اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/adelalmhlawi/21.htm?print_it=1

سلسلة عزيزٌ على النفس أن ترى ..

عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
@adelalmhlawi


الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على معلِّم الخير وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
فالصالحون كغيرهم يحتاجون لتوصيات وتوجيهات تعينهم على مواصلة السير لربهم ، وهذه إشارات كتبتها على عجل أردت من خلالها مراجعة النفس وتكميل النقص وتصحيح المسار .

وأنا أحوج إليها من القارئ ولكنها من باب التواصي بالحق .

اسأل الله أن ينفع بها .

عزيزٌ على النفس أن ...( ١ )


ترى من كان مسابِقًا لمواطن الطاعات سبّاقًا إلى الخيرات وقد صار في آخر الصفوف ، فلا يأتي للصلاة إلا دُبُرًا ، وقد كان لا يؤذن المؤذن إلا وهو على أهبة الاستعداد لها .
وإن بحثت عنه في مجالس الذِكر والإيمان التي كان يزاحم عليها رأيته قد هجرها ، وضعف عن التحصيل العلمي وزهد فيه ، وكأنّه لم يقرأ له يومًا فضلاً .
وإن تبيَّنت شأنه مع وِرده اليومي من القرآن ، والذي يروي ظمأ روحه ، وجدته قد قلاه وعاد لا يقرؤه إلا لِمامًا ... وهكذا هو مع ما كان قد تعوده من أعمال الخير والبر ، فقد تخلى عن كثير منها وزهد فيها ، وقل صبره عليها واحتماله لتكاليفها ، وكأنه لا يعلم أن الجنة قد حفت بالمكاره ، وأن الطريق إليها طويل ويحتاج إلى زاد من الصالحات .

أخي رعاك الله ، إنّ الكسل قد يعتري النفوس ، ولكنه إذا زاد وامتد كان لزامًا على الناصح لنفسه أن يكون صادقًا معها ، ويبحث في الأسباب حتى يجتنبها .
وإنّ المرء كلما تقدّم في العمر أوجب له ذلك الزيادة في أعمال البِر ، فقد دنا رحيله عن دار الغرور ، وقرب سفره إلى دار الإقامة الدائمة ، وهو يرى أقرانه قد رحلوا فماذا ينتظر بعدهم ؟!
فجدّد الإيمان في قلبك فهو يضعف ولا يموت .

عزيزٌ على النفس أن ...( ٢ )


ترى الأبناء ووالداهم أو أحدهما على قيد الحياة ، وقد جفوهم وقصّروا في خدمتهم ورعايتهم والإنفاق عليهم ، وعجزوا عن رد الجميل لهم والقيام بما أوجب الله عليهم من البر بهم .
قد انشغلوا بأسرهم أو بأصحابهم ، أو بمشاغلهم الدنيوية عن أعظم مخلوقين أُمِروا بحسن صحبتهما في الدنيا .

يا أيها الأبناء ، البر بالآباء دليل وفاء ، وبرهان حسن خلق ، وتجارة مع الله رابحة ، والتقصير مع الوالدين ليس من هدي أهل الإيمان ولا أخلاق المتقين .
أيقنوا أنّكم ستجدون بركة البِّر في الدنيا مع مايدّخره الله لكم من عظيم الثواب في دار الجزاء ، فبادروا قبل فواتهم أو فواتكم .

عزيزٌ على النفس أن ...( ٣ )


ترى فتاة مسلمة وقد تساهلت في حجابها في مجتمع كان الستر عنوانه والحياء سمته .
ترى أمًّا وابنتها فتجد الفرق ظاهرًا بين اللِباسين ، فلباس تلك ساتر فضفاض ، ولباس الأخرى ليس إلا طرحة تُوضع على نصف الرأس ( مجاملة ) ، والعينان قد بدتا ( مزَيَّنَتَينِ ) ، وربما كشفت عن سائر وجهها .

