بسم الله الرحمن الرحيم

ما حكمُ إنشادِ الشعرِ في خطبةِ الجمعةِ ؟


منع بعض علمائنا المعاصرين - وفقهم الله - من إيرد الشعر في خطبة الجمعة لكون الأمر وجد سببه في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله . فما رأيكم - رعاكم الله - في ذلك ؟

الجواب :
الأخ همام .
المسألة يذكرها أهل العلم في حكم إنشاد الشعر في المسجد ، وهل يجوز قول الشعر في المسجد ؟

المسألة فيها تفصيل :

- وردت أحاديث تنهى عن قول الشعر في المسجد فمن ذلك :

‏عَنْ ‏عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ‏، ‏عَنْ ‏‏أَبِيهِ ‏، ‏عَنْ ‏جَدِّهِ ‏، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏أَنَّهُ ‏‏نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَعَنْ الْبَيْعِ ‏ ‏وَالِاشْتِرَاءِ فِيهِ ، وَأَنْ يَتَحَلَّقَ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ .

رواه الترمذي (322) وقال : ‏حَدِيثُ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَدِيثٌ حَسَنٌ ‏.

‏وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ‏هُوَ ‏ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ‏.

‏قَالَ ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَعِيلَ ‏: ‏رَأَيْتُ ‏أَحْمَدَ ‏وَإِسْحَقَ وَذَكَرَ غَيْرَهُمَا يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ ‏عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ‏.

‏قَالَ ‏مُحَمَّدٌ ‏: ‏وَقَدْ سَمِعَ ‏ ‏شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ ‏ ‏مِنْ جَدِّهِ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ‏ .

‏قَالَ ‏ ‏أَبُو عِيسَى ‏: ‏وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي حَدِيثِ ‏ ‏عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ‏ ‏إِنَّمَا ضَعَّفَهُ لِأَنَّهُ يُحَدِّثُ عَنْ صَحِيفَةِ جَدِّهِ كَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مِنْ جَدِّهِ ‏.

وهذا الحديث أشهر ما في الباب في النهي عن إنشاد الشعر في السمجد .

وجاءت أحاديث أخرى فيها الرخصة في قول الشعر في المسجد :

- عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ : عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحِسَانٌ فِيهِ يُنْشِدُ , فَلَحَظَ إِلَيْهِ , فَقَالَ : كُنْت أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك , ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ : أَنْشُدُك اللَّهَ أَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَجِبْ عَنِّي , اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . رواه البخاري (3212) ، ومسلم (2485) .

- عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : شَهِدْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَصْحَابُهُ يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْرَ وَأَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُمْ .

رواه الترمذي وقال : ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ‏، ‏وَقَدْ رَوَاهُ ‏زُهَيْرٌ ‏، ‏عَنْ ‏سِمَاكٍ ‏ ‏أَيْضًا .

وقال الترمذي : ‏وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ رُخْصَةٌ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ .

وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث المتعارضة بأقول هي ما يلي :

1 - أن أحاديث النهي ناسخة لأحاديث الجواز ، وقد قال بهذا القول واحد من الفقهاء ذكره الحافظ ابن حجر في " الفتح " فقال : وَأَبْعَدَ أَبُو عَبْد الْمَلِك الْبَوْنِيُّ فَأَعْمَلَ أَحَادِيث النَّهْيِ وَادَّعَى النَّسْخَ فِي حَدِيثِ الْإِذْنِ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ حَكَاهُ اِبْنُ التِّينِ عَنْهُ .ا.هـ.

2 - أحاديث الأذن تدل على الجواز ، وأحاديث النهي تدل على الكراهة ، فيكون إنشاد الشعر في المسجد جائز مع الكراهة .

3 - إنشاد الشعر في المسجد جائز من غير كراهة ولكن بشروط :

أولا : أن لا يكون الشعر بذيئاً فاحشاً .
قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " : فَالْجَمْع بَيْنَهَا وَبَيْن حَدِيث الْبَابِ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى تَنَاشُدِ أَشْعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُبْطِلِينَ , وَالْمَأْذُونِ فِيهِ مَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ .ا.هـ.

ونقل المباركفوري في : التحفة " عن ابن العربي ما نصه : وَقَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ : لَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا كَانَ فِي مَدْحِ الدِّينِ وَإِقَامَةِ الشَّرْعِ , وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْخَمْرُ مَمْدُوحَةً بِصِفَاتِهَا الْخَبِيثَةِ مِنْ طِيبِ رَائِحَةٍ وَحُسْنِ لَوْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَذْكُرُهُ مَنْ يَعْرِفُهَا , وَقَدْ مَدَحَ فِيهِ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ . إِلَى قَوْلِهِ فِي صِفَةِ رِيقِهَا : كَأَنَّهُ مَنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُولُ .

قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَهَذِهِ قَصِيدَةٌ قَدْ رَوَيْنَاهَا مِنْ طُرُقٍ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ , وَذَكَرَهَا اِبْنُ إِسْحَاقَ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ عَنْ كَعْبٍ وَإِنْشَادِهِ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ فِيهَا مَدْحُ الْخَمْرِ وَإِنَّمَا فِيهِ مَدْحُ رِيقِهَا وَتَشْبِيهِهِ بِالرَّاحِ اِنْتَهَى .ا.هـ.

ثانيا : أن لا يكون غالبا في المسجد ، وينشغل الناس به عن غيره مما وضعت المساجد من أجله ، ولكي لايكون المسجد مكانا مثل النوادي الأدبية ، وأسواق الجاهلية .

قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " : وَقِيلَ : الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَا إِذَا كَانَ التَّنَاشُد غَالِبًا عَلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَتَشَاغَلَ بِهِ مِنْ فِيهِ .ا.هـ.

وقد جاء النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة الإنشغال بإنشاد لشعر .

‏عَنْ ‏ابْنِ عُمَرَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏‏عَنْ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏قَالَ : ‏‏لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا . رواه البخاري ومسلم .

وبوب البخاري على الحديث : ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده .

وعلق الحافظ ابن حجر في " الفتح " بقوله :
( تَنْبِيه ) : ‏
‏مُنَاسَبَة هَذِهِ الْمُبَالَغَة فِي ذَمّ الشِّعْر أَنَّ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِذَلِكَ كَانُوا فِي غَايَة الْإِقْبَال عَلَيْهِ وَالِاشْتِغَال بِهِ , فَزَجَرَهُمْ عَنْهُ لِيَقْبَلُوا عَلَى الْقُرْآن وَعَلَى ذِكْر اللَّه تَعَالَى وَعِبَادَته , فَمَنْ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ مَا أُمِرَ بِهِ لَمْ يَضُرّهُ مَا بَقِيَ عِنْدَه مِمَّا سِوَى ذَلِكَ , وَاَللَّه أَعْلَم .

وهذا الحكم في إنشاد الشعر في المسجد يُنزل على مثله في خطبة الجمعة . والله أعلم .

رابط الموضوع

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل
zugailam@islamway.net 

الصفحة الرئيسة