لازلنا نعيشُ مع صورٍ من احتسابِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ - رحمهُ اللهُ
- ، والصورةُ التي معنا كانت سبباً لتأليفِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ -
رحمهُ اللهُ - كتاب '' الصارمِ المسلولِ على شاتمِ الرسولِ - صلى اللهُ
عليه وسلم - ، وكان تأليفهُ بسببِ رجلٍ يدعى '' عَسَّافاً '' ، وكان
نصرانياً
أتركُ الإمامَ ابنَ كثيرٍ يروي لنا الواقعةَ بالتفصيلِ ، وماجرى لشيخِ
الإسلامِ - رحمهُ اللهُ - بسببها ، وكيف كان احتسابه ؟
قال ابنُ كثيرٍ في '' البدايةِ والنهايةِ '' (13/335 - 336) : '' واقعةُ
عَسَّافٍ النصراني : كان هذا الرجلُ من أهلِ السويداء ] مكانٌ من جبلِ
حوران [ ، قد شهد عليه جماعةٌ أنهُ سبَّ النبيَّ - صلى اللهُ عليه وسلم - ،
وقد استجار عَسَّاف هذا بابنِ أحمدَ بنِ حجى أميرِ آل عليٍّ ، فاجتمع
الشيخُ تقي الدينِ ابنُ تيميةَ ، والشيخُ زينُ الدينِ الفارقي شيخُ دارِ
الحديثِ ، فدخلا على الأميرِ عز الدينِ أيبك الحموي نائبِ السلطنةِ فكلماهُ
في أمرهِ فأجابهما إلى ذلك ، وأرسل ليحضرهُ فخرجا من عنده ومعهما خلقٌ
كثيرٌ من الناسِ ، فرأى الناسُ عسافاً حين قَدِم ، ومعه رجلٌ من العربِ
فسبوهُ وشتموهُ . فقال ذلك الرجلُ البدوي : '' هو خيرٌ منكم '' - يعني
النصراني - فرجمهما الناسُ بالحجارةِ ، وأصابت عسافاً ووقعت خبطةٌ قويةٌ
فأرسل النائبُ فطلب الشيخين ابنَ تيميةَ والفارقي فضربهما بين يديهِ ، ورسم
عليهما في العذراوية ، وقدم النصراني فأسلم ، وعُقد مجلسٌ بسببهِ ، وأثبت
بينه وبين الشهودِ عداوةً ، فحُقن دمهُ . ثم استدعى بالشيخين فأرضاهما
وأطلقهما ، ولحق النصراني بعد ذلك ببلادِ الحجازِ ، فاتفق قتلهُ قريباً من
مدينةِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قتلهُ ابنُ أخيهِ هنالك ،
وصنف الشيخُ تقيُّ الدينِ ابنُ تيميةَ في هذه الواقعةِ كتابهُ '' الصارم
المسلول على ساب الرسول '' .ا.هـ.
وقال أيضاً ابنُ كثيرٍ عن عاقبةِ الذي أجار عَسَّافاً النصراني (13/360) :
'' وفيها - أي : سنة 694 هـ - : في أواخرِ ربيع الأول جاء الخبرُ بأنّ
عسافَ بنَ أحمد بن حجى ، الذي كان قد أجار ذلك النصراني الذي سب الرسولَ
قُتل ففرح الناسُ بذلك '' .ا.هـ.
فبسببِ احتسابِ شيخِ الإسلامِ - رحمهُ اللهُ - على عَسَّافٍ النصراني ألف
كتابهُ '' الصارم المسلول '' ، والذي عالج فيه شيخُ الإسلامِ - رحمهُ اللهُ
- مسائل عدة من أهمها : حكمُ شاتمِ الرسولِ - صلى اللهُ عليه وسلم - ، ورجح
- رحمهُ اللهُ - أن الساب يُقتلُ سواء كان مسلماً أو كافراً ، ويُعدُّ
الكتابُ من أهم الكتبِ المصنفةِ في المسألةِ ، ومرجعاً لا يستغني عنه من
أراد التحقيقَ في شتمِ الرسولِ - صلى اللهُ عليه وسلم - .
وأختمُ بكلامٍ نفيسٍ لأبي حفصٍ البزار في '' الأعلامِ العليةِ '' ( ص 22 )
عن مصنفاتِ شيخِ الإسلام ابنِ تيميةَ - رحمهُ اللهُ - ومنها '' الصارم
المسلول '' فقال : '' صنّف عدةَ كتبٍ صغاراً وكباراً ، وذكر فيها ما احتاج
إلى ذكرهِ من الأحاديث والآثارِ وأقوالِ الصحابةِ وأسماءِ المحدثين
والمؤلفين ومؤلفاتهم ، وعزا كلَّ شيءٍ من ذلك إلى ناقليه وقائليه بأسمائهم
، وذكر أسماءَ الكتبِ التي ذكر فيها ، وفي أي موضعٍ فيها ، كل ذلك بديهة من
حفظهِ لأنه لم يكن عنده حينئذٍ كتابٌ يطالعهُ ، ونُقبت واعتُبرت ، فلم يوجد
بحمد الله خللٌ ولا تغييرٌ ، ومن جملتها كتاب '' الصارم المسلول على شاتمِ
الرسول '' ، وهذا من الفضلِ الذي خصه اللهُ به '' .ا.هـ.
صورة
ضوئية للمقال
رابط المقال فر جريدة المدينة ملحق الرسالة