صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ردا على د. الغنوشي حين قال: "تارك الشورى مثل تارك الصلاة"

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل
@zugailamm


الأخ د. عبد العزيز قاسم .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قرأتُ في مجموعتك البريدية ما قاله الشيخ راشد الغنوشي : " تارك الشورى مثل تارك الصلاة ! " ، وأيضا قوله : " الفقهاء تجادلوا في إيمان تارك الصلاة ولم يتجادلوا في إيمان تارك الشورى " .
وردي على الشيخ سيكون في إطاره الشرعي من جهة صحة ما ذكره الشيخ الغنوشي .

ناقش الفقهاء والعلماء حكم تارك الصلاة من جهتين :

1 – تارك الصلاة بالكلية جاحدا لوجوبها فهذا كافر بالإجماع .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في " أضواء البيان " (4/335) : " أجمع العلماء على أن تارك الصلاة ، الجاحد لوجوبها كافر ، وأنه يقتل كفرا ما لم يتب " .ا.هـ.
2 – تارك الصلاة كسلا وتهاونا فهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على قولين :
القول الأول : قول الجمهور أنه لا يكفر .
القول الثاني : أنه يكفر ، وهو قول الإمام أحمد .
وليس هذا مجال تفصيل في أدلة كل قول ، ولكن أريد أن أصل إلى نقطة أنه يوجد قول بكفر تارك الصلاة الجاحد لوجوبها ، والقول الثاني في حكم تارك الصلاة تهاونا وكسلا أنه يكفر .
أنتقل الآن لموضوع الشورى لأنني سأحتاج التفصيل في موضوع الصلاة لاحقا .

رغب الإسلام في الشورى وذُكرت في كتاب الله في موضعين :

1 – قال تعالى : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " [ آل عمران : 159 ] .
2 – وقال تعالى : " وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ " [ الشورى : 38 ] .
والسنة الفعلية للنبي حافلة بالأمثلة الكثيرة ، فقد استشار الصحابة في معاركه ، وفي المنافقين الذين رموا عائشة رضي الله عنها ، وغير ذلك من صور الاستشارة الكثير لا مجال لحصرها الآن .
واستمرت هذه السنة في سيرة الخلفاء الراشدين ، ومن بعدهم من التابعين وتابعيهم .
ولو تلحظون أن مبدأ الشورى فيما لم ينزل فيه وحي ، أما بعد نزول الوحي فلا يكون إلا ما أوحي إليه ، ومثال ذلك عندما استشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة في أسرى بدر .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَىَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ : "مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاَءِ الأُسَارَىَ ؟ "فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا نَبِيَّ اللهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَىَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَىَ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْلِلإِسْلاَمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا تَرَىَ ؟ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ " قُلْتُ : لاَ، واللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَرَى الَّذِي رَأَىَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَىَ أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيَّاً مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلاَنٍ -نَسِيباً لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإنَّ هَؤُلاَءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا . فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ، قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَبْكِيلِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَىَ منْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَنْزَلَ اللَّهُ : " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ " إِلَىَ قوله : " فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً " [الأنفال : 67-69] فَأَحَلَّ اللهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ " .
أخرجه مسلم في صحيحه (1763) .

أما مجالات الشورى فقد اختلف أهل العلم على حصرها على ثلاثة اقوال :

1 – أنها خاصة بالحرب إذا لم يكن فيه حكم .
قال أبن العربي في " أحكام القرآن " (1/297) : " قال علماؤنا : المراد الاستشارة في الحرب ، ولا شك في ذلك ، لأن الأحكام لم يكن لهم فيها رأي بقول ، وإنما بوحي مطلق من عند الله عز وجل أو باجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم على من يجوز له الاجتهاد " .
2 – ومنهم من قال أنها خاصة بالأمور الدنيوية .
3 – ومنهم من أطلق في كل أمر ليس فيه نص ، وقد رجحه عدد من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسية الشرعية فقال : " وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحروب والأمور الجزئية وغير ذلك .
نأتي الآن على المسألة التي عقد الشيخ الغنوشي بينها وبين الصلاة ، وهي حكم الشورى .

اختلف أهل العلم قديما وحديثا في حكم الشورى على ثلاثة أقوال :

1 – أنها واجبة .
قال القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " (4/249) : " قال ابن عطية : والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب ... وقال ابن خويز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها " .ا.هـ.
وأقوى دليل لهم هو قوله تعالى : " وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ " ، وحملوا الأمر على ظاهره أنه للوجوب .
2 – أنها للندب وليست للوجوب .
وقد ذهب إلى هذا القول الإمام الشافعي في " الأم " ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، والحافظ ابن حجر فقال : " واختلفوا في وجوبها فنقل البيهقي في المعرفة الاستحباب عن النص وبه جزم أبو نصر القشيري في تفسيره وهو المرجح " .ا.هـ.
3 - التفريق في حكمها بين النبي صلى الله عليه وسلم والأمة ، فهي واجبة في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، مستحبة في حق الأمة ، وقد حكى الإمام النووي الإجماع على استحبابها في حق الأمة فقال : " التشاور في الأمور لا سيما المهمة، وذلك مستحب في حقالأمة بإجماع العلماء .
واختلف أصحابنا هل كانت المشاورة واجبة على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم كانت سنة في حقه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما في حقنا ؟
والصحيح عندهم وجوبها وهو المختار، قال الله تعالى: " وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ " [آل عمران : 59] والمختار الذي عليه جمهور الفقهاء ومحققو أهل الأصول أن الأمر للوجوب " .ا.هـ.

وهذا التفريق لا دليل عليه من جهة أن خطاب الله للنبي صلى الله عليه وسلم هو خطاب لسائر الأمة ما لم يرد دليل على التخصيص ، والذي دعاهم إلى القول بوجوبها في حق النبي صلى الله عليه وسلم أنهم عدوها من خصائصه ، وهذا لا دليل عليه .

أكتفي بهذا الأدلة والأقوال ، ونأتي على الفرق بين قضية ترك الصلاة ، وبين الشورى .

تارك الصلاة جاحدا كافر بالإجماع ، أما تارك الشورى على قول من قال بوجوبها فإنه لا يكفر ولا شك وإنما يأثم بتركه لها ، أما إذا كانت على سبيل الندب أو السنة المؤكدة فإنه تسقط عنه إذا أداها غيره .

وبهذا يعلم الفرق بين ترك الصلاة وترك الشورى .

هذا ما استطعت جمعه في المسألة ، وربما بعض طلبة العلم يصححون ما قد أقع فيه من الخطأ . والله أعلم .


عبد الله زقيل .
5/7/2009

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية