بسم الله الرحمن الرحيم

أربع فتاوى في أحكام الإمام و المأموم

 
س1: ما حكم الصلاة خلف إمام لا يعرف أحكام التلاوة مطلقاً مع أننا نعلم أنّ اللحن الجلي حرام بالإجماع ؟
الجواب :
إذا كان الإمام المقصود في السؤال لا يطبّق أحكام التجويد كالغنن و المدود ، أو يخطئ في تطبيقها ، فهذا لا يُبطل الصلاة ، لأنّ الصحيح أن أحكام التجويد اصطلاحيّة و ليس الالتزام بها شرطاً لصحّة القراءة .
أمّا إن كان المقصود بعدَم معرفته أحكامَ التلاوة وُقوعه في اللحن أثناء تلاوة القرآن الكريم ففيه تفصيل ، بيّنَه شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله في ردّه على سؤال مماثل لما وَردَ أعلاه فقال :
( أما كونه لا يصحح الفاتحة فهذا بعيد جداً ، فإن عامة الخلق من العامة و الخاصة يقرأون الفاتحة قراءة تجزيء بها الصلاة ، فإن اللحن الخفي و اللحن الذي لا يحيل المعنى لا يبطل الصلاة ، و في الفاتحة قراءات كثيرة قد قرئ بها فلو قرأ ( عليهِم ) و ( عليهُم ) و ( عليهُمُ ) ، أو قرأ ( الصراط ) أو ( السراط ) أو ( الزراط ) ، فهذه قراءات مشهورة ، و لو قرأ ( الحمد لِلّه ) ، أو ( الحمد لُلّّّّه ) ، أو قرأ ( ربُّ العالمين ) ، أو ( ربَّ العالمين ) أو قرأ بالكسر ، أو نحو ذلك لكانت قراءاتٍ قد قُرِئ بها ، و تَصِحُّ الصلاةُ خلفَ من قرأ بها ، و لو قرأ ( ربُ العالمين ) بالضم ، أو قرأ ( مالكَ يوم الدين ) بالفتح لكان هذا لحناً لا يُحيل المعنى ، و لا يُبطِل الصلاة ، و إن كان إماماً راتباً ، و في البَلَد من هو أقرأ منه صلَّّى خلفه ) [ الفتاوى الكبرى : 2 / 214 ] .‏
قلتُ : أمّا إذا كان اللحن جليّاً يُحيل المعنى عن حقيقته كقوله ( أنعمتُ ) بالضمّ بَدَل الفتح في قوله تعالى : ( صراط الذين أنعمتَ عليهم ) فهذا ممّا يُبطِل الصلاة .
و بالجُملة ؛ إن كان اللحنُ في القراءة يغيّر المعنى فالصلاة باطلة ، و إن لم يكن كذلك فالصلاة صحيحة في حقّ المنفرد و الإمام و المأموم على حدٍ سواء ، و بالله التوفيق .

س2: ما الحكم في الصلاة وراء إمام أشك في صلاته ( السرية ) هل يطبقها بأركانها و شروطها جميعاً أم لا ، و هل أقوم بإعادة الصلاة أم لا ؟
الجواب :
اليقين لا يزول بالشك ، فإذا كان ما حاك في صدرك نحو الإمام مجرّد ظنون لا بيّنة عليها ، فلا تتّبع الظن ، لأنّه أكذبُ الحديث ، و صلّ خلف الإمام باستصحاب الأصل و هو السلامة .
أمّا إن ثبَت أن الإمام مُخِلٌّ بصلاته ، بزيادةٍ أو نقصانٍ يبطلانها ، أو غير ذلك ممّا يجعل صلاته باطلة ، فصلاة غيره بصلاته مع علمه ببطلانها باطلةٌ أيضاً ، و تجب إعادتها ، و الله أعلم .

