بسم الله الرحمن الرحيم

الإيمان هو الأساس- دروس في الإيمان(45-47)

(45)

ترجمة معاني القرآن الكريم

ولا بد هنا من الإشارة، إلى أن من طرق الاهتمام بالقرآن العظيم إعداد ترجمة مختصرة لمعانيه بلغات العالم المتنوعة، وبخاصة اللغات العالمية، التي يكثر المتحدثون بها كاللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية واللغة الألمانية، من لغات الشعوب غير الإسلامية، ولغات بعض الشعوب الإسلامية الكثيرة العدد، كاللغة الملايوية التي تشترك في القراءة بها شعوب كثيرة من جنوب شرق آسيا، كإندونيسيا، وماليزيا وبر وناي، والمسلمون في فطاني بجنوب تايلاند، واللغة الأردية، وغيرها من اللغات التي يمكن ترجمة معاني القرآن الكريم إليها.
 
الشروط الواجب توافرها في ترجمة معاني القرآن الكريم:

ويجب أن تتوافر في هذه الترجمات شروط أساسية لتؤدي الغرض منها، وهوا لبلاغ المبين الذي كلفه الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده:

الشرط الأول: أن تكون الترجمة تفسيرية وليست حرفية، بحيث تشرح معاني القرآن شرحا يجعل القارئ أو السامع يفهم المعنى المراد من الآية أو الآيات، والمصطلحات الشرعية الواردة فيها، فلا يترجم لفظ الجلالة-مثلا-ترجمة حرفية كما هو في اللغة الإنجليزية، بل يفسر معناه تفسيرا واضحا بالمعنى الذي أراده الله، لأن المصطلحات الأجنبية لا يمكن أن تؤدي معاني المصطلحات الشرعية، إذ لكل مصطلح دلالته عند أهله، فإذا فسر لفظ الجلالة بما يقابله في اللغة الإنجليزية لا يتبادر إلى ذهن صاحب هذه اللغة إلا معنى الإله الذي فهمه بها، كما هو في المسيحية _ مثلا-أي إن الله ثالث ثلاثة، وهكذا الصلاة والصيام والحج والزكاة، وغيرها فلا بد من شرح الألفاظ والمصطلحات شرحا يفهم المترجم له المعنى الشرعي على حقيقته، وإلا لم يكن البلاغ مبينا.

الشرط الثاني: أن يكون المترجم جامعا لأربع خصال، بها تكون الترجمة صحيحة:

الخصلة الأولى: أن يكون عالما معاني القرآن الكريم علما مبنيا على القواعد التي وضعها علماء التفسير، وليس متطفلا، يقول فيه برأيه إذ الترجمة تفسير يفوق في صعوبته تفسير القرآن باللغة العربية، والتفسير بمجرد الرأي محظور، كما هو معروف.

الخصلة الثانية: أن يكون متقنا للغة العربية وأساليبها وقواعدها واشتقاقها، حتى لا يترجم غير المعنى الذي عناه القرآن الكريم.

الخصلة الثالثة: أن يكون متقنا للغة التي يريد أن يترجم معاني القرآن إليها، كإتقانه للغة العربية، ليتمكن من أداء المعنى المقصود من القرآن إلى تلك اللغة.

الخصلة الرابعة: أن يكون أمينا يتحرج من الخطأ في ترجمته تحرجا يجعله يبذل طاقته في الوصول إلى المعنى المراد من الآيات، وذلك يتطلب منه الصبر والبحث وعدم العجلة، وسؤال أهل العلم والخبرة حتى يكون عمله متقنا.

الشرط الثالث: أن تعرض ترجمته على لجنة مؤهلة تجمع متخصصين في اللغتين، وفي العلوم الشرعية التي يحتاج إليها في تصحيح الترجمة، تدرس الترجمة دراسة دقيقة، وتبدي ما ظهر لها من أخطاء، ثم تجيزها بعد التصحيح.

(46)

 تنبيهات تتعلق بالترجمة

التنبيه الأول: أن كثيرا من ترجمات معاني القرآن في البلدان الغربية، قام بها مستشرقون، غالبهم حاقدون على الإسلام، تعمدوا التحريف، والتشويه في ترجماتهم. وقد يكون بعضهم-وهم قلة -قصدوا ترجمة القرآن ترجمة سليمة، ولكنهم لا يجيدون لغة القرآن،فشوهوا معانيه بدون قصد، وقد يحصل ذلك من مسلمين لا يشك في حسن قصدهم.

التنبيه الثاني : أنه قد تصدى لترجمة معاني القرآن الكريم فرق تنتسب إلى الإسلام، وهي تكفر به في الحقيقة، كالقاديانية، فشوهوا معانيه بمعتقداتهم.

التنبيه الثالث: أنه لعدم وجود ترجمات صحيحة -غير تلك الترجمات-اضطر المسلمون الذين يجيدون لغات أولئك المترجمين إلى أخذ معاني القرآن من تلك الترجمات، وكثير منهم يجهلون مبادئ الإسلام، فتأثروا بالعقائد المخالفة لمعاني القرآن السليمة وهم لا يدرون.

التنبيه الرابع: أنه لا توجد دار لترجمة معاني القرآن الكريم-حسب علمي-في العالم كله تتوافر فيها الشروط اللازمة لإخراج تراجم صحيحة باللغات المختلفة، وهذه الدار من فروض الكفاية التي يأثم كل قادر على إيجادها في تقصيره.]

(47)

 نوعا الفقه في القرآن الكريم

والفقه في كتاب الله نوعان:

النوع الأول: فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وهو أن يكون على علم بالأحكام التي تجب عينا على كل مسلم، بحيث لا يكفي في القيام بها أحد عن أحد لأنه ليس المقصود بها الفعل فقط، إنما المقصود بها أن يقوم بالفعل كل مكلف من المسلمين، وكذلك يجب على المسلم عينا أن يعلم أحكام ما يزاوله في حياته كالبيع والشراء، والعلاقة بينه وبين أسرته، حتى يؤتي كل ذي حق حقه-وإن كان ذلك لا يجب على غيره ممن لا يزاول مثل عمله.

النوع الثاني: فر ض كفاية، وهو أن يوجد في المسلمين فقهاء تحصل بهم الكفاية، في التعليم والفتوى، والقضاء، وأحكام المواريث، والحسبة، وغيرها، فلا بد أن يوجد في كل ذلك فقهاء يكفون في القيام بما يحتاجه المسلمون في تلك الأبواب، بحيث لو احتاج المسلمون في بلد ما إلى ألف قاض، وألف خطيب، وألف معلم، وجب على الأمة كلها أن تسعى في إيجاد هذا العدد الكافي وإلا لحق الإثم كل قادر من الأمة على ذلك، فإذا وجد هذا العدد الكافي تعين عليهم القيام بوظائفهم كل فيما يخصه، وسقط الإثم عن باقي الأمة، لأن المقصود وجود من يكفي في ذلك، وليس المقصود أن يقوم به كل فرد من أفراد الأمة. وقد دل على ذلك القرآن الكريم، قال تعالى:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}. التوبة:122.

وجه الاستدلال من الآية أن الإنذار ليس مطلوبا عينا من كل أحد، بل المطلوب أن يوجد من يكفي في إنذار الأمة، فإذا وجد العدد الكافي سقط الفرض عن الباقين. وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس أن يفقهه الله في الدين، فقال:(اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل). [تفسير القرآن العظيم (1/4) دار الخير] فكان رضي الله عنه حبر هذه الأمة.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل