بسم الله الرحمن الرحيم

الإيمان هو الأساس- دروس في الإيمان(25-33)

(25)

الإيمان بالكتب المنزلة من أصول الإيمان
 
تكليف الله أهل الكتب السابقة بحفظها وموقفهم من ذلك
 إن من أصول الإيمان التي لا يصح بدونها، الإيمان بكتب الله التي أنزلها على رسله، عليهم الصلاة والسلام، من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فما من نبي ولا رسول إلا أنزل الله إليه ما يهتدي به ويهدي به قومه، قال تعالى: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون و الذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}. البقرة: 38-39.
 
فيجب الإيمان بأن الله تعالى أنزل هداه إلى كل نبي ورسول سواء علمنا اسم ذلك النبي أو الرسول أم لم نعلم، وسواء أعلمنا اسم الكتاب الذي أنزل عليه أم لم نعلم، وسواء أكان ذلك الكتاب قد نزل خاصا بذلك النبي أم هو امتداد لرسول سبقه، فما ذكره الله لنا من كتبه باسمه كالتوراة والإنجيل والقرآن آمنا به كما ذكره الله، وما لم يذكره باسمه آمنا به إجمالا، قال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا}. النساء: 163.
 
ومن الكتب التي ذكرها الله تعالى لنا في القرآن الكريم التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام والإنجيل الذي أ نزله على عيسى عليه السلام، والزبور الذي أنزله على داود عليه السلام، والصحف التي أ نزلها الله على إبراهيم عليه السلام، كل ذلك يجب الإيمان به، وأنه جاء من عند الله، كما جاء القرآن من عند الله، والفرق بين القرآن وتلك الكتب أن تلك الكتب قد حرفت وبدلت، وما بقي فيها من حق كتمه العالمون به من أتباع تلك الديانات، وأن كل ما وجد منها لا يحكم له بالصحة، ولا يحكم عليه بالبطلان إلا إذا علم ذلك الحكم من كتاب الله أو من سنة رسوله الثابتة الصحيحة، والحكم بالصحة أو البطلان على ما في تلك الكتب إنما هو مبني على حكم الوحي المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم.

(26)

موقف الأمم السابقة من حفظ كتبهم
 
تكليف الله أهل الكتب السابقة حفظها، وموقفهم من ذلك :
 
وقد أشار القرآن الكريم أن الله تعالى لم يتكفل بحفظ تلك الكتب السماوية التي سبقت نزول القرآن الكريم وإنما وكل حفظها إلى علماء تلك الديانات ابتلاء لهم، وهو يعلم سبحانه أنهم سيحرفونها ويبدلونها ويكتمون ما فيها من الحق، ويعلم أن رسالة أولئك الرسل مقيدة بز منهم وبقومهم، وأن الرسالة الشاملة هي رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا انتهت تلك الكتب بانتهاء رسالة الرسل الذين أنزلت عليهم.
 
والآية التي أشار الله فيها إلى أ نه تعالى وكل حفظ الكتب السابقة إلى علماء تلك الديانات، هي قوله تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء}.المائدة: 44.
 
قال شيخنا العلامة الكبير الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:{أخبر الله تعالى في هذه الآية أن الأحبار والرهبان استحفظوا كتاب الله-يعني استودعوه-وطلب منهم حفظه،ولم يبين هنا هل امتثلوا الأمر في ذلك وحفظوه،أو لم يمتثلوا الأمر في ذلك وضيعوه؟ ولكنه بين في مواضع أخرى أنهم لم يمتثلوا الأمر ولم يحفظوامااستحفظوه بل حرفوه وبدلوه عمدا، كما قال الله تعالى : {يحرفون الكلم عن مواضعه} الآية.. [أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (2/100)]

(27)

 تحريف الكتب السماوية السابقة 

1- تحريف نصوص الكتب السماوية السابقة
و المطلع على نسخ الكتب السماوية الموجودة اليوم على ظهر الأرض، العهد القديم أو الجديد-التوراة والإنجيل-يعلم يقينا أن نصوصها قد حرفت وبدلت، وأنها ليست هي النصوص التي أنزلها الله على أنبيائه و وعلماء تلك الديانات يقرون بأن نصوص العهدين ليست هي التى تلقاها الأنبياء من الله، وإنما كتبها بعد ذ لك بعض أتباعهم-مع اختلافهم في المدة التي مضت قبل كتابتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجد القارئ فرقا كبيرا بين النسخ التي مضى عليها زمن طويل وبين النسخ التي كتبت حديثا، كما يجد فرقا كبيرا بين النسخ المكتوبة بلغات مختلفة كالفرنسية والألمانية والإنجليزية واليابانية، والعربية.

