بسم الله الرحمن الرحيم

حكم تربية اليتيم أو اللقيط و نسبته إلى غير أبيه

 
السؤال :
تزوّجت منذ 12 عاماً و لم أرزَق بأولاد ، و أنا أعيش في بلاد الغربة ، و أريد أن أتبنى طفلةً لأربيها على الطريقة الإسلامية علَّ الله عز و جل أن يجعل فيها الخير ، فتكون لنا منها دعوة صالحة بعد الموت .
و لكن التبني هنا يوجب أن تسجله باسمِك و إلا فلا يسمح لك أن تأخذ الطفل الذي تريد تبنيه و تربيته ، و هنا آلاف الأطفال بدون آباء .
لذلك أريد توضيح حُكم الشرع في التبني على هذه الصفة ، و الله الموفق .
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
كان التبني معروفاً في الجاهليّة ، و صدر الإسلام إلى أن نزل تحريمه في قوله تعالى : ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوَالِيكُمْ ) [ الأحزاب : 5 ] .
قال القرطبي في تفسير هذه الآية : ( قال النحاس هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني وهو من نسخ السنة بالقرآن فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه فإن لم يكن له ولاء معروف قال له يا أخي يعني في الدين قال الله تعالى إنما المؤمنون اخوة ) [ تفسير القرطبي : 14 / 119 ] .
و عليه فإن التبني لا يجوز بحالٍ من الأحوال ، و هو بخلاف كفالة الأيتام التي حثّنا عليها الإسلام ، لما روى البخاري و الترمذي و أبو داود و أحمد عَنْ سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : «‏ أَنَا وَ كَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا »‏ .‏ وَ أَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَ الْوُسْطَى ،‏ وَ فَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئاً ، و رواه بنحوه مسلم و أحمد و مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه .
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : ( كافل اليتيم القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك , و هذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه , أو من مال اليتيم بولاية شرعية ) .
و من حُرِمَ الذرّية فليحتسب الأجر عند الله تعالى ، فإنّ هذا ابتلاءٌ لا مردّ له ، قال تعالى : (وَ يَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً ) [ الشورى : 50 ] . و لو بادر إلى كفالة يتيم يربيه و يرعاه لحاز الأجر العظيم في الآخرة ، و لأنس و البركة في الدنيا ،
و لكن عليه أن يحتاط لدينه فيراعي الأمور التالية :
لا يجوز لمن كفل ابن غيره ( سواءً كان يتيماً أو لقيطاً أو غير ذلك ) أن ينسبه إليه ، بل يُنسبُ إلى أبيه الصلبي ( الحقيقي ) ، فإن لم يعرِف أباه نسبه إلى ما يُعرف به ( كأن يُقال : فلان الشامي نسبةً إلى الشام أو المقدسي نسبةً إلى القدس أو غير ذلك ) ، أو دعاه بأخوّة الإسلام .
و إذا كان لا بدّ له من ذكر اسم أبيه في السجلات الرسميّة فيُنسَب إلى عبد الله أو عبد الرحمن مثلاً ، إذ إنّ العباد كلّهم عباد الله ، و أبوه منهم .
إذا ربّى الرجل بنتاً من غير صُلبه و لا محارمه بالنسب أو الرضاع ، فإنّها تظلّ أجنبيّةً عنه ، و يجب عليها أن تحتجب عنه بعد البلوغ ، ما لم تكن بنتاً لزوجته التي دخل بها .
و إذا ربّت المرأة ابناً من غير أبنائها نسباً أو رضاعاً و لا أبناء زوجها أو محارمها ، فليس لها أن تنكشفَ عليه إذا بلغ الحلُم ، بل يجب عليه أن تحتاط من ذلك ، و ربّما رفع عنها الحرج إذا أرضعته بنفسها ، أو أرضعته أختها أو أمّها أو بنتها ، لأنّها تصير بذلك أماً أو أختاً أو خالةً له من الرضاع .
هذا ، و الله الموفّق ، و هو الهادي إلى سواء السبيل .
و الحمد لله ربّ العالمين .

كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
ahmadnajeeb@hotmail.com