الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالِمِيْنَ ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ
عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِيْنَ نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَبَعْدُ :
فَالرَّدُّ عَلَى المُخَالِفِينَ سَوَاء كَانُوا مِنْ المُبْتَدِعَةِ ، أو
الكَافِرِيْنَ ، أو المُنَافِقِيْنَ ، أو غَيْرِهِم نَوْعٌ مِنَ الجِهَادِ
فِي سَبِيْلِ اللهِ تَعَالَى ؛ فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ ،
وَأَعْظَمِ الطَّاعَاتِ ، فَفِيْهِ إِظْهَارٌ لِلسَّنَةِ ، و تَحذِيرٌ مِنَ
البِدْعَةِ ، وَقَضَاءٌ على الفِتْنَةِ ، و استِبانةُ سَبِيلُ
الْمُجْرِمِينَ.
وَالرَّدُّ عَلَى المُخَالِفِينَ لا يَكُوْنُ عَمَلاً صَالِحاً مَقْبُوْلاً
إِلا إِذَا أُرِيْدُ بِهِ بَيَانُ الحَقِّ وَإِظهَارُهُ ، وَرَحْمَةُ
الخَلْقِ وَهِدَايَتُهُم ، كما كان أَهْلُ السُّنَّةِ قَدِيْماً
وَحَدِيْثاً : " يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ، وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ " .
ولَيْسَ الحَدِيْثُ عن عُلَمَاءِ نَجْدٍ تعصُّباً لإِقلِيْمٍ .. فَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنَ دعَاوَى الجَاهِلِيَّةِ ونَعَرَاتِ القَوْمِيَّةِ ، لَكِنَّهُ
الحَدِيْثُ عن الأَقْرَبِيْنَ ، مِمَّنْ لهم مَوَاقِفُ رَائِعَةٌ
مَغْمُوْرَةٌ ، وأَيادٍ بَيْضَاءُ مَنْسِيَّة ، وَجِهَادٌ وَدَعْوَةٌ
وَصَبَرٌ وَتَضْحِيَةٌ كَغَيْرِهِم ، فمع أن عُلَمَاءِ نَجْدٍ كَانُوا
مُنْشَغِلِينَ بالتَّدْرِيْسِ والفُتْيَا وَالقَضَاءِ وَغَيْرِهَا إلا
أَنَّهُم اجْتَهَدُوا فِي الرَّدِّ عَلَى المُخَالِفِينَ أيّاً كَانُوا ،
فَصَدَعُوا بِالحَقِّ لا يَخافون فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ، ولم
تَمنَعْهُم سَطْوَةُ أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ عن إِبلاغِ رِسَالَاتِ اللَّهِ
تَعَالَى : " الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ
وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا " [
الأَحْزَاب : 39 ] .
اجْتَهَدَ عُلَمَاءِ نَجْدٍ فِي الرَّدِّ عَلَى المُخَالِفِينَ ،
وَسَطَّرُوا كُتُباً كَثِيْرَةً ، وَرَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةً فِي الرَّدِّ
عَلَى طَوَائِفِ الكُفْرِ وَأَهْلِ البِدَعِ وَسَائِرِ المُخَالِفِينَ
لِدِيْنِ اللهِ تَعَالَى ، وَدَوَّنُوا أَجوبَةً شَافِيَةً فِي إِزَالَة
إِشكَالاَتٍ وَكَشْفِ شُبْهَاتٍ ، وَحَسْبُكَ أن تُلْقِيَ نَظْرَةً عَلَى
الجُزْءِ التَّاسِعِ مِنْ كِتَابِ " الدُّرَرِ السَّنِيَّةِ فِي الأَجوبَةِ
النَجْدِيَّةٍ " ، و كِتَابِ : " مُخْتَصَرَاتِ الرُدُودِ " وتَبْلُغُ
صفحَات هَذَا الجُزْءِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مَائَةِ صَفحَةٍ
من الحَجْمِ الكَبِيْرِ مع أن هَذَا الجُزْءَ يَقْتَصِرُ عَلَى بعضِ
الرُدُودِ لا كُلِّهَا ، و عَلَى مُخْتَصَرَاتِ الرُدُودِ دون مُطوّلاَتِها
لتُعْرَفَ مدى ذلك .
ومِن خِلالِ مُتَابَعَةٍ وَاطِّلاعٍ لجُمْلةٍ من هذه
الرُدُودِ ، أَقفُ بعضَ الوقَفَاتِ :
1 - كَثْرَةُ الرُدُودِ وَتَعَدُّدِها وشَمُولُها :
مَا أَكْثَر الكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ الَّتِي دَوَّنَها أُوْلَئِكَ
العُلَمَاءُ فِي الرَّدِّ على المُنْحرِفين ، ومَا أَكْثَر القَصائِدِ
الَّتِي نَظْمَهَا العُلَمَاءُ في الجَوَابِ عَلَى المُبْتَدِعَةِ
وَبَقِيَّةِ المُخَالِفِينَ ، وقد تَمَيَّزَ بعضُ عُلَمَاءِ نَجْدٍ
بِكَثْرَةِ الرُدُودِ وتعدُّدِها ، ومن ذَلِكَ الشَّيْخُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ حَسَن بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ ( ت 1385هـ ) ،
وَابْنُهُ العَلاَّمَةُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ ( ت 1393هـ ) ، وَالشَّيْخُ
سُلَيْمَانُ بنُ سَحْمَان ( ت 1349هـ ) والشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مُحَمَّدٍ الدَّوْسَرِيُّ ( ت 1399هـ ) والشَّيْخُ حَمْوُدُ بنُ عَبْدِ
اللهِ التُويْجْرِي ( ت1413هـ ) رَحِمَهُمُ اللهُ جَمِيْعاً .
ولقد كَتَبَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَسَنٍ ردّاً على دَاوُدِ
بنِ جرجيس النَّقْشَبَنْدِي ، وَجملَةً مِنَ الرُدُودِ على عُثْمَانَ بنِ
مَنْصُوْرٍ ، و ردّاً على ابنِ َحُمَيْدٍ صَاحِبِ " السُّحْبِ الوابِلَةِ "
، وردّاً على مَحْمُوْدٍ الكشميري ، وغيرهم .
وأما الرُدُودُ التي حَرَّرَها العَلاَّمَةُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ فهي
كَثِيْرَةٌ ، منها : ردٌ مُطوّلٌ وآخرُ مختصر على دَاوُدِ بنِ جرجيس ،
وَجملَةٌ مِنَ الرُدُودِ على عُثْمَانَ بنِ مَنْصُوْرٍ ، وَ " البرَاهينُ
الإِسلامِيةُ فِي الرَّدِّ عَلَى الشُّبُهَاتِ َالفَارِسِيَّةِ " ، وَردٌ
على الصَّحَّاف ، والبولاقي ، وابنِ عُمَيْرٍ ..
وأما الرُدُودُ التي كَتَبَهَا الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ بنُ سَحْمَان فهي
كَثِيْرَةٌ جِداً ، منها : " الأَسِنَّةُ الحِدَادُ في الردّ على عَلَوِيٍّ
الحَدَّادُ " ، وَ " الصَّوَاعِقُ المُرْسَلَةُ الشِهَابيةُ " الرد على
مُحَمَّدٍ الكسم السُّوْرِيّ ، وَ " كشفُ غَياهِبِ الظَّلاَمِ " رداً على "
مُخْتَارٍ العَظْم " ، وَ " الضِّيَاءُ الشارِقُ " رد اً على " الزهاوي "
الشَّاعِرِ ، وله قَصائِدُ طَوِيْلَةٌ في دِيْوَانُهِ " عُقُودِ
الجَوَاهِرِ المُنضدةِ الحِسَانِ في الرد على أَئِمَّةِ الضَّلاَلِ " مثل "
أَحْمَد زيني دَحْلان " و " النَّبْهانِيِّ " وَنَحْوِهِم .
وَحَرَّرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الدَّوْسَرِيُّ عَدَداً مِن
المَقَالاَتِ والقَصَائِدِ في هَذَا البَابِ ، فَكَتَبَ ردّاً على أَحْمَدَ
زَكِي رَئِيْسِ تَحْرِيْرِ مَجَلَّةِ " العَرَبِيَّ " ، وَنظم قصيدَةً فِي
الرَّدِّ على الشَّاعِرِ القَرَوِيِّ ، وَردّاً على القُومِيينَ
والاشتراكِيينَ في مَقَالاَتٍ مُتَعَدِّدَةٍ نُشِرَتْ في مَجَلَّةِ "
رَايَةِ الإِسْلاَم " الَّتِي كَانَتْ تصدرُ في الرِياضِ ، ثمُّ توقَّفَت .
