بسم الله الرحمن الرحيم

هل " السجلُ " أحدُ كتَّابِ النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟؟


الحمد لله وبعد ؛
هذا بحث عن اسم ورد في كتاب الله جل وعلا وهو " السجل " اختلف أئمة التفسير والعلماء في معناه على أقوال ، وأحدُ هذه الأقوال انتصر له بعض العلماء على أنه اسم لكاتب النبي صلى الله عليه وسلم .

وفي هذا البحث سنقف مع هذا القول ، ونبين مدى صحته .
وقد قسمت البحث إلى مقدمة ، وفصلين .

المقدمة تشتمل على :
نص الآية وأقوال المفسرين مجملة .

الفصل الأول يشتمل على :
- أدلة القائلين بأن " السجل " كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم .

الفصل الثاني يشتمل على :
- أدلة القائلين بأنه لا يوجد كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم اسمه " السجل " .

- الترجيح بين هذه الأقوال .

- فوائد خلال البحث .

أسأل الله أن ينفع بهذا البحث .

المـــقــدمــة :

نص الآية :
قال تعالى : " ‏يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ " [ الأنبياء : 104] .

أقوال المفسرين مجملة :
نقل الإمام ابن الجوزي الأقوال في معنى " السجل " في زاد المسير (5/395) فقال :
وفي " السجل " أربعة أقوال :
أحدها : انه ملك قاله علي بن طالب وابن عمر والسدي .
والثاني : أنه كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس .
والثالث : أن " السجل " بمعنى الرجل ، روى أبو الجوزاء عن ابن عباس قال : السجل : هو الرجل . قال شيخنا أبو منصور اللغوي : وقد قيل : السجل بلغة الحبشة الرجل .
والرابع : أنه الصحيفة . رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال مجاهد ، والفراء ، وابن قتيبة .ا.هـ.

والذي يهمنا في مسألتنا هو القول الثاني ، فهل يثبت هذا القول من جهة الدليل .

الفصل الأول :

- أدلة القائلين بأن " السجل " كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم :

دليل القائل بهذا القول :
‏عَنْ ‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏قَالَ ‏: ‏‏السِّجِلُّ كَاتِبٌ كَانَ لِلنَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رواه أبو داود (2935) ، والنسائي في الكبرى (6/408 ح 11335) من طريق نوح بن قيس ، عن يزيد بن كعب ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس به .

رجـــــال الإسنــــاد :
- نوح بن قيس :
قال عنه الحافظ في التقريب : صدوق رمي بالتشيع .

- يزيد بن كعب العَوْذي :
قال عنه الذهبي في الميزان (4/438) : راوي حديث : إن السجل كتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم ، أخرجه النسائي ، وأبو داود لا يُدْرَى مَنْ ذا أصلا . رواه عن عمرو بن مالك النُّكري . انفرد عنه نوح بن قيس الحُدَّاني .
وقال عنه الحافظ في التقريب : مجهول .
وذكره ابن حبان في الثقات .

- عمرو بن مالك النُّكري :
قال بشار عواد في تحقيقه لكتاب تهذيب الكمال (22/212) عند قول الحافظ المزي : ذكره ابن حبان في الثقات . وبقية كلام ابن حبان : ويعتبر حديث من غير رواية ابنه عنه … وقال ابن حجر في التهذيب : وقال ابن حبان : يخطىء ويغرب ، ولم نجد هذا القول في المطبوع من ابن حبان فلعله سقط .ا.هـ.
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب : صدوق له أوهام .

- أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الرَّبَعي :
قال أبو زرعة ، وأبو حاتم : ثقة . وقال الحافظ في التقريب : يرسل كثيرا ، ثقة .

فإسناد الحديث ضعيف وذلك لجهالة يزيد بن كعب العَوْذي .

وقال ابن كثير في البداية والنهاية (5/301 – 302) :
ومنهم السجل – أي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم – كما ورد به الحديث المروي في ذلك عن ابن عباس – إن صح – وفيه نظر … وقد عرضت هذا الحديث على شيخنا الحافظ الكبير أبي الحجاج المزي فأنكره جدا ، وأخبرته أن شيخنا العلامة أبا العباس ابن تيمية كان يقول : هو حديث موضوع ، وإن كان في سنن أبي داود . فقال شيخنا المزي : وأنا أقوله .ا.هـ.

وقال الألباني في ضعيف سنن أبي داود (630) : ضعيف .

والحديث رواه أيضا الطبراني في الكبير (12/170 ح 12790) من طريق يحيى بن عمرو بن مالك عن أبيه به .

وفي إسناده يحيى بن عمرو بن مالك النُّكري وقد ضعفه يحيى بن معين ، وأبو زُرعة ، وأبو داود ، والنسائي . وقال ابن الجنيد عن يحيى : ليس بشيء . وقال أبو زرعة في موضع آخر : واهي الحديث .

وقال الحافظ الذهبي (4/399) : ورماه حماد بن زيد بالكذب . وذكر الحافظ الذهبي هذا الحديث من مناكيره فقال :

وبه : كان للنبي صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى السجل . تابعه فيه يزيد بن كعب العوذي عن عمرو بن مالك ، ويزيد – مجهول .

وقال الحافظ ابن حجر : ضعيف ، ويقال : إن حماد بن زيد كذبه .

قال ابن كثير في البداية والنهاية (5/302) : ويحيى هذا ضعيف جدا فلا يصلح للمتابعة والله أعلم .ا.هـ.

وقد جاء الحديث من رواية ابن عمر - رضي الله عنهما - رواه الخطيب البغدادي قي تاريخ بغداد (8/175) من طريق حمدان بن سعيد عن عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر .

وفي إسناد الحديث حمدان بن سعيد .

قال عنه الذهبي في الميزان (1/602) : حمدان بن سعيد . عن عبد الله بن نُمير . أتى بخبر كذب عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم اسمه سِجل .

وتعقبه الحافظ ابن حجر في اللسان (2/433) بقوله : وهذا المتن لا يجوز أن يطلق عليه الكذب ، فقد رواه النسائي في التفسير ، وأبو داود في السنن من طريق أخرى عن ابن عباس . وأما هذه الطريق فتفرد بها حمدان ، لكن لم أر من ضعفه قبل المؤلف .ا.هـ.

قال ابن كثير في البداية والنهاية (5/302) : وأغرب من ذلك أيضا ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب وابن مندة … قال ابن مندة : غريب تفرد به حمدان . وقال البرقاني : قال أبو الفتح الأزدي : نفرد به ابن نمير – إن صح - . قلت – ابن كثير - : وهذا أيضا منكر عن ابن عمر كما هو منكر عن ابن عباس .ا.هـ.

وممن ذكر السجل من أسماء الصحابة : ابن مندة ، وأبو نعيم الأصبهاني ، وابن الأثير في أسد الغابة . وزاد الحافظ في الفتح (8/437) ابن مردويه أيضا ممن عده في الصحابة .

وذكره الحافظ ابن حجر أيضا في الإصابة (3/33) ورد قول من قال أن الحديث موضوع ، بل إنه ذهب إلى تصحيح الحديث فقال :

فهذا الحديث صحيح بهذه الطرق ، وغفل من زعم أنه موضوع .

الفصل الثاني :

- أدلة القائلين بأنه لا يوجد كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم اسمه " السجل " :

ذهب أكثر العلماء إلى رد قول من قال أن السجل كاتبٌ للنبي صلى الله ، ومن أدلتهم التي استدلوا بها على رده ما يلي :

الأول : عدم صحة الأحاديث الواردة في الباب :
نقلت في ثنايا تخريج الحديث في الفصل الأول رد أهل العلم على الأحاديث التي استدل بها القائلون بأن هناك كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم اسمه السجل ، بل ذهب بعضهم إلى نكارة الأحاديث .

قال ابن كثير في التفسير (5/383) : وقد تصدى الإمام أبو جعفر بن جرير للإنكار على هذا الحديث ورده أتم رد .ا.هـ.

وقال محمد صديق حسن خان في فتح البيان (8/377) بعد أن نقل كلام ابن كثير في نكارة الحديث : وصدق – رحمه الله – في ذلك ، وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث .ا.هـ

وحكم شيخ الإسلام ابن تيمية على الحديث بالوضع ، ووافقه على ذلك الحافظ المزي – رحم الله الجميع - كما نقل ابنُ كثير في البداية والنهاية (5/301 – 302) فقال :

وقد عرضت هذا الحديث على شيخنا الحافظ الكبير أبي الحجاج المزي فأنكره جدا ، وأخبرته أن شيخنا العلامة أبا العباس ابن تيمية كان يقول : هو حديث موضوع ، وإن كان في سنن أبي داود . فقال شيخنا المزي : وأنا أقوله .ا.هـ.

وقال ابن كثير في تفسيره (5/383) :
وكذلك ما تقدم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضا ، وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه ، وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي فسح الله في عمره ، ونسأ في أجله ، وختم له بصالح عمله .ا.هـ.

ونقل الإمام ابن القيم أيضا في حاشية سنن أبي داود (8/110) حكم شيخ الإسلام ابن تيمية على الحديث بالوضع فقال : سمعت شيخنا أبا العباس بن تيمية يقول هذا الحديث موضوع .ا.هـ.

الثاني : لا يعرف في الصحابة صحابي اسمه " السجل " :
وهذا ما جزم به غالب أهل العلم ، وإليك النقول عنهم .

قال الفخر الرازي في تفسيره (11/228) :
وهذا بعيد لأن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين ، وليس فيهم من سمي بهذا .ا.هـ.

وقال الألوسي في روح المعاني (17/100) :
وضعف ذلك ، بل قيل : إنه واه جدا . لأنه لم يعرف أحد من الصحابة رضي الله عنهم اسمه السجل ، ولا حسن للتشبيه عليه .ا.هـ.

وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (11/230) :
وعن ابن عباس أيضا اسم كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بالقوي ، لأن كُتّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معروفون ليس هذا منهم ، ولا في أصحابه من اسمه السِّجل .ا.هـ.

وقال ابن جزي الكلبي في التسهيل لعلوم التنزيل ( ص423) :
وقيل : السجل رجل كاتب وهذا ضعيف .ا.هـ.

وقال الإمام ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود (8/110) :
ولا يعرف لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب اسمه السجل قط ، وليس في الصحابة من اسمه السجل ، وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم معروفون ،لم يكن فيهم من يقال له : السجل .ا.هـ.

وصرح الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (4/757) بسقوط هذا القول فقال :
وقول من قال : إن السجل صحابي ، كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم – ظاهر السقوط كما ترى .ا.هـ.

الثالث : أن السورة مكية :
كما هو معلوم أن سورة الأنبياء مكية ، قال الفيروزابادي في " بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز " (1/317) : السورة مكية بالاتفاق .ا.هـ.

وهذا الإيراد ذكره الإمام ابن القيم – رحمه الله – نقلا عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية في حاشيته على سنن أبي داود (8/110) :

قال ( أي : شيخ الإسلام ابن تيمية ) : والآية مكية ، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب بمكة .ا.هـ.

الترجيح :

وبعد هذه النقولات لأهل العلم يتبين أنه ليس في الصحابة من يسمى بـ " السجل " ، وهذا هو الراجح ، والله أعلم .

فـــوائـــد خلال البحث :

الفائدة الأولى :
أفرد الحافظ ابن كثير – رحمه الله – لهذا الحديث جزءا كما ذكر ذلك في تفسيره (5/383) فقال : وقد أفردت لهذا الحديث جزءا على حدته ، ولله الحمد .ا.هـ.

ولكن لا أدري هل هذا الجزء مازال مخطوطا ، أو مفقودا ؟ الله أعلم .

والمقصود بالجزء أن المؤلف يأتي على حديث من الأحاديث ، فيجمع طرقه ، ورواياته ، فيذكرها بالأسانيد ، والزيادات .

الفائدة الثانية :
إيجاد العذر للأئمة الذين ذكروا أن السجل كاتب للنبي صلى الله عليه :

وجد ابن كثير العذرَ للأئمة الذين ذكروا أن السجل كاتب للنبي صلى الله في البداية والنهاية (5/302) بقوله :
ومن ذكره في أسماء الصحابة كابن مندة ، وأبي نعيم الأصبهاني ، وابن الأثير في الغابة إنما ذكره إحسانا للظن بهذا الحديث ، أو تعليقا على صحته والله أعلم .ا.هـ.

وقد يقال أيضا أن العلماء المذكورين جمعوا في كتبهم أسماء الصحابة ، وجاء حديث فيما يخص ما جمعوه ، فكان لزاما عليهم أن يوردوه في مؤلفاتهم التي ألفوها في الصحابة .

أمر آخر ؛ من طريقة العلماء المتقدمين أنهم يذكرون الأحاديث بأسانيدها سواء كانت صحيحة أو ضعيفة في كتبهم ، ولسان حالهم يقول : لقد برئت ذمتي عندما أسندت الأحاديث الواردة في الكتاب ، فعليك يا أيها القارئ أن تبحث عن صحة وضعف الأسانيد التي أوردتها ، لأن من أسند فقد برئت ذمته .

قال الشيخ العلامة الألباني في تحقيقه لكتاب " اقتضاء العلم العمل " ( ص 4) :
أن القاعدة عند علماء الحديث أن المحدث إذا ساق الحديث بسنده ، فقد برئت عهدته منه ، ولا مسؤولية عليه في روايته ، ما دام قد قرن معه الوسيلة التي تمكن العالم من معرفة ما إذا كان الحديث صحيحا أو غير صحيح ، ألا وهي الإسناد .ا.هـ.

وفي الختام ، أسأل الله أن ينفع الله بهذا البحث من قرأه ، وأن يدعو لكاتبه

عبد الله زقيل
zugailam@yahoo.com