بسم الله الرحمن الرحيم

وَقَفَاتٌ مَعَ جُهُودِ عُلَمَاءِ الدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّةِ فِي نَجْدٍ
فِي الرَّدِ عَلَى المُخَالِفِينَ
عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ آلُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ


 الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالِمِيْنَ ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِيْنَ نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَبَعْدُ :

فَالرَّدُّ عَلَى المُخَالِفِينَ سَوَاء كَانُوا مِنْ المُبْتَدِعَةِ ، أو الكَافِرِيْنَ ، أو المُنَافِقِيْنَ ، أو غَيْرِهِم نَوْعٌ مِنَ الجِهَادِ فِي سَبِيْلِ اللهِ تَعَالَى ؛ فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ ، وَأَعْظَمِ الطَّاعَاتِ ، فَفِيْهِ إِظْهَارٌ لِلسَّنَةِ ، و تَحذِيرٌ مِنَ البِدْعَةِ ، وَقَضَاءٌ على الفِتْنَةِ ، و استِبانةُ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ.

وَالرَّدُّ عَلَى المُخَالِفِينَ لا يَكُوْنُ عَمَلاً صَالِحاً مَقْبُوْلاً إِلا إِذَا أُرِيْدُ بِهِ بَيَانُ الحَقِّ وَإِظهَارُهُ ، وَرَحْمَةُ الخَلْقِ وَهِدَايَتُهُم ، كما كان أَهْلُ السُّنَّةِ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً : " يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ، وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ " .

ولَيْسَ الحَدِيْثُ عن عُلَمَاءِ نَجْدٍ تعصُّباً لإِقلِيْمٍ .. فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ دعَاوَى الجَاهِلِيَّةِ ونَعَرَاتِ القَوْمِيَّةِ ، لَكِنَّهُ الحَدِيْثُ عن الأَقْرَبِيْنَ ، مِمَّنْ لهم مَوَاقِفُ رَائِعَةٌ مَغْمُوْرَةٌ ، وأَيادٍ بَيْضَاءُ مَنْسِيَّة ، وَجِهَادٌ وَدَعْوَةٌ وَصَبَرٌ وَتَضْحِيَةٌ كَغَيْرِهِم ، فمع أن عُلَمَاءِ نَجْدٍ كَانُوا مُنْشَغِلِينَ بالتَّدْرِيْسِ والفُتْيَا وَالقَضَاءِ وَغَيْرِهَا إلا أَنَّهُم اجْتَهَدُوا فِي الرَّدِّ عَلَى المُخَالِفِينَ أيّاً كَانُوا ، فَصَدَعُوا بِالحَقِّ لا يَخافون فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ، ولم تَمنَعْهُم سَطْوَةُ أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ عن إِبلاغِ رِسَالَاتِ اللَّهِ تَعَالَى : " الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا " [ الأَحْزَاب : 39 ] .

اجْتَهَدَ عُلَمَاءِ نَجْدٍ فِي الرَّدِّ عَلَى المُخَالِفِينَ ، وَسَطَّرُوا كُتُباً كَثِيْرَةً ، وَرَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةً فِي الرَّدِّ عَلَى طَوَائِفِ الكُفْرِ وَأَهْلِ البِدَعِ وَسَائِرِ المُخَالِفِينَ لِدِيْنِ اللهِ تَعَالَى ، وَدَوَّنُوا أَجوبَةً شَافِيَةً فِي إِزَالَة إِشكَالاَتٍ وَكَشْفِ شُبْهَاتٍ ، وَحَسْبُكَ أن تُلْقِيَ نَظْرَةً عَلَى الجُزْءِ التَّاسِعِ مِنْ كِتَابِ " الدُّرَرِ السَّنِيَّةِ فِي الأَجوبَةِ النَجْدِيَّةٍ " ، و كِتَابِ : " مُخْتَصَرَاتِ الرُدُودِ " وتَبْلُغُ صفحَات هَذَا الجُزْءِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مَائَةِ صَفحَةٍ من الحَجْمِ الكَبِيْرِ مع أن هَذَا الجُزْءَ يَقْتَصِرُ عَلَى بعضِ الرُدُودِ لا كُلِّهَا ، و عَلَى مُخْتَصَرَاتِ الرُدُودِ دون مُطوّلاَتِها لتُعْرَفَ مدى ذلك .

ومِن خِلالِ مُتَابَعَةٍ وَاطِّلاعٍ لجُمْلةٍ من هذه الرُدُودِ ، أَقفُ بعضَ الوقَفَاتِ :

1 - كَثْرَةُ الرُدُودِ وَتَعَدُّدِها وشَمُولُها :
مَا أَكْثَر الكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ الَّتِي دَوَّنَها أُوْلَئِكَ العُلَمَاءُ فِي الرَّدِّ على المُنْحرِفين ، ومَا أَكْثَر القَصائِدِ الَّتِي نَظْمَهَا العُلَمَاءُ في الجَوَابِ عَلَى المُبْتَدِعَةِ وَبَقِيَّةِ المُخَالِفِينَ ، وقد تَمَيَّزَ بعضُ عُلَمَاءِ نَجْدٍ بِكَثْرَةِ الرُدُودِ وتعدُّدِها ، ومن ذَلِكَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَسَن بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ ( ت 1385هـ ) ، وَابْنُهُ العَلاَّمَةُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ ( ت 1393هـ ) ، وَالشَّيْخُ سُلَيْمَانُ بنُ سَحْمَان ( ت 1349هـ ) والشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّوْسَرِيُّ ( ت 1399هـ ) والشَّيْخُ حَمْوُدُ بنُ عَبْدِ اللهِ التُويْجْرِي ( ت1413هـ ) رَحِمَهُمُ اللهُ جَمِيْعاً .

ولقد كَتَبَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَسَنٍ ردّاً على دَاوُدِ بنِ جرجيس النَّقْشَبَنْدِي ، وَجملَةً مِنَ الرُدُودِ على عُثْمَانَ بنِ مَنْصُوْرٍ ، و ردّاً على ابنِ َحُمَيْدٍ صَاحِبِ " السُّحْبِ الوابِلَةِ " ، وردّاً على مَحْمُوْدٍ الكشميري ، وغيرهم .

وأما الرُدُودُ التي حَرَّرَها العَلاَّمَةُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ فهي كَثِيْرَةٌ ، منها : ردٌ مُطوّلٌ وآخرُ مختصر على دَاوُدِ بنِ جرجيس ، وَجملَةٌ مِنَ الرُدُودِ على عُثْمَانَ بنِ مَنْصُوْرٍ ، وَ " البرَاهينُ الإِسلامِيةُ فِي الرَّدِّ عَلَى الشُّبُهَاتِ َالفَارِسِيَّةِ " ، وَردٌ على الصَّحَّاف ، والبولاقي ، وابنِ عُمَيْرٍ ..

وأما الرُدُودُ التي كَتَبَهَا الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ بنُ سَحْمَان فهي كَثِيْرَةٌ جِداً ، منها : " الأَسِنَّةُ الحِدَادُ في الردّ على عَلَوِيٍّ الحَدَّادُ " ، وَ " الصَّوَاعِقُ المُرْسَلَةُ الشِهَابيةُ " الرد على مُحَمَّدٍ الكسم السُّوْرِيّ ، وَ " كشفُ غَياهِبِ الظَّلاَمِ " رداً على " مُخْتَارٍ العَظْم " ، وَ " الضِّيَاءُ الشارِقُ " رد اً على " الزهاوي " الشَّاعِرِ ، وله قَصائِدُ طَوِيْلَةٌ في دِيْوَانُهِ " عُقُودِ الجَوَاهِرِ المُنضدةِ الحِسَانِ في الرد على أَئِمَّةِ الضَّلاَلِ " مثل " أَحْمَد زيني دَحْلان " و " النَّبْهانِيِّ " وَنَحْوِهِم .

وَحَرَّرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الدَّوْسَرِيُّ عَدَداً مِن المَقَالاَتِ والقَصَائِدِ في هَذَا البَابِ ، فَكَتَبَ ردّاً على أَحْمَدَ زَكِي رَئِيْسِ تَحْرِيْرِ مَجَلَّةِ " العَرَبِيَّ " ، وَنظم قصيدَةً فِي الرَّدِّ على الشَّاعِرِ القَرَوِيِّ ، وَردّاً على القُومِيينَ والاشتراكِيينَ في مَقَالاَتٍ مُتَعَدِّدَةٍ نُشِرَتْ في مَجَلَّةِ " رَايَةِ الإِسْلاَم " الَّتِي كَانَتْ تصدرُ في الرِياضِ ، ثمُّ توقَّفَت .

وَدَوَّنَ الشَّيْخُ حَمْوُدٌ التُويْجْرِي عِدةَ رُدُودٍ مِنها : " إِيضَاحُ المَحَجَّةِ فِي الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِ طَنْجَةَ " ، ردّاً على أَحْمَدَ الصِّدِّيْقُ الغُمارِي ، وَ " الرَّدُّ القَوِيُّ على الرِّفَاعِيُّ وَالمَجْهُول وابنِ عَلَوِيّ " ، وَ " الانْتِصَارُ على من أَزْرَى بالمُهاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ " ردّاً على عَبْدِ اللهِ السَّعْدُ ، وَ السِّرَاجُ الوَهَّاجُ لِمحوِ أباطيلِ أَحْمَدَ شلبي عن الإِسْرَاءِ والمِعْراجِ " .

وَلَمْ يَقْتَصِرْ عُلَمَاءُ نَجْدٍ في رُدُودِهِم على طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَحَسْبُ ، بل شَمَلَتِ رُدُودهم جَمِيْعَ الطَّوَائِفِ وَالمبتدعَةِ ، فَكَتَبُوا في الرَّدِّ على الملاَحدَةُ ، والزّنَادقَةِ ، وَالنَّصَارَى ، وَالبَاطِنِيَّةِ ، وَالمتَصَوِّفَةِ ، والخُرَافِيين ، وَكَذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى الرَّافِضَةِ ، وَالأَشَاعِرَةِ وَغَيْرِهِمْ .

2- تَنَوُّعُ الرُدُودِ حَسْبَ اخْتِلاَفِ الأَحْوَالِ :
تَنَوَّعَت رُدُودُ عُلَمَاءِ نَجْدٍ وَاخْتَلَفَتْ حَسْبَ ما اسْتَجَدَّ مِنْ الانْحِرَافَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ ، فَغَلَبَ عَلَى رَسَائِل أَئِمَّةِ الدَّعْوَةِ زَمَنَ الدَّوْلَةِ السُعُودِيَةِ الأُوْلَى الرَّدُّ عَلَى المُخَالفِيْن في تَوْحِيْدِ العِبَادَةِ لِكَثْرَةِ المُخَالِفِ آنَذَاكَ ، وَأَظْهَرُ مِثَالٍ على ذلك ما نَجِدُهُ في مُؤْلَفاتِ وَرَسَائِلِ الشَّيْخِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ .

وَلَمَّا انْتَشَرَتْ الدَّعْوَةُ السَّلَفِيَّةُ فِي بَقِيَّةِ أَنْحاءِ الجَزِيْرَةِ العَرَبِيَّةِ وخَارِجَها احْتَاجَ الأَمْرُ إِلَى زِيَادَةِ بَيَانٍ وَتَفصيلٍ فِي مَبْحَثِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ، وَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الانْحِراف فِي هَذَا البَابِ فِي كَثِيْرٍ من بِلاَدِ المُسْلِمِيْنَ ، كما نَجِدُهُ جَلِيّاً في رَسَائِلِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أبي بطين ( ت1282هـ ) ، والشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَنٍ ، وَابْنِهِ العَلاَّمَةِ عَبْدِ اللَّطِيْفِ .

وفِي هَذَا الزَّمَانِ اسْتفحَلَ حُكُمُ الطَّاغُوتِ في بِلاَدِ المُسْلِمِيْنَ ، الذي تَمَثَّلَ في الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ ، فاهتم عُلَمَاءِ نَجْدٍ بِالرَّدِّ على تلك الْقَوَانِينِ ، ومن ذلك ما سَطَرَهُ العَلاَّمَةُ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ في رِسَالَتِهِ " تَحْكِيْمُ الْقَوَانِينِ " وفتَاويهِ وَأَجوبتهِ المُتَعَدِّدَةِ في تَقْرِيْرِ الْحَاكِمِيَّة للهِ تَعَالَى ، وَنَقْدِ الْمُؤَسَّسَاتِ الْوَضْعِيَّةِ وَالْأَنْظِمَةِ الطَّاغُوتِيةِ [1] ، وَكَتَبَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الدَّوْسَرِيُّ كِتَاباً فِي ثَلاَثَةِ أَجزَاءٍ بعُنْوَانِ " الْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ " في َنَقْدِ الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ .

وَلَمَّا ظَهَرَت مَوْجةُ الإِلحَادِ والاسْتِهْزاءِ بِالغَيْبِياتِ ، وَإِنْكَارِ وُجُوْدِ اللهِ تَعَالَى ، كما هو عند الشُّيُوعِيَّيْن ، انْبَرَى لهم عُلَمَاءُ نَجْدٍ ، فَكَتَبَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السِّعْدِيُّ ( ت 1376هـ ) رِسَالَةً بعُنْوَانِ " الأَدِلَّةُ القَواطِعُ وَالبرَاهينُ في إِبْطَالِ أُصُوْلِ المُلْحِدِيْنَ " ، وَكَتَبَ رِسَالَةً أُخْرَى بعُنْوَانِ " انْتِصَارُ الْحَقِّ " في المَوْضُوْعِ نَفْسِهِ .

وَكَتَبَ الشَّيْخُ بنُ سَحْمَان جَوَاباً عن أَسْئِلَةٍ أَلْقَاهَا بَعْضُ زَنَادِقَةِ عَصْرِهِ سنة 1332هـ ، حيث تَتضمَّنُ هذه الأَسْئِلَةُ طَعْناً فِي الحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ فِي تشرِيعِ مَنَاسِكِ الحَجِّ ، وَسَمَّى جوَابَهُ " إِقَامَةُ الحُجَّةِ وَالدَّلِيْلِ وإِيضَاحُ المَحَجَّةِ والسَّبِيْلِ " .

وعندما زَاغَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلَيٍّ القَصِيمِيُّ ، تَصَدَّى له عُلَمَاءُ نَجْدٍ بِالرَّدِّ فَأَلَّفَ الشَّيْخُ السِّعْدِيُّ رِسَالَةً بعُنْوَانِ " تَنْزِيْهُ الدِّيْنِ وَحَمَلَتِهِ عَمَّا افْترَاهُ القَصِيمِيُّ في أَغْلاَلِهِ " ، وَأَلَّفَ الشَّيْخُ إِبْرَاهِيْمُ السويح ( ت 1369هـ ) كِتَاباً بعُنْوَانِ " بَيَانُ الهُدَى مِنَ الضَّلاَلِ في الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِ الأَغْلاَلِ " ، وَصَنَّفَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ بنُ يَابِس ( ت1389هـ ) كِتَاباً بعُنْوَانِ " الرَّدُّ القَويمِ على مُلْحِدِ القَصِيمِ " .

3 - لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الرُدُودُ تَرَفاً أو فُضُولاً أو كَلاَماً بَارِدَاً :
لقد كان البَاعثُ على تَدْوِيْنِ تلك الرُدُودِ هو الغَيْرَةُ عَلَى دِيْنِ اللهِ تَعَالَى ، وَالذَّبُّ عن شَعَائِرِ اللهِ ، وَ الغَضَبُ لِحُرُمَاتِ اللهِ عَزَ وَجل ، فهذه ال جُهُودِ في الرَّدِّ علَى المُخَالِفِينَ من مُقْتَضَيَاتِ الوَلاَءِ وَالبَرَاءِ ، ومن لَوازِمِ الحُبِّ في اللهِ والبُغْضِ في اللهِ ، الذي يُعَدُّ أَوْثَقَ عُرَى الإِيْمَانِ كما أَخْبَرَ الصَّادِقُ المَصْدُوْقُ ، ومن ثَمَّ فإن أَحَدَهُم يَردُ عَلَى المُخَالِفِ أَياً كان ، سَوَاءً أَكَانَ حَاكِماً أو مَحَكُوماً ، قَرِيْباً ً أو بَعِيْداً ، مع مُراعَاتِهِم لأَحْوَالِ ِالنَّاسِ وَمَنَازِلَهِم ، وَمَدَى قُرَّبِهِم أو بُعْدِهِمْ عَنِ الحَقِّ ، فَعَلَى سَبِيْلِ المِثَالِ نَجِدُ الشَّيْخَ حَمَدَ بنَ عَتِيْقٍ ( ت1301هـ ) يَرُدُّ على اعتِرَاضَاتِ أَحَدِ الحُكَّامِ فِي زَمَانِهِ ، كما ردَّ على أَخْطَاءٍ فِي تَفْسِيْر " فَتْحِ البَيَانِ " لِلشَّيْخِ مُحَمَّدِ صِدِّيْق حسن رَحِمَهُ اللهُ ، وَكَانَ الشَّيْخُ حَمَدُ فِي غَايَةِ الصَّلاَبَةِ وَالشِّدَّةِ مع ذاك الحَاكِمِ ، بينما كَانَتْ رسَالَتُهُ إلى الشَّيْخِ مُحَمَّدِ صِدِّيْق حسن فِي غَايَةِ اللُّطْفِ وَاللينِ فَمَع مَا وَقَعَ فِيهِ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ صِدِّيْق من أَخْطَاءٍ وهَنَاتٍ فِي تَفْسِيْرِهِ ، ومع ما اشْتُهِرَ عن ابنِ عَتِيْقٍ مِن الغَيْرَةِ الإِيمَانِيَةِ وَالقُوَّةِ فِي دِيْنِ اللهِ تَعَالَى ، إلا أَنَّنَا نَجِدُ الشَّيْخَ ابنَ عَتِيْقٍ يَلْتَمِسُ لمُحَمَّدِ صِدِّيْق المَعَاذِيْرَ ، ويُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ ، لِما كان عليه مُحَمَّدُ صِدِّيْق من عُمُوْمِ لاتِّبَاعِ لمَذْهَبِ السَّلَفِ الصَّالِحِ .

لقد صَدَعَ الشَّيْخُ بِكَلِمَةِ الحَقِّ أَمَامَ حُكَّامِ زَمَانِهِ ، فلم يُدَاهنْ أَحَداً منهم بل رَدَّ عليهم دون خوفٍ فَقَالَ في إِحْدَى رَسَائِلِه مُخاطِباً أَحَدَهُمْ : " وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ من التّخويفَاتِ فجوَابُهُ : " إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم " [ هود : 56 ] ، و نصَدَعُ بالحَقِّ إِنْ شَاءَ اللهُ ، ولاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِهِ ، ولا يَمْنَعُنا من ذلك تّخويفُ أحدٍ [2] .

ولا غَرابَةَ أَنْ يَقُوْمَ الشَّيْخُ هَذَا المَقَامَ الرّفِيعَ ، فلقد كان من الْمُدَافِعِين عَنْ هَذَا الدَّيْنِ ، وَالْغِيرَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ شُغْلَهُ الشَّاغل ، وهَمُّهُ الوَحِيدُ ، حتى إِنّهُ كَتَبَ جَوَاباً لمن عَزَّاهُ في وَفَاةِ ابْنَيْهِ قَائِلاً : " وَلَكِنْ وَاللهِ مَا بَلَغْت مُصِيْبَتِي الابْنَينِ مِعشَارَ ما بَلغ بي من المُصِيْبَةِ التي حَلتَ بِكَثِيْرٍ مِنَ الإِخْوَانِ .. بَيْنَمَا الرَّجُلُ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيْدِ ، وَيُحَذِّرُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ إذا هو مُنْقَلِبٌ عَلَى عَقِبَيْهِ " [3]

--------------------
[1] انظر فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 12/250 ، 254 ، 264 ، 270 ، 468 .
[2] الدرر السنية في الأجوبة النجدية 7/261 .
[3] هداية الطريق في رسائل وفتاوى الشيخ حمد بن عتيق ص 229 .
 

اختاره
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