بسم الله الرحمن الرحيم

منتدى جدة الاقتصادي (2004)


((الحجــاب من شعــائر الإســـلام ))

إذا دخلت بلدا لم تعرفه، فانظر في نسائه، ينبيك عن حاله..!.

الحجاب للمؤمنات علامة، وعلى إسلام أهل البلد آية..

هل رأيت كافرة محجبة؟!.. وهل رأيت مؤمنة متبرجة؟!.

حسدنا أهل الكفر على هذه النعمة، كما حسدونا على نبي الرحمة:
{ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}.

حنقوا أن يروا سواد الكعبة، وسوادا يغطي جسد المرأة.. فركبوا كل السبل، وأضمروا أن يقتفوا أثر إبليس شيخهم، في نزع اللباس عن الأبوين ليروا سوءاتهم.؟!.

قالوا: لن نفلح، إلا إذا نزعنا العباءة، وغطينا بها قرآنهم..

وكذلك فعلوا في بلاد كثيرة، عاد الإسلام فيها غريبا كما بدأ.. المسلمات والكافرات لباسهن سواء، لا فرق.. تلاشى الفرق، ولولا عودة وصحوة، وإيمان وانتفاضة، وأذان يرفع، لكنت في حيرة:

أهذه بلاد إسلام؟.. فأين العلامة، وأين الآية؟!.


جاء الدور على بلد الإسلام، ومأرز الإيمان، وحرم الله .. منذ زمن والحاسدون الحاقدون، يعينهم الفاسقون والمنافقون، يخططون، وأكبر أمل أن يسلكوا بالمرأة ذات الطريق، فينزعوا لباسها، كما نزعوا لباس أختها.

وفي ذلك قطعوا شوطا، وشوطا، وشوطا، فأبرزوا المرأة السافرة، في الصحف والمجلات، والقصص والروايات، وفي التلفاز والدعايات، وبثوا منذ فترة الاختلاط في المستشفيات، ثم في بعض المؤسسات والشركات، والخرق في ازدياد، وآمالهم تعميم الاختلاط في الأعمال، والبدء به في المدارس والجامعات..

حتى ترى الصبايا بائعات في البقالات، وفي المحطات، وفي الطرقات..

ثم جاءت قاصمة من القواصم..

في المنتدى الموسوم بالاقتصادي في جدة هذا العام (2004)، خرجت النساء، لا أقول مختلطات، بل سافرات، حاسرات، مظهرات شعورهن، ووجوههن؟!!. وفي الصحف رأينا صورهن..؟!!.

عن حدود الشريعة خرجن، لم يقل عالم يجوز كشف رؤوسهن.. فأي مذهب يتبعن؟، وأي نبي به يقتدين؟، وأين دعواهن أن الشريعة يعظمن؟..

هل الشريعة قالت لهن: لا بأس بكشف شعركن؟!.

وأين أولئك المتحررون، ألم يقولوا مرادنا الإسلام؟.. لم ينكروا المنكر، ولم يتبرءوا من فعلهن، بل تناشدوا وتباركوا بهذه الخطوة، وقالوا: هي بداية التقدم وردم الفجوة.

فأي إسلام يريدون؟..

أيريدون إسلاما يفصلونه كما يشاءون؟..


قام كاهن الكفار مغربلا، وقد حل ضيفا مبجلا، ليدل على طريق الثراء، ويكف أولوا المسغبة عن لعق الثرى، غير أنه تطرق إلى ما يهمه، ومصلحة المسلمين ليست من همه، فقام واعظا يقول:

"إن نبيكم محمدا، ما كان ليمنع زوجه من قيادة السيارة، ولو استقبل من أمره ما استدبر لجعل من نسائه مديرات للمصانع".

الحاضرات السافرات، بحرارة صفقن، لامست كلماته نخوتهن، وجدن في هذا الكاهن معبرا عن أمانيهن، يا ويحهن!.. أما وجدن غيره ليطالبن بحقوقهن؟!.. أيثقن به، ولا يثقن بأهل الغيرة والدين من قومهن؟.

