لقد فُجعنا في يوم الجمعة 5 جماد الآخرة 1422هـ بموت أخٍ عزيزٍ إلى نفوسنا ألا
وهو محمد بن عوض شتوي القحطاني – رحمه الله رحمة واسعة - ، ونحن في مثل هذه
المصائب لا نقول إلا ما يرضي الرب – جل وعلا – إنا لله وإنا إليه راجعون ،
ونتمثل قول النبي صلى الله عليه : تَدْمَعُ الْعَيْنُ ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ
، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا ، وَاللَّهِ يَا محمد إِنَّا
بِكَ لَمَحْزُونُونَ .
وامتثالا للحديث الذي بدأتُ به مقالاي – وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم :
أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ - ، نريد أن نسطر في كلماتٍ ملؤها
الحزن شهادتنا لهذا الشاب الذي رحل من هذه الدنيا الفانية إلى دار الخلد –
نحسبه والله حسيبه - .
مـن هو محمدُ بنُ عوضٍ شتوي القحطاني ؟
*
شابٌ نشأ في مدينة صغيرة على الساحل الشرقي من المملكة ، من بيت محافظ – نحسبهم
والله حسيبهم - .
*
شابٌ تخرج من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء من قسم أصول الدين
قبل عام ونصف تقريبا .
*
شاب كنت أرى فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ
فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ .... وذكر : وَشَابٌّ نَشَأَ فِي
عِبَادَةِ رَبِّهِ . – نحسبه والله حسيبه - .
قال الحافظ ابن حجر : زَادَ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر "
حَتَّى تُوُفِّيَ عَلَى ذَلِكَ " .
وقد مات على ذلك .
*
شابٌ لا تجد لسانه إلا رطبا من ذكر الله ممتثلا قول النبي صلى الله عليه وسلم :
لَا يَزَال لِسَانك رَطْبًا مِنْ ذِكْر اللَّه .
*
شابٌ حرص على الاستفادة من وقته في طلب العلم الشرعي ، فلا تجده إلا ويقرأ في
الكتب ، أو في حلق العلم .
*
كنت التقي به في مكتبة عامة بجوار منزلهم فلا
أسمعه إلا وهو يسأل عن الدروس العلمية ، وعن المسائل التي تشكل عليه ، بل كان
حريصا على القراءة على المشايخ ومنهم الشيخ صالح الدرويش كما أخبرني غير مرة .
*
وكلما دخلت عليه المكتبة لا أجده إلا يقرأ
ويبحث ، بل أخبرني القيم على المكتبة أنه أنهى قراءة عدد من الكتب مثل : الشرح
الممتع كاملا وقيد جملة من الفوائد ، وتيسير العلام في شرح عمدة الأحكام ،
وتفسير ابن كثير وكاد ينتهي منه ولكن توفي قبل أن ينهيه .
*
شاب آمرٌ بالمعروف ناهي عن المنكر ، وقد عايشت معه مرة موقفا في هذا الأمر .
*
شاب بر بوالديه ، كما ظهر من خلال تعامله مع والده الذي كان يأتي إلى المكتبة
العامة .
*
شاب حرص على تطبيق سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في جميع شؤونه .
*
شاب هادئ وقور بشوش لا تفارقه الابتسامة . كنت أمازحه فلا أرى منه إلا التبسم
فقط .
سبحان الله ؛ أنقذه الله من حادث قبل موته عندما كان طالبا في الجامعة .
*
شاب كتب وصيته قبل أن يخرج إلى رحلته الأخيرة ، وأوصى أهله بوصايا مهمة .
*
شاب خرج من بيته إلى مكة والمدينة لطاعة ربه فكان قضاء الله وقدره في هذه
الطاعة . خرج مع فتية آمنوا بربهم وزادهم هدى فقبض الله روح محمد وزميله ، وبقي
الثالث يقص ما حصل لهما قبل قبض أرواحهما .
*
شاب قبض في غير أرضه ، وهذا مصداق قوله تعالى : " وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ
أَرْضٍ تَمُوتُ " [ لقمان : 34] .
عَنْ أَبِي عَزَّةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا قَضَى اللَّهُ لِعَبْدٍ أَنْ يَمُوتَ بِأَرْضٍ
جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً أَوْ قَالَ بِهَا حَاجَةً
رواه الترمذي وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
آخرُ مكالمة مع محمد :
قبل موته بأيام اتصل بي على الجوال ،
وطلب مني أن اشفع له عند أخ لنا ترك مسجده .
كان حريصا على أن يجد مسجدا لكي يعينه على الحفظ وعلى تعليم الناس – رحمه الله
– كما أخبرني أكثر من مرة .
عــلامــات حــســن خــاتــمــة – نسأل
الله ذلك - :
ظهرت علامات حسن خاتمة – نسأل الله ذلك
- لهذا الشاب ولمن مات معه في ذلك الحادث وهي :
1 -
خروجهم في طاعة وعبادة لله .
2 -
النطق بالشهادتين .
قال الإمام البخاري في صحيحه : بَاب
مَا جَاءَ فِي الْجَنَائِزِ ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ .
وجاء في الحديث عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل
قَالَ : قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ
كَانَ آخِر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة " . رواه أبو
داود والحاكم .
فقد روى الأخ الذي نجا من الحادث أن محمدا عند وقوع الحادث أغمي عليه ثم فاق
فنطق بالشهادتين ثم مات .
3 -
الموت في يوم جمعة .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ . رواه
أحمد ، والترمذي .
وهذا على قول من يصحح الحديث بطرقه .
هذا ما سطرته يدي في حق هذا الشاب ، ولا أنسى أن الآخر وهو عبد الله المالكي –
رحمه الله – قد أثنى عليه من عرفه ، ولكني عايشت محمدا وصاحبته وعرفته عن قرب ،
فلذلك كانت هذه الكلمات .
اللهم أرحم محمدا القحطاني وعبد الله المالكي ، اللهم واجمعنا بهما في جنات
الخلد .