بسم الله الرحمن الرحيم

مِـنْ مُـخَـالَـفَـاتِ الـوُضُـوءِ ( 3 )


الحلقة الأولى
الحلقة الثانية
الـــحَـــمْـــدُ لِـــلَّـــهِ وبَـــعَـــدُ ؛
هذه هي الحلقة الثالثة من " مِـنْ مُـخَـالَـفَـاتِ الـوُضُـوءِ " .

13 - الاكتفاء بمسح مقدمة الرأس :
‏‏قال تعالى : " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ " [ المائدة : 6] .
عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ ‏عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا . رواه البخاري (186) ، ومسلم (235) .

وفي لفظ : ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ . رواه البخاري (185) ، ومسلم (235) .

وبوب البخاري على الحديث فقال : مسح الرأس كله .

قال ابن قدامة في المغني (1/142) : وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ يَنْصُرُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّبْعِيضِ , فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَامْسَحُوا بَعْضَ رُءُوسِكُمْ , وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكم " وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ , فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَامْسَحُوا رُءُوسَكُمْ . فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ . كَمَا قَالَ فِي التَّيَمُّمِ : وَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ .

وَقَوْلُهُمْ : " الْبَاءُ لِلتَّبْعِيضِ " غَيْرُ صَحِيحٍ , وَلَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ ذَلِكَ , قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَاءَ تُفِيدُ التَّبْعِيضَ فَقَدْ جَاءَ أَهْلُ اللُّغَةِ بِمَا لَا يَعْرِفُونَهُ .ا.هـ.

14 - أخذ ماء جديد للأذنين :
‏ عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيَّ ‏‏يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏تَوَضَّأَ فَمَضْمَضَ ، ثُمَّ ‏ ‏اسْتَنْثَرَ ،‏ ‏ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا وَالْأُخْرَى ثَلَاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ ‏‏غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ ... الحديث . رواه مسلم (236) .

قال الإمام النووي : مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَسَحَ الرَّأْس بِمَاءٍ جَدِيد لَا بِبَقِيَّةِ مَاء يَدَيْهِ .ا.هـ.

وقال الإمام ابن القيم في زاد المعاد (1/194) : وكان يمسح أذنيه مع رأسه ، وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما ، ولم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماءً جديداً .ا.هـ.

وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - في " فتاويه " (4/141) :
هل يلزم المتوضئ أن يأخذ ماء جديدا لأذنيه ؟
فأجاب : لا يلزم أخذ ماء جديد للأذنين ، بل ولا يستحب على القول الصحيح . لأن جميع الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه كان يأخذ ماء جديدا لأذنيه . فالأفضل أن يمسح أذنيه ببقية البلل الذي بقي بعد مسح الرأس .ا.هـ.

15 - مسح الرأس ثلاث مرات :
‏عَنْ ‏عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ‏‏قَالَ :‏ رَأَيْتُ ‏ ‏عَلِيًّا ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً ، ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه أبو داود (115) .
‏قَالَ الْحَافِظ فِي التَّلْخِيص : سَنَده صَحِيح .

‏قَالَ ‏‏أَبُو دَاوُد :‏ ‏أَحَادِيثُ ‏عُثْمَانَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏الصِّحَاحُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ مَرَّةً فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الْوُضُوءَ ثَلَاثًا وَقَالُوا فِيهَا : وَمَسَحَ رَأْسَهُ . وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا كَمَا ذَكَرُوا فِي غَيْرِهِ .

‏وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : إِنَّ الثَّابِت عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّة وَاحِدَة وَبِأَنَّ الْمَسْح مَبْنِيّ عَلَى التَّخْفِيف , فَلَا يُقَاسَ عَلَى الْغَسْل الْمُرَاد مِنْهُ الْمُبَالَغَة فِي الْإِسْبَاغ , وَبِأَنَّ الْعَدَد لَوْ اُعْتُبِرَ فِي الْمَسْح لَصَارَ فِي صُورَة الْغَسْل , إِذْ حَقِيقَة الْغَسْل جَرَيَان الْمَاء .

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/298) :
وَمِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّة عَلَى عَدَم الْعَدَد الْحَدِيث الْمَشْهُور الَّذِي صَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَغَيْره مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ فِي صِفَة الْوُضُوء حَيْثُ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد أَنْ فَرَغَ " مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ " فَإِنَّ فِي رِوَايَة سَعِيد بْن مَنْصُور فِيهِ التَّصْرِيح بِأَنَّهُ مَسَحَ رَأْسه مَرَّة وَاحِدَة , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَة فِي مَسْح الرَّأْس عَلَى الْمَرَّة غَيْر مُسْتَحَبَّة .ا.هـ.

16 - مسح الرقبة :
دليلهم : " مسح الرقبة أمان من الغل "
قال النووي في شرح المهذب : موضوع .
وقال عنه الألباني في الضعيفة (69) : موضوع .
قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد (1/195) :
ولم يصح عنه في مسح الرقبة حديث البتة .ا.هـ.
قال صاحب عون المعبود :
‏قُلْت : وَالْحَدِيث مَعَ ضَعْفه لَا يَدُلّ عَلَى اِسْتِحْبَاب مَسْح الرَّقَبَة لِأَنَّ فِيهِ مَسْح الرَّأْس مِنْ مُقَدَّمه إِلَى مُؤَخَّر الرَّأْس أَوْ إِلَى مُؤَخَّر الْعُنُق عَلَى اِخْتِلَاف الرِّوَايَات , وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ كَلَام , إِنَّمَا الْكَلَام فِي مَسْح الرَّقَبَة الْمُعْتَاد بَيْن النَّاس أَنَّهُمْ يَمْسَحُونَ الرَّقَبَة بِظُهُورِ الْأَصَابِع بَعْد فَرَاغهمْ عَنْ مَسْح الرَّأْس , وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّة لَمْ تَثْبُت فِي مَسْح الرَّقَبَة , لَا مِنْ الْحَدِيث الصَّحِيح وَلَا مِنْ الْحَسَن , بَلْ مَا رُوِيَ فِي مَسْح الرَّقَبَة كُلّهَا ضِعَاف كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْر وَاحِد مِنْ الْعُلَمَاء , فَلَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِهَا ..ا.هـ.

وسئلت اللجنة الدائمة (5/235) :
هل يجوز مسح الرقبة عند الوضوء ؟
فأجابت : لم يثبت في كتاب الله تعالى ولا في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن مسح الرقبة سنة من سنن الوضوء . فلا يشرع مسحها .ا.هـ.

17 - الوضوء على الوضوء دون أن يتخلل بينهما صلاة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي (21/376) :
وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ صَلَّى بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ : هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّجْدِيدُ ؟
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ بِهِ : فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ ; بَلْ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ فِي مِثْلِ هَذَا بِدْعَةٌ مُخَالِفَةٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَهُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ .ا.هـ.
وبهذا تمت هذه المخالفات ، وأسأل الله أن ينفع بها من قرأها أو نشرها .

رابط الموضوع

عبد الله زقيل
zugailam@yahoo.com