ما الأمر: هل هو المحرر؟.. أم المغرر؟.. أم ماضيه نسين؟.. أم الأمر لا يعنيهن؟!!.

الكل يفتي: الجاهل يفتي، المنافق يفتي، الكافر يفتي..!!!!.

هي فتاوى منوعة، وأشكال ملونة، وسلع معروضة، والكل من حقه أن يختار..!!، أليست حرية!، أليست انفتاحية؟.. أليست كل له قراءة عن الدين خاصة؟.. هل الدين حكر عليكم؟..

هكذا يقولون !!..

قد أعجبنا فتوى من عنه تقولون: كافر هو. وبه نحن مستمسكون، وعليه عاضون..

هكذا يقولون، والله أعلم بما يوعون..

أهل الفتنة والشهوة اليوم فرحون، خططهم تنفذ بدقة، وعجلتهم تسير بعجلة، واثقون من النصر، فإن معهم دولة الكاهن الأكبر، تحميهم وتوزهم إلى الشر أزا.

أما أهل الإيمان والعلم والإحسان فهم في حيرة، فهذه هي الفتن التي حدث عنها نبي الملحمة، التي تموج كموج البحر، التي تدع الحليم حيران، بعضهم يقول: نفسي، نفسي. وبعضهم يصارع وبقوة، والأمل فيهم، وبدونهم تتحطم الآمال.

نجح المكر في بلاد كثيرة، مرت بها سنوات أليمة، لكن النعم، لا تخرج من رحم المحن، عاد المسلمون إلى دينهم، بعدما أيقنوا أنه سبيلهم، وسقط شعار العلمانية، ورداء الليبرالية، فالمحجبات كثرن..

لكن دعاة التحرر في بلد الإسلام يبتغون إعادة التجربة، فهل سينجحون؟...

وهل سنرى المرأة المسلمة في بلاد الحرمين سافرة، متحررة، متبرجة، تكشف شعرها، وتظهر سحرها ونحرها، تلبس كما تلبس الكافرة؟.

وهل سيعم الاختلاط الذي بدا، حتى نراه في المدارس والجامعات والوظائف والشوارع..؟.

هل سنكرر ذات التجربة، كما غيرنا جرب، فخسر وما فاز، بل بيته خرّب؟.

إننا قلقون وجلون على إيماننا وأخلاقنا، فالحال يقول:

كل الأمور تجري في هذا الاتجاه، فمكر الماكرين كبير، تزول منه الجبال، وكثير من العقول قد أدبرت عنها الحكمة، وتملكتها الغفلة..

وآباء وإخوان وأزواج لا ندري ما حالهم، في الفتن والبلايا يطرحون بناتهم، خدعتهم شبهة، وغرتهم فتنة، حاموا حول الحمى في سبيل المال، وزجوا بحرماتهم بين الرجال، وادعوا أنهم واثقون من ربات الحجال ..!!

، فهلا وثقوا في أنفسهم؟!!...

فالمعادلة ليست عسيرة:
- تتحرك نفسك وشهوتك عندما ترى الأجنبية..
- وبناتك وأخواتك وزوجك هن في نظر الرجال أجنبية..
= فهل أنت ضامن ألا يحيكوا حولهن مكرا وحيلة؟.


ومع كل ما كان، وما سيكون، فالله من وراء الكائدين محيط، وإن بطشه لشديد، وهو بالتائبين رحيم ودود، {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}..

وقد وعد فقال: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط}..

فبالصبر والتقوى نتقيهم فلا يضرنا كيدهم:
- فصبر على شبهاتهم بنقضها وإبطالها.
- وصبر على تبصير الناس بخطورة تحرير المرأة ومآلها.
- وصبر على إنكار المنكرات وما يلحق المحتسبين جراءها.

وبتقوى من الآباء والإخوان والأزواج بصون أعراضهم:
- بسترهن بالحجاب الكامل.
- وإبعادهن عن فتنة الاختلاط.

وبتقوى النساء والفتيات:
- بعدم الانجرار وراء هذا التحرر المشين.
- والاتعاظ والاعتبار بما جرى للمتحررات في بلاد المتحررين، مسلمين وكافرين..

كل ذلك كفيل بحبوط مكرهم، وانقلابهم على أعقابهم، خاسرين نادمين:
{إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}.


خطوات الشيطان واحدة، الحيلة واحدة، والنتيجة واحدة.. وكذا خطوات جنوده.

يأمرون بالمعروف لأجل المنكر، يقولون كشف الوجه مسألة خلافية ليكون إلى التحرر والسفور معبر..

يدعون تقليد من أجاز الكشف، وأنهم يعظمون شعائر الإسلام الموقر..

وأن نقدهم متجه على كل متشدد معسر..

ليثبتوا صفاء سريرتهم والمخبر..

وهكذا تنطلي حيلتهم على غرّ غافل يغتر بالمظهر..

لكن حقيقة نفوسهم تأبى إلا أن تظهر:
{ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم إسرارهم}.

خرجت النسوة سافرات في المنتدى، كاشفات شعورهن ورؤوسهن، فرح المدعون تعظيم الشريعة، وتقليد المجيزين، وصفقوا وهللوا وكبروا للشيطان.!!..

ولما أنكروا المنكرون هذا المصيبة، استخفوا بهم، وسخروا، حتى سماحة المفتى لما أفتى منكرا، لم يسلم من ألسنتهم، فأين التعظيم للشعيرة، وأين تقليد أولي العلم البصيرة؟..

أم هذا هو اللحن الذي عنه الله أخبرنا؟..

حاكم فرنسا حرم ومنع المسلمات من حجاب الرأس، فأسف وأنكر كل مؤمن في قلبه على الشعيرة غيرة، حتى المنصفون من النصارى استنكروا وشجبوا، وعدوا ذلك عدوانا على الحرية، ونقضا لمبادئ العلمانية، وإظهارا للعداوة للأمة الإسلامية..

فماذا فعل المدعون حب الإسلام وتعظيم الشريعة؟.

رأوا ذلك تدخلا في الشئون، وتأويلا في تفسير دستور ومتون، وطالبوا المسلمين بالكف عن التدخل لأجل النصرة، والاشتغال بما هو أولى، وزعموا أن هذا مقتضى الحكمة والدين ..!!.

فأين حب الإسلام، واتباع العلماء، وتعظيم الشريعة؟.

أليس هذا الموقف قد فضحهم، وللحجاب أظهر كرههم؟..

لو كانوا يعظمون الحجاب له انتصروا.. لكنهم لحرب الحجاب نفروا..

هناك في فرنسا، وهنا في بلاد الحرمين.. لقد غدا الأمر أبين من البين.. ودعواهم لاريب كله مين.

من يضمر في قلبه حب الإسلام وتعظيم الشعائر، يساند المسلمين والمسلمات في الشدائد والمصائب.

من يضمر في قلبه بغض الإسلام والاستخفاف بالشعائر، هو ضد المسلمين والمسلمات في الشدائد والمصائب.


ما كان شيء أفسد لخطط المفسدين الحاسدين، مثل الالتزام بالدين:
{وإن تصبروا وتتقوى لا يضركم كيدهم شيئا}..

وكلما كان الالتزام أعمق وأشمل، كان فساد خططهم أكمل..

وقد قيل: إن أول خطوات الشيطان، إغراء المؤمنين بترك الأفضل، فإذا تركوه إلى الأدنى، أغراهم بالاستغراق في المباحات، ثم لم يبق بينهم وبين المحرم إلا قيد شعرة.. وكذا الحال في الحجاب.

من الحجاب الكامل إلى كشف الوجه، إلى كشف الرأس والنحر، إلى كشف الساق، إلى الفخذ، إلى الصدر، إلى التعري.. وهكذا حصل في كل البلاد التي تحررت فيها المرأة..

فالبدء بكشف الوجه بدعوى أنها مسألة خلافية.. والفطن والكيس لا يخدع، إنما يخدع الجاهل والغافل والمكابر.

- الشريعة أمرت المؤمنات بالقرار في البيت: {وقرن في بيوتكن}..

وما أفسد قول من قال: هو خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الخطاب في حقهن..

لم يقله أحد من السلف، ولا من المفسرين، إنما ابتدعه المحدثون.. وأين هؤلاء من قوله صلى الله عليه وسلم:
(المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها).. والنصوص في بيان عموم الخطاب كثيرة.

- والشريعة أمرت المؤمنات بالحجاب الكامل:
{وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}.

وقد أخطأ من زعم أنها خاص كذلك بأمهات المؤمنين..

فالحكم معلل بطهارة القلب، وإذا كانت الأمهات اللاتي اصطفاهن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم [ أي هن تقيات، صالحات، قانتات] في حاجة للحجاب لتحصيل طهارة القلب، فسائر المؤمنات أولى بالحجاب..

ومع ذلك فإن كل من قال بجواز الكشف، أقر بأن تغطية أفضل وأحسن وأعظم أجرا..

- وما القرار في البيت.
- وما الحجاب الكامل.
- وما الأمر بغض البصر.
- واتقاء فتنة النساء..
- وما نهي النساء عن المشي بين الرجال..
- وجعل صفوفهن في مؤخرة المسجد، والثناء على من صلت في آخر صفوفهن.
- وجعل باب خاص في المسجد بهن.
- وما امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من جمع الصحابة والصحابيات في حلقة جميعا لتعليم أمور الدين.
- وما امتناعه من دعوتهن للعمل مع الرجال في السوق والتجارات..

ما كل ذلك إلا دليل على أن الشريعة تؤصل الفصل التام بين الرجال والنساء..

والحكمة معلومة.. ولا ينبغي القبول بطمسها على يد جاهل أو فاسد..

فالفصل بين الجنسين أصل من أصول الشريعة..


فإن احتج أحد بما كان يحدث من كلام النساء ورؤيتهن في عهد النبوة في المساجد والأسواق.. فيقال:

ليس في هذا أي دليل على نقض الأصل السابق.. فإن كل أصل له استثناءات حين الحاجة والضرورة..

فالشريعة أذنت للمرأة أن تكلم الرجل ويكلمها، وتخرج لحاجتها، بل وأذنت أن ينظر في بدنها وعورتها إن كان لأجل العلاج والتطبيب..

فكل ذلك حين الحاجة والضرورة.. التي إذا لم تفعل فاتت مصلحة كبرى، ووقعت مفسدة كبرى.. لكن كل كذلك بقيود وحدود وتحديد..

فكل تلك الحاجات لا تجيز ترك الحجاب، وكل تلك الحاجات لا تجيز إبطال الأصل، ليحل معه أصل جديد هو الاختلاط..

فإن القول بجواز كون المرأة مع الرجل في مكان واحد للعمل والتعلم فيه :

- إبطال لكافة النصوص الآمرة بغض البصر وصرفه.

- والناهية عن مشي النساء وسط الرجال.

- والجاعلة صفوف الرجال في المقدمة والنساء في المؤخرة.

- وفيه استدراك على النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يجمع النساء والرجال ليعلم الجميع في مجلس واحد، فجعل بدلا من ذلك للنساء يوما لتعليمهن.

- واستدراك عليه إذ لم يوجه تجار الصحابة وأصحاب الأسواق إلى توظيف الفتيات في تجاراتهم وأسواقهم..

كل هذه النصوص يراد إبطالها، وهي نصوص قولية وفعلية، مقابل نصوص فعلية، لها ظرفها وضرورتها؟..

ومعلوم أن النص القولي مقدم في الدلالة على النص الفعلي..


بعد هذا:
على من يجوز الاختلاط وكشف الوجه من الإسلاميين أن يتفقهوا في المسألة، ويتقوا الله تعالى في أمر أمتهم، ولا يكونوا عونا للمفسدين..

وعلى أهل الشهوات أن يتقوا ربهم، ويخافوا عقابه، يقول تعالى:
{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
 

أبو سارة
abu_sarah@maktoob.com

الصفحة الرئيسة       |      صفحة الشيخ