س3: هل يجوز الصلاة في السيارة و أنا مسافر إذا جاء وقت الصلاة ، و إذا كان يجوز فكيف يمكنني ذلك ؟
الجواب :
الصلاة في السيّارة أو غيرها من وسائل النقل المعاصرة صحيحةٌ و جائزةٌ للمسافر ، قياساً على مشروعيّة الصلاة على الراحلة ، و لكن يجب على من صلّى راكباً أن يستقبلَ القِبلةَ في صلاة الفريضة ، لأنّ استقبال القبلة من شروط الصلاة ، و هو مقدورٌ عليه أثناء الركوب ؛ سواء كان ذلك بإدارة السيّارة أو الاستدارة على المقعد أو الصلاة في الفُسَح المتاحة في القطارات ، و نحوها ، و هذا ما ذهب إليه الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم ، حيث رخّص في عدم استقبال القبلة لقائد السفينة و لم يُرخّص في ذلك لسائر الركّاب .
فإن عَجزَ عن استقبال القبلةِ صلّى راكباً إلى أيّ جهةٍ اضطراراً ، هذا بالنسبة للصلاة المكتوبة ، أمّا النافلة فلا يٌشتَرط فيها استقبال القبلة للصلاة على الراحلة على مذهب الجمهور ، و هو الراجح .
روى الشيخان و أبوداود و النسائي و أحمد ‏ عن عبد الله بنُ عُمَرَ رضي الله عنهما ، قَالَ : ( َكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ – أي يُصلّي - عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَىِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ ،‏ و َيُوتِرُ عَلَيْهَا ،‏ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّى عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ ) .‏
و روى البخاري و غيره من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنّ رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه و سلّم كان يصلي على ‏ ‏راحلته ‏ ‏حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة .
و في سنن الترمذي ‏بإسنادٍ قال عنه : ( حسن صحيح ) عن ‏جابر‏قال : ‏بعثني النبي ‏ ‏صلى الله عليه و سلم ‏ ‏في حاجة، فجئت و هو ‏ يصلي على ‏ ‏راحلته ‏ ‏نحو المشرق، و السجودُ أخفَض من الركوع . ‏
‏ قال ‏الإمام الترمذي رحمه الله بعد أن روى هذا الحديث : ‏و العمل على هذا عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافاً ، لا يرون بأسا أن يصلي الرجل على ‏ ‏راحلته ‏ ‏تطوعاً ، حيث ما كان و جهه إلى القبلة أو غيرها .اهـ .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( اشترط للفرض ما لم يشترط للنفل من القيام و الاستقبال مع القدرة ، و جاز التطوع على الراحلة في السفر كما مضت به سنة النبي ... و هذا مما اتفق العلماء على جوازه ، و هو صلاةٌ بلا قيامٍ ، و لا استقبالٍ للقبلة ، فإنه لا يمكن المتطوعَ على الراحلة أن يُصلِّي إلا كذلك ، فلو نُهيَ عن التطوع أفضى إلى تفويت عبادة الله ، التي لا يقدر عليها إلا كذلك ، بخلاف الفرض ، فإنه شيء مُقَدَّرٌ يُمكنه أن ينزل له ، و لا يقطعه ذلك عن سفره ، و مَن لم يُمكِنه النزولُ لقتالٍ أو مرضٍ أو وَحْلٍ صلى على الدابة أيضاً ) [ مجموع الفتاوى : 21 / 285 ] .
و قال ابن القيّم : ( استقبال القبلة شرطٌ إلا في النافلة على الراحلة للمسافر ، فانه يُصلي حيث كان وجهه ، و العاجز عن الاستقبال لخوفٍ أو غيرِه ، فإنه يصلي كيف ما أمكَنَه ، و من عداهُما لا تصح صلاته إلا مستقبِلَ الكعبة ) [ شرح العمدة : 4 / 521 ] .
فصلَّ – أخي المسلم – حيث أدركتك الصلاة راكباً ، بحسب طاقتك ، و استقبل القبلة في الفريضة دون النافلة إن استطعت ، فإن الدين يسرٌ / و ما جعل الله علينا في الدين من حرَج ، و الحمد لله .

س4: ما الحكم في إمام صلي بالناس صلاة رباعيةً و نسي و نهض ليقوم بالركعة الخامسة فماذا يفعل المصلون ؟ و ما الذي يجب أن يفعله الإمام لكي لا تبطل الصلاة ؟
الجواب :
إذا قام الإمام لأداء ركعة زائدة في المكتوبة كالثالثة في الفجر ، و الرابعة في المغرب ، و الخامسة في الرباعيّة ، وجب على المأمومين تنبيهه ، و يكون التنبيه بالصفة الشرعيّة لا غير ، و هي التكبير للرجال ، و التصفيق للنساء ؛ لما رواه البخاري و أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : «‏ التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَ التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ »‏ .
و في الصحيحين و سنن أبي داود و النسائي و الموطّأ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : «‏ مَنْ نَابَهُ شيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ وَ إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ »‏ .‏
فإذا نُبِّه الإمام إذا قام إلى ركعةٍ زائدةٍ ، وجب عليه أن يقعد فيتشهّد و يُسلّم ثمّ يسجُد للسهو ، لحديث عبد الله ابن مسعود الأتي ، أمّا إن كانَ قد أتى بالتشهّد الأخير قبل قيامه إلى الركعة الزائدة فيقعد و يسلّم مباشرةً ، و لا يُعيد التشهّد ، فإن لم يَقعُد بَطَلت صلاته ، و صلاة من تابَعه في زيادة الركعة ، و هو على يقينٍ أنّها زائدةٌ .
بل الواجب على المأموم في هذه الحال أنْ يظلّ جالساً ، و ينشغل بالذكر و الدعاء ( و هو فضيل دُبُرَ الصلوات ) حتى يفرغ الإمام من أداء الركعة الزائدةِ ، فيقعد و يُسلّم فيسلّم المأموم بتسليم إمامه ، و لا يسبقه فيه ؛ لأنّ متابعة الإمام واجبةٌ ، و ليس للمأموم أن ينصرف من الصلاة قبل انصراف الإمام .
و من تيقّن وقوع الإمام في خطأ تفسد به الصلاة ( كزيادة أو نُقصان رُكنٍ ) و لم ينبّهه ، بَطلت صلاته دون أن يؤثّر ذلك على صلاة الإمام و بقيّة المصلّين لعدَم علمهم بالزيادة أو النقصان ، فإن نُبِّهَ الإمام أو تنبّه من تلقاء نفسه بعد انقضاء الصلاة ، لزِمَه أن يعود فيُحرِم بالصلاة و يسجد سجدتين للسهو ، و إن كان الفاصل طويلاً ، أو تخلّله كلامٌ أو فعلٌ في أمور الدنيا ، ما دام في المسجد لم يَبرَحه ؛ لما رواه الشيخان و أصحاب السنن - و هذا لفظ البخاري - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم إِحْدَى صَلاَتَىِ الْعَشِيِّ ، رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ،‏ فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِى الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا ،‏ كَأَنَّهُ غَضْبَانُ ،‏ وَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ،‏ وَ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ،‏ وَ وَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى ،‏ وَ خَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا : قَصُرَتِ الصَّلاَةُ ، وَ فِى الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ ،‏ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ ،‏ وَ فِى الْقَوْمِ رَجُلٌ فِى يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ،‏ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ ؟ قَالَ : «‏ لَمْ أَنْسَ ،‏ وَ لَمْ تُقْصَرْ »‏ .‏ فَقَالَ : «‏ أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ »‏ ، فَقَالُوا : نَعَمْ ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ،‏ ثُمَّ سَلَّمَ ،‏ ثُمَّ كَبَّرَ وَ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ،‏ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ كَبَّرَ ،‏ ثُمَّ كَبَّرَ وَ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ،‏ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ كَبَّرَ .‏ فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ – أي سألوا الراوي - ثُمَّ سَلَّمَ ؟ فَيَقُولُ : نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ .‏
و روى البخاري و أصحاب السنن إلا ابن ماجة و أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّه بن مسعود رضى الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ خَمْساً فَقِيلَ لَهُ أَزِيدَ فِى الصَّلاَةِ ؟ فَقَالَ : «‏ وَ مَا ذَاكَ ؟ »‏ ، قَالَ : صَلَّيْتَ خَمْساً ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ .
و الراجح أن سجود السهو عن الزيادة في الصلاة محلّه بعدَ التسليم ، لهذا الحديث ، و الله أعلم ، و صلى الله و سلّم على نبيّنا محمّد و آله و صحبه أجمعين .

كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com