الحمد لله وبعد .
فإن من نعم الله على العبد نعمة الولد ، وهذا الولد وضعت له الشريعة أحكاما
عند ولادته ، وهي أحكام كثيرة نريد أن نقف معها ونجعلها طريقا يسلكه لمن أراد
السير على هدي هذه الأحكام .
وقد جمعت هذه الأحكام من عدة كتب ، ولكن المرجع الأساسي لكل من كتب في هذا
الموضوع - أي أحكام المولود - هو كتاب الإمام ابن القيم
" تحفةُ المودودِ بأحكامِ المولودِ "
وقبل البدء بكتابة الأحكام المتعلقة بالمولود أذكر سبب تأليف الإمام ابن
القيم لكتابه " تحفة المودود بأحكام المولود " .
قال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه " ابن قيم الجوزية ، حياته ، آثاره ، موارده
" :
وقد ذكر الأستاذ عبد القادر في مقدمته سبب تصنيف المؤلف لهذا الكتاب إذ وجد
تحت عنوان الأصل ما نصه : هو أن الله رزق ابن المصنف برهان الدين مولودا ولم
يكن عند والده في ذلك الوقت ما يقدمه لولده من متاع الدنيا ، فصنف هذا الكتاب
وأعطاه إياه وقال له : أتحفك بهذا الكتاب إذ لم عندي شيء من الدنيا أعطيك
.ا.هـ.
وبعد ذكر سبب تأليف ابن القيم لكتابه المذكور نبدأ بذكر أحكام المولود نسأل
الله العون والسداد .
1 –
صراخ الطفل عند خروجه من بطن أمه :
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
: ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن
مريم وأمه . ثم قال أبو هريرة : إقرؤا إن شئتم : " وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ
وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " [آل عمران :36] .
رواه البخاري ومسلم .
قال ابن كثير في تفسيره :
وقوله إخبارا عن أم مريم أنها قالت : " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان
الرجيم " أي عوذتها بالله عز وجل من شر الشيطان وعوذت ذريتها وهو ولدها عيسى
عليه السلام فاستجاب الله لها ذلك .ا.هـ.
وقال القرطبي في تفسيره :
قال علماؤنا : فأفاد هذا الحديث أن الله تعالى استجاب دعاء أم مريم فإن
الشيطان ينخس جميع ولد آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا مريم وابنها .ا.هـ.
2 –
إعاذته وذريته من الشيطان الرجيم :
وذلك كما فعلت امرأة عمران عندما قالت : " فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ
رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ
وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي
أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " [ آل عمران
: 36]
3 –
الاستبشار والبشارة بالمولود :
لقد قص الله علينا في كتابه قصة بشارة إبراهيم بإسحاق .
قال تعالى : " وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا
سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا
رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ
خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ .
وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ
وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ " [ هود : 69-71] .
وقصة بشارة زكريا بيحيى .
قال تعالى : " يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى
لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا " [ مريم : 7]
ومن عادات الجاهلية التي ذكرها القرآن مما يتعلق بالبشارة ، الاستبشار بالذكر
، والسخط بالأنثى .
قال تعالى : " وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ
مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ " [ النحل : 58] .
ومع الأسف انتقلت هذه العادة الجاهلية إلى كثير من المسلمين من التسخط
بالأنثى . فعلى العبد أن يكون راضيا بما رزقه الله سواء كان المولود ذكرا أم
أنثى .
قال تعالى : " لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا
يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ
. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ
عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ " [ الشورى : 49-50] .
فائدة : يشرع للمُبشَّرِ أن يهدي شيئا للمُبَشِّر ، كما أهدى كعب بن مالك
للرجل الذي بشره بالتوبة رداءه .
قال كعب بن مالك في قصة توبته : فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له
ثوبي فكسوته إياه ببشراه ، والله ما أملك غيرها يومئذ ، واستعرت ثوبين
فلبستهما .. الحديث .
رواه البخاري ومسلم .
وللموضوع بقية ....