بسم الله الرحمن الرحيم

الأمير سلمان يتصل بالشيخ ويثني على مقاله


قال أوسطهم
· ومن يثني الأصاغر عن مراد ؟
· د.سعد بن عبدالله البريك


قبل الدخول في مقال هذا الأسبوع ، أودّ الإشارة بأن مقالة الأسبوع الماضي (ولن يرضى عنك العلمانيون حتى..) جاوزت القنطرة ، ولله الحمد، وحازت على الشرف، عبر ثناء عاطر من مقام الوالد أمير الرياض صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز المشهود له بسعة الاطلاع ونهم المعرفة ، حيث شرّفني سموه باتصال صبيحة يوم الجمعة ، أيقنت به أن سموه بهذا غمر ملحق (الرسالة) والمشرف عليه أخي عبدالعزيز قاسم وهذه الزاوية (قال أوسطهم) وكاتبها بنبيل تواضعه وكريم خلقه ، في إشارة أجزم أنها تثبيت وتأييد لكل مخلص يعمل لدينه ووطنه ، اللهم اجعلنا منهم ..

وأعود إلى مقالة هذا الأسبوع:

قال اللغويون :إذا تطرّفت الناقة، أي رعت في أطراف المراعي ولم تختلط بالنوق، ونحن اليوم نعاني من هياج التطرف بنوعيه وطرفيه، حيث توهموا السوادَ الأعظمَ أحادًا معدودين، وظَّنوا الصامتين مؤيدين، وأعجبُ من ذلك يقينهم أن القادرين معوقون، وأن الذين يُراد بهم كيدًا صم بكم عمي فهم لا يعقلون!!

هكذا يظن المتطرفون من الغلاة والمفرطين! ''

وموقع الحق وسط بين طرفين... طرف غلا في دين الله غلوًا استحل به المعصوم من الدماء ..وسفّه به الأثبات من العلماء ..ونقض به عُرى البيعة والولاء ..واتخذ فتاواه من رؤوس جهلاء ..فكفر وفجر...ونأى عن الوسطية وأدبر...وفي مثله نزل قول الله جل وعلا: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) - سورة المائدة, آية 77- وفي مثله جاء في الحديث الصحيح تحذير النبي صلى الله عليه وسلم: قال : '' إياكم والغلو في الدين ، فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين ''.

وطرف على النقيض من الطرف الأول يقابله في الانحراف، ويعاكسه في الاتجاه، ولا يقل عنه شرًا في الحال والمآل..أعرض واحتال على النصوص..ونكص عنها أشد النكوص..واتخذ ''الليبرالية '' الغربية منهجًا للاستنان، وحجة على السنَّة والقرآن ..وشارك أهل الغلو في تسفيه النصفة من أهل العلم والإيمان.

وكلا الطرفين تطرّف عن الحق فأبعدا...وانزويا عن الهدى وتعمدا...وخاضا في أمور الدين بغير حق فأزبدا.. (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) .

وبين الطرفين وسط عظيم كثير كبير عدول جعلهم الله شهداء على الناس بالحق ...به يقومون وبه يعدلون وبه يحكمون وإليه يتحاكمون، لم تختلط عندهم الأوراق ولم يتشككوا في المسير والمساق ولو التفت الساق بالساق ..أبصروا الخير والشر والمعروف والمنكر والخطأ والصواب فلم يأخذهم الجفاء إلى إنكار الحق والعدل، ولم تصرعهم المحبة ليتجاهلوا وجود الخلل والزلل, وفي كل الأحوال تخطب عقولهم ولو سكتت بعض ألسنتهم لتقول عن دموع التماسيح والبكاء على المسيح (إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون )... لن يستخفنا زخرف القول ولا وعود السراب التي أخرجت من حولنا من مدنهم وبيوتهم إلى الفلوات وحولتهم من الرغد إلى النكد ومن السعة إلى الضيق ومن الأمن إلى الفزع.

والحق يقال: إن القوم فكروا فقتلوا كيف قدّروا.. فبالرغم من كل هذا المكر الكبار وتتابع كيد الليل والنهار إلا أن النتائج جاءت مخيبة للآمال وكأني بهم يتخافتون:


رأيت رقى الشيطان لا تستفزه * * * وقد كان شيطاني من الجن راقيا


لكن السواد الأعظم هو منطق الرهان والتحدي وجبهة الصمود والتصدي لا يزال موقنًا أن وجوده وكيانه وبقاءه ثمرة عقيدة نقية وسنة محمدية (صلى الله عليه وسلم) ولازال معتقدًا أن ذلك مرهون في المعروف بالسمع والطاعة والسنّة والجماعة دينًا يدينون به، وعبرة خلت حولها المثلات في العراق والصومال في تقلب الأمور وانتكاس الأحوال ليصبح فيها الموت أمنية الخلاص من البؤس والشقاء .


كفى بك داء أن ترى الموت شافيا * * * وإن المنايا قد غدون أمانــيا


فقد أصبح الدكتاتور السابق رمزًا وأمنية يرضى بها المعذبون أمام الغدر والاحتلال!!


رب يــــوم بكيتُ فيه فلما * * * صرت في غيره بكيتُ عليه


فطاعة أهل الوسطية لولاة الأمر ليس موقفًا سياسيًا تقتضيه المرحلة!!! وليس موقفًا فكريًا خاضعًا لاجتهاد عقلي قد يتغير..وليس موقفًا عاطفيًا أو براغماتيًا (نفعيًا) تقتضيه المصالح الشخصية ..بل هو موقف شرعي وبلغة شرعية أدق هو موقف عقدي سطره العلماء قديماً، ووضعوا له الأصول والقواعد والضوابط لتكون لأهل الوسط منهجًا به يهتدون..فطاعة أهل الوسطية لولاة الأمر هو لتحقيق قول الله جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) .

وقال صلى الله عليه وسلم : (منْ رأى من أميره شيئاً من معصية الله ؛ فليكره ما يأتي من معصية الله ، ولا يَنْزعن يداً من طاعة(.قال شيخ الإسلام -رحمَهُ اللهُ- فِي مجموع الفتاوى(28/290-291) : '' يجب أن يعرف أن ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها ... ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة ، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع، والأعياد ونصر المظلوم ، وإقامة الحدود ، لا تتم إلا بالقوة والإمارة '' أ.هـ بين الطرفين أو بين المتطرفين يقع الحق وتقع الجماعة ( وكذلك جعلنكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) .

وأهل الوسط يقولون: من رد الحق فقد تطّرف...ومن شذ عن الجماعة شذ في النار..ومن ادّعى العصمة للولاة والحكام أو لأحد من البشر سوى أنبياء الله ورسله فقد أخطأ، ومن جعل من الخطأ ذريعة للخروج والتكفير والتفجير أو لاستيراد مناهج الغرب وضرب الثوابت الثابتة بالنصوص المطلقة فقد زاغ. وفي مثل هؤلاء جميعًا جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنَّهُ ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان) رواه مسلم
 



· جزى اللهُ خيراً الشيخَ سعداً البريك على مقالهِ ، وسدد قلمهُ .

· شكراً للأميرِ سلمانَ بنِ عبدِ العزيز على تشجيعهِ ومتابعتهِ لمثلِ كتاباتِ الشيخِ سعدٍ وغيرهِ مِن الكُتّابِ الصادقين .
 


· قال أوسطهم
· ولن يرضى عنك العلمانيون حتى ...
· د.سعد بن عبدالله البريك


حتى تطالب بعزل الدين عن كثير من شؤون الحياة ، وحتى تتبرَّم من '' سيادة الشريعة '' مندداً بصوت جهوري '' إلى متى يبقى المجتمع خاضعاً للونٍ واحد ولفكرٍ واحد'' ، ''أين التعددية ''؟.

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تعمل على '' كسر الثوابت '' و'' خلخلة المسلَّمات '' ، بـ '' حرية الرأي '' واحترام '' الرأي والرأي الآخر '' لتوجِد لنفسك أرضية تستطيع الانطلاق منها ما دام رأيك نقيض الشريعة .

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تقبل التعامل بمصطلحاتهم ولا تطالب بتحديد مقاصدها ، ولك بهذا أن تمرَر تحت '' حرية الرأي '' و'' قبول الرأي الآخر ''كل ما يخالف الشريعة .

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تهاجِم الدعوة إلى الله باستمرار وتحاول أن توهم الناس أن '' الدين هو سبب تخلفهم وانحطاطهم ''، ولا بد من نبذه ظهرياً للسير في ركب الحضارة والتقدم .

ولأجل ذلك لا بد أن تحسن '' استغلال الأحداث'' وأن تعرف '' من أين تؤكل الكتف '' وأن تكون صياداً ماهراً لتتمكن من '' الاصطياد في الماء العكر '' فإذا قام أهل الضلال والانحراف بأعمال تفجير أو قتل ، عليك استغلال هذه الحادثة لمهاجمة حلقات ومدارس تحفيظ القرآن ومكاتب الدعوة وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأنها سبب ذلك وأنها '' تزرع وتُفرَخ الإرهاب '' في رؤوس رُوَادِها .

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تهاجِم العلماء بـأنهم '' علماء السلطان'' و''لا مصداقية لهم'' ، وأنهم في ''أبراجهم العاجية'' لا يعيشون نبض المجتمع ولا يتفاعلون مع مشكلاته ، وحتى تزرع إسفين الفُرقة بينهم وبين الدعاة بتصوير هؤلاء الدعاة أنهم دعاة تطرف وفتنة وخروج على ولاة الأمر ، فإذا زرعتَ هذا الإسفين بينهم ؛ اختلفوا وتنافروا وسقطوا من أعين الناس ، وحينئذ تستطيع اصطياد العامة والبسطاء من الناس .

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى يكون ولاؤك وحبك للغرب وحضارته بعُجَرها وبُجَرها ، وحتى تنافِح ما استطعت عنها ، وتعمل على تسويق قيمها ومُثُلِها ، وإن لم يبادلك الغربيون الشعور بالحب لك أو السعي لتسويق قيم ومفاهيم حضارتك وثقافتك ، وعليك المحافظةُ على هذا الولاء حتى ولو ''شتموا دينك'' و''أهانوا قرآنك'' و''قتلوا بني جلدتك'' و''اغتصبوا النساء'' و''احتلوا الديار'' و''نهبوا الثروات'' ، وليكن ''تحريك الشهوات وإثارة الغرائز '' سلاحك الماضي لتسويق التغريب ، وإذا ترافق مع هذا السلاح تهميش الدين من الأنفس وانتقاص العلماء والدعاة ، سهُل عليك إيقاع الناس في فخ ''التغريب'' .

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تكون دائم التأهب والترقب فإذا بان من عوار الغرب شيء ، فعليك أن تبادر إلى ستره وتغطيته ، حتى ولو '' سَبَّ نبيك صلى الله عليه وسلم واستهزأ به '' وَوصفَه بأشنع الأوصاف ، لأن '' العالمية '' تقتضي منك أن تتجاوز الإقليمية والصراعات الدينية.

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تُغْفِلَ قضايا المسلمين الأساسية والملِحَّة ، وتعمل على تهميشها إلى أقصى حد ممكن ، لأن في تفعيلها إيقاظا للناس.

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تهاجِم المناهج مدعياً أنها '' تربي الطلاب على الإرهاب '' ، وأنها '' تحشو ذهنه بما لا فائدة منه ''. وإذا كان لديك إلمام جيد بإحدى اللغات الغربية ، قُمْ بترجمة مقاطع من هذه المناهج وأرسلها إلى الدوائر المعنية هناك ، لإقناعهم بأن مناهجنا ''تؤسس الكراهية ضد الآخر ''. وليكن تركيزك على مناهج بلادك ولا تتطرق لغيرها، حتى مناهج اليهود التي تنضح بالعنصرية والكراهية والدموية ، لا تقرَبْها لأن ذلك لا يخدم مخطط ''التغريب ''.

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تعلم أن كلمة السر للفوز بمحبة القوم هي ''المرأة '' فاعمل على تسخير قلمك للنيل من حجابها موهماً أنه '' تقييد لحريتها'' ، وأنه '' كفن أسود أجبرت عليه وهي لا تزال على قيد الحياة '' ، وعليك أن تدندن حول '' حقوقها المهضومة '' ، سيما حقها في العمل السياسي وغيره وحقها في عدم الانفصال عن ''النصف الآخر '' ـ الرجال ـ وحقها في أن تكون حرة في كشف ما تشاء من جسدها . وعليك أن تتجاهل عمداً حقوقها المشروعة كحقها في الحياة الكريمة وحقها في الحصول على ما أوجب الله لها من الإرث ، وحقها في الزواج ممن تختار دون إكراه ، وحقها في مالها دون أن يسطو عليه أحد ، واحذر من إثارة هذه المشاكل لأن ذلك يهمش القضايا التي يدندنون حولها ويفسد دعوى '' تحرير المرأة ''.

وختاماً حتى يرضى عنك العلمانيون ، لا تحرج ''أمريكا في الكيل بمكيالين ''ولا تتحدث عن '' مفاعل ديمونة '' ولا تسكت عن نزع السلاح النووي في المنطقة ولا تذكر أسرى ''غوانتانامو'' ولا تتحدث عن الاضطهاد والاغتصاب والتعذيب في ''أبو غريب '' ولا تفتح صفحة العذاب المنسية في أفغانستان ، وكن حذراً قوي الشك من كل من رفع رأسه بالسنة وحفِظَ سمتَهُ في الالتزام بها .

هذه هي '' الخلطة السحرية '' الكفيلة بجعلك محبوباً عند دعاة التغريب، وعلى قَدْرِ مهارتك في تحضير هذه الخلطة يكون نصيبك من الود والقُرْب.

وإذا فعلت هذا كله أحبك كل منافق شرح بالكفر صدراً ، وجهر بالدعوة إلى هدم المكتسبات جهراً ، وأبرم مع الأعداء في السر أمراً ، ولاكَ لسانه في المصلحين كذباً ومكراً ، وتقرب بدعوى النصح سوءاً وغدراً .

والمسكين من صدَّق وعودهم أو وثق بهم أو ركن إليهم فَمَثُلاتِهِم في رفاقهم معلومة ، ومن حمل الأفاعي في مَزَّادته فلا يعجبنَّ مِن غرائب سُمَها

 

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