بسم الله الرحمن الرحيم

رحلةٌ سياحةٌ مع القبوريةِ . . . الحمدُ للمجيدِ على نعمةِ التوحيدِ


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

يعتبرُ كتابُ " الانحرافاتِ العقديةِ والعلميةِ في القرنين الثالث عشر والرابع عشر وآثارهما في حياةِ الأمةِ " للشيخِ عليِّ بنِ بخيتٍ الزهراني مرجعاً رائعاً لفترةٍ من تاريخِ الأمةِ ، وخاصةً ما يتعلقُ بالجانبِ العقدي ، فقد أتى على كثيرٍ من انحرافاتِ القبوريةِ سواء من خلالِ مصادرِهم المعتمدةِ في ذلك أو من خلال الرادين عليهم .

وفي هذا المقال سأختارُ بعضاً من تلك الانحرافاتِ ليعلم الموحد نعمةَ اللهِ عليه ، وأن يسألَ اللهَ الثباتَ على التوحيد ، وأن يقبضهُ على التوحيد ، ولن أطيل في المقدمةِ ، وسندخلُ في الموضوعِ مباشرةً ، وقد اخترتُ عناوين جانبيةً لكلِّ فائدةٍ أجدها لكي تكون سهلةَ الرجوعِ إليها حين الحاجةِ لها .

ضريحٌ لراهبٍ مسيحي :

قال الشيخُ عليٍّ الزهراني في " الانحرافاتِ العقديةِ والعلمية " (1/290) : " وقد ذكر شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ أن بعضَ الشيوخِ المشهورين بالعلمِ والدين قالوا إنه قبرُ نصراني .

وليس ذلك بغريبٍ أبداً ، ففي الجزائرِ كان الشعبُ هناك يؤمُ ضريحاً في بعضِ المناطقِ الشرقيةِ ويتبركُ بأعتابهِ ثم اكتشف أن هذا القبر كان لراهبٍ مسيحي ولم يصدقِ الناسُ ذلك حتى عثروا على الصليبِ في القبرِ [ صفحاتٌ من تاريخِ الجزائر ( ص 324 ) ] " .ا.هـ.

الملوك والسلاطين يتسابقون في عمارةِ المشاهد والأضرحةِ :

قال أيضاً (1/299) : " بل لقد كان ذلك علامة على صلاحِ وعدلِ من يفعلهُ من الحكامِ والأمراءِ ، فمن كان منهم مكرماً للأولياءِ بزعمهم ، يبني الأضرحةَ على قبورهم ، ويشيدُ القباب عليها ، ويزور تربهم ويمرغُ خديه على عتباتهم فهو الحاكمُ الصالحُ المحبوبُ عند رعيتهِ ولو كان من أظلمِ الظالمين .

ويذكرُ أحمدُ بنُ الخياط ( المتوفى سنة 1285 هـ ) أن الذي دفعه إلى تأليفِ كتابهِ " ترجمة الأولياء في الموصل الحدباء " هو ما رآه من والي الموصل في زمنه ( نجيب باشا ) ومحبته للأولياءِ ، وزياراتهِ المتكررةِ لمدافنهم ومشاهدهم ، وأن ذلك من توفيقِ الله له لأن من أحب قوماً فهو معهم ، وقد أهداه مؤلفهُ المذكورُ ...

وقد ذكر القاياتي مقامَ إبراهيم بنِ أدهم وما أُعد فيه من خلواتٍ لنومِ الغرباءِ ، ووصف بنائهُ ، وقال إن ملوكَ الزمانِ قد خدمتهُ .

وكثيراً ما يذكرُ في تراجمِ الحكامِ والأمراءِ - ضمن محاسنهم - تجديدُ الأضرحةِ وإقامةُ المشاهد ...

وعندما مات الصوفي المشهور خالد أبو البهاء ضياء الدين النقشبندي عام 1242 هـ بنى السلطانُ عبدُ الحميد خان على قبرهِ قبةً عظيمةً ، ومسجداً ، وعدة مقاصير للمريدين والمتجردين ، ومطبخاً ، وبركةً عظيمةً للماءِ " .ا.هـ.

الصعاليكُ وأصحابُ الرئاسةِ الدنيوية يبنى على قبورهم الأضرحةُ والقبابُ :

وقال أيضاً (1/300 - 301) : " ولما مات والي الشام أحمد حمدي باشا سنة 1303 هـ في بيروت ، أمر السلطانُ عبدُ الحميدِ الثاني بتعميرِ زاويةِ لمدفنهِ ، يصرفُ عليها من مالهِ الخاص أربعة وستون ألفاً صاغاً ...

ووصل الأمرُ أحياناً أن يُبنى على قبرٍ صعلوكٍ كان يقطعُ الطريقَ جامعٌ وقبةٌ ، كما صنع الخديوي إسماعيل سنة 1280 هـ برجلٍ يدعى صالح أبو حديد كان قاطعَ طريقٍ ، ويعملُ له حضرةً كلّ أسبوعٍ ومولد كل عامٍ ، وأوقف عليه أوقافاً تفي بإقامةِ شعائره المبتدعة .

ويعلق صاحبُ الخطط التوقيفية عند الحديثِ عن هذا الجامعِ بقولهِ : " وهو جامعٌ عظيمٌ لم يبن لغيرهِ من الأفاضلِ ذوي المعارفِ والعلومِ الذين انتفع الكثيرُ بعلومهم ومعارفهم ، ولكن هذه عادةٌ قديمةٌ ألفها المصريون من قديمِ الزمنِ ، وطالما نبه عليها كثيرٌ من المؤلفين في كتبهم ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " [ وأصل قصة الشيخِ صالحٍ هذا أنه كان على رأسِ عصابةٍ تقطعُ الطريقَ وتقتلُ المارةَ وتسلبهم وعندما كُشف أمرهم فر صالحٌ إلى بيتِ مغنيةٍ مشهورةٍ وادعت أنه مجنونٌ ووضعت في رجليه قيداً من حديدٍ ، وقد اعتقل لسانهُ من شدةِ الخوفِ ، ثم شاع عنه بين الناس أن له كراماتٍ وأخباراً بالمغيباتِ وكان ذلك بفعلِ المجتمعين من حولهِ من الأوباشِ ، وأقبل الناسُ عليه بالهدايا والنذور لاستكشافِ المغيبات واستمر على هذا إلى أن مات وكان ما كان ] .
 

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