صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







يا شيخ عبد المحسن العبيكان .. أين الأمانة العلمية في بحثك وفتواك غفر الله لك ؟

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل

 
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ ...

قرأتُ بحثَ الشيخِ عبدِ المحسن العبيكان عن سفرِ المرأةِ بدونِ محرمٍ ، وأجاز فيه سفرها إذا أمنت على نفسها من الخوف ، وأتى بحجج عقلية غريبة لم يذكر من سبقه إليها ، وكأنه أتى بكنز خفي على السابقين ممن عايشوا زمن الطائرات ، وسافروا بها ! .

والبحثُ فيه خللٌ من جهةِ النقولِ التي أوردها وأراد الانتصار بها لرأيهِ ، وهذا لا شك أنه خللٌ منهجي لا يليق بالشيخ ، ولعلي أبين بعضا من ذلك في نقاط سريعة :

أولا :
بدأ بمقدمة أصولية لا أريد الخوض فيها كثيرا ، ثم سرد أدلة تحريم سفر المرأة بدون محرم من كتب السنة ، واستنبط من ذكر اختلاف المدة أن العلة هي الخوف ! ، وهذا أمرٌ غريبٌ لم يسبق إليه ، ولو وجد من سبقه إليه لم يذكر مصدره ، وقد تكلم العلماء عن هذا الاختلاف في ذكر المدة في الأحاديث الواردة ، والشيخ عفا الله عنه لم يعرج على كلام العلماء ، وإنما مرره ، واستنبط منه بما لم يسبقه الأوائل من العلماء الأفذاذ ، ودعوني أضع ما قاله العلماء في اختلاف المدة :

قال الإمام النووي في " شرح مسلم " بعد أن سرد الروايات المختلفة في المدة : " ... قَالَ الْعُلَمَاء : اِخْتِلَاف هَذِهِ الْأَلْفَاظ لِاخْتِلَافِ السَّائِلِينَ ، وَاخْتِلَاف الْمَوَاطِن ، وَلَيْسَ فِي النَّهْي عَنْ الثَّلَاثَة تَصْرِيح بِإِبَاحَةٍ وَاللَّيْلَة أَوْ الْبَرِيد ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : كَأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَة تُسَافِر ثَلَاثًا بِغَيْرِ مَحْرَم ، فَقَالَ : لَا ، وَسُئِلَ عَنْ سَفَرهَا يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ مَحْرَم : فَقَالَ : لَا ، وَسُئِلَ عَنْ سَفَرهَا يَوْمًا فَقَالَ : لَا . وَكَذَلِكَ الْبَرِيد ، فَأَدَّى كُلّ مِنْهُمْ مَا سَمِعَهُ ، وَمَا جَاءَ مِنْهَا مُخْتَلِفًا عَنْ رِوَايَة وَاحِد فَسَمِعَهُ فِي مَوَاطِن ، فَرَوَى تَارَة هَذَا ، وَتَارَة هَذَا ، وَكُلّه صَحِيح ، وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلّه تَحْدِيد لِأَقَلّ مَا يَقَع عَلَيْهِ اِسْم السَّفَر ، وَلَمْ يُرِدْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْدِيد أَقَلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا ، فَالْحَاصِل أَنَّ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَة بِغَيْرِ زَوْج أَوْ مَحْرَم ، سَوَاء كَانَ ثَلَاثَة أَيَّام أَوْ يَوْمَيْنِ أَوَيَوْمًا أَوْ بَرِيدًا أَوْ غَيْر ذَلِكَ ؛ لِرِوَايَةِ اِبْن عَبَّاس الْمُطْلَقَة ، وَهِيَ آخِر رِوَايَات مُسْلِم السَّابِقَة ( لَا تُسَافِر اِمْرَأَة إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم ) وَهَذَا يَتَنَاوَل جَمِيع مَا يُسَمَّى سَفَرًا . وَاَللَّه أَعْلَم " ا.هـ.

وقال الحافظ ابنُ حجر في " الفتح " عند شرح حديث ابن عباس المطلق في تحريم سفر المرأة بدون محرم : " كَذَا أَطْلَقَ السَّفَر وَقَيَّدَهُ فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد الْآتِي فِي الْبَاب فَقَالَ " مَسِيرَة يَوْمَيْنِ " ، وَمَضَى فِي الصَّلَاة حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مُقَيَّدًا بِمَسِيرَةِ يَوْم وَلَيْلَة ، وَعَنْهُ رِوَايَات أُخْرَى ، وَحَدِيث اِبْن عُمَر فِيهِ مُقَيَّدًا بِثَلَاثَةِ أَيَّام ، وَعَنْهُ رِوَايَات أُخْرَى أَيْضًا ، وَقَدْ عَمِلَ أَكْثَر الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْبَاب بِالْمُطْلَقِ لِاخْتِلَافِ التَّقْيِيدَات . وَقَالَ النَّوَوِيّ : لَيْسَ الْمُرَاد مِنْ التَّحْدِيد ظَاهِره ، بَلْ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا فَالْمَرْأَة مَنْهِيَّة عَنْهُ إِلَّا بِالْمَحْرَمِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّحْدِيد عَنْ أَمْر وَاقِع فَلَا يُعْمَل بِمَفْهُومِهِ " .ا.هـ.

فحاصل كلام العلماء أن كل ما يطلق عليه سفر فإن المرأة منهيةٌ عن السفر إلا بمحرم .

ثانيا :
الشيخ العبيكان ركز بحثه على سفر المرأة بدون محرم في الحج ، وأستغرب من عدم الأمانة في بحثه عفا الله عنه فكيف يقرر مسألة فرعية في حين أن أصل المسألة لا يعرج عليها بالرغم أنه حُكي الاتفاق على عدم جواز سفر المرأة بدون محرم

قال الإمام النووي في " شرح مسلم " : " ... وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي : وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُج فِي غَيْر الْحَجّ وَالْعُمْرَة إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم إِلَّا الْهِجْرَة مِنْ دَار الْحَرْب ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تُهَاجِر مِنْهَا إِلَى دَار الْإِسْلَام وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَم ، وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ إِقَامَتهَا فِي دَار الْكُفْر حَرَام إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ إِظْهَار الدِّين , وَتَخْشَى عَلَى دِينهَا وَنَفْسهَا " .ا.هـ.

وقال الحافظ ابنُ حجر في " الفتح " : " قَالَ الْبَغَوِيُّ : لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ السَّفَر فِي غَيْر الْفَرْض إِلَّا مَعَ زَوْج أَوْ مَحْرَم إِلَّا كَافِرَة أَسْلَمَتْ فِي دَار الْحَرْب أَوْ أَسِيرَة تَخَلَّصَتْ . وَزَادَ غَيْره أَوْ اِمْرَأَة اِنْقَطَعَتْ مِنْ الرُّفْقَة فَوَجَدَهَا رَجُل مَأْمُون فَإِنَّهُ يَجُوز لَهُ أَنْ يَصْحَبهَا حَتَّى يُبَلِّغهَا الرُّفْقَة " .ا.هـ.

فالعلماء متفقون على أن المرأة لا يجوز لها السفر من دون محرم .

ثالثا :
استشهد الشيخ العبيكان بكلام ابن حجر الهيتمي ( وليس الهيثمي كما في نقل الشيخ العبيكان ، وربما يكون خطأ مطبعي ) في " الزواجر " ولا أدري ما مناسبة الاستشهاد بكلامه هنا ؟ والشيخ لم ينقل ما قاله الهيثمي كاملا لأنه سيكون حجة عليه لا له ، وأضع كلام ابن حجر الهيثمي بنصه للأمانة العلمية ، وأنه بعكس ما يريده الشيخ العبيكان تماما ، وإنما اقتصر في النقل على ما يخدم رأيه فقط .

قال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر عن اقتراف الكبائر " ما نصه : " الْكَبِيرَةُ الْمِائَةُ : سَفَرُ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا بِطَرِيقٍ تَخَافُ فِيهَا عَلَى بُضْعِهَا ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا " . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : " يَوْمَيْنِ " . وَفِي أُخْرَى لَهُمَا : " مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ " . وَفِي أُخْرَى لَهُمَا : " مَسِيرَةَ يَوْمٍ " . وَفِي أُخْرَى لَهُمَا : " مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ " . وَفِي أُخْرَى لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ خُزَيْمَةَ : " أَنْ تُسَافِرَ بَرِيدًا " .

تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا بِالْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرْته ظَاهِرٌ لِعَظِيمِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا ، وَهِيَ اسْتِيلَاءُ الْفَجَرَةِ ، وَفُسُوقُهُمْ بِهَا ، فَهُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الزِّنَا وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ ، وَأَمَّا الْحُرْمَةُ فَلَا تَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا السَّفَرُ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ وَإِنْ قَصُرَ السَّفَرُ وَكَانَ أَمْنًا وَلَوْ لِطَاعَةٍ كَنَفْلِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ مَعَ النِّسَاءِ مِنْ التَّنْعِيمِ ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ عَدُّهُمْ ذَلِكَ مِنْ الصَّغَائِرِ .

فأين الأمانة العلمية في النقل يا شيخ عبد المحسن غفر الله لك ؟

رابعا :
نقل الشيخ العبيكان نصوصا لأهل العلم في مسألة سفر المرأة بدون محرم في حج الفريضة ، وهي مسألة خلافية ولا شك ، ولكن هل كل خلاف مستساغ إذا صادم الدليل من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟!

أظن أن الشيخ العبيكان لا يقول بذلك فهو متجرد للدليل أينما دار ، فالأدلة على تحريم سفر المرأة للحج بدون محرم موجودة في حديث ابن عباس المطلق في تحريم السفر للمرأة ، وكذلك حديث الرجل الذي اكتتب في الغزوة ، وعرج الشيخ العبيكان على سفر المرأة مع مجموعة نساء ثقات ، وهي مسألة خلافية أيضا ، ولا أريد الخوض فيها طويلا فهي مبثوثة في كتب أهل العلم ، وهي ليست مدار البحث أصلا بل هي فرعية على الأصل .

وينبغي أن يعلم أن اختلاف العلماء في اشتراط المحرم لسفر المرأة إلى الحج إنما هو في حج الفريضة ، أما النافلة فقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز لها السفر إلا مع محرم أو زوج ، كما في "الموسوعة الفقهية" (17/36)

خامسا :
استشهد الشيخ العبيكان بحديث عدي بن حاتم في سفر الظعينة ، واستغرب أيضا من هذا الاستشهاد الذي رد عليه العلماء ولم يذكره الشيخ العبيكان ، فأين الأمانة العلمية يا شيخ عبد المحسن ؟

فالحديث خبرٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يعني الخبرُ بحصولِ أمرٍ أنه جائزٌ ، بل قد يكون جائزا ، أو العكس وذلك بحسب الأدلة الشرعية ، فهناك أحاديث أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم تحدث في آخر الزمان من انتشار الخمر والزنا وكثرة القتل فهل هذا يعني أن شرب الخمر والزنا والقتل جائز . الجواب : كلا ، بل إنها تبقى على أصلها من كبائر الذنوب .

قال النووي رحمه الله " لَيْسَ كُلّ مَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَوْنِهِ مِنْ عَلامَات السَّاعَة يَكُون مُحَرَّمًا أَوْ مَذْمُومًا ، فَإِنَّ تَطَاوُلَ الرِّعَاءِ فِي الْبُنْيَان ، وَفُشُوَّ الْمَالِ ، وَكَوْنَ خَمْسِينَ اِمْرَأَةً لَهُنَّ قَيِّمٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلا شَكٍّ ، وَإِنَّمَا هَذِهِ عَلامَات وَالْعَلامَة لا يُشْتَرَط فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؛ بَلْ تَكُون بِالْخَيْرِ وَالشَّرّ وَالْمُبَاح وَالْمُحَرَّم وَالْوَاجِب وَغَيْره وَاَللَّه أَعْلَمُ " .

هذا ما استطعتُ تتبعه من جهة عدم الأمانة في نقل الشيخ العبيكان لكلام العلماء ، وبتر النقول بطريقة غير مقبولة ليطوع نصوصهم التي توافق رأيه فقط مع الأسف .

وختاما : أذكر الشيخ عبد المحسن العبيكان بأنه سيقف بين يدي الله يوم القيامة ، ولن تنفعه هذه الصحف التي تنشر له ، ولا أعني هذه الفتوى بالذات ، وإنما كلما حصلت قضية في البلد تهافتت الصحف لأخذ رأيه ، وكأن البلد ليس فيها إلا الشيخ العبيكان بالرغم من وجود من هم أكبر من الشيخ العبيكان سنا وعلما في هيئة كبار العلماء وخارجها ومع ذلك لا ينقلون لهم شيئا ، ولا يسألونهم عن شيء في قضايا الأمة ، بل تهميش متعمد لهم ، وكلنا يرى ذلك ولا يحتاج إلى عناء تفكير .

أسألُ الله للشيخ عبد المحسن العبيكان التوفيق والسداد .

كتبه
عبد الله بن محمد زقيل

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية