بسم الله الرحمن الرحيم

الإيمان هو الأساس- دروس في الإيمان(55)

 (55)

ثمرات الدعوة إلى القرآن

ولو أن قادة الشعوب الإسلامية كانوا هداة مهتدين، وسخروا الإمكانات الهائلة التي يسيطرون عليها للعمل بتوجيهات القرآن الكريم، واتخذوا الوسائل المتاحة للدعوة إلى منهج القرآن لكان المسلمون اليوم هم أكثر سكان الأرض وأقواهم،أي إنهم أكثرهم كما وكيفا-وكلما كثروا في الأمرين قويت شوكتهم، وزادت هيبتهم في نفوس أعدائهم، وقل-إن لم ينعدم-طمع عدوهم فيهم، بل سيكثر الداخلون في دينهم من كل الأصناف في العالم فتتوسع بذلك دائرة الإسلام وسعادة الناس به، وتتحقق به رغبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في كثرة أتباعه، لينال أجره بدعوته التي باشرها و أجر كل من دعا بدعوته، أو عمل بها إلى يوم الدين فقد قال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم). [جامع الأصول 0(11/28) قال المحشي: وإسناده حسن]

ويترتب على ذلك انتشار الصلاح في الأرض، وتثبيت المسلمين على دينهم.

أنهار حياة دائمة:

إن قيام المسلمين بدعوة الناس إلى الإيمان بكتاب ربهم وتفهم معانيه والعمل به يمدهم دائما بالأنصار الذين ينضمون إلى صفوفهم، ويقلل من أنصار أعدائهم، وكلما دخل الناس في دين الله أفواجا، انتشرت في الأرض أخبار محاسن هذا الدين وتناقلتها الألسن ووسائل الإعلام المتنوعة التي هيأها الله في هذا العصر بصفة لم يسبق لها في العصور الماضية نظير.

وإن مثل إمداد المسلمين بالأنصار عن طريق الدعوة إلى هذا القرآن كمثل بحيرات واسعة بها مياه عذبة صافية، تحيط بها جبال شاهقة يغطيها في الشتاء جليد كثيف، فإذا جاء الصيف أخذ الجليد يذوب شيئا فشيئا، وأخذت مياهه تتدفق منسابة في الشعاب، تصب في تلك البحيرات، بدون انقطاع، فلا تزال البحيرات تتلقى من الجبال أنهارها، ولا زالت الجبال تستقبل من السماء جليدها، فإذا خف الجليد أو قلت المياه، حامت السحب السوداء المثقلة بالغيث المدرار وأنزلت بإذن ربها شآبيبها على الجبال والأودية والشعاب والبحيرات، وبذلك تستمر أنهار الحياة تروي الظمآن، وتنبت الزرع، وتسقي الغابات، هكذا يكون المسلمون عندما يقومون بالدعوة إلى هدي الله الذي تضمنه هذا القرآن، يجدون إمدادا مستمرا بالأنصار الداخلين في دينهم، فيكثر سوادهم ولا يقل، ويشتد ساعدهم ولا يضعف ويكونون كما قال الله تعالى: {ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} الفتح 29

غدران أمطار غزيرة في وسط رمال سافية:

وإن عدم قيام المسلمين بدعوة الناس إلى الإيمان بهذا القرآن و الاهتداء بهدية والتمسك به والعمل بما فيه، يكون سببا في قلة المسلمين، وندرة الداخلين في دينهم، وقلة أنصارهم، وشدة ضعفهم، وكثرة أعدائهم الذين قد ينضم إلى صفوفهم بعض ضعاف الإيمان من المسلمين، إما بترك الإسلام والدخول في غيره من الأديان، كما يتنصر بعض المسلمين في بعض البلدان الإسلامية وغيرها، وإما بالتعاون معهم ضد الإسلام والمسلمين، كما يحصل اليوم من بعض أبناء المسلمين من مثقفين وأدباء وحكام وغيرهم، من الذين يوالون اليهود والنصارى ويتعاونون معهم في إضعاف الإيمان في نفوس أبنائه بشتى الوسائل، و في إقصاء حياة المسلمين عن العمل بحقائق الإسلام، وفي تشويه معاني الإسلام بوسائل الإعلام وغيرها، لينفروا الناس من الدخول فيه.

وإن مثل ترك المسلمين دعوة الناس إلى الإيمان بهذا القرآن واتباع هديه، وما يترتب على ذلك من قلتهم وضعفهم، كمثل بحيرة واسعة في صحراء ذات كثبان عظيمة من الرمال، نشأت على إثر أمطار غزيرة هطلت خلال زمن طويل، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وأحاطت بها الغابات الكثيفة المتشابكة، وتناسلت بها الحيوانات المتنوعة وسقى الناس منها وزرعوا، وأصبحت الأرض بها كما قال الله تعالى: {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج}. الحج: 5.

ثم انقطع عنها المطر ونزل بها القحط، وأخذت الرياح تسفي عليها الرمال من كل جانب، ومياهها تتلاشى شيئا فشيئا، حتى لم يبق بها ما يسقي الحرث ولا يروي الظمآن، كيف سيكون حال الأشجار والغابات، والكلأ والعشب، والناس والماشية والحيوان؟!

هكذا تكون حال المسلمين عندما يقعدون عن الدعوة إلى هدي هذا القرآن العظيم يضعف إيمانهم وتمسكهم بدينهم، وتقل فيهم الطاعات وتحل في قلوبه العقائد الفاسدة والشكوك، وتنتشر الأخلاق السيئة، وتكثر الفواحش والمعاصي ويزهد الناس في دينهم الذي لم يجد من يحمله بحق، فيندر الداخل في هذا الدين، بل قد يخرج منه بعض أهله، و تقوى شوكة أعداء الإسلام ويتكالبون على أهله ويتداعون عليهم كما تداعى الأكلة على قصعتها، حتى يصبحوا عبيدا لعبيد الشيطان.

فهل يعي عقلاء الأمة الإسلامية ما حققه لهم سلفهم من عز وسؤدد، بسبب قيامهم بأمر الله الذي جاءهم به هذا القرآن، وما حل بأمتهم من ذل وهوان، بسبب إهمالهم وتقصيرهم في القيام بحق هذا الكتاب العظيم:{وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}. العنكبوت: 43.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل