بسم الله الرحمن الرحيم

برنامج إضاءات ؟ هل حققَ إضاءاتٍ أم ظلماتٍ ؟


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

تركي الدخيل ... اسم قُرن ببرنامجٍ يقدمهُ في قناةٍ هابطةٍ ، وسماهُ " إضاءات " ، وفكرةُ البرنامجِ أن تركي الدخيل يستضيفُ في كل أربعاء ضيفاً ، ويطرحُ عليه بعضَ الأسئلةِ التي تتأقلمُ مع فكرِ الضيفِ ، ومنذ بث البرنامجِ وهو يستضيفُ العلماني ، والليبرلي ، والساقطَ ، والسافرةَ ، والصوفي ، والرافضي ، والمفكر الإسلامي ، والنكرة الغير معروف ، خليطٌ من المترديةِ والنطيحةِ وما أكل السبعُ ، ونشرٌ لأفكارهم وتلميعٌ لبعضهم كيداً بالمجتمع - زعموا - .

ولنا مع البرنامجِ وصاحبِهِ وقفاتٌ :

الوقفةُ الأولى :

البرنامجُ ليس لهُ هدفٌ مرجو ... البرنامجُ مجردُ إثارةٍ فقط ... البرنامجُ نشرٌ لأفكارِ زبالةِ المجتمعِ من ليبرلي وعلماني وصوفي ورافضي ومتحلل وسافرة ... وسلسلةٌ لا تنتهي من غيرِ ردٍّ على أفكارهم المنحرفةِ وشبههم المثارةِ ، بل على العكسِ تماماً تلميعٌ لأفكارهم ، وكأنهم يمثلون شريحةً كبيرةً في المجتمعِ ، وإنما هم شرذمةٌ قليلون حقدوا على المجتمعِ ، بسببِ تمسكهِ بدينهِ وقيمهِ .

والسمةُ الغالبةُ على البرنامجِ استضافةُ المنحرفين فكرياً وعقدياً ، ومن آخرها استضافتهُ لتلك المرأةِ الساقطةِ ، والجلوسِ معها ، والكلامِ عن أمرٍ ذكرهُ اللهُ في كتابهِ وألزم النبي صلى اللهُ عليه وسلم به نساء المؤمنين ، وهو الحجابُ .

الوقفةُ الثانيةُ :

مقدمُ البرنامجِ تركي الدخيل - هداه الله - دخيلٌ على كل تخصصٍ ، ولا مانع لديه من اقتحامِ حمى الشرعِ أو قولِ أي شيءٍ على حساب دينه ما دام هناك ردود أفعالٍ قويةٍ ، وإن تعجب فعجبٌ أمر تركي الدخيل ، درس في جامعة الإمام محمد بن سعود ، كلية أصول الدين ، قسم السنة ، فلم يستفد من العلمِ الذي درسهُ ، واللهُ المستعانُ .

رجلٌ حبُّ الشهرةَِ قصمهُ باستضافتهِ للعلماني والليبرلي والصوفي والرافضي وغير ذلك ، وحبُّ الشهرةِ على حسابِ الدينِ ونشرِ الرذيلةِ والأفكارِ المنحرفةِ والعقائدِ الكفريةِ سمةٌ من سماتِ الأزمانِ المتأخرةِ ، وقد حذر السابقون من خطرِ الشهرةِ .

قَالَ أَيُّوْبُ : " مَا صَدَقَ عَبْدٌ قَطُّ ، فَأَحَبَّ الشُّهرَةَ " .

وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ : قَالَ لِي سُفْيَانُ : " إِيَّاكَ وَالشُّهْرَةَ ، فَمَا أَتَيْتُ أَحَداً إِلاَّ وَقَدْ نَهَى عَنِ الشُّهرَةِ " .

وعلق الإمامُ الذهبي على عبارةِ : " مَا صَدَقَ عَبْدٌ قَطُّ ، فَأَحَبَّ الشُّهرَةَ " ، فقال : " قُلْتُ : عَلاَمَةُ المُخْلِصِ الَّذِي قَدْ يُحبُّ شُهرَةً ، وَلاَ يَشعُرُ بِهَا ، أَنَّهُ إِذَا عُوتِبَ فِي ذَلِكَ ، لاَ يَحرَدُ وَلاَ يُبرِّئُ نَفْسَه ، بَلْ يَعترِفُ ، وَيَقُوْلُ : رَحِمَ اللهُ مَنْ أَهدَى إِلَيَّ عُيُوبِي ، وَلاَ يَكُنْ مُعجَباً بِنَفْسِهِ ؛ لاَ يَشعرُ بِعُيُوبِهَا ، بَلْ لاَ يَشعرُ أَنَّهُ لاَ يَشعرُ ، فَإِنَّ هَذَا دَاءٌ مُزْمِنٌ " .

وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ ، قَالَ : " أَدْنَى السُّكُوتِ السَّلاَمَةُ ، وَكَفَى بِهِ عَافِيَةً ، وَأَدْنَى ضَرَرِ المَنْطِقِ الشُّهرَةُ ، وَكَفَى بِهَا بَلِيَّةً " .

وَعَنْ بِشْرٍ : " مَا اتَّقَى اللهَ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ " .

وَقِيلَ عَمَّنْ مَضَى : " مَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ يُتَّهَمُ " ، وَفِي رِوَايَةٍ : " مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهَمِ فَلَا يَأْمَنْ مِنْ إسَاءَةِ الظَّنِّ بِهِ " .

وقيل : " حب الظهورِ يقصمُ الظهور " .

وقد قال الخطيبُ البغدادي : " مَنْ صَنَّفَ ، فَقَد جَعلَ عقلَه عَلَى طَبَقٍ يَعْرِضُه عَلَى النَّاسِ " ، فهذا فيمن صنف كتاباً ، فكيف بمن يستضيفُ زبالةَ المجتمعِ ؟!

ونحن نقولُ : " من استضاف أمثال من يستضيفهم الدخيل فقد استباح عرضه " .

وقد يقولُ قائلٌ : إن الشهرةَ أمرٌ قلبي ولا يعلمُ به أحدٌ " ، نقولُ : " نعم ؛ ولكن لهُ علاماتٌ تظهرُ على محبها " ... حبُ الأضواءِ مرضٌ خطيرٌ يا تركي الدخيل فاخذر منه ، وقبل ذلك احذر من الوقوفِ بين يدي اللهِ عن برنامجك الذي نشرت فيه من الأفكارِ الهدامةِ والعقائدِ المنحرفة ما ستتحمل وزرها يوم القيامةِ ولا شك .

وأنا أقترحُ على تركي الدخيل أن يسميهِ " ظُلمات " اقتباسٌ من قولهِ تعالى : " ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ " .

وأنا أخشى أن يكونَ حالُ الدخيلِ كحالِ ذلك الرجلِ الذي بال في بئرِ زمزم ... والقصةُ معروفةٌ .

وختاماً : أخي القارىء لمقالي هذا ضع ما لديك من ملحوظاتٍ على البرنامجِ .

نسألُ اللهَ الهدايةَ لتركي الدخيل ، وأن يردهُ إلى الحق رداً جميلاً .

وأنا أعلمُ أن البعضَ لن يعجبهُ كلامي ، ولكن تركي الدخيل جاوز الحدَّ ، وأبعد النجعة ، فلا بد من بيانِ ما جاوزه .

قال تعالى : " أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً " .

وقال تعالى : " أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ " .
 


كتبتُ في مقالٍ لي عن أبي الهش موقفنا من المجاهرِ بالمعاصي من جهةِ من عمّ فسادهُ وشرهُ ، ويدخلُ في هذا البابِ ما يقومِ به تركي الدخيل ، فهو يستضيفُ أربابَ الفسقِ والمجونِ والأفكارِ الهدامةِ والمنحرفةِ ، وفعله شرٌ واضحٌ ولو طبل لهُ من طبل ، وأيدهُ على باطله من أيد ، وأنقلُ ما ذكرهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمهُ الله .

فالمغني المسلم المجاهر بمحونه وفسقه أو صاحب ستار أكاديمي ، أو غيرهما ليس لنا أن نظهر للناس حبنا له بما عنده من أصل الإيمان ، أو بعض طاعاته كالصلاة والصيام والحج لأن هذا غشا للمسلمين وتلبيسا للحقائق وترويجا للباطل والحالة هذه لو ذكرنا حبنا لأهل الفساد والمجون بما عندهم من طاعات مغمورة ، وتجاهلنا ما عندهم من شر ظاهر وفساد عريض لعطلنا قضية الولاء والبراء في قلوب المسلمين ، ولبَّسْنَا الحقَّ بالباطل ، وعندها ستندرس كبريات قضايا أصولِ الدينِ .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (15/286) : " ولهذا لم يكن للمعلن بالبدع والفجور غيبة ، كما روي عن الحسن البصري وغيره ، لأنه لما أعلن ذلك استحق عقوبة المسلمين له ، وأدنى ذلك أن يذم عليه ، لينزجر ويكف الناس عنه وعن مخالطته ، ولو لم يذم ويُذكرْ بما فيه من الفجور والمعصية أو البدعة لاغْتَرَّ به الناس ، وربما حَمَلَ بعضهم على أن يرتكب ما هو عليه ، ويزدادُ أيضا هو جرأة وفجورا ومعصية ، فإذا ذُكِرَ بما فيه انْكَفَّ وانْكَفَّ غيره عن ذلك وعن صحبته ومخالطته قال الحسن البصري : أترغبون عن ذكر الفاجر ؟ اذكروه بما فيه كي يحذره الناس " .ا.هـ.

فكيف لو رأى شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ ما يقدمهُ تركي الدخيل في قناةٍ فاسدةٍ ، ويستضيفُ فيها من أربابِ الأفكارِ المنحرفةِ والهدامةِ والفسقِ والمجونِ لنشرها بين الناس بحجةِ الرأي والرأي الآخر - زعموا - ؟!

إلى جانبِ أن برنامجهُ ليس لهُ هدفٌ سوى الإثارة والشهرة ، فالدخيل كلما رأى المجتمعَ يثارُ فيه كلامٌ عن شخصيةٍ معينةٍ فإنه في الأسبوعِ الذي بعدهُ يستضيفهُ مباشرةً ، وهذا ما حصل مع هيفاء المنصور ومن قبلها ، ولا ندري ربما نرى قريباً أبا الهشِ في قناةِ العربيةِ في برنامجِ " ظلمات " للدخيلِ ، نسألُ اللهَ لهُ الهدايةَ .


ومصداقُ ذلك من كتابِ اللهِ قولهُ تعالى : " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ " [ الرعد : 17 ] .

قال ابنُ كثيرٍ : " كَذَلِكَ يَضْرِب اللَّه الْحَقّ وَالْبَاطِل " أَيْ إِذَا اِجْتَمَعَا لَا ثَبَات لِلْبَاطِلِ وَلَا دَوَام لَهُ كَمَا أَنَّ الزَّبَد لَا يَثْبُت مَعَ الْمَاء وَلَا مَعَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَنَحْوهمَا مِمَّا يُسْبَك فِي النَّار بَلْ يَذْهَب وَيَضْمَحِلّ وَلِهَذَا قَالَ" فَأَمَّا الزَّبَد فَيَذْهَب جُفَاء " أَيْ لَا يُنْتَفَع بِهِ بَلْ يَتَفَرَّق وَيَتَمَزَّق وَيَذْهَب فِي جَانِبَيْ الْوَادِي وَيُعَلَّق بِالشَّجَرِ وَتَنْسِفهُ الرِّيَاح وَكَذَلِكَ خَبَث الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد وَالنُّحَاس يَذْهَب وَلَا يَرْجِع مِنْهُ شَيْء وَلَا يَبْقَى إِلَّا الْمَاء وَذَلِكَ الذَّهَب وَنَحْوه يُنْتَفَع بِهِ وَلِهَذَا قَالَ " وَأَمَّا مَا يَنْفَع النَّاس فَيَمْكُث فِي الْأَرْض كَذَلِكَ يَضْرِب اللَّه الْأَمْثَال " كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَتِلْكَ الْأَمْثَال نَضْرِبهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ " .ا.هـ.

وفي نفسِ الوقتِ لا بد من البيانِ وتحذيرِ الناسِ مما يؤثرُ على عقيدتهم وفكرهم .

 

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