يافتاة الإسلام ، أيقني أنّ أجمل مافي المرأة حرصها على حجابها الذي أمرها اللهُ به ، ولا تلفتي لمن يسهّل هذا الأمر ، ولا تجعلي سطوة المجتمع وتغيره وكثرة المتساهلين حولك أسبابًا للتساهل في لباسك ، فالدنيا قصيرة ، وتوفيق الله يصحب كل مؤمنة به متبعّة لشرعه .

عزيزٌ على النفس أن ...( ٤ )


ترى إخوة في الله قد تلاعب الشيطان بهم ، فأصبحوا أعداءً متفرقين بعد أن كانوا إخوة متآلفين ، وبعد أن كانوا يتعاونون على البر والتقوى ، غدوا شذر مذر ، وتنازعوا وتفرقوا ، ففشلوا وذهبت ريحهم ، وانشغلوا ببعضهم فضعفوا ، وتُركت ساحة التأثير في المجتمع لغيرهم .

أيها الأخ في الله ، إنّ الخطأ من سمات البشر ، فلا تقف عند كل خطأ لأخيك ، ولا تتّبع كل وسوسة ، ولا تفتش عن تبعات كل موقف ، فالمرحلة تقتضي العفو والتسامح ، والغض عن الأخطاء اليسيرة ، والتنازل عن بعض الآراء ؛ لتستمر سفينة الإصلاح ماخرة بحر الواقع لتحقيق المقاصد الكبرى .

عزيزٌ على النفس أن ...( ٥ )


ترى من كان مستقيمًا على شرع ربه ، حافظًا لبصره ونظره ، وإذا بالتساهل في النظر قد بدا ظاهرًا عليه ، فعاد لا يتورع عن أن ينظر لامرأة سافرة في وسيلة تواصل ، أو امرأة في مجتمعه لم تستتر كما أمرها الله ، مع أنّه يعلم علم يقين أنّ أخطر شيء على الشاب المستقيم هو إطلاق البصر ، فأثره في إفساد القلب ظاهر ، وعاقبته الوخيمة على من تساهل فيه معلومة ، فاتق الله واحفظ بصرك فالنظرة مبدأ كل شر .

عزيزٌ على النفس أن ...( ٦ )


ترى من كان ورِعًا في منطقه ، حافظًا لسانه ، خائفًا من تبعات أقواله ، وإذا به قد أطلق للسانه العنان ليقول ما يشاء ، ويلفظ ما عنَّ له من قول ، دون خوف أو وجل من تبعاته ، وهو يعلم علم اليقين أنّه رُبَّ كلمة أحبطت عملاً ، ولفظة حبست في نّار جهنم .

أيها المبارك ، حفظ اللسان من أظهر صور الديانة ، ومن استقام له لسانُه استقام له قلبُه ، ومن فرّط في لسانه كثرت سقطاته ، ومن كثرت سقطاته كثرت ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به .

عزيزٌ على النفس أن ...( ٧ )


ترى شابًّا وهو في زهرة العمر وعهد القوة وعصر الإلهام ، ثم هو يضيّع وقته على التوافه ويصرفه في متابعة صغائر الأمور ، تاركًا مصدر عِزه وفخره من العلم النافع والعمل الصالح ، متتبعًا وسائل التواصل ويوميات المشاهير ، في تضييع للعمر وإذهاب لأغلى ما يملك في التفاهات .

أيها الشاب / أيتها الفتاة ،
هذه مرحلة ذهبية ، ستضعف بعدها القوة ، وتنشغل من ورائها النفس ، فاغتنموها بخير ما بحضرتكم من مجد تصنعونه لأنفسكم ، وخير تدّخرونه لآخرتكم .

عزيزٌ على النفس أن ...( ٨ )

ترى من كان معظِّمًا للنصوص مُجِلاًّ لأقوال السلف والعلماء الراسخين المبنية على الدليل من الكتاب والسُنّة ، وإذا به يتتبع الأقوال الساقطة والآراء الشاذة تحت ضغط الواقع ، ناسيًا أو متناسيًا أنّ الحق قديم ، وأنّ أحكام الدين لا تتغير بالأهواء ، فما كان بالأمس حرامًا فهو حرام إلى اليوم ، وما كان ممنوعًا قبل ألف سنة فهو ممنوع إلى يوم القيامة .

