بسم الله الرحمن الرحيم

الإيمان هو الأساس- دروس في الإيمان(70-74)

(70)

الإيمان باليوم الآخر
إن مما يلفت الانتباه إلى خطر الإيمان باليوم الآخر وأهميته ومنزلته عند الله تعالى أنه عز وجل جعله قرين الإيمان به، سلبا وإيجابا في آيات كثيرة جدا من كتابه الكريم، وكذلك ورد في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ذلك أن الله تعالى خلق البشر في هذه الحياة ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وخلق الآخرة ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ويجزي الذين أساءوا بالسوأى.

فالإيمان باليوم الآخر له أثر عظيم في حياة الإنسان يثمر الصلاح، وعدم الإيمان باليوم الآخر له أثر كذلك في حياته، يثمر الفساد، كما سيأتي.

قال تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. البقرة: 62.

وقال تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر}. البقرة: 228.

وقال تعالى:{ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر}. البقرة 232.

وقال تعالى: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}. آل عمران:113-114.

وقال تعالى: {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما}. النساء: 162.

وغير ذلك من الآيات التي ورد فيها ذكر الإيمان باليوم الآخر مقترنا بالإيمان بالله في الإثبات.

ومن الآيات التي ذكر فيها الإيمان باليوم الآخر مقترنا بالإيمان بالله في النفي، قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} البقرة: 8.

وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر}. البقرة: 26.

وقوله تعالى: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا}. النساء: 136.

وقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}. التوبة: 5

وقال تعالى: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون}. التوبة: 44-45 [وفي هاتين الآيتين اجتمع النفي والإثبات في اقتران الإيمان باليوم الآخر بالإيمان بالله]

وأما الأحاديث فهي أيضا كثيرة، ومنها: حديث أبي شريح، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرا). [البخاري (2/35)]

ومنها: حديث أبي هريرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيرا) [البخاري (6/145)]

ومنها حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر). [مسلم: (1/86)]

(71)

الإيمان باليوم الآخر يدفع إلى طاعة الله
اليوم الآخر هو اليوم الذي يجزي فيه الخالق خلقه على ما قدموا في حياتهم الدنيا {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} الزلزلة:7-8

يعلم المؤمن باليوم الآخر أن فيه من النعيم لأهل الطاعة والصلاح، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن فيه من العذاب الدائم لأعداء الله الكافرين ما لا يحيط به إلا وصف الخالق جل وعلا، وأن فيه من عذاب الفساق والعصاة من المسلمين-ما لم تنلهم مغفرة الله ابتداء-ما يناسب ذنبهم عند الله تعالى .

وعلم المؤمن باليوم الآخر-وهو العلم الذي جاء به الرسول عن ربه-يدفعه، رغبا في رضا الله وثوابه، وهربا من سخط الله وعقابه، إلى المثابرة على العمل الصالح الذي يرضي به الله وينال به جزيل ثوابه، وإلى الابتعاد عن عمل السيئات الذي يسخط به الله وينال أليم عقابه، فلا يعمل إلا الخير والصلاح، وإذا ما زل وعصى ربه سارع إلى التوبة والإنابة إلى الله نادما مقلعا عازما على عدم العودة إلى الذنب، فهو دائما في رغب وطلب، ورهب وهرب.

إن المؤمن باليوم الآخر يعلم أن عليه حقوقا لربه يجب أن يؤديها، وهي فعل الأوامر وترك المناهي، وأن عليه حقوقا لأسرته، وحقوقا لجيرانه، وحقوقا للأمة يجب علي أن يؤديها، فيعطي كل ذي حق حقه، ويعلم أن هناك مظالم يجب أن يحذر الوقوع فيها، وأن الله تعالى-إذا لم يؤد تلك الحقوق ويبتعد عن تلك المظالم في الدنيا سيحاسبه عليها في الآخرة، فإذا أدى الحقوق وترك المظالم في الدنيا-نال رضا الله وثوابه في ذلك اليوم، فهو بهذا الإيمان يحاسب نفسه على ما يأتي ويذر في خلوته عن الناس وجلوته، وذلك ما يثمر الصلاح في حياة الفرد والأسرة والأمة، والحاكم والمحكوم، لأن الجميع يراقب الله في أعماله، ويتصور وقوفه بين يدي ربه يوم الجزاء والحساب، ويعلم أنه إذا لم ينل جزاءه اليوم فسينال جزاءه غدا، كما يقتضي ذلك العدل الإلهي.

تأمل الآيات الكريمة الآتية الدالة دلالة واضحة على أن الإيمان باليوم الآخر ركن ركين في دفع العبد إلى طاعة الله وبعد ه عن معصيته، وأنه يحقق صلاح الفرد والأسرة والأمة بإعطاء كل ذي حق حقه.

قال تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}. البقرة: 172.

وقال تعالى: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}. آل عمران: 113-114.

وقال تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر}. البقرة: 228.

وقال تعالى: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} النوبة 18

وقال تعالى: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون}.التوبة:44،45

وقال تعالى:{فإذا جاءت الطامة الكبرى يومئذ يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}.النازعات: 34-41.

تصور! لو أن كل فرد من أفراد البشر قام بعبادة ربه حق القيام، وأطاع الله ورسوله، وأدى ما وجب عليه من حقوق أسرته: الزوج والولد والوالد والإخوة والأقارب كلهم، وأدى الجار حق جاره، ومن ذلك أمن بعضهم بوائق بعض، وأدى ولاة الأمر حقوق رعيتهم، وأدت الرعية حقوق ولاة الأمر، وابتعد الجميع عن ظلم بعضهم بعضا، ووفى كل ذي عهد وميثاق بعهده وميثاقه: الأفراد والأسر والدول، لا فرق عند المسلم في ذلك بين مسلم وكافر، كل ذلك من أجل مراقبة الله الذي سيحاسب كل واحد على ما قدم، فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، تصور لو حصل هذا كيف سيكون حال الأمة الإسلامية في الأرض؟! بل حال كل الأمم في الأرض عندما يرون الحياة الإسلامية مطبقة في بلاد المسلمين، إنهم سيرون الصلاح الذي ينشدونه ويبحثون عنه في مناهج البشر وقوانينهم فلم يعثروا عليه هناك!

فالإيمان باليوم الآخر من الأسس التي إذا وجدت وجد الخير والصلاح، وإذا فقدت فقد الخير والصلاح، ووجد الشر والفساد.

والسبب في ذلك أن المؤمن باليوم الآخر ينتظر في ذلك اليوم لقاء الله وجزاءه وعدله، فيعمل الخير ولو كرهته نفسه وشق عليه فعله، ويترك الشر ولو تاقت إليه نفسه وصعب عليه تركه، ناظرا إلى ما يستقبله هناك من رضا ربه وثوابه الدائم، مقابل ما فاته في حياة الزوال.

(72)

عدم الإيمان باليوم الآخر يدفع إلى المعصية
أما الذين لا يؤمنون باليوم الآخر، فلا هم لهم غير الحياة الدنيا، غايتهم التمتع فيها بكل ما تصل إليه أيديهم، من مطعم ومشرب، ومركب ومسكن، وجاه ومنصب، وعلو وتكبر واستعباد للخلق، يريدون فقط إشباع شهواتهم واتباع أهوائهم، إذ أنهم لعدم إيمانهم باليوم الآخر يرون حياتهم على الأرض قصيرة مهما طالت أعمارهم، فيحاولون اهتبال الفرص المتاحة لهم لإشباع نفوسهم التي لا تشبع، وتحقيق رغباتهم التي لا تنقطع، من ملذات الدنيا الجسدية بدون قيد، إلا قيد العجز عما يشتهون، لذلك تراهم يتخذون كل وسيلة للإفساد في الأرض، ويحاربون الله ورسله، ويصدون عن سبيل الله، لأن منهج الله الذي جاءت به الرسل يحول بينهم وبين الفساد في الأرض، وإذا حاربوا منهج الله اعتدوا على كل ضرورات الحياة: الدين، والنفس، والنسل والعقل، والمال، وكل ما يكملها من حاجيات وتحسينيات، وسلكوا سبل الشيطان وصدوا عن سبيل الرحمان يغيظهم الإيمان، ويسرهم الكفر والفسوق والعصيان، يرتكبون الفواحش وينشرونها ويؤيدون أهلها، ويبتعدون عن محاسن الأخلاق ويحاربونها ويناصرون كل من ناوأها، ذلك أنهم لا ينتظرون في ظنهم بعد الموت نعيما ولا عذابا، وهو ظن خاطئ انبنى عليه العيث في الدنيا فسادا، ولهم في الآخرة عذاب أليم.

ولنتأمل بعض الآيات التي تدل على اختلال موازين من لا يؤمنون بالآخرة، فمن طبيعتهم الظلم والانحراف عن سبيل الله والصد عنها وسعيهم في عدم استقامة الناس عليها.

قال تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون}. الأعراف: 44-45.

وقال تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله وهم بالآخرة هم كافرون}. هود: 18-19.

وقال تعالى: {وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لنا كبون}. المؤمنون: 74.

والذين لا يؤمنون باليوم الآخر هم أتباع أعداء الأنبياء من شياطين الإنس والجن، إذ يصغون إلى كذبهم وافترائهم وتزيينهم للباطل الذي يصد عن دعوة رسل الله عليهم الصلاة والسلام، كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذر هم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون}. الأنعام: 12-13.

ويكفي من لا يؤمن باليوم الآخر فسادا واختلالا في ميزان حياته أن يشمئز قلبه من توحيد الله ويطمئن إلى الشرك به.

قال تعالى: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}الزمر: 45.

وقال تعالى: {ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون}. الأنعام: 150.

وقال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون-إلى قوله تعالى-وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين}. الجاثية: 23-34.

(73)

شبهة شيطا نية

تمهيد
إن ما سبق من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية في موضوع الإيمان باليوم الآخر، لا تدع مجالا للشك في أن الإيمان باليوم الآخر أصل من أصول الإيمان التي لا يصح إيمان العبد إلا بها، وهذا مما أجمعت عليه الأمة، وعلم من الدين بالضرورة، فمن ادعى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وأنكر الإيمان باليوم الآخر وما فيه من الجزاء، من جنة ونار، وغير ذلك مما وردت به نصوص القرن والسنة، فليس بمؤمن -في الحقيقة-لأن الله الذي يدعي أنه مؤمن به، قد قرن الإيمان باليوم الآخر بالإيمان به، كما سبق.

وإذا أنكر الإيمان باليوم الآخر غير المسلم، فالأصل في مجادلته أن تقام عليه الحجة في موضوع الإيمان بالغيب جملة، وفي مقدمة ذلك الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا آمن بالقرآن لزمه الإيمان بكل ما أخبر به القرآن، ومنه الإيمان باليوم الآخر.

أما أن ينكر الإيمان باليوم الآخر من يدعي الإيمان بالله تعالى وبالرسول صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن، أي يزعم أنه من المسلمين، فهذا ممن يؤمن ببعض القرآن ويكفر ببعض، ولا إيمان لمن لم يؤمن بالقرآن كله.

عبارة فاسدة (ما عبدتُ الله خشية من عذابه، ولا طمعا في جنته)
ولقد بالغ بعض العلماء- حرصا منهم على أن يخلص المسلم عبادته لله تعالى-فأطلقوا عبارات يخالف ظاهرها الكتاب والسنة، ولكنهم لم يقصدوا-أبدا-التشكيك في الإيمان باليوم الآخر، وإنما قصدوا إخلاص العبادة لله، بحيث لا يلتفت المسلم في عبادته لربه إلى أي شيء من حظوظ نفسه، حتى ولو كان ذلك الحظ هو الرغبة في الجنة والخوف من النار.

ومن أشهر العبارات الشائعة المتناقلة في هذا الباب، العبارة المنسوبة إلى رابعة العدوية، وقد سألها الثوري: ما حقيقة إيمانك؟ فقالت: (ما عبدت الله خوفا من ناره ولا حبا لجنته، فأكون كالأجير السوء، بل عبدته حبا له وشوقا إليه). [إحياء علوم الدين (4/310)]

وقد اعتبر الهروي هذا المعنى من تعظيم حر مات الله حيث قال: (وهي على ثلاث درجات. الدرجة الأولى تعظيم الأمر والنهي، لا خوفا من عقوبة فتكون خصومة للنفس، ولا طلبا للمثوبة فيكون مستشرفا للأجرة..) [مدارج السالكين (2/75)]

ولهذا المعنى أيضا جعل(الرجاء أضعف منازل المريدين..[ نفس المرجع (2/37)]..)

(74)

أثران خطيران يترتبان على هذه العبارة :

الأثر الأول: أنها تخالف ما دلت عليه نصوص القرآن والسنة، وتزهد في منهج الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، في الخوف من عذاب الله والرجاء في ثوابه.

بعض الآيات الدالة على بطلان تلك العبارات

فقد دلت آيات القرآن الكريم على مدح من اتصف بالخوف من الله وخشيته والخوف من عذابه، وأن ذلك من صفات عباده الصالحين من الأنبياء وأتباعهم، بل من صفات الملائكة المقربين، وقصر سبحانه خشيته على العلماء به، وذكر تعالى أن من مقاصد إنزال القرآن على رسول صلى الله عليه وسلم تذكرة من يخشاه عز وجل، وهذا كثير جدا في القرآن العظيم.

خشية الله والخوف منه ومن عذابه

قال تعالى: {ومن يطع الله ورسوله يخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}. النور: 52.

فقد رتب الفوز على ثلاثة أمور: أحدها خشية الله. فخشية الله من صفات الفائزين من عباده.

وقال تعالى: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى}. طه:1-3

وقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.فاطر: 28.

وقال تعالى: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب}. الرعد: 19-21.

فقد أثنى الله على عباده العلماء العقلاء بخشيته وخوف سوء الحساب يوم القيامة.

وقال تعالى: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون}. الأنبياء: 48-49

وقال تعالى: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله}. الأحزاب:39.

وهذا ثناء على رسل الله عليهم الصلاة والسلام.

وقال تعالى: {ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون}. النحل:49-5وهذه في الملائكة.

وقال تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}. الإسراء: 57. واسم الإشارة (أولئك)يعود إلى (النبيين) في آية سابقة.

وقال تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار}. النور: 37.

وذكر تعالى من صفات الأبرار {و يخافون يوما كان شره مستطيرا}.الإنسان: 7

وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يذكر بالقرآن من يخاف وعيده، كما قال تعالى: {نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}.ق:45. والذين يخافون وعيده هم المؤمنون بالغيب، ومنه الآخرة.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل