اختلف أهل العلم في هذه المسألة فيما إذا سبق الصبي المميز في الصف الأول على
قولين :
القول الأول :
لا يؤخر .
وهو قول الشافعية .
واستدلوا :
1 - عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ
قَالَ : قَالَ لِي أَبُو قِلَابَةَ : أَلَا تَلْقَاهُ فَتَسْأَلَهُ
قَالَ : فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ
وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ : مَا لِلنَّاسِ ؟ مَا
لِلنَّاسِ ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ ؟ فَيَقُولُونَ : يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ
أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَوْ أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا فَكُنْتُ أَحْفَظُ
ذَلِكَ الْكَلَامَ وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي ، وَكَانَتْ
الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْحَ فَيَقُولُونَ : اتْرُكُوهُ
وَقَوْمَهُ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ
فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ
بِإِسْلَامِهِمْ وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ
قَالَ : جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا فَقَالَ : صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا
، وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ
فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَنَظَرُوا
فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنْ
الرُّكْبَانِ ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ
أَوْ سَبْعِ سِنِينَ ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ
تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتْ : امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ أَلَا تُغَطُّوا
عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ فَاشْتَزَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا فَمَا
فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ . رواه البخاري (4302) .
قالوا :
دل الحديبث على جواز إمامة الصبي المميز فإذا جازت إمامته فمن باب أولى جواز
جلوسه في الصف المقدم وأنه لا يؤخر .
2 -
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ
مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ . رواه البخاري (6269) ومسلم (2177) .
قالوا :
هذا نص عام يشمل الصبي وغيره .
القول الثاني :
يؤخر .
وهو ظاهر كلام الإمام أحمد ، ورجحه ابن قدامة ، وابن رجب .
استدلوا :
1 -
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ :
اسْتَوُوا ، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ ؛ لِيَلِنِي
مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ . رواه مسلم (432) .
2 -
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ : قَالَ أَبُو مَالِكٍ
الْأَشْعَرِيُّ : أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَأَقَامَ الصَّلَاةَ ، وَصَفَّ
الرِّجَالَ ، وَصَفَّ خَلْفَهُمْ الْغِلْمَانَ ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ
فَذَكَرَ صَلَاتَهُ ، ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا صَلَاةُ .
قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى : لَا أَحْسَبُهُ إِلَّا قَالَ : صَلَاةُ
أُمَّتِي . رواه أبو داود (132) .
وهو حديث ضعيف في سنده شهر ابن حوشب . قال العلامة الألباني - رحمه الله - في
المشكاة (1115) : بإسناد ضعيف فيه شهر بن حوشب ، وقد ضعف لسوء حفظه .ا.هـ.
3 -
عَنْ قَيْسِ بنِ عُبَادٍ قَالَ : بَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ فِي
الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ فَجَبَذَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي جَبْذَةً
فَنَحَّانِي ، وَقَامَ مَقَامِي ، فَوَاللَّهِ مَا عَقَلْتُ صَلَاتِي
فَلَمَّا انْصَرَفَ فَإِذَا هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ : يَا
فَتَى لَا يَسُؤْكَ اللَّهُ إِنَّ هَذَا عَهْدٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا أَنْ نَلِيَهُ ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ
الْقِبْلَةَ فَقَالَ : هَلَكَ أَهْلُ الْعُقَدِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ
ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ مَا عَلَيْهِمْ آسَى ، وَلَكِنْ آسَى
عَلَى مَنْ أَضَلُّوا قُلْتُ : يَا أَبَا يَعْقُوبَ ، مَا يَعْنِي
بِأَهْلِ الْعُقَدِ . قَالَ : الْأُمَرَاءُ . رواه أحمد (5/140) ، والنسائي
(778) ، وابن خزيمة (1573) .
وصحح إسناده العلامة الألباني في المشكاة (1116) .
وقد رجح العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين القول الأول ، وضعف القول
الثاني ، وذكر محاذيرا في مسألة تأخير الصبيان عن الصف الأول إذا سبقوا إليه
. انظر الشرح الممتع (3/20 - 22) .
والله أعلم .
رابط الموضوع