وَدَوَّنَ الشَّيْخُ حَمْوُدٌ التُويْجْرِي عِدةَ رُدُودٍ مِنها : "
إِيضَاحُ المَحَجَّةِ فِي الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِ طَنْجَةَ " ، ردّاً على
أَحْمَدَ الصِّدِّيْقُ الغُمارِي ، وَ " الرَّدُّ القَوِيُّ على
الرِّفَاعِيُّ وَالمَجْهُول وابنِ عَلَوِيّ " ، وَ " الانْتِصَارُ على من
أَزْرَى بالمُهاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ " ردّاً على عَبْدِ اللهِ السَّعْدُ
، وَ السِّرَاجُ الوَهَّاجُ لِمحوِ أباطيلِ أَحْمَدَ شلبي عن الإِسْرَاءِ
والمِعْراجِ " .
وَلَمْ يَقْتَصِرْ عُلَمَاءُ نَجْدٍ في رُدُودِهِم على طَائِفَةٍ
مُعَيَّنَةٍ فَحَسْبُ ، بل شَمَلَتِ رُدُودهم جَمِيْعَ الطَّوَائِفِ
وَالمبتدعَةِ ، فَكَتَبُوا في الرَّدِّ على الملاَحدَةُ ، والزّنَادقَةِ ،
وَالنَّصَارَى ، وَالبَاطِنِيَّةِ ، وَالمتَصَوِّفَةِ ، والخُرَافِيين ،
وَكَذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى الرَّافِضَةِ ، وَالأَشَاعِرَةِ وَغَيْرِهِمْ .
2- تَنَوُّعُ الرُدُودِ حَسْبَ اخْتِلاَفِ
الأَحْوَالِ :
تَنَوَّعَت رُدُودُ عُلَمَاءِ نَجْدٍ وَاخْتَلَفَتْ حَسْبَ ما
اسْتَجَدَّ مِنْ الانْحِرَافَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ ، فَغَلَبَ عَلَى
رَسَائِل أَئِمَّةِ الدَّعْوَةِ زَمَنَ الدَّوْلَةِ السُعُودِيَةِ
الأُوْلَى الرَّدُّ عَلَى المُخَالفِيْن في تَوْحِيْدِ العِبَادَةِ
لِكَثْرَةِ المُخَالِفِ آنَذَاكَ ، وَأَظْهَرُ مِثَالٍ على ذلك ما نَجِدُهُ
في مُؤْلَفاتِ وَرَسَائِلِ الشَّيْخِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
الوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ .
وَلَمَّا انْتَشَرَتْ الدَّعْوَةُ السَّلَفِيَّةُ فِي بَقِيَّةِ أَنْحاءِ
الجَزِيْرَةِ العَرَبِيَّةِ وخَارِجَها احْتَاجَ الأَمْرُ إِلَى زِيَادَةِ
بَيَانٍ وَتَفصيلٍ فِي مَبْحَثِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ، وَذَلِكَ
لِغَلَبَةِ الانْحِراف فِي هَذَا البَابِ فِي كَثِيْرٍ من بِلاَدِ
المُسْلِمِيْنَ ، كما نَجِدُهُ جَلِيّاً في رَسَائِلِ الشَّيْخِ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أبي بطين ( ت1282هـ ) ، والشَّيْخِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ حَسَنٍ ، وَابْنِهِ العَلاَّمَةِ عَبْدِ اللَّطِيْفِ .
وفِي هَذَا الزَّمَانِ اسْتفحَلَ حُكُمُ الطَّاغُوتِ في بِلاَدِ
المُسْلِمِيْنَ ، الذي تَمَثَّلَ في الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ ، فاهتم
عُلَمَاءِ نَجْدٍ بِالرَّدِّ على تلك الْقَوَانِينِ ، ومن ذلك ما سَطَرَهُ
العَلاَّمَةُ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ في رِسَالَتِهِ " تَحْكِيْمُ
الْقَوَانِينِ " وفتَاويهِ وَأَجوبتهِ المُتَعَدِّدَةِ في تَقْرِيْرِ
الْحَاكِمِيَّة للهِ تَعَالَى ، وَنَقْدِ الْمُؤَسَّسَاتِ الْوَضْعِيَّةِ
وَالْأَنْظِمَةِ الطَّاغُوتِيةِ [1] ، وَكَتَبَ
الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الدَّوْسَرِيُّ كِتَاباً فِي ثَلاَثَةِ
أَجزَاءٍ بعُنْوَانِ " الْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ " في َنَقْدِ
الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ .
وَلَمَّا ظَهَرَت مَوْجةُ الإِلحَادِ والاسْتِهْزاءِ بِالغَيْبِياتِ ،
وَإِنْكَارِ وُجُوْدِ اللهِ تَعَالَى ، كما هو عند الشُّيُوعِيَّيْن ،
انْبَرَى لهم عُلَمَاءُ نَجْدٍ ، فَكَتَبَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ نَاصِرٍ السِّعْدِيُّ ( ت 1376هـ ) رِسَالَةً بعُنْوَانِ " الأَدِلَّةُ
القَواطِعُ وَالبرَاهينُ في إِبْطَالِ أُصُوْلِ المُلْحِدِيْنَ " ،
وَكَتَبَ رِسَالَةً أُخْرَى بعُنْوَانِ " انْتِصَارُ الْحَقِّ " في
المَوْضُوْعِ نَفْسِهِ .
وَكَتَبَ الشَّيْخُ بنُ سَحْمَان جَوَاباً عن أَسْئِلَةٍ أَلْقَاهَا بَعْضُ
زَنَادِقَةِ عَصْرِهِ سنة 1332هـ ، حيث تَتضمَّنُ هذه الأَسْئِلَةُ طَعْناً
فِي الحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ فِي تشرِيعِ مَنَاسِكِ الحَجِّ ، وَسَمَّى
جوَابَهُ " إِقَامَةُ الحُجَّةِ وَالدَّلِيْلِ وإِيضَاحُ المَحَجَّةِ
والسَّبِيْلِ " .
وعندما زَاغَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلَيٍّ القَصِيمِيُّ ، تَصَدَّى له
عُلَمَاءُ نَجْدٍ بِالرَّدِّ فَأَلَّفَ الشَّيْخُ السِّعْدِيُّ رِسَالَةً
بعُنْوَانِ " تَنْزِيْهُ الدِّيْنِ وَحَمَلَتِهِ عَمَّا افْترَاهُ
القَصِيمِيُّ في أَغْلاَلِهِ " ، وَأَلَّفَ الشَّيْخُ إِبْرَاهِيْمُ السويح
( ت 1369هـ ) كِتَاباً بعُنْوَانِ " بَيَانُ الهُدَى مِنَ الضَّلاَلِ في
الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِ الأَغْلاَلِ " ، وَصَنَّفَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ
بنُ يَابِس ( ت1389هـ ) كِتَاباً بعُنْوَانِ " الرَّدُّ القَويمِ على
مُلْحِدِ القَصِيمِ " .
3 - لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الرُدُودُ تَرَفاً أو
فُضُولاً أو كَلاَماً بَارِدَاً :
لقد كان البَاعثُ على تَدْوِيْنِ تلك الرُدُودِ هو الغَيْرَةُ عَلَى
دِيْنِ اللهِ تَعَالَى ، وَالذَّبُّ عن شَعَائِرِ اللهِ ، وَ الغَضَبُ
لِحُرُمَاتِ اللهِ عَزَ وَجل ، فهذه ال جُهُودِ في الرَّدِّ علَى
المُخَالِفِينَ من مُقْتَضَيَاتِ الوَلاَءِ وَالبَرَاءِ ، ومن لَوازِمِ
الحُبِّ في اللهِ والبُغْضِ في اللهِ ، الذي يُعَدُّ أَوْثَقَ عُرَى
الإِيْمَانِ كما أَخْبَرَ الصَّادِقُ المَصْدُوْقُ ، ومن ثَمَّ فإن
أَحَدَهُم يَردُ عَلَى المُخَالِفِ أَياً كان ، سَوَاءً أَكَانَ حَاكِماً
أو مَحَكُوماً ، قَرِيْباً ً أو بَعِيْداً ، مع مُراعَاتِهِم لأَحْوَالِ
ِالنَّاسِ وَمَنَازِلَهِم ، وَمَدَى قُرَّبِهِم أو بُعْدِهِمْ عَنِ الحَقِّ
، فَعَلَى سَبِيْلِ المِثَالِ نَجِدُ الشَّيْخَ حَمَدَ بنَ عَتِيْقٍ (
ت1301هـ ) يَرُدُّ على اعتِرَاضَاتِ أَحَدِ الحُكَّامِ فِي زَمَانِهِ ، كما
ردَّ على أَخْطَاءٍ فِي تَفْسِيْر " فَتْحِ البَيَانِ " لِلشَّيْخِ
مُحَمَّدِ صِدِّيْق حسن رَحِمَهُ اللهُ ، وَكَانَ الشَّيْخُ حَمَدُ فِي
غَايَةِ الصَّلاَبَةِ وَالشِّدَّةِ مع ذاك الحَاكِمِ ، بينما كَانَتْ
رسَالَتُهُ إلى الشَّيْخِ مُحَمَّدِ صِدِّيْق حسن فِي غَايَةِ اللُّطْفِ
وَاللينِ فَمَع مَا وَقَعَ فِيهِ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ صِدِّيْق من
أَخْطَاءٍ وهَنَاتٍ فِي تَفْسِيْرِهِ ، ومع ما اشْتُهِرَ عن ابنِ عَتِيْقٍ
مِن الغَيْرَةِ الإِيمَانِيَةِ وَالقُوَّةِ فِي دِيْنِ اللهِ تَعَالَى ،
إلا أَنَّنَا نَجِدُ الشَّيْخَ ابنَ عَتِيْقٍ يَلْتَمِسُ لمُحَمَّدِ
صِدِّيْق المَعَاذِيْرَ ، ويُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ ، لِما كان عليه
مُحَمَّدُ صِدِّيْق من عُمُوْمِ لاتِّبَاعِ لمَذْهَبِ السَّلَفِ الصَّالِحِ
.
لقد صَدَعَ الشَّيْخُ بِكَلِمَةِ الحَقِّ أَمَامَ حُكَّامِ زَمَانِهِ ، فلم
يُدَاهنْ أَحَداً منهم بل رَدَّ عليهم دون خوفٍ فَقَالَ في إِحْدَى
رَسَائِلِه مُخاطِباً أَحَدَهُمْ : " وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ من
التّخويفَاتِ فجوَابُهُ : " إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي
وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ
رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم " [ هود : 56 ] ، و نصَدَعُ بالحَقِّ إِنْ
شَاءَ اللهُ ، ولاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِهِ ، ولا يَمْنَعُنا من ذلك تّخويفُ
أحدٍ [2] .
ولا غَرابَةَ أَنْ يَقُوْمَ الشَّيْخُ هَذَا المَقَامَ الرّفِيعَ ، فلقد
كان من الْمُدَافِعِين عَنْ هَذَا الدَّيْنِ ، وَالْغِيرَةُ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ شُغْلَهُ الشَّاغل ، وهَمُّهُ الوَحِيدُ ، حتى
إِنّهُ كَتَبَ جَوَاباً لمن عَزَّاهُ في وَفَاةِ ابْنَيْهِ قَائِلاً : "
وَلَكِنْ وَاللهِ مَا بَلَغْت مُصِيْبَتِي الابْنَينِ مِعشَارَ ما بَلغ بي
من المُصِيْبَةِ التي حَلتَ بِكَثِيْرٍ مِنَ الإِخْوَانِ .. بَيْنَمَا
الرَّجُلُ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيْدِ ، وَيُحَذِّرُ مِنْ أَهْلِ
الشِّرْكِ إذا هو مُنْقَلِبٌ عَلَى عَقِبَيْهِ " [3]
--------------------
[1] انظر فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 12/250 ،
254 ، 264 ، 270 ، 468 .
[2] الدرر السنية في الأجوبة النجدية 7/261 .
[3] هداية الطريق في رسائل وفتاوى الشيخ حمد بن عتيق ص
229 .