بسم الله الرحمن الرحيم

نضع حاجزا بين النساء والرجال أو لا نضع؟؟!!.


هل يجب وضع حواجز بين مصلى النساء والرجال..؟.
الجواب: الأصل غير واجب، وذلك لأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يصلين في مؤخرة المسجد، ولم تكن ثمة حواجز، فدل ذلك على عدم الوجوب، ولو كان واجبا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ..

فهل يستحب؟.

كذلك الأصل أنه غير مستحب، إذ لو كان كذلك، لما فات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه..

فما القول إذن فيمن أحدث هذه الحواجز بدعوى عدم الفتنة؟..

القول يتبين بفهم واقع عهد الصحابة كيف كان؟..

فإن مجتمع الصحابة كانت الطهارة فيه غالبة ظاهرة، وعلامة النساء الحشمة والستر، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو ينهى عن منع النساء المساجد بقوله: (لاتمنعوا إماء الله مساجد):

- كان يرغبهن ويفضل لهن الصلاة في البيت، بل في قعر البيت، ويجعل ذلك من موجبات القرب من الرحمن، بمعنى الثواب الجزيل، وذلك كان ولاريب مقلل لأعداد اللواتي يردن المساجد.

- فإذا ما أردن الخروج إلى الصلاة، كان يأمرهن أن يخرجن تفلات، أي تاركات للطيب، وقال بعضهم: تفلة إذا كانت متغيرة الريح..

- وكن إذا خرجن إلى الصلاة، خرجن متلفعات مروطن، ما يعرفن من الغلس.

- وكان النساء ينصرفن أولا، ثم الرجال: أخبرت أم سلمة أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال) البخاري 2/349.

فإذا توفرت كل هذه الأحوال والظروف في زمن من الأزمان، فالحكم:

أنه لا يجب وضع تلك الحواجز، ولا يستحب..


لكن إذا تغيرت تلك الظروف، فصارت المرأة تخرج بزينتها فاتنة مفتونة، والرجال لا يمكثون حتى انصراف النساء، والإمام لا يفقه هذه المسألة، والمجتمع يعاني انتشار وسائل الفساد وإثارة الغريزة، وكثر في الناس التهاون بالأعراض، والتعدي على الحرمات، فلا ريب أن الحكم حينئذ سيتخلف..

والدليل على ذلك:

أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان...

بمعنى أن الحكم لا يقع إلا بتحقق شروطه، فإذا انتفت الشروط انتفى الحكم..

كالسارق تقطع يده، فإذا سرق للإبقاء على حياته، لم تقطع، وليس في هذا تعطيل للحكم، إنما الحكم فقد شرطا من شروطه، فمنع من التنفيذ..

وهكذا الحواجز، إنما لم توضع لعدم الحاجة إليها في ذلك العهد الطاهر، المحتشم، الملتزم شعائر الله تعالى، أما إذا تغير ذلك الحال، فوقع التهاون من الرجال والنساء، فلا ريب أن الحكم حينئذ ينقلب..

ومن هنا قالت عائشة رضي الله عنها تعليقا على خروج النساء في عهدها إلى المساجد، لما رأت منهن التهاون والزينة:
(
لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء، لمنعنهن المسجد، كما منعت نساء بني إسرائيل) رواه البخاري 2/349

وذلك أنهن اتخذن أرجلا من خشب يتشرفن للرجال في المساجد، روي ذلك موقوفا عن عائشة وابن مسعود بإسناد صحيح، وهو مما تلقي عن أهل الكتاب الفتح 3/350

فعائشة رضي الله عنها رأت المنع إذا لم يلتزم النساء شروط الخروج إلى المساجد، فقد فهمت أن الإذن مشروط، وهذا أمر لاخلاف فيه عند العقلاء، للتنصيص عليه: (وليخرجن تفلات).

وكذلك رفع الحاجز مشروط بما سبق من الشروط، فإن توفرت فلا مانع، أما إن لم تتوفر، فلا أظن أن من الحكمة أن نجلب الفتنة إلى المساجد.؟!!.

والشارع لم يضيق على عباده في مثل هذه القضايا، بل خط خطوطا واضحة، ثم نهاهم عن التجاوز، وترك للعباد أن يجتهدوا فيما لم يأت فيه نص، مع مراعاة تلك الخطوط التي هي حدود الله:

فالأصل في المرأة أنها فتنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك: الواجب أن تجتنب الفتن في نفسها، فلا تتزين ولا تتطيب عند الخروج، والواجب على الرجال أن يبعدوا عن الفتنة..

ثم إن هنالك أمورا الفتنة فيها لازمة لا تنفك، كالخلوة، والسفور، وإطلاق البصر، والخضوع بالقول، ولأن الفتنة تلزمها وقع النهي عنها صراحة..

لكن ثمة أمور لا تأخذ شكلا واحدا، بل بحسب ما يتلبس بها، مثل خروج المرأة من بيتها وصلاتها في المسجد، فلم تؤمر به المرأة، ولم تنه عنه، بل ترك الحكم بحسب ما يتعلق به، فإن هي التزمت بحدود الشرع في نفسها، أذن لها، وإلا فلا..

وكذا وضع الحاجز، لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينه عنه، فإن التزم الناس بالحكم الشرعي في خروج النساء إلى المساجد، فلا حاجة إلى الحاجز، وإذا لم يلتزموا فالحاجة ماسة، ويكون مما يستعان به على تحقيق مقصد من مقاصد الشريعة، وهو حفظ العرض.

ومن ادعى أن ذلك بدعة، فإنه يلزمه أن يبدع من يتخذ مكبرات الصوت والمصابيح ؟؟!!..

أليس الحاجز جدارا، من معدن، أو زجاج، أو خشب؟.

وأليس المكبر من معدن؟، والمصباح من زجاج؟..

فإن زعم أن هذه معينة على إقامة الصلاة، بإيصال صوت الأذان وقراءة الإمام، وهي من النعم.

قيل: والحواجز يستعان بها على منع الاختلاط بين الرجال النساء عند الأبواب، ويستعان بها على غض البصر لرجال يسارعون في شهواتهم، وما أكثرهم، ويستعان بها على كف فتنة النساء، في زمن قل فيه الوعي، وكثرت فيه الفتن..

فأيهما أعظم، وأيهما أهم؟..

حفظ العرض، أم إيصال صوت الأذان بالمكبرات؟، مع أن الناس يعرفون وقت الصلاة.. وكانوا يأتون المساجد من غير مكبرات للصوت، مع قلة المساجد، أما اليوم فما أكثرها.

حاصل الأمر أن القول ببدعية الحاجز بين الرجال والنساء، يلزم منه القول ببدعية كل جديد في المسجد لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يلتزم المخالفون بذلك؟..

أبو سارة
abu_sarah@maktoob.com

الصفحة الرئيسة