2- تحريف معانيها
هذا من حيث النصوص، فإذا نظر إليها من حيث المعاني، فإنها تدل بما لا يدع محلا للشك أن أغلب تلك المعاني ليست من عند الله، بل هي موضوعة ممن لم يقدروا الله حق قدره، حيث تثبت مع الله آلهة أخرى، وتثبت الصراع بينه وبين بعض أنبيائه ورسله، كما أنها تحط من أقدار رسل الله وتتهمهم بما لا يليق أن يتهم به الرجل العادي من الناس.
 
هذا وقد نص الله تعالى على أن أهل الكتاب حرفوا كتبهم، كما قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا}. النساء: 46.
 
وقال تعالى: {يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم}. المائدة:13.

(28)

هل توجد نسخ غير محرفة في السابقة؟
 
هذا هو حال الكتب السماوية السابقة في الجملة فهل يقال: إنه لا توجد نسخ من التوراة والإنجيل فيها شيء من الحق؟الجواب: لا، بل إن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية تدلان على وجود نسخ من الكتابين فيهما شيء من الحق الذي لو آمن به أهل الكتابين لأثبتوا رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم.
 
القرآن يدل على تحريف الكتب السماوية:
 
أما الآيات فمنها قول الله تعالى: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}. آ ل عمران:93
 
فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يطلب من أهل الكتاب إحضار التوراة وتلاوة ما فيها مما يتعلق بالموضوع، يدل على أنه كان يوجد عندهم في التوراة حق يخالف ما ادعوه من الباطل، وأنهم كانوا يكتمون ذلك، ولو أحضروه كما طلب منهم لبان كذبهم، وهذا واضح.
 
ومنها قوله تعالى: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين}. المائدة: 43.
 
ومنها قوه تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}. المائدة: 47.
 
وقد ثبت في السنة عن نافع أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتي بيهودي ويهودية قد زنيا، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود، فقال: (ما تجدون في التوراة على من زنى؟) قالوا نسود وجوههما، ونحملهما، ونخالف بين وجوههما، ويطاف بهما. قال: {فأتوا بالتوراة إن كنتم صادقين}، فجاؤا بها فقرؤوها، حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم، وقرأ ما بين يديها وما وراءها، فقال له عبد الله بن سلام-وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم-: مره فليرفع يده فرفعها فإذا تحتها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما} [البخاري بشح فتح الباري (13/516) ومسلم بشرح النووي (3/1326) واللفظ له،وراجع تفسير النسائي (1/313)]
 
وبهذا يعلم أن في بعض نسخ الكتب السماوية السابقة شيئا من الحق ولكن العلماء المسؤلين عن تلك الكتب يخفونها، ويكتمون ما لا يريدون أن يطلع عليه أحد، وبخاصة ما يتعلق بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل على رسالته، وقد ذكر الله في كتابه الكريم أنهم يكتمون ما أنزل الله، وأن بعضهم يحذر بعضا من إظهار ما يثبت الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا كثير في القرآن الكريم .
 
من ذلك قوله تعالى: {وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}. البقرة: 41-42.
 
وقد وُجِدت تْنسخة من إنجيل بر نابا، وفيه البشارة بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن النصارى ينكرونه أشد الإنكار، ويزعمون أنه منحول من قبل المسلمين.
 
وقد قابلت رجلا دخل في الإسلام بعد أن مكث فترة طويلة يعتقد النصرانية، حتى وصل إلى رتبة قسم الولاء على يد البابا والذي يصل إلى هذه الدرجة ينال أقسى العقوبات إذا ترك النصرانية، وقال لي: (إنه اطلع على نسخة أصلية من إنجيل بر نابا في متحف فينا قال: ووجود هذه النسخة الأصلية يدل على كذبهم في ادعاء أن هذه النسخة مزورة وقال: إنهم لا يسمحون بتداول هذه النسخة إلا للقسس فقط، وقد كان هذا الرجل قسيسا، وتسمى بعد إسلامه: أيوب عبد الرحمن . كانت مقابلتي له في يوم الأربعاء 23/12/1409 هـ /7/1989 م في المجلس الإقليمي للدعوة الإسلامية بمنطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي، في كوالالمبور/ماليزيا راجع الكتاب السادس من سلسلة: (في المشارق والمغارب (3/173)] ذلك قوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون).البقرة: 76.
 
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله أن الراجح وجود بعض النسخ الصحيحة من التوراة والإنجيل فقال: (والصحيح القول الثالث وهو أن في الأرض نسخا صحيحة، وبقيت إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ونسخا كثيرة محرفة، ومن قال: إنه لم يحرف شيء من النسخ، فقد قال ما لا يمكنه نفيه ومن قال: جميع النسخ بعد النبي صلى الله عليه وسلم، حرفت، فقد قال ما يعلم أنه خطأ، والقرآن يأمرهم أن يحكموا بما أنزل الله في التوراة والإنجيل،ويخبر أن فيهما حكمه، وليس في القرآن خبر أنهم غيروا جميع النسخ). [مجموع الفتاوى (13/104)]
 
تلك هي الكتب الإلهية السابقة، من حيث حفظها وتحريفها، وكتمان أهل الكتاب الحق الذي جاء فيها، وكونه قد توجد منها نسخ صحيحة، تعمد أهلها كتمان الحق الذي تضمنته.

(29)

الفرق بين القرآن والكتب السابقة

ما الفرق بين القرآن الكريم والكتب السابقة، مع أنها كلها كلام الله ؟
 
الفرق أن القرآن الكريم، فقد تكفل الله تعالى بحفظه، ولم يكل حفظه إلى خلقه، مع توفيق الله لهذه الأمة للعناية الشديدة به، كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. الحجر: 9.
 
قال شيخنا العلامة الشنقيطي رحمه الله: (إن قيل ما الفرق بين التوراة والقرآن فإن كلا منهما كلام الله، أنزله على رسول من رسله صلوات الله وسلامه عليهم والتوراة حرفت وبدلت كما بيناه آنفا، والقرآن محفوظ من التحريف والتبديل، لو حرف منه أحد حرفا واحدا فأبدله بغيره، أو زاد فيه حرفا أو نقص فيه آخر لرد عليه آلاف الأطفال من صغار المسلمين فضلا عن كبار هم؟
 
فالجواب أن الله استحفظهم التوراة واستودعهم إياها، فخانوا الأمانة ولم يحفظوها، بل ضيعوها عمدا، والقرآن العظيم لم يكل الله حفظه إلى أحد حتى يمكنه تضييعه، بل تولى حفظه جل وعلا بنفسه الكريمة المقدسة، كما أوضحه بقوله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. وقوله: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}. الآية إلى غير ذلك من الآيات.) [أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (2/100)]

(30)

 ما المقصود بحفظ القرآن الكريم؟ 

والمقصود بحفظ القرآن حفظ الدين كله، ويدخل في ذلك حفظ سنة الرسول صلى لله عليه وسلم، التي هيأ الله لها من حفظ نصوص متونها، وأسانيدها، وبين صحيحها من ضعيفها، كما بين أحوال رواتها من حيث العدالة والفسق، والصدق والكذب، والضبط والتساهل، وغير ذلك مما يعرف به صحة نسبة الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم صحتها. وحفظ سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، لازم لحفظ القرآن الكريم، لأن كثيرا من الأحكام الواردة في القرآن الكريم لا يمكن أداؤها كما أراد الله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم ما أجمل فيها، كمواقيت الصلاة، وعدد ركعاتها، والقراءة فيها، وهكذا الحج والزكاة والصيام وغيرها من الأحكام، كما أن أحكاما كثيرة لم تذكر في القرآن الكريم، وبينها الرسول صلى الله عليه، كما قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}. النحل: 16.
 
وحفظ نصوص القرآن والسنة إلى يوم القيامة، يضمن للأمة الإسلامية الرجوع إليهما لتصحيح ما قد يطرأ من شوائب وانحرافات في سلوكها ورد ما قد يحاول أعداء هذا الدين، من إدخال ما ليس منه فيه. وهاهو القرآن الكريم قد حفظه الله، فلم يغير منه حرف أو كلمة مع طول المدة من يوم نزوله إلى الآن وسيبقى كذلك إلى يوم الدين.
 
