بسم الله الرحمن الرحيم

صورٌ من احتسابِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ ( 1 )


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ عالمٌ رباني شهد له الأعداءُ قبل الأصدقاءِ بعلمه وعمله ، بحرٌ في العلمِ ... في الدعوةِ ... في الاحتسابِ ... أُلفت في سيرتهِ المؤلفاتُ ، وحُققت كتبهُ في الجامعاتِ ، وخُصصت رسائل علمية في فنونٍ مختلفةٍ من علومه ، ردَّ على الفلاسفةِ والمبتدعةِ واليهودِ والنصارى ، عاش في زمنٍ عزت فيه السنةُ ، وغلبتِ البدعةُ ، كان جبلاً شامخاً في الاحتسابِ ، لا يخشى في اللهِ لومةَ لائمٍ ، شجاعٌ في أصعبِ المواقفِ وأحلكِ الظروفِ ، كان اتصالهُ بالناسِ مباشراً ، متحسساً لمشكلاتهم ، حريصاً عليهم ، لم يكن منقطعاً عنهم .

دعونا نأخذُ جانباً واحداً من جوانبِ حياةِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ - رحمهُ اللهُ - وهو جانبُ الاحتسابِ ، ليتبين أننا لم نتجاوزِ الحدَّ في الثناءِ عليه ، مع اعتقادنا الجازم أنه بشرٌ يقعُ منه الخطأ ، ولا ندعي عصمتهُ ، ولكنهُ عالمٌ رباني بحقٍ ، كان يعيشُ بين الناسِ بعلمهِ وعملهِ ، فرحمهُ اللهُ رحمةً واسعةً .

الصورةُ الأولى : كان شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةُ من أشدِّ الناسِ إنكاراً على البدعِ التي تقعُ في مجتمعهِ ، وخاصةً ما يوقعُ الأمة في الشركِ ، فكان يحتسبُ في إنكارها ، فمن حين سماعه بمنكرٍ ظاهرٍ يستخيرُ اللهَ ويخرج للانكارِ ، وهكذا يكونُ العلماءُ في الأمةِ ، فما فائدةُ العالمِ إذا كان لا يعيشُ هموم الأمةِ ؟!

جاء في '' الجامعِ لسيرةِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ خلال سبعة قرون '' ( ص 134 ) ، تحت فصلٍ فيما قام به ابنُ تيميةَ وتفرد به وذلك في تكسير الأحجارِ لخادمِ شيخِ الإسلامِ إبراهيم بن أحمد الغياني ما نصه : '' فبلغ الشيخ أن جميعَ ما ذكر من البدعِ يتعمدها الناسُ عند العمودِ المُخَلَّقِ الذي داخل ( البابِ الصغيرِ ) الذي عند ( دربِ النافدانيين ) . فشدَّ عليه وقام ، واستخار اللهَ في الخروجِ إلى كسرهِ ، فحدثني أخوهُ الشيخُ الإمامُ القدوةُ شرفُ الدينِ عبدُ اللهِ ابنُ تيميةَ قال : فخرجنا لكسرهِ فسمع الناسُ أن الشيخَ يخرجُ لكسرِ العمودِ المُخَلَّقِ ؛ فاجتمع معنا خلقٌ كثيرٌ . قال : فلما خرجنا نحوه ، وشاع في البلدانِ : ابنُ تيميةَ طالعٌ ليسكر العمودَ المُخَلَّقَ ، صاح الشيطانُ في البلدِ ، وضجتِ الناسُ بأقوالٍ مختلفةٍ ، هذا يقولُ : '' ما بقيت عينُ الفيجةِ تطلعُ '' ، وهذا يقولُ : '' ما ينزلُ المطرُ ، ولا يثمرُ الشجرُ '' ، وهذا يقولُ : '' ما بقي ابنُ تيميةَ يفلحُ بعد أن تعرّض لهذا '' ، وكل من يقولُ شيئاً غير هذا .

قال الشيخُ شرفُ الدينِ : فما وصلنا إلى عنده إلا وقد رجع عنا غالبُ الناسِ ، خشية أن ينالهم في أنفسهم آفةٌ من الآفاتِ ، أو ينقطعُ بسببِ كسرهِ بعضُ الخيراتِ .

قال : فتقدمنا إليه ، وصحنا على الحجَّارين : '' دونكم هذا الصنم '' فما جسر أحدٌ منهم يتقدمُ إليه . قال فأخذتُ أنا والشيخ المعاول منهم ، وضربنا فيه ، وقلنا : '' جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا '' ] الإسراء : 81 . [ وقلنا : إن أصاب أحداً منه شيءٌ نكونُ نحن فداهُ . وتابعنا الناسُ فيه بالضربِ حتى كسرناهُ ، فوجدنا خلفهُ صنمين حجارة مجسَّدة مصوَّرة ، طول كل صنم نحو شبر ونصف .

وقال الشيخُ شرفُ الدين : قال الشيخُ النووي : '' اللهم أقم لدينك رجلاً يكسر العمودَ المُخَلَّقَ ، ويخرب القبر الذي في جيرون '' فهذا من كراماتِ الشيخِ محيى الدين ( أي النووي ) . فكسرناهُ ولله الحمدُ ، وما أصاب الناسُ من ذلك إلا الخيرَ . والحمدُ للهِ وحدهُ '' .ا.هـ.

فالأمةُ بحاجةٍ لعلماء مثل شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ - رحمهُ اللهُ - في الاحتسابِ على المنكراتِ الظاهرةِ ، والتي توقعُ الناس في الشركِ ، والعالمُ الذي لا يتحركُ ولا يهتمُ بوقوعِ الأمةِ في الشركِ ، فمتى يتحركُ ؟!

ومع قصةٍ أخرى ...
 



رابط المقال فر جريدة المدينة ملحق الرسالة
 

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