بسم الله الرحمن الرحيم

إفتاء طالب العلم فيما اجتهد فيه من المسائل

 
السؤال :
أنا طالب علم حثيث ، تتلمذت على عددٍ من المشائخ ، و تخرّجت في كلّية الشريعة ، و قرأت الكثير من المتون و الشروح في الأصول و الفروع ، و الحمد لله .
و مع ذلك فإنّي أخاف من الخوض في لجّة الاجتهاد ، مع تيقّني من تمكني من بعض المسائل و بذل وسعي في معرفة الحقّ فيها بدليله ، فهل يجوز لي أن أفتي باجتهادي فيما أتقنه من مسائل الشرع ، أم أستمرّ في الطلب و أكفّ عن الفتيا حتى أبلغ مبلغ العلماء المجتهدين ؟
الجواب :
الحال الموصوفة في السؤال حال طالب علم نهم في الطلب ، آتاه الله من فضله ، و امتنّ عليه بتعليمه عدداً من العلوم الشرعيّة ، غير أنّه لم يبلغ درجة الاجتهاد المطلق - و عزيزٌ من يبلغها في هذا الزمان و إن لم يُعدَم – و مثله ينصح بالاتّباع فيما لا قِبَل له بالاجتهاد فيه من المسائل العلميّة ، فيأخذها بدليلها من بطون الكتب و أفواه العلماء الثقات الأثبات .
و إن استفتي في شيءٍ يعرف حكمه لزمه تبليغ حكم الله و رسوله فيما سُئِلَ عنه ، مقروناً بدليله إذا كان السائل ممّن يعرف الدليل و يعقله و يحتاج إليه .
و إن كان المسؤؤل عنه ممّا له فيه رأي صارَ إليه باجتهاد وِفقَ الشروط التي وضعها علماء الأصول للاجتهاد ، تعيّن عليه أن يُفتي فيه باجتهاده ، كي لا يقع تحت الوعيد الشديد لكاتم العلم ، فقد روى أحمد و أبو داود و الترمذي بإسنادٍ حسّنه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «‏ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »‏ .
جاء في عون المعبود عند هذا الحديث : ( قال الخطابي : و هذا في العلم الذي يتعين عليه فرضه كمن رأى كافرا يريد الإسلام يقول : علموني الإسلام , و ما الدين ؟ و كيف أصلي ؟ , و كمن جاء مستفتياً في حلال أو حرام , ... و ليس الأمر كذلك في نوافل العلم الذي لا ضرورة للناس إلى معرفتها ) .
قلتُ : و لعلّه رحمه الله يريد بنوافل العلم ما لا ضرورة إلى معرفته ، كتعبير الرؤيا ، و ما يُفترض من مسائل لا وجود لها ، و عِلم الكلام و المنطق و الفلسفة لمن لا يعقله و لا يحتاجه ، فإنّ الكفّ عن الإفتاء فيها سائغ ، و قد يكون أولى و أرجح بحسب المصلحة .
و قال شمس الدين ابن القيّم رحمه الله : ( الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام فيكون الرجل مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره أوفي باب من ابوابه كمن استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم أوفي باب الجهاد أوالحج أوغير ذلك فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه و لا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له للافتاء بما لا يعلم في غيره .
... فإن قيل : ما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين هل له أن يفتي بهما ؟ قيل نعم يجوز في أصح القولين وهما وجهان لأصحاب الإمام أحمد ، و هل هذا إلا من التبليغ عن الله و عن رسوله ؟ و جزى الله من أعان الإسلام و لو بشطر كلمة خيراً ، و منعُ هذا من الإفتاء بما عَلِمَ خطأ محض ) [ إعلام الموقعين : 4 / 216 و 217 ] .
و حذارِِِ من الإقدام على الفتوى باستشراف نفسٍ ، و قلّة علم ، فإنّ المرء يُعذَر بجهله ، ما لا يُعذَر بعِلمه ، و بالله التوفيق .

كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com