صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ولاية المتغلب (10): على هامش ولاية المتغلب

أبو محمد بن عبدالله


تنبيهات:

كل قولي هذا ومنقولي حول ولاية المتغلب، لستُ أدعُ إلى خروج أهوج أو منطق أعوج ولا منهج أدعج ... وإنما أبيِّن الحقيقة وأصحح المفهوم.. فأنا لا أدعو، بل لا أجيز للمسلمين في الأندلس المسلم أن يخرجوا على ملوك الكفر ونظام الكفر هناك، رغم أن من يحكمهم كافر بلا شبه، وأن البلاد بلادهم بلا شك... لا لحرمة الخروج في ذاته، ولكن لأن القواعد الشرعية تقول: "الأمور بمقاصدها" وتقول:" للوسائل أحكام الغايات" وتقول:"لا ضرر ولا ضرار" " فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد"...[ والفاهمْ يَفْهَمْ ]..

بدأتـم فتمموا


بل لم أكن أدعو أهل سوريَّا إلى الخروج المسلح على الكافر بشار، ولكنها معركة فُرِضت عليهم لم يختاروها، وأمرٌ بدؤوه فوجب عليهم إتمامه، لأن الوقوف عند هذا الحد مفسدته أعظم مما يحدث وهم يقومون ضده، وقد استبان الصبح للأعشى فضلا عن ذي عينين، وأن المعركة تحالف صليبي صفوي ضد المسلمين، وأنهم ماضون وإن توقف المسلمون...فهنا يقال لهم: بدأتـم فتمموا، ولا تتوَلَّوا يوم زحفكم هذا، وإن سالت فيه دماء..

كما وأن صبر المصريين على (ولاية) المنقلبين سيكون أفدح ضريبة وأكثر ضررًا مما لو واصلوا كفاحهم السلمي، مهما كانت خسائره تبدو فادحة، فإن المواجهة – والحال كما يظهر أفدح، وللمشروعية أقدح.

وعليهم أن يحافظوا على إسلامهم، وعلى سلميتهم ما أمكن، فإنهم رغمه وبه في جهــاد، حيث إنهم يهتفون بكلمات حقّ عند سلطان ظالم..

قام الربيع العربي في الجزائر في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ولم نكن نحب للمسلمين آنذاك على شبابيتنا حينذاك أن يدخلوا معتركًا ليسوا عليه بقادرين، ولا لانتصاره بحافظين.. ولكن بدأوا فأَتَمُّوا حتى خرجوا من النافذة بعد أن دخلوا من (باب) وليس (الباب)!

تحت الصفر


ثم صعَّدوا وحملوا السلاح وصعدوا الجبال ثم ترَدَّوْا من شواهقها.. وما كان لهم أن يفعلوا.. وما كنا نحب لهم ذلك.. وقد أفتاهم مشايخ مشاهير، منهم الشيخ الألباني رحمه الله، لما سألوه عن الخروج على الحاكم الجزائري.. فأجابهم بأنه: إذا كان لديكم القدرة المادية والإيمانية فَعَجِّلوا..!!!. ثم ما لبثوا إلى أن عادوا، لا إلى نقطة الصفر فحسب.. بل إلى عشرات من الأعداد السالبة، وعادوا بلا قضية.

أكرر أنَّ مرادي في هذا البحث هو التأكيد على عدم شرعية هؤلاء الحكام، وعدم مشروعية طاعتهم، وعدم ثبوت ولايتهم، وحرمة مبايعتهم شرعًا، لا الدعوة إلى الخروج عليهم من غير حساب.. لأنه لا تلازم مطلقًا، وأن معاملتهم تمامًا كما تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع حكام مكة من قريش، فقد كان يحكمها أبو جهل وأبو سفيان وأمية وأبو البحتري وعقبة وعتبة وشيبة والوليد... وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنهم كفار بلا شك، وأنهم لا يحكمون بما أنزل الله بلا ريب، ولا يعتقدون أصلا عقيدة التوحيد، فضلا عن تطبيق شريعته.. ومع ذلك لم يحمل سلاحًا، ولم يخرج عليهم بقتال، وكان يقول لأصحابه المستعجلين رضي الله عنهم :«لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم » ويتلو عليهم قول الله تعالى: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[النساء: 77].. وكونه لم يخرج عليهم بحرب وسلاح لا يعني أنه كان يسمع ويطيع، حتى حين قالوا له: تعبد إلهنا شهرًا ونعبد إلهك شهراً، فلم يُطعهم في شهرهم ويعصهم في شهره.. وإنما عصاهم في الكل، لأنهم ليسوا أهلا للطاعة أصلا.. فعاش مستضعفًا، ثابتا على مبادئ دعوته، حتى جعل الله له ولأصحابه مخرجًا، ورزقه مأمنا يُعِد فيه العدة من الرجال والمال والنصال والنبال.. ثم أوقف قريشاً عند حدها، وأظهره الله عليها.

لا سواء


ولا تستوي بقاع الأرض اليوم، ولا يشملها حكمُ واحد، فلكل موقعٍ واقعه، ولكل ناحية من أرض خصائصها وملابساتها، فمن أمَر أهل العراق الآن وسوريَّا أو حماس في غزة بكف الأيدي أو أمر المسلمين بفرنسا بالنفير فيها والثورة عليها سيَّان، فما حلَّ في بلد مُنِع في آخر.. مع بقاء الذكر بأن العالم اليوم رغم انفصال دوله فهو كقرية واحدة، تقاربت شوارعها بالتطور التكنولوجي وبالهيمنة الغربية عليه، فما أصبحت كثير من الدول إلا كمحافظات صغيرة عاصمتها واشنطن، ورئيسها رئيسها.

حين تُفرض المعركة


ولما فُرِضت عليه المعركة في بدر وأحد توكل على الله وعزم.. فحتى في بدر لم يكونوا يقصدون الحرب، ولكن أمر أراده الله فقضاه:{وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}[الأنفال:42]، وما كانوا يريدون ذات الشوكة:{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ، وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ، وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}[الأنفال:7]. فحين يكون المسلمون في مستوى حمل الأمانة، ويكونون في مقام قيادة الأرض والجموع البشرية، حينها يأذن الله تعالى بفرج، ويهيئ أسبابه، ولو كان فيما تكرهه نفوس المؤمنين، وخلاف ما يريدون، كما في يوم بدر، ومع ذلك جعله الله فرقاناً بين الحق وأهله وبين الباطل وأهله، فرقانا إلى قيام الساعة، أظهر الله فيه الدين للعالمين، ولا يزال ظاهراً إلى قيام الساعة.

تحويل الهزيمة إلى نصر.. والعكس


ولمَّا فُرِضت عليهم – ثانية في أُحُد لم يتأخروا عنها، بل تمموها رغم الخسائر البشرية والهزيمة العسكرية، فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم متابعة ومطاردة لجيش قريش، حتى بلغ حمراء الأسد، ومن وراء ذلك أهداف حربية وسياسية وتربوية:

- منها محوِ آثار هزيمة جيشه وتحويلها إلى نصر.

- ومنها رفع معنويات المسلمين، وتعليمهم –عمليا أن لكل جواد كبوة، وأن صفحة سوداء لاتلغي بياض الكراسة، وأن هزيمة يوم ليست نهاية المطاف، ولا نهاية العالم.

- ومنها قطع طمع الطامعين في ضعف المسلمين وانكسار قوتهم.

- ومنها إرعاب وإرهاب جيش قريش المنتصر بالأمس، وتحويل غلبته إلى هزيمة تنتهي بالفرار من أمام جيش الأمس، لذلك لم يأذن بالخروج معه لغير من شهد غزوة أحد.


يمكن مراجعة المقالات السابقة من هذه السلسلة:


ولاية المتغلب (1) من هو المتغلب؟ وما ولايته؟

ولاية المتغلب (2): من هو الحاكم المطاع؟

ولاية المتغلب (3): الدليل الثاني: يقودكم بكتاب الله ويقيم فيكم الدين

ولاية المتغلب (4) استتبابُ الأمن وسكونُ الدهماء

ولاية المتغلب (5): الخليفة الثاني والطالب الحريص

ولاية المتغلب(6): المتغلب على حي والمتغلب في فراغ

ولاية المتغلب (7): حملوا السلاح علينا. فليسوا مِنَّا

ولاية المتغلب (8): شرط الإسلام في الولاية

ولاية المتغلب (9): ملخص شروط وموانع طاعة المتغلب

ولاية المتغلب (10): على هامش ولاية المتغلب

ولاية المتغلب (11): ومِن التشبُّه بالكفار!

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أبومحمدعبدالله
  • المقالات
  • سلاسل علمية
  • الصفحة الرئيسية