أيها المتذبذب ، الأمّة تمرّ بمراحل متنوعة من الضعف والقوة ، وفتن تميّز الصفوف ، لتظهر خبايا النفوس ومكنونات الصدور ، فكن ذلك الثابت الراسخ الذي يعلم فضل الثبات ومنزلة الصادقين .

عزيزٌ على النفس أن ...( ٩ )


ترى من كان مسابقًا في ميادين الدعوة ، ومسارعًا لنشر الخير في أفراد الأمّة ، قد خبا حماسه ، وفتر عزمه ، وضعفت همته ، وقلَّ عطاؤه في هذا الميدان الشريف ، وكأنّه قد نسي فضل العمل للدين والدعوة إلى ربه ، وكأنّ المجتمع قد اكتفى من النصح والتوجيه بما مضى ، وهو يعلم علم اليقين أنّ النّاس الآن أحوج ما يكونون إلى النصح والتوجيه .

يا طالب الأجر العظيم ،
نشر الخير ودعوة النّاس هي سبيل الأنبياء عليهم السلام ، وهي أحسن القول وخير العمل ، وثوابها لا يدانيه ثواب لمن خلصت نيته .
ولئن قلَّ المعينون لك وتراجعوا ، وكثر المثبطون حولك وتداعوا ، وصار الجهد عليك أكبر والمسؤولية أثقل وأصبحت الطريق أوعر ، فقد صار الثواب أعظم والأجر أوفر ، والعمل أفضل ما يكون ، فاستعن بالله ولا تعجز .

وبعد ...( ١٠ )


فأيقن يارعاك الله...
وأيقني حفظك الله...

أنّ المساجد ملأى ، والطريق إلى حلقات العلم مسلوكة ، وحلقات التحفيظ ودور الحافظات معمورة ، تستقبل المرتقين في الدرجات والمرتقيات ، ومواطن الخير ومؤسسات الدعوة وجمعيات البر تعج بأصناف المتاجرين مع ربهم ، فهذا مسابق في تعلم وتعليم ، وذاك سائر في طريق دعوة وتوجيه ، وثمة من يبحث عن محتاجين فيساعدهم ، ومن يكفل الأيتام ويتفقد الأرامل ، ومن يتعاهد أهل حيه وجيرانه ، ومن يحرص على سلامة صدره لإخوانه ، وهذا لا يترك ورده اليومي من القرآن ، وهذا بارٌّ بوالديه ، وثمة من هو ثابتٌ على المبادئ حريصٌ على العهد السابق ... في صور ناصعة لأفراد من الأمة مسابقين مبادرين مجاهدين ، فإلى متى الوقوف والتقهقر ؟!
أولا نعلم - إخواني وأخواتي - أن من جاهد فإنما يجاهد لنفسه ، وأن من عمل صالحًا فلذاته ، وأن من تكاسل أو تأخر فإنّما على نفسه يجني ، وأن من ترك طريق الاستقامة فإنّما يظلم ذاته ، ويزهد في جنّة عرضها السموات والأرض .
كلنا - والله - نكسل ونضعف ، وكلنا تعترينا الوساوس ونشعر بضغط الواقع ، ولكن من نظر للدنيا وأيقن أنّها أيام قليلة تمضي كلمح البصر ثم تدق الساعة ويحين الرحيل عنها ، ونظر للآخرة وعظيم ثوابها وطول بقائها ، آثر الباقي على الفاني ، ولزم غرز الصالحين ، وازداد ثباتًا حتى يلقى ربَّ العالمين .


كتبه / عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
١٤٤٠/١١/٨

 

 

عادل المحلاوي
  • رسائل دعوية
  • مقالات موسمية
  • كتب
  • مقالات أسرية
  • خطب الجمعة
  • الصفحة الرئيسية