ومن أسباب حفظه أن آياته كلها كتبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمت إلا بعد أن كتبـت آياته بأمره في مواضعها التي عينها هو لكتابتها، ثم هيأ الله أصحاب نبيه فجمعوه في مصحف واحد ووزعوا نسخه في الأقطار الإسلامية في عهدهم، وهذه ميزة لم تحصل لأي كتاب من الكتب السابقة، ثم هيأ الله الأجيال المسلمة حيث يحمله الجيل السابق إلى الجيل اللاحق، فهو متواتر النقل تواترا لا يوجد له نظير، واجتمع على نقله حفظ مئات الألوف لألفاظه في صدور صغار الأمة الإسلامية وكبارها، رجالها ونسائها، مع حفظه كتابة في كل عصر بوسائله المتاحة، حتى أصبح اليوم يوجد في البر والبحر والجبل والسهل، والمدينة والريف وفي الغابة والصحراء وهوهو في كل مكان. [وقد انتشر مصحف المدينة المنورة الذي يقوم بطباعته مجمع خادم الحرمين الشريفين في المدينة المنورة، انتشارا واسعا، في كل أنحاء المعمورة، ونفع الله به المسلمين في هذا العصر، وله أحجام متنوعة، تناسب كل الفئات، كما أنه طبع طبعات متنوعة كذلك من حيث أنواع الخطوط، المناسبة للعرب والباكستانيين وغيرهم، بحسب ما ألفوا من الطبعات. هذا وقد يعمد أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والوثنيين إلى طبع المصحف الكريم وتحريف بعض ألفاظه، لإدخال بعض ما يريدون مما يحقق بعض مقاصدهم لدى جهال المسلمين، أو غيرهم، ولكنا نحمد الله لا يمضي على ذلك يوم أو يومان إلا وقد علت أصوات المسلمين،صغارا وكبارا، محذرة مما صنع المحرفون]
 
وهيأ الله علماء الإسلام لحفظ معاني الكتاب والسنة، فكان منهم المفسر والفقيه والمحدث، وغيرهم بحيث لا يظهر زنديق يريد أن يحرف شيئا من معاني القرآن والسنة إلا وجد شهب الحق المحرقة تأتيه من كل مكان.

(31)

 فائدة الإيمان بالكتب السابقة 

قد يقال: وما فائدة الإيمان بالكتب السابقة مع كونها قد حرفت وبدلت؟
 
والجواب: أن فائدة الإيمان بها مع تحريفها وتبديلها، ومع عدم جواز الاعتماد عليها، مستقلة-ولو سلمت من التغيير-بعد نزول القرآن الكريم، تعود إلى ثلاثة أمور :
 
الأمر الأول: أن القرآن الكريم قد أخبرنا عنها، وخبره حق وصدق يجب الإيمان به، ومن كذبه فقد كفر.

الأمر الثاني: معرفة أن هدى الله تعالى لم ينقطع عن البشر من وقت وجودهم على هذه الأرض إلى اليوم، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة، وذلك يدل على أن هذا القرآن ليس بدعا من الكتب الإلهية، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بدعا من الرسل.
 
الأمر الثالث:
إقامة الحجة على أهل الكتب السابقة بما ثبت فيها من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
حكم من لم يؤمن بالكتب السماوية السابقة :
 
والذي لا يؤمن بأن الله أوحى إلى رسله وأنزل عليهم كتبه، لهداية خلقه قبل أن يأتي محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يكون مسلما-ولو ادعى الإيمان بالقرآن الكريم- فإن القرآن الكريم قد أوجب الإيمان بكتب الله المنزلة على رسله عليهم السلام، قال تعالى: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا}. النساء: 136.

(32)

هيمنة القرآن على الكتب السابقة

القرآن الكريم هو الحجة على الناس ولا حجة في غيره بعد نزوله
 
القرآن الكريم هو خاتم الكتب السماوية وآخرها نزولا، والمهيمن عليها، فما أثبته القرآن مما ورد فيها فهو الثابت، لثبوته في القرآن، وما نفاه القرآن مما ورد فيها فلا عبرة به لنفيه في القرآن، فهو الحجة ولا حجة في سواه بعد نزوله، لأن كل الكتب السابقة، قد حرفت وبدلت، وما بقي فيها ثابتا فهو خاضع لحكم القرآن الذي نسخ ما سبقه من الكتب، وقد يكون فيها شيء من الحق، ولكن أهل الكتاب كتموه، حسدا منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذه الأمة، كما قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق-إلى قوله-: وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم، وإن كثيرا من الناس الفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}. المائدة: 48-50.
 
ما ذا يستفاد من الكتب السابقة إقامة الحجة على أهلها بما بقي فيها من الحق؟
 
ونحن لسنا في حاجة إلى ما فيها من حق إلا لإقامة الحجة على أهلها إذ نقول لهم كما قال الله لرسوله، صلى الله عليه وسلم: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}.آل عمران: 93.
 
نص القرآن الكريم على تحريف أهل الكتاب لكتبهم وكتمان ما بقي فيها من الحق
 
 وقد نص القرآن الكريم على تحريف أهل الكتاب وكتمانهم للحق ولبسه بالباطل، كما قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه}.النساء: 46
 
وقال تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه}. المائدة: 13.
 
وقال تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}. البقرة: 79.
 
وقال تعالى: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون}. البقرة: 75.
 
وقال تعالى: {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} البقرة: 113.
 
وقد رد الله على اليهود والنصارى في قولهم هذا بأنهم كلهم ليسوا على شيء، لعدم إقامتهم ما جاء هم من عنده في التوراة والإنجيل، فقال تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}ا لمائدة: 68.
 
المراد بإقامة التوراة والإنجيل

والمراد بإقامة التوراة والإنجيل-هنا-الإقرار بما كانوا يعلمونه ويكتمونه، من نعت محمد صلى الله عليه وسلم الدال على رسالته، وليس المراد العمل بما يخالف القرآن مما فيهما، فلا يقبل منهم، بعد نزول القرآن إلا ما جاء فيه.
 
قال قاضي القضاة أبو السعود الحنفي رحمه الله: {فلو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل-أي بمراعاة ما فيهما من الأحكام-التي من جملتها شواهد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومبشرات بعثته إنما تكون بذلك، لا بمراعاة جميع ما فيهما من الأحكام، لانتساخ بعضها بنزول القرآن، فليست مراعاة الكل من إقامتهما في شيء}. [تفسير أبي السعود: (2/90)]

(33)

هل يعد أهل الكتاب من المؤمنين عند الله؟ 

إن كل من لم يؤمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند ربه، لا يعد عند الله مؤمنا، بعد أن تقوم عليه الحجة بتبليغ هذه الرسالة، بل هو كافر مشرك به تعالى، لا فرق في ذلك بين يهودي ونصراني، ووثني .. وهذا من الأمور البدهية في الإسلام.
 
ولولا ما نسمع هذه الأيام من قول منكر وزور، من إطلاق بعض الناس صفة الإيمان على اليهود والنصارى، بحجة أنهم أهل كتاب، لما كنا في حاجة إلى الكلام في هذا الأمر.
 
نعم كل طائفة منهم تدعي أنها تؤمن برسولها وبما جاء به من عند الله، فيدعي اليهود أنهم يؤمنون بموسى عليه السلام، وبالتوراة التي أنزلها الله عليه.
 
ويدعي النصارى أنهم يؤمنون بعيسى عليه السلام، وبالإنجيل الذي أنزله الله عليه.
 
وهم في الحقيقة لا يؤمنون برسول ولا كتاب، بل لا يؤمنون –حقيقة-بالله تعالى.
 
وكونهم ينتسبون إلى دين سماوي كان صحيحا في عهد الرسول الذي جاء أسلافهم به، لا يسوغ دعواهم الإيمان بعد أن حرفوا ذلك الدين وبدلوه، وحرفوا الكتاب الذي جاءهم به من أرسله الله إليهم
 
ولقد نص الله تعالى على أن أهل الكتاب كفار مشركون، والآيات الدالة على ذلك كثيرة
 
{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير} (17) المائدة
 
لقد كفر الذين{ قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح بابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}(72) المائدة
 
{لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم}(73) المائدة
 
{لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة}(1) البينة
 
{إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية}(6) البينة
 
{ ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا }(171) النساء
 
{ قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} (64) آل عمران
 
{ ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون}(70) آل عمران
 
{ياأهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}(71) آل عمران
 
{ قل ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون}(98) آل عمران
 
{ قل ياأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من ءامن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون}(99) آل عمران
 
{ ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا}(171) النساء
 
{ قل ياأهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين}(68) المائدة
 
{ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}(29) التوبة
 
{وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون(31) } التوبة

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل