صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الشاب / محمود حسين الفرشوطي
- رحمه الله -
( سيرة الخير العطرة )

ترجمة المقال

عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
@adelalmhlawi



🍃 نحتاج في زماننا هذا أن نتذاكر سير الشباب الصالحين الذين لا يخلو الزمان منهم ، فهذه الأمّةٌ مرحومةٌ ولوودةٌ بالأخيار ، والله يصطفي منهم من يشاء قال تعالى : " وربُك يخلق ما يشاء ويختار " .

🍃 وأنشر في هذه الأسطر سيرة شاب قضى نحبه غرقاً وهو ( في عمر العشرين ) نحسبه فاز بأجر الشهادة ، ف " الغريق شهيد " بمنطوق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إنّه الشاب : محمود بن حسين حمزة الفرشوطي من سكان محافظة الوجه .

🍃 وهبه الله من أمور الدنيا ما تطمع بمثله النفوس فهو على وشك التخرج من الكلية البحرية برتبة ملازم ، ومع ذا لم تغرّه بزينتها وزخارفها ، بل كان قلبُه معلقاً بالآخرة ، مغتنماً حياته فيما يقرّبه من ربه ( يظهر هذا من سيرته وحياته القصيرة التي عاشها ) ونحسب أنّ الله حقق له ما أراد من هذه الميتتة الحسنة ، والذكر الطيب بعد الممات حتى قال بعض قرابته :
( محمود - رحمه الله - ) عمل من الأعمال الصالحة مع عمره القصير ما يعمله غيره بأضعاف عمره .

🍃 نشأ هذا الشاب نشأة طيبة فقد وُفق لطاعة ربه منذ نعومة أظفاره ، ووُفق - أيضاً - للبرِّ والإحسان للأقربين والأبعدين ، مع صفاء النفس ، وطيبة القلب حتى اجتمعت القلوب على حبه ، وتوافقت الألسن على الثناء عليه في حياته وبعد مماته .

🍃 من أبرز صفات ( محمود - رحمه الله - ) :
حبه للصلاة ومسابقته إليه ، ففي حيه كان الأوّل دخولاً للمسجد ، وفي مسجد كليته شهد له القادة والطلاب أنّه أسبقهم إليها ، بل اشتهر بتقدمه لصلاة الفجر حتى صار متميزاً بالمحافظة عليها والتبكير لها .
فهنيئاً لتك الروح الطاهرة ، وياغبطت هذا الحال لهذا الشاب وقد جعل أهمّ مهماته في الحياة : ( الصلاة ) فطبت ( يا محمود ) حياً وميّتاً .
ابني الشاب /
صلاتك نجاتك ، وهي طريق الحياة الطيبة في الدنيا ، وأعالي الجنان في الآخرة ، فكن خير عابد ، واجعل صلاتك الأمر الأول في حياتك لتنجو وتسعد .

🍃 لم يتوقف حرص ( محمود - رحمه الله - ) على صلاة الفريضة بل امتد إلى حبه لصلاة النافلة ( وهكذا الحسنات ينادي بعضها بعضاً ) فقد كان محافظاً على صلاة الوتر فلا يتركها أبداً وهذا من توفيق الله له .
و يذكر لي أحد قرابته :
أنّهما في رمضان هذا العام كانا في سفر فصليا المغرب والعشاء جمعاً قصراً ، فلما وصلا المنزل استأذن ( محمود - رحمه الله - ) ليدخل الغرفة ليستريح وأراد أخونا أن يصلي التراويح فلما دخل عليه الغرفة وجده واقفاً مصلياً في حرص عجيب على صلاة التراويح مع أنّه قادماً من سفر وتعب ؛ ولكنّه حب الطاعات الذي يهون معه كل تعب ، فلله درك أيّها الفقيد .

🍃 بِرهُ بوالديه عجيباً ، فقد كان باراً بهما ، مطيعاً لهما ، لا يكاد يرفض لهما طلباً ، بل يشعر بالسعادة أثناء خدمتهما .
وهنا رسالة لكل ابن وبنت ينظران أنّ في خدمة الوالدين مشقة وتعب ، ها هو البارُّ قد أفضى إلى ربه حاملاً معه هذه المنقبة التي تُعلي مثله في درج الجِنان ، فدونك هذه الطاعة فلا يسبقك إليها أحد من إخوانك .

🍃 وتبع هذا البِّر صلته لذوي رحمه وخدمتهم وإدخال السرور عليهم ، فتحقق له من التوفيق من أمور ما يطمع بمثله أقرانه .
فأيقن أيها الشاب :
أنّ التوفيق مقروناً بطاعة الرحمن وبر الوالدين ، ولئن فاتك ما فات من الدنيا فإنّه لن يفوتك الأجر الأكبر والأبقى في الآخرة .

🍃 كان القرآن له صاحباً ، والتلاوة له نعم الأنيس فلا يتركها أبداً حتى إنّ كل قرابته ليغبطونه على هذا الخير ، فكان لا ينتهي من ختمة إلا أتبعها بأخرى ، وأما في رمضان فكانت له عدة ختمات .
فيا من انشغل بأجهزة التواصل وأخذ الجوال والجلسات الفارغة كل وقته ارفق بنفسك ، واجعل كتاب الله خير رفيق لك ليكون أنيسك في قبرك ويوم نشرك ، ونحسب أنّه رفيق ( محموداً - رحمه الله - ) في قبره ليحمد عمله ، فاغتنم حياتك فإنّك لن تعيش إلا مرة واحدة .

🍃 يحج ( محمود - رحمه الله - ) وعمره خمسة عشر عاماً في مبادرة عجيبة لأداء هذا الفرض وهذا من توفيق الله له ، فقلما يحج أحدٌ في مثل هذا السن ولكنها الرحمة السابقة التي يخص اللهُ بها من شاء .

🍃 كان ( محموداً - رحمه الله - ) نقي السريرة ، طاهر الجنان ، ولذا اجتمعت القلوب كل القلوب على حبه ، وسعد به كل من عاشره ، فلم تُذكر له إساءة لأحد ، وإن ذُكرت فهي من اللمم الذي لا يسلم منه أحد ، بل كان إذا اخطأ عليه أحد لا يقابل السيئة بالسيئة ، بل في الغالب يعفو ويصفح ، وهذه لعمر الله خصلة منيفة ترفع صاحبها درجات .

🍃 ( محمود - رحمه الله - ) لم يرزقه الله إلا بأخت واحدة ، ولسمو خلقه ، وكمال إنسانيته علم أنّها تحتاج إلى من يكون قريباً منها ، قاضياً لحاجتها ، لطيفاً معها ، حنوناً عليها ، ففاز بأجر الإحسان وأبقى له الذكر الحسن معها .

🍃 كان مسارعاً للخيرات يظهر هذا بمبادرته لصيام الست من شوال فقد كان من شدة حرصه يصوم اليوم الثاني من شوال مسابقةً لهذا الفضل .

🍃 أمّا حبه للصدقة ومبادرته لها فعجبٌ من الحال ، فقد وُجِد له كفالة أيتام وتحويلات لجمعيات خيرية ، فبالله عليك من بمثل سنه يعمل مثل هذه الخيرات ، فلله دره ، وعند الله ثوابه وأجره .

🍃 ختم الله له بخير وهو في مقتبل عمره بخاتمة - نحسبها حسنة إن شاء الله - فقد مات غريقاً بعد أن صلى المغرب والعشاء جماعة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم :
" مَن قال : لا إلهَ إلا اللهُ خُتِمَ له بِها دخل الجنةَ ، و من صامَ يومًا ابْتغاءَ وجْه اللهِ خُتِمَ له به دخلَ الجنةَ ، ومَن تصدَّقَ بصدقةٍ ابْتغاءَ وجْهِ اللهِ خُتِمَ له بِها دخل الجنةَ " فكيف وآخر أعماله كانت الصلاة التي هي أعظم الأعمال قربة !
ومن شواهد حسن الخاتمة له - فيما نحسب - أنّهم وجدوا في ثيابه كرت أذكار الصباح والمساء التي لا يفوته المحافظة كل يوم .

🍃 الحديث يطول هذا الشاب الصالح - رحمه الله - ومثل هذه السيرة العطرة تبقى نبراساً لشباب الأمة ليحدوا حدوى هذه القدوات ، وليجتهد كل واحد منهم أن يخرج من الدنيا بمثل هذه الأخبار لتؤنسه في قبره ، ولتكون خير زاد له ليوم التناد .

🍃 واختم مقالتي بتعزية صادقة لوالديه الذَين سجلا صبراً عجيياً على فراقه خصوصاً أنّه غرق أمام نظر أمه ، وأُخرج أمام أنظار والده وأمّه غريقاً ولكنّ النّاس حمدا لهما صبرهما لتكون لهما شهادة على رضاهم على قضاء الله ، فقد كان الذكر والاسترجاع الزاد لهما ، والصبر والرضا شعارهما ليقينهم أنّ أمر الله نافذ ، ومشيئته ماضية في عباده ، وأعظم ما يسليهما ويربط على قلوبهما أنّ ابنهما كان صالحاً ، ووفد على كريم يحسنان الظنّ به أنّه سيُكرم وِفادته وضيافته ، ولسان حالهما :

يا كوكباً ما كانَ أقصرَ عمرَهُ
وكذا تكون كواكبُ الأسحارِ
وهلالَ أيَّامٍ مضى لم يستدرْ
بدراً ولم يُمْهَلْ لوقتِ سِرارِ
جاورتُ أعدائي وجاورَ ربَّهُ
شتَّانَ بين جوارهِ وجوارِ .


عوّضهما ربهما خيراً وجمعهم وأبناءهم جميعاً في مستقر رحمته .

اللهم اغفر لمحمود وأموات المسلمين ، واختم لنا بخير يارحمن .

كتبه المحبّ لأبي محمد /
عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
١٤٤١/١١/٢١ هجري


ترجمة المقال

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عادل المحلاوي
  • رسائل دعوية
  • مقالات موسمية
  • كتب
  • مقالات أسرية
  • خطب الجمعة
  • الصفحة الرئيسية