بسم الله الرحمن الرحيم

أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي (1-3)


المقدمة

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ون سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مصل له ، ومن يضلله فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) آل عمران 107
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) النساء 1
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أموالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) الأحزاب 70، 71
أما بعد:
فإن الإسلام هو دين الهدى والنور، الذي لا سعادة للبشرية ولا أمن لها ولا سعادة، في الدنيا والآخرة، إلا عندما تهتدي بهداه، وتستضيء بنوره، مخلصة في عبوديتها لله الخالق، تأتمر بأمره، وتتبع منهحه، نابذة كل منهج من المناهج الأرضية المخالفة له.
فإن أي أمة من الأمم في أي بقعة من الأرض، وفي أي زمان من الأزمان، إذا دانت بهذا الدين، واعتصمت بحبل الله المتين، واتبعت رسوله الأمين، بصدق وعلم ويقين، بما أنزله الله في كتابه المبين، وسنة رسوله الرؤوف بأمته الرحيم، إن أي أمة من الأمم تتمسك بذلك، لا بد أن تكون أسعد الأمم، وأكثرها أمنا واستقرارا، تعيش في رغد من العيش، وتحيا في حياة عز وسؤدد، تقود ولا تقاد، وتأمر ولا تؤمر، وتَنهَى ولا تُنهى، تحب الخير للناس كلهم، وتهديهم إليه بجد ونشاط، وتكره لهم ما تكره لنفسها من الشر، بعزم وبقوة، ولو اقتضى ذلك منها أن تقدم من أجل تحقيقه، المال والولد والنفس، لأنها بذلك ترضي ربها الذي لا غاية لها في الحياة سوى رضاه.
وإن أي أمة من الأمم في أي بقعة من الأرض، وفي أي زمن من الأزمان، رفضت هذا الدين، وبعدت عن هديه، وحاربته وحاربت الدعاة غليه، متبعة هواها، عاصية ربها، هاجرة كتابه، خارجة على هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، إن أي أمة فعلت ذلك، لجديرة بأن تكون أكثر الأمم شقاء وخوفا واضطرابا وضنكا، في كل شأن من شؤون حياتها، حتى لو بدت في ظاهر أمرها غنية بالأموال، كثيرة بالرجال، قوية بالمرافق والصناعات الثقال، فإن السعادة لا يجلبها منصب ولا مال، والأمن لا يحصل بسلاح ولا رجال، والطمأنينة لا يأتي بها أي سبب من الأسباب المادية، إذا خلت من الإيمان واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد دل على ذلك –أي سعادة المهتدين بهدى الله، وشقاوة الرافضين لمنهج الله- الكتاب والسنة وواقع الأمم الذي سجله التاريخ في كل الأحقاب.
قال تعالى عن نبيه نوح عليه السلام: ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم أنهارا. [سورة نوح:10-12]
فقد رتب على استغفارهم ربهم الذي أمرهم به، إمداد الله لهم بالأموال والبنين، ومنحهم الجنات والبساتين والأنهار، وهذا من ثمرات طاعة الله في الدنيا، ويشبه ذلك قول الله تعالى: ( ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير. وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ...( [سورة هود: 3]
آيات نوح كانت في قوم أول رسول بعثه الله إلى الأرض، وآيات هود كانت في قوم آخر رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، وكلها دالة على أن المتاع الحسن، والعيش الرغيد، والرزق العميم، يعطيها الله من اتبع منهج الله واستجاب لهداه.
وقد يمتع الله عدوه الكافر بالرزق والجنات والأنهار والقوة المادية، ولكنه متاع غير هنيء، بل متاع مقترن بالقلق والشقاء والظلم، ثم إن الذي يستقيم على منهج الله يتمتع برزق الله وهو له أهل، بخلاف أعداء الله، فإنه تعالى يمتعهم برزقه ابتلاء لهم، وزيادة في شقائهم في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: )قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق.، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون( [سورة الأعراف: 32]
فتخصيص الله تعالى المؤمنين بأن هذه الطيبات لهم في الحياة الدنيا، مع أن غيرهم من المشركين والكفار يشتركون معهم في التمتع بها، يدل على أن غير المؤمنين –الذين أهمل ذكرهم- ليسوا أهلا لتلك الطيبات في الحياة الدنيا، وأن المؤمنين هم أهلها.
وقد روى ابن جرير رحمه الله بسنده عن سعيد بن جبير، أنه قال: "ينتفعون بها في الدنيا –أي المؤمنون- ولا يتبعهم إثمها" [جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 8/165]
وقال القرطبي رحمه الله )قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا( : "يعني بحقها في توحيد الله تعالى والتصديق له، فإن الله ينعم ويرزق، فإن وَحَّدهُ المُنعَم عليه وصدقه، فقد قام بحق النعمة، وإن كفر، فقد أمكن الشيطان من نفسه، وفي صحيح الحديث (لا أحد أصبر على أذى من الله، يعافيهم ويرزقهم، يدعون له الصاحبة والولد)" [الجامع لأحكام القرآن: 7/199]
وذكر أبو حيان التبريزي ما يأتي: "معنى الآية أنها للمؤمنين خالصة في الآخرة، لا يشركهم الكفار فيها، وهو كذلك، لأن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، إلا أنه أضاف إلى المؤمنