بسم الله الرحمن الرحيم

 القول المبين في حكم شاتم خاتم النبين


القول المبين في حكم شاتم خاتم النبين (1)

مقدمة :
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد .
الحمدلله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره أهل الشرك والعناد ولقد هدانا الله بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأخرجنا به من الظلمات إلى النور وآتانا ببركة رسالته ويمن سفارته خير الدنيا والآخرة وكان من ربه بالمنزلة العليا التي تقاصرت العقول والألسنة عن معرفتها ونعتها .
ولقد كفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم المستهزءين فقال الله تعالى : " إن كفيناك المستهزءين " (الحجر : 95) قال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان (3/182) : بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه كفى نبيه صلى الله عليه وسلم المستهزءين الذين كانوا يستهزئون به وهم قوم من قريش وذكر في مواضع أخر أنه كفاه غيرهم كقوله في أهل الكتاب : فسيكفيكهم الله . وقوله : أليس الله بكاف عبده .ا.هـ.
وقال تعالى : " إن شانئك هو الأبتر " (الكوثر : 3)
قال ابن كثير في تفسيره (8/504) : إن مبغضك - يا محمد - ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره . ا.هـ.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال ؛ قدم كعب بن الأشرف مكة فقال له قريش : انت سيدهم ألا ترى هذا المُصنبر المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدنة وأهل السقاية فقال : أنتم خير منه قال : فنزلت : إن سانئك هو الأبتر . رواه البزار وقال ابن كثير إسناد صحيح وذكره الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند من أسباب النزول (ص175) .
وقال تعالى : " إن الذين يؤذن الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا " (الأحزاب : 57) .
فهذه الآيات تبين ما للرسول من منزلة ومقام عظيم عند الله .
حكم سب النبي صلى الله عليه والاستهزاء به من الكتاب والسنة وأقوال السلف :
إن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به من نواقض الإيمان التي توجب الكفر ظاهرا وباطنا سواء استحل ذلك أو لم يستحله قال تعالى : " ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " (التوبة : 64-65) .
روى ابن أبي حاتم بإسناده عن عبدالله بن عمر قال : قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب
بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس : كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن قال عبدالله : فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول : يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبالله ورسوله كنتم تستهزئون .
قال الشيخ مقبل في الصحيح المسند من أسباب النزول (ص78) : الحديث رجاله رجال الصحيح إلا هشام بن سعد فلم يخرج له مسلم إلا في الشواهد كما في الميزان وأخرجه الطبري من طريقه وله شاهد بسند حسن عند ابن أبي حاتم من حديث كعب بن مالك .
قال ابن حزم عند هذه الآية في الفصل (4/244) : فنص تعالى على أن الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر مخرج من الإيمان ولم يقل تعالى في ذلك إني علمت أن في قلوبكم كفرا بل جعلهم كفارا بنفس الاستهزاء ومن ادعى غير هذا فقد قول الله تعالى ما لم يقل وكذب على الله .ا.هـ.
ويدخل في هذه الآية الاستهزاء بالمتمسكين بهذا الدين في مظهرهم ومخبرهم وأن السخرية بهم من الأمور الموقعة في الكفر نسأل الله السلامة والعافية .
أما ما جاء من نصوص السنة في هذه المسألة فإليك يا أخي المسلم جملة من النصوص لنعلم خطر هذا الأمر .
- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : أن أعمى كانت له أم ولد - أي غير مسلمة - تشتم النبي صلى الله عليه وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر قال : فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وتشتمه فأخذ المعول - وهو سيف قصير - فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم فلما أصبح ذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال : انشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل - يعني يتحرك - حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر ولي منها إبنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المعول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الا اشهدوا : إن دمها هدر
رواه أبو داود وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن أبي داود (3665) .
وقد بوب عليه أبو داود فقال : باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم .
فهذا الحديث نص في أن الذمي وهو غير المسلم الذي صالحناه وأعطيناه الأمان إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم ينتقض عهده وأنه يجب قتله .
قال أسحاق بن راهوية : إن أظهروا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسُمع منهم ذلك أو تحقق عليهم قتلوا .
وكذلك نص الإمام أحمد على وجوب قتله وانتقاض عهده .
يتبع ..................


القول المبين في حكم شاتم خاتم النبين (2)

وقفنا في الحلقة الأولى عند حكم شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة وذكرنا ما جاء في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم من قصة الأعمى الذي قتل زوجته الذمية .

قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول على شاتم الرسول (2/145) عند هذه القصة :
وهذه المرأة إما أن تكون زوجة لهذا الرجل أو مملوكة له وعلى التقديرين فلو لم يكن قتلها جائزا لبين النبي صلى الله عليه له أن قتلها كان محرما وأن دمها كان معصوما ولأوجب عليه الكفارة بقتل المعصوم والدية إن لم تكن مملوكة له فلما قال : اشهدوا أن دمها هدر - والهدر الذي لا يضمن بقود ولا دية ولا كفارة - عُلم أنه كان مباحا مع كونها كانت ذمية فعلم أن السب أباح دمها لاسيما والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أهدر دمها عقب إخباره بأنها قتلت لأجل السب فعلم أن الموجب لذلك والقصة ظاهرة الدلالة في ذلك .ا.هـ.

الحديث الثاني :
ومما جاء في السنة في قتل شاتم الرسول وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقط حقه في قتل من سبه صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المِغْفَر - نوع من الدروع يكون على قدر الرأس - فلما نزعه جاء رجل فقال : ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال : اقتلوه .
رواه البخاري (1846) ومسلم (1357) وأبوداود (2685) والترمذي (1693) والنسائي (5/20
0) .
قال أبوداود : اسم ابن خطل عبد الله وكان أبو برزة الأسلمي قتله .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم (2/265) :
وقد تقدم عند أهل المغازي أن جرمه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على الصدقة وأصحبه رجلا يخدمه فغضب على رفيقه لكونه لم يصنع له طعاما أمره بصنعه فقتله فخاف ثَمَّ أن يُقتل فارتد واستاق إبل لبصدقة وأنه كان يقول الشعر يهجو به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمر جاريتيه أن تغنيا به فهذا له ثلاث جرائم مبيحة للدم : قتل النفس والردة والهجاء .ا.هـ.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (4/73) :
والسبب في قتل ابن خطل وعدم دخوله في قوله " من دخل المسجد فهو آمن " ما روى ابن إسحاق في المغازي " حدثني عبد الله بن أبي بكر وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة قال : لا يقتل أحد إلا من قاتل , إلا نفرا سماهم فقال : اقتلوهم وإن وجدتموهم تحت أستار الكعبة , منهم عبد الله بن خطل وعبد الله بن سعد , وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى يخدمه وكان مسلما , فنزل منزلا , فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما , فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا , فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا , وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . ا.هـ.
وقال شيخ الإسلام في رده على القائلين أنه قتل ردة (2/266) :
أنه كان مرتدا بلا خلاف بين أهل العلم بالسير وحتم قتله بدون استتابة مع كونه مستسلما منقادا قد ألقى السَّلَم كالأسير فعلم أن من ارتد وسب يقتل بلا استتابة بخلاف من ارتد فقط . يؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم أَمَّن عام الفتح جميع المحاربين إلا ذوي جرائم مخصوصة وكان ممن أهدر دمه دون غيره فعلم أنه لم يقتل لمجرد الكفر والحراب .ا.هـ.

الحديث الثالث :
ومما جاء في السنة أيضا قتل كعب بن الأشرف اليهودي الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله فقام محمد بن مسلمة فقال : أنا يا رسول الله أتحب أن أقتله ؟ قال : نعم . وقصة قتله في الصحيحين .

الحديث الرابع :
ومما جاء في السنة قصة ابن أبي السرح عن سعد قال : لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبدالله بن سعد بن أبي السرح عند عثمان بن عفان فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال : أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين (حيث) رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله . فقالوا : ما ندري يا رسول الله ما في نفسك ألا أومات إلينا بعينك ؟ قال : إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين .
رواه أبو داود (4359) والحاكم (3/45) وقال : صحيح على شرط مسلم . ووافقه الذهبي . وقال الألباني - رحمه الله - في الصحيحة (4/300 برقم 1723) : وهو كما قالا إلا أن أسباط بن نصر وأحمد بن المفضل قد تكلم فيهما بعض الأئمة من جهة حفظهما لكن الحديث له شاهد يتقوى به ثم ذكره الشيخ .
والحديث جاء عند النسائي (4078) بأطول مما عند أبي داود عن سعد قال : لما كان يوم فتح مكة أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال : اقتلوهم وإن وجدتموهم مُتعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبدالله بن خطل ومَقِيس بن ضُبَابة وعبدالله بن سعد بن أبي السرح .
فأما عبد الله بن خطل فأُدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حُريب وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشب الرجلين فقتله .
وأما مَقِيس بن صُبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه .
وأما عكرمة فركب البحر فأصابهم عاصف فقال أصحاب السفينة : أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ههنا فقال عكرمة : والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره اللهم إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا صلى الله عليه وسلم حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما فجاء فأسلم .
وأما عبد الله بن سعد بن أبي السرح ....... فذكره بمثله .
وقد صححه الألباني في صحيح سنن النسائي (3791) وقال في تعليقه على التنكيل (2/255) : ثم خرجت للحديث شاهدا حسنا في الصحيحة 1723.

ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين " كما ذكر الخطابي : أن يظمر بقلبه غير ما يظهره للناس .

وقال المعلمي في التنكيل (2/256) : وكره أن يومض لأن الايماض من شعار أهل الغدر والغدر لا ينبغي للأنبياء .
وعبد الله بن أبي السرح كان أخا لعثمان بن عفان من الرضاعة وكان عبد الله قد ارتد وافترى على النبي صلى الله عليه أنه يلقنه الوحي ويكتب له ما يريد .
قال شيخ الإسلام في الصارم (2/230) :
فوجه الدلالة أن عبد الله بن أبي السرح افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُتَمِّم له الوحي ويكتب له ما يريد فيوافقه عليه وأنه يصرفه حيث شاء ويغير ما أمره به من الوحي فيُقرُّه على ذلك وزعم أنه سينزل مثل ما أنزل الله إذ كان قد أوحي إليه في زعمه كما أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى كتابه والافتراء عليه مما يوجب الريب في نبوته قدر زائد على مجر الكفر به والردة في الدين وهو من أنواع السب .ا.هـ.
وكما نلاحظ في قصة عبد الله بن أبي السرح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أسقط حقه ولم يقتل ابن أبي السرح .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا :
إن الذي عصم دم ابن أبي السرح عفو النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بالإسلام وبالتوبة إنمحى عنه الإثم وبعفو النبي صلى الله عليه وسلم احتقن الدم .ا.هـ.

وللموضوع بقية ..........

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل
zugailam@islamway.net 

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