم السقيم لبعض كلامهم كما سيأتي …نسأل الله العافية
وانظر إلى تبجحه في تفنيد أدلتهم على حد زعمه في تعليقه على حديث الرجل الذي تزوج امرأة أبيه… فلم يدع فرصة لمن ذكرهم حتى في الاستدلال بهذا الحديث فقد فنده بزعمه ! فلم يبق لهم ببلاهته إلا مذهب الخوارج في التكفير بالمعاصي .
- وغاية ما عند هذا المتعالم هو فهمه السقيم لبعض كلام أهل العلم كالشيخ الفوزان وابن عثيمين رحمه الله وغيرهما يقرران فيه أن تبديل الشرائع يلزم منه تفضيل واستحلال هذه الأحكام على أحكام الشريعة .
- ونسي هذا المتعالم أن كلا الشيخين قد قرر في غير ما موضع خطأ من يشترط الاستحلال في تكفير الحكام المبدلين للشرائع أو المشرعين لها !!!
- هذا أولا……….( وانظر رد الشيخ الفوزان على العنبري )
- ثانيا: لكلا الشيخين تقريرات في كفر المبدلين للشرائع واستدلالات على كونها كفر أكبر مخرج من الملة بذاتها سيأتي ذكرها إن شاء الله .
- ثالثا : قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"وفي ظني أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانونا مخالفا للشرع يحكم فيه في عباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد انه خير من القانون الشرعي ، فهو كافر ، هذا هو الظاهر وإلا فما الذي حمله على ذلك ؟ "
أقول :
هذا من باب ذكر اللازم للعمل فقوله هذا قد سبقه كلام حرص هذا الدعي على بتره ليلبس على الناس قال رحمه الله قبل هذا النقل مباشرة :
( … لكنا قد نخالفه في مسألة أنه لا يحكم بكفرهم إلا إذا اعتقدوا حلَّ ذلك، هذه المسألة تحتاج إلى نظر ، لأنا نقول : من حكم بحكم الله وهو يعتقد أن حكم غير الله أولى فهو كافر –وإن حكم بحكم الله- وكفره كفر عقيدة، لكن كلامنا عن العمل…)

ففي هذا الكلام قرر رحمه الله أنه قد خالف الشيخ الألباني رحمه الله
( وبالتالي ابن باز ) في اشتراطه الاستحلال في تكفير الحكام المبدلين والمشرعين لأنه كما ذكر رحمه الله الكلام على - العمل المجرد- إذ أن الاعتقاد كفر بذاته سواء عمل أم لم يعمل ،وهذا يعني أن الكفر هنا بالعمل دون اشتراط الاستحلال لأن ذات الاستحلال والاعتقاد كفر سواء حكم بالشرع أو لم يحكم !!!
- ولكن على فرض اشتراط الاستحلال فهو متحقق في ذات التبديل لشرع الله لأنه لازم له …هذا هو المقصود ، وهذا كقول القائل إن دعاء غير الله يلزم منه اعتقاد النفع والضر في هذا المدعو ، فهنا لم نعلق الكفر على هذا الاعتقاد رغم أن هذا العمل قرينة عليه ولازم له لأن دعاء غير الله كفر بذاته كما أن نفس الاعتقاد كفر كذلك سواء دعا أو لم يدعوا .

- وهذا تفصيل كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أضعه كاملا لكل ذي عينين حتى يكون حجة على هذا المفتري ..والله حسييبه.
كتاب فقه العبادات صـ60،61 .
س30 : ما هي صفة الحكم بغير ما أنزل الله ؟
الجواب : الحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول :
أن يُبطل حكم الله ليحل محله حكم أخر طاغوتي ، بحيث يلغي الحكم بالشريعة بين الناس ، ويجعل بدله حكم آخر من وضع البشر كالذين يُنحون الأحكام الشرعية في المعاملة بين الناس ، ويحلون محلها القوانين الوضعية ، فهذا لاشك أنه استبدال بشريعة الله سبحانه وتعالى غيرها ، وهو كفر مخرج من الملة ؛ لأن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق ، حيث شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله ، بل ما خالف حكم الله عز وجل ، وجعله الحكم الفاصل بين الخلق ، وقد سمى الله تعالى ذلك شركاً في قوله تعالى : {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } .
القسم الثاني :
أن تبقى أحكام الله عز و جل على ما هي عليه وتكون السلطة لها ، ويكون الحكم منوطاً بها ، ولكن يأتي حاكم من الحكام فيحكم بغير ما تقتضيه هذه الأحكام ، أي يحكم بغير ما أنزل الله ، فهذا له ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن يحكم بما يخالف شريعة الله معتقداً أن ذلك أفضل من حكم الله وأنفع لعباد الله ، أو معتقداً أنه مماثل لحكم الله عز وجل ، أو يعتقد أنه يجوز له الحكم بغير ما أنزل الله ، فهذا كفر . يخرج به الحاكم من المله، لأنه لم يرض بحكم الله عز وجل ،ولم يجعل الله حكماً بين عباده .
الحال الثانية : أن يحكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباده ، لكنه خرج عنه ، وهو يشعر بأنه عاص لله عز وجل إنما يريد الجور والظلم للمحكوم عليه ، لما بينه وبينه من عداوة ، فهو يحكم بغير ما أنزل الله لا كراهة لحكم الله ولا استبدال به ، ولا اعتقاد بأنه أي الحكم الذي حكم به أفضل من حكم الله أو مساو له أو أنه يجوز الحكم به ، لكن من أجل الإضرار بالمحكوم عليه حكم بغير ما أنزل الله ،ففي هذه الحال لا نقول إن هذا الحاكم كافر ، بل تقول إنه ظالم معتد جائر .
الحال الثالثة : أن يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباد الله ، وأنه بحكمه هذا عاص لله عز وجل ، لكنه حكم لهوى في نفسه ، لمصلحة تعود له أو للمحكوم له ، فهذا فسق وخروج عن طاعة الله عز وجل ، وعلى هذه الأحوال الثلاث يتنزل قول الله تعالى في ثلاث آيات :{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } وهذا يتنزل على الحالة الأولى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } يتنزل على الحالة الثانية { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } يتنزل على الحالة الثالثة .
وهذه المسألة من أخطر ما يكون في عصرنا هذا ، فإن من الناس من أولع وأعجب بأنظمة غير المسلمين ، حتى شُغف بها ، وربما قدمها على حكم الله ورسوله ، ولم يعلم أن حكم الله ورسوله ماض إلى يوم القيامة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الخلق عامة إلى يوم القيامة ، والذي بعثه سبحانه وتعالى عالم بأحوال العباد إلى يوم القيامة ، فلا يمكن أن يشرع لعباده إلا ما هو نافع لهم في أمور دينهم ودنياهم إلى يوم القيامة ، فمن زعم أو وهم أن غير حكم الله تعالى في عصرنا أنفع لعباد الله من الأحكام التي ظهر شرعها في عهد النبي r فقد ضل ضلالاً مبيناً ، فعليه أن يتوب إلى الله ، ويرجع إلى رشده وأن يفكر في أمره ا.هـ .

فتأمل قوله رحمه الله عن القسم الأول :
" وهو كفر مخرج من الملة ؛ لأن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق ، حيث شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله " يظهر لك كذب هذا المتعالم وافتراءه على أهل العلم !
قال المدعو أبو رائد :
( …لكن فيما يبدو لي أن الإشكال في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله وتحكيم القوانين طرأ عند بعض طلبة العلم بسبب أنه قد جاء في كلام بعض العلماء ما يفيد أن مجرد تحكيم القوانين وجعلها نظاماً عاماً يعد قرينة على الاستحلال القلبي) ا.هـ
أقول:
" اثبت العرش ثم انقش "
لم تأت بقول أحد من أهل العلم قد قرر هذا التخريف الذي تنسبه إليهم، فضلا أن تجعله قسم من الأقسام !!!
والسؤال الآن من العلماء قد صرح بهذا ؟ ثم بعد ذلك تقرر أصل الإشكال .!!!

***
أما شبهة النجاشي والتي يسميها " قاصمة الظهر" كما سماها شيخه في الضلال العنبري !
فهي شبهة متهافتة لا ترقي أن تكون دليلا فضلا أن يعارض بها هذا الجاهل إجماع الأمة على كفر المبدل لشرائع الإسلام .
وأنا أضع بإذن الله أصولا تجتث هذه الشبهة من أساسها فأقول والله الموفق :
أولا :
من المعلوم لدى كل طالب علم أن الأدلة الشرعية التي يتدين بها هي الكتاب والسنة وإجماع الأمة وغير ذلك مما هو معلوم ومقرر في مظانه….. ،
ومعلوم أيضا أن كلام أهل العلم مهما بلغوا من الرتبة والمنزلة في العلم والفضل لا يرقي أن يكون دليلا شرعيا بذاته ! فكلامهم رحمهم الله يستدل له لا به ! وهذا مما ينبغي أن يكون معلوما خاصة عند الاحتجاج والمعارضة ….
فقول هذا الدعي عن النجاشي رحمه الله :
( كان يحكم بغير ما أنزل الله لكنه كان له عذر ) لم يثبت بدليل شرعي حتى يحتج به !!!
فمن البديهي عندما يتخذ مثل هذا الكلام دليل " معارضة " يستدل به على كون الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر ، أن نسأل عن ثبوته في الشرع قبل أن نناقشه كدليل !!!
وهذا مما لم يأت به هذا الدعي ولا شيخه العنبري ، ولذا لا ينبغي أن تعارض أدلة الكتاب والسنة فضلا عن إجماع الأمة بمثل هذا الكلام الذي كما قلت مهما كانت منزلة قائله في العلم والفضل فلا يرقى كلامه ليكون دليلا شرعيا يحتج به فضلا أن يبطل أو يعارض الأدلة الأخرى .
هذا رد إجمالي على هذه الشبهة المتهافتة .
ثانيا :
إن غاية ما عند هؤلاء هو قول شيخ الإسلام رحمه الله أن النجاشي رحمه الله ورضي عنه كان يحكم بغير ما أنزل الله فلماذا لم يرضي هؤلاء بكلام شيخ الإسلام رحمه الله في كون النجاشي كان معذورا ؟!!!
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" والحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو عدل خاص وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها والحكم به واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر…"
فهنا يقرر رحمه الله أن من لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر….
ثم قال رحمه الله عن النجاشي رحمه الله :
"… وكذلك الكفار من بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في دار الكفر وعلم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أنزل عليه واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ولا التزام جميع شرائع الإسلام لكونه ممنوعا من الهجرة وممنوعا من إظهار دينه وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام فهذا مؤمن من أهل الجنة …."
- فتأمل قوله رحمه الله :" ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ولا التزام جميع شرائع الإسلام لكونه ممنوعا من الهجرة وممنوعا من إظهار دينه"
- ففي الأولى قرر كفر من لم يلتزم حكم الله وهذا دليل يفر منه المخالف ويحرفه عن معناه … وفي الثانية قرر أن النجاشي قد فعل هذا وأنه معذور لكونه لم يتمكن من هذا لأنه عاجز … فهذا تقرير شيخ الإسلام رحمه الله فلم لم يرتضي هؤلاء كلامه رحمه الله ؟؟؟
- ولكن هؤلاء يقولون وهل العجز عذر شرعي يرتقي أن يكون إكراها شرعيا معتبرا ؟
أقول:
هذا هو كلام شيخ الإسلام رحمه الله فهو الذي قرر كفر من لم يلتزم حكم الله ورسوله …
وهو ( لا غيره ) الذي وصف النجاشي رحمه الله أنه لم يلتزم حكم الله وأنه كان لا يحكم بحكم القرآن ، وهو الذي قرر أنه معذور بالعجز وعدم القدرة فنحن وأنتم ندور في فلك كلام شيخ الإسلام رحمه الله
فنحن نقبله ونحمله على أصول الشريعة وأن هذا العجز وصل بالنجاشي رحمه الله إلى درجة العذر الشرعي الذي يمنع من إلحاق الكفر به لكونه في ديار الكفر وممنوعا من إظهار دينة أو ترك بلده والهجرة إلى ديار الإسلام !!!
- أما أنتم فإما أن تقبلوه وتحملوه على القواعد الصحيحة وإما أن تردوه وفي كلا الحالتين يسقط استدلالكم به .
ثالثا :
فإن قال هؤلاء فلملم تعذروا حكامنا بالعجز كما عذرتم النجاشي رحمه الله ؟
أقول :
إن القياس الصحيح مبني على تساوي كل من الأصل والفرع في علة الحكم فإذا ذكرنا فوارق عديدة بين الأصل والفرع تمنع تساوي كليهما في علة الحكم ، بطل بالضرورة هذا القياس فمن هذه الفوارق :
1- النجاشي مسلم في دار الكفر ومعلوم أنه يجوز للمسلم في دار الكفر والحرب ما لا يجوز في دار الإسلام من كتمان دينه وإظهاره الكفر خاصة إذا خشي الهلاك ولو يتمكن من الهجرة إلى ديار الإسلام ، وهذا الوجه يغفل عنه أهل الإرجاء رغم أنه وحده يكفي لرد هذه الشبهة المتهافتة !
2- النجاشي رحمه الله مع أنه ملك إلا أن سلطانه مستمد من رعيته ومن حوله ، ورعيته وشعبه كلهم كفار! ومعلوم أن قوة السلطان مستمدة من التفاف شعبه حوله وهم لا يجتمعون حوله إلا على ما يحقق مصلحة دينهم ودنياهم ومن هنا يظهر سبب ضعف النجاشي في إلزام قومه بدين الإسلام وشرائعه ولذا شبهه شيخ الإسلام رحمه الله بمؤمن آل فرعون كما سيأتي .
3- النجاشي رحمه الله لم يكن يستطيع أن يظهر إسلامه.
4- النجاشي لم يتمكن من الهجرة ولا إظهار دينه ولا شرائع الإسلام فضلا أن يلزم بها غيره .
5- النجاشي مسلم يكتم إيمانه وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك .
6- عجز النجاشي رحمه الله راجع لعدم بلوغه العلم أو لعدم القدرة على التزامه .
- والدليل على كل ما سبق من كلام شيخ الإسلام رحمه الله :
منهاج السنة النبوية ج: 5 ص: 111
( فدلت هذه النصوص على أنه لا يكلف نفسا ما تعجز عنه خلافا للجهمية المجبرة ودلت على أنه لا يؤاخذ المخطىء والناسي خلافا للقدرية والمعتزلة وهذا فصل الخطاب في هذا الباب فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومناظر ومفت وغير ذلك إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع كان هذا هو الذي كلفه الله إياه وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع ولا يعاقبه الله البتة خلافا للجهمية المجبرة وهو مصيب بمعنى أنه مطيع لله لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر وقد لا يعلمه خلافا للقدرية والمعتزلة في قولهم كل من استفرغ وسعه علم الحق فإن هذا باطل كما تقدم بل كل من استفرغ وسعه استحق الثواب وكذلك الكفار من بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في دار الكفر وعلم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أنزل عليه واتقى الله ما استطاع كما فعل - النجاشي - وغيره ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام
ولا التزام جميع شرائع الإسلام لكونه ممنوعا من الهجرة وممنوعا من إظهار دينه وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام فهذا مؤمن من أهل الجنة كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون وكما كانت امرأة فرعون بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر فإنهم كانوا كفارا ولم يكن يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان فلم يجيبوه قال تعالى عن مؤمن آل فرعون ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا سورة غافر 34 وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام بل إنما دخل معه نفر منهم ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه وأخبرهم بموته يوم مات وقال إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت بل قد روى أنه لم يكن يصلي الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدي الزكاة الشرعية لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن والله قد فرض على نبيه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل الله إليه وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم وفي الديات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع النفس بالنفس والعين بالعين وغير ذلك والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن فإن قومه لا يقرونه على ذلك وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا بل وإماما وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك بل هناك من يمنعه ذلك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل وقيل إنه سم على ذلك
فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا مع شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها ولهذا جعل الله هؤلاء من أهل الكتاب قال تعالى وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب سورة آل عمران 199 وهذه الآية قد طائفة من السلف إنها نزلت في النجاشي ويروى هذا عن جابر وابن عباس وأنس ومنهم من قال فيه وفي أصحابه كما قال الحسن وقتادة وهذا مراد الصحابة لكن هو المطاع فإن لفظ الآية لفظ الجمع لم يرد بها واحد وعن عطاء قال نزلت في أربعين من أهل نجران وثلاثين من أهل الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ) ا.هـ

وقال رحمه الله في : ( منهاج السنة النبوية ج: 5 ص: 115) :
( ولم يذكر هؤلاء من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مثل عبد الله بن سلام وغيره ممن كان يهوديا وسلمان الفارسي وغيره ممن كان نصرانيا لأن هؤلاء صاروا من المؤمنين فلا يقال فيهم وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم سورة آل عمران 199 ولا يقول أحد إن اليهود والنصارى بعد إسلامهم وهجرتهم ودخولهم في جملة المسلمين المهاجرين المجاهدين يقال إنهم من أهل الكتاب كما لا يقال عن الصحابة الذين كانوا مشركين وإن من المشركين لمن يؤمن بالله ورسوله فإنهم بعد الإيمان ما بقوا يسمون مشركين فدل على أن هؤلاء قوم من أهل الكتاب أي من جملتهم وقد آمنوا بالرسول كما قال تعالى في المقتول خطأ فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة سورة النساء 92 فهو من العدو ولكن هو كان قد آمن وما أمكنه الهجرة وإظهار الإيمان والتزام شرائعه فسماه مؤمنا لأنه فعل من الإيمان ما يقدر عليه ) ا.هـ

- منهاج السنة النبوية ج: 5 ص: 122
( وبالجملة لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها بل الوجوب بحسب الإمكان وكذلك ما لم يعلم حكمه فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه وبقى مدة لم يصل لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان وأداء الزكاة وغير ذلك ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين .) ا.هـ
الجواب الصحيح ج: 2 ص: 202
( وقد ذكر أكثر العلماء أن هذه الآية الأخرى في آل عمران نزلت في النجاشي ونحوه ممن آمن بالنبي لكنه لم تمكنه الهجرة إلى النبي ولا العمل بشرائع الإسلام لكون أهل بلده نصارى لا يوافقونه على إظهار شرائع الإسلام وقد قيل أن النبي إنما صلى عليه لما مات لأجل هذا فإنه لم يكن هناك من يظهر الصلاة عليه في جماعة كثيرة ظاهرة كما يصلي المسلمون على جنائزهم ولهذا جعل من أهل الكتاب مع كونه آمن بالنبي بمنزلة من يؤمن بالنبي في بلاد الحرب ولا يتمكن من الهجرة إلى دار الإسلام ولا يمكنه العمل بشرائع الإسلام الظاهرة بل يعمل ما يمكنه ويسقط عنه ما يعجز عنه كما قال تعالى فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة فقد يكون الرجل في الظاهر من الكفار وهو في الباطن مؤمن كما كان مؤمن آل فرعون
قال تعالى وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ……..) فقد أخبر سبحانه أنه حاق بآل فرعون سوء العذاب وأخبر أنه كان من آل فرعون رجل مؤمن يكتم إيمانه وأنه خاطبهم بالخطاب الذي ذكره فهو من آل فرعون باعتبار النسب والجنس والظاهر وليس هو من آل فرعون الذين يدخلون أشد العذاب وكذلك أمرأة فرعون ليست من آل فرعون هؤلاء قال الله تعالى وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين وامرأة الرجل من آله بدليل قوله إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا أمرأته قدرنا إنها لمن الغابرين وهكذا أهل الكتاب فيهم من هو في الظاهر منهم وهو في الباطن يؤمن بالله ورسوله محمد يعمل بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه علما وعملا و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وهو عاجز عن الهجرة إلى دار الإسلام كعجز النجاشي) ا . هـ

- فهل في حكام زماننا ممن يشرعون الأحكام المخالفة لشرع الله أي من هذه الأشياء المذكورة فإذا كان الأمر بهذا التفاوت بين الأصل والفرع فيبطل القياس وعليه تبطل هذه الشبهة .
رابعا :
من المعلوم بالضرورة مما سبق أن النجاشي رحمه الله كان في ديار الكفر والحرب وكان يكتم إيمانه ويتظاهر بالنصرانية ولذلك لم يعرف إسلامه حتى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بل أنكر بعض الصحابة كون النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليه .
ولا شك أن إظهار المسلم دين غير دين الإسلام والتظاهر به في دار الإسلام اختيارا هو كفر أكبر مخرج من الملة ما لم يكن هناك مانع !!!
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
( ولهذا ذكروا في سبب نزول هذه الآية: أنه لما مات النجاشي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال قائل: تصلي على هذا العلج النصراني وهو في أرضه؟ فنزلت هذه الآية، هذا منقول عن جابر وأنس بن مالك وابن عباس، وهم من الصحابة الذين باشروا الصلاة على النجاشي، وهذا بخلاف ابن سلام وسلمان الفارسي؛ فإنه إذا صلى على واحد من هؤلاء لم ينكر ذلك أحد. وهذا مما يبين أن المظهرين للإسلام فيهم منافق لا يصلى عليه، كما نزل في حق ابن أبي وأمثاله. وأن من هو في أرض الكفر يكون مؤمناً يصلى عليه كالنجاشي..) ا.هـ(مجموع الفتاوى ج19/129)
وكفر هذا كما هو معلوم أعظم واظهر من كفر من لم يحكم بغير ما أنزل الله ….
ولما علمنا بالضرورة أن الرسول قد أقره على ذلك وشهد له بالإسلام علمنا بالضرورة
أنه معذور في ذلك وغيره .
فإذا كان هذا العذر ثابت في هذا الكفر المبين فثبوته في غيره من باب أولى وما يقال في هذا يقال في مسألة الحكم التي تفرد بذكرها شيخ الإسلام رحمه الله
وإن لم يظهر وجه كونه عذر ( فرضا !) فليس هذا مبررا أن يكون ما فعله ليس بكفر … والله أعلم
ولعلي إن شاء الله أفردها ببحث مطول في غير هذا الموضع والله المستعان
_______
وأخيرا فهذا طرف من كلام العلماء في هذه المسألة المهمة :

1- قال ابن حزم الأندلسي :
" لا خلاف بين اثنين من المسلمين أن هذا منسوخ ، وأن من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام " [ الإحكام في أصول الأحكام 5 / 162 ]
2- وقال رحمه الله :
" إحداث الأحكام لا يخلو من أحد أربعة أوجه : إما إسقاط فرض لازم كإسقاط بعض الصلاة أو بعض الصيام أو بعض الزكاة أو بعض الحج أو بعض حد الزنى أو حد القذف أو إسقاط جميع ذلك وإما زيادة في شيء منها أو إحداث فرض جديد وإما إحلال محرم كتحليل لحم الخنزير والخمر والميتة وإما تحريم محلل كتحريم لحم الكبش وما أشبه ذلك وأي هذه الوجوه كان فالقائل به مشرك لاحق باليهود والنصارى " [ الإحكام 6 / 264 ] .
3- وقال رحمه الله تعالى :
- في تفسير قوله تعالى {إنما النسيءُ زيادةٌ في الكفرِ} [التوبة: 37]:
( …..أن الزيادة في الشيء لا تكون ألبته إلاّ منه لا من غيره، فصح أن النسيء كفر، وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله . )ا.هـ ( الفصل 3/245)

4- قال الشاطبي -رحمه الله- في الاعتصام (2/544):
(إن كل بدعة وإن قلت فهي تشريع زائد أو ناقص، أو تغيير للأصل الصحيح، وكل ذلك قد يكون على الانفراد، وقد يكون ملحقاً بما هو مشروع فيكون قادحاً في المشروع، ولو فعل أحد مثل هذا في نفس الشريعة عامداً لكفر، إذ الزيادة والنقصان فيها أو التغيير قل أو كثر كفر، فلا فرق بين ما قل منه وما كثر، …) ا.هـ

5- : قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام ، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب ، كما قال تعالى { إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا "
[ مجموع الفتاوى 28 / 524 ].
6- وقال رحمه الله :" ومن بدل شرع الأنبياء وابتدع شرعا ، فشرعه باطل لا يجوز اتباعه ، كما قال تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } ، ولهذا كفر اليهود والنصارى لأنهم تمسكوا بشرع مبدل منسوخ " [ مجموع الفتاوى 35 / 365 ]
7-وقال :
" مثل أن يقال : نسخ هذه التوراة مبدلة لا يجوز العمل بما فيها ومن عمل اليوم بشرائعها المبدلة والمنسوخة فهو كافر ، فهذا الكلام ونحوه حق لاشيء على قائله " [ مجموع الفتاوى 35 / 200 ]
8-وقال :
" ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى " [ مجموع الفتاوى 8 / 106 ]
9-وقال :
" كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة مع شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه ، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين ، وملتزمين بعض شرائعه ، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة ، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما ، فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام ، عملا بالكتاب والسنة ... فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات ، أو الصيام ، أو الحج ، أو عن التزام تحريم الدماء ، والأموال ، والخمر ، والزنا ، والميسر ، أو عن نكاح ذوات المحارم ، أو عن التزام جهاد الكفار ، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب ، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها التي يكفر الجاحد لوجوبها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها ، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء " [ مجموع الفتاوى 28 / 502 ]
10- وقال :" كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين ، وإن تكلمت بالشهادتين. فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا ، وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة ، وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق ، وكذلك إن امتنعوا عن تحريم الفواحش ، أو الزنا ، أو الميسر ، أو الخمر ، أو غير ذلك من محرمات الشريعة ، وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة ، وكذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار إلى إن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وكذلك إن اظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع سلف الأمة وأئمتها " [ مجموع الفتاوى 28 / 510 ]
11- : قال ابن القيم رحمه الله :
" وقد جاء القرآن ، وصح الإجماع بأن دين الإسلام نسخ كل دين كان قبله ، وأن من التزم ما جاءت به التوراة والإنجيل ، ولم يتبع القرآن ، فإنه كافر ، وقد أبطل الله كل شريعة كانت في التوراة والإنجيل وسائر الملل ، وافترض على الجن والإنس شرائع الإسلام ، فلا حرام إلا ما حرمه الإسلام ، ولا فرض إلا ما أوجبه الإسلام " [ أحكام أهل الذمة 1 / 259 ]
12- : قال ابن كثير رحمه الله في كلامه عن الياسق :" وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ، قال تعالى { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } ، وقال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } [ البداية والنهاية 13 / 119 ]
13- وقال في تفسير قوله تعالى { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } :" ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكز خان الذي وضع لهم الياسق ، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه ، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير "
14- : سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله عما يحكم به أهل السوالف من البوادي وغيرهم من عادات الآباء والأجداد ، هل يطلق عليهم بذلك الكفر بعد التعريف؟ فأجاب :" من تحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بعد التعريف فهو كافر ، قال تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } وقال تعالى { أفغير دين الله يبغون } الآية ، وقال تعالى { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به } الآية ، وقال تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } الآية ، والآيات في هذا المعنى كثيرة " [الدرر السنية في الأجوبة النجدية 8 / 241 ]
15- : الشيخ حمد بن عتيق النجدي في رسالته بيان النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك ذكر ضمن نواقض الإسلام : الأمر الرابع عشر : التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الشيخ حمد فتوى ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى { أفحكم الجاهلية يبغون } ، ثم قال : ومثل هؤلاء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم من تحكيم عادات آبائهم وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يسمونها شرع الرفاقة ، يقدمونها على كتاب الله وسنة رسوله ، ومن فعل ذلك فإنه كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله)
16- : ذكر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رسالته تحكيم القوانين :
" إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين علي قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين ، في الحكم به بين العالمين ، والرد إليه عند تنازع المتنازعين ، مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }
17- وقال الشنقيطي رحمه الله :
" ويفهم من هذه الآيات كقوله { ولا يشرك في حكمه أحدا } أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله ، وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر ، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم ، وهذا الإشراك في الطاعة ، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى { ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم } .... ولذا سمي الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى { وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم .... } الآية .... وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور : أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم ، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته ، وأعماه عن نور الوحي مثلهم …"

18- : قال الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي :" فالحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية إلحاد وكفر وفساد وظلم للعباد ، فلا يسود الأمن ولا تحفظ الحقوق الشرعية إلا بالعمل بشريعة الإسلام كلها عقيدة وعبادة وأحكاما وأخلاقا وسلوكا ونظاما ، فالحكم بغير ما أنزل الله هو حكم بعمل مخلوق لمخلوق مثله ، هو حكم بأحكام طاغوتية ... ولا فرق بين الأحوال الشخصية والعامة والخاصة فمن فرق بينها في الحكم فهو ملحد زنديق كافر بالله العظيم ". [ السلسبيل في معرفة الدليل 2 / 384 ] .
19- : قال الشيخ صالح الفوزان في كتابه الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ( 1 / 72 ) :" فمن احتكم إلى غير شرع الله من سائر الأنظمة والقوانين البشرية فقد اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شركاء لله في تشريعه قال تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } وقال { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } ... " .
20-وقال أيضا (1 / 74 ) بعد نقله لكلام ابن كثير حول الياسق :
" ومثل القانون الذي ذكره عن التتار وحكم بكفر من جعله بديلا عن الشريعة الإسلامية مثله القوانين الوضعية التي جعلت اليوم في كثير من الدول هي مصادر الأحكام وألغيت من أجلها الشريعة الإسلامية إلا فيما يسمونه بالأحوال الشخصية .." ا.هـ

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

لحفظ المادة اضغط هنا

كتبه : أبو عبدالرحمن الباشا