بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الناسُ !!! كفوا أيديكم عن نشرِ صورِ العراقياتِ المغتصباتِ


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

انتشرت في خضمِ الأحداثِ المؤلمةِ في بلادِ الرافدينِ العراق صورٌ فاضحةٌ لنساءٍ عراقياتٍ وهن يغتصبن من قِبلِ العلوجِ المحتلين ، وتناقل الناسُ من خلالِ منتدياتِ الحوارِ أو القوائمِ البريديةِ هذه الصورَ على أنهُ من بابِ إثارةِ الإعلامِ العالمي للضغطِ على أمريكا ومن سار في مصافها لكي تخرج من أرضِ الرافدين ، وكذلك من بابِ ضغطِ شعوبِ تلك البلاد على حكوماتها لمحاكمةِ الفاعلين لتلك الجرائمِ الدنيئةِ .

ورأيتُ أن الصورَ انتشرت بطريقةٍ سريعةٍ بين الناسِ ، وكأن المبررات الآنفةِ الذكرِ مسوغاً شرعياً في تداولها ونشرها ، وسنقفُ مع هذا الحدثِ من جهةٍ شرعيةٍ لكي نكونَ على بينةٍ من أمرنا ، ولئلا يتكرر الفعلُ في مراتٍ قادمةٍ ، وإنهُ ليحزننا ما نسمعُ من مثلِ هذه الأفعالِ في العراقِ وغيرها ، ولكن لا يسوغ لنا أن ننشرَ مثلَ هذه الصور أبداً سواء ثبتت أنها من فعلِ العلوجِ حقيقةً أم أنها صورٌ مدبلجةٌ .

لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً

لقد أخبر اللهُ في كتابهِ العزيزِ صفةً من صفاتِ الكفارِ إذا لاحت لهم الفرصةُ وظهروا على المؤمنين فقال تعالى : " كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ " [ التوبة : 8 ] ، وقال تعالى : " لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ " [ التوبة : 10 ] .

قال ابنُ كثير : " يَقُول تَعَالَى مُحَرِّضًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى مُعَادَاتهمْ وَالتَّبَرُّؤِ مِنْهُمْ وَمُبَيِّنًا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يَكُون لَهُمْ عَهْد لِشِرْكِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَكُفْرهمْ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ ظَهَرُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأُدِيلُوا عَلَيْهِمْ لَمْ يُبْقُوا وَلَمْ يَذَرُوا وَلَا رَاقَبُوا فِيهِمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّة " .ا.هـ.

وقال الشيخُ ابنُ سعدي : " أي لا ذمة ولا قرابة ، ولا يخافون الله فيكم ، بل يسومونكم سوءَ العذابِ ، فهذه حالكم معهم لو ظهروا .ا.هـ.

والناظرُ إلى تاريخِ هؤلاءِ العلوجِ قديماً وحديثاً يجدُ مصداقَ ما أخبر اللهُ عنهم " وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا " [ النساء : 122 ] ، " وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا " [ النساء : 87 ] ، ولو جلسنا نسردُ تاريخَ هؤلاءِ الكفرةِ وما فعلوه في المسلمين عندما ظهروا عليهم لشابت الرؤوس من هولِ ما قاموا به ، ولست في مقامِ السردِ لتلك الأحداثِ ، وإنما يكفي هذا الشاهدُ المعاصرُ وما يفعلهُ العلوجُ في أرضِ الرافدين من قتلٍ واغتصابٍ وإهلاكٍ للحرثِ والنسلِ ، وقبل ذلك ما صنعهُ العلوج الصرب في البوسنةِ والهرسك وغير ذلك ، وهذه شواهدُ معاصرةُ رأها القريبُ والبعيدُ .

كُفوا عن نشرِ صورِ العراقياتِ المغتصباتِ

لقد انتشرت الصورُ انتشارَ النارِ في الهشيمِ ، وتناقلها الناسُ في منتدياتهم وبريدهم وكأن الشارع يسوغُ هذا الفعلَ ‍، وعلى العكسِ من ذلك تماماً فالشرعُ يحرمُ مثل هذا الفعلِ من عدةِ وجوهٍ :

أولاً : النظرُ إلى ما حرم اللهُ ، وهذا ولا شك أنه إثمٌ ، واللهُ جل وعلا حرم الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن فقال تعالى : " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ " [ الأعراف : 33 ] .
عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا أَحَد أَغْيَر مِنْ اللَّه فَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا أَحَد أَحَبّ إِلَيْهِ الْمَدْح مِنْ اللَّه " . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ

والنظر إليها لا شك أنه من الإثم بصريحِ الآيةِ ، وقد فسر الإثم بالمعصيةِ ، قال ابنُ كثير : " وَحَاصِل مَا فُسِّرَ بِهِ الْإِثْم أَنَّهُ الْخَطَايَا الْمُتَعَلِّقَة بِالْفَاعِلِ نَفْسه " .ا.هـ.

وهذه بعض الفوائد نسوقها إليك لعل الله أن ينفعنا وإياك بها :

1- أن غض البصر امتثال لأمر الله ، قال تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) النور / 30 ، وامتثال أمر الله هو غاية سعادة العبد في الدنيا والآخرة .

2- أنه طهارة القلب وزكاة النفس والعمل .

3- أنه يمنع وصول أثر السهم المسموم ؛ فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس .

4- تعويض من غض بصره بحلاوة الإيمان في القلب .

5- حصول الفراسة الصادقة التي يميز بها بين الحق والباطل .

6- أنه يخلص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق بصره دامت حسرته .

7- أنه يورث القلب سرورا وفرحا ونورا وإشراقا أعظم من اللذة الحاصلة بالنظر .

8- أنه يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير هواه وشهواته .

9- أن غض البصر يقوي العقل ويزيده ويثبته، وإرسال النظر لا يحصل منه إلا خفة العقل وعدم ملاحظته للعواقب .

ثانياً : نشرها فيه إثمٌ آخر من جهةِ أنه تعاونٌ على الإثمِ والعدوانِ ، قال تعالى : " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ " [ المائدة : 2 ] .
قال ابنُ كثير : " يَأْمُر تَعَالَى عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُعَاوَنَةِ عَلَى فِعْل الْخَيْرَات وَهُوَ الْبِرّ وَتَرْك الْمُنْكَرَات وَهُوَ التَّقْوَى وَيَنْهَاهُمْ عَنْ التَّنَاصُر عَلَى الْبَاطِل وَالتَّعَاوُن عَلَى الْمَآثِم وَالْمَحَارِم " .ا.هـ.

وقال الإمامُ ابنُ القيمِ في " الرسالة التبوكية " ( ص 12 ) : وقد اشتملت هذه الآيةُ على جميعِ مصالحِ العبادِ في معاشهم ومعادهم ، فيما بينهم بعضهم بعضاً ، وفيما بينهم وبين ربهم ، فإن كلَ عبدٍ لا ينفكُ عن هاتين الحالتين ، وهذين الواجبين : واجب بينهُ وبين اللهِ ، وواجب بينه وبين الخلق .ا.هـ.

ولا شك ولا ريب أن نشرَ الصورِ بهذه الطريقةِ من بابِ التعاونِ على الإثمِ والعدوانِ ، فينبغي أن يتوقفَ المتداولون لها ، لئلا يدخلون في الآيةِ التي تنهى عن هذا التعاون الآثم .

ثالثاً : ما قد تحدثهُ هذه الصور في نفوسِ الناظرين إليها ، وتعلقهم بها ، بل قد تكونُ سبباً من أسباب ارتكابِ المعاصي ، وفتحُ بابِ شرٍ ، وخاصةً إذا وقعت في أيدي أهلِ المجونِ والفسقِ ، ولا يؤمنُ أيضاً من نظرِ الأبناءِ إليها فتفسدُ أخلاقهم .

رابعاً : نفى البعضُ صحةَ هذه الصور وقالوا : " إنها مدبلجةٌ " ، وأقر آخرون بأنها صورٌ حقيقةٌ لعلوجٍ فعلوا هذه الجرائمِ الشنيعةِ ، وعلى فرضِ كلا القولين فيبقى الأمرُ محرماً سواء دبلجتِ الصور أم أنها حقيقة .
نسألُ اللهَ أن يزيلَ الغمةَ عن إخوننا في العراق ، وأن يرزقهم الصبرَ والسدادَ ، وأن يرزق النساءَ العفافَ .


16 ربيع الأول 1425 هـ
 

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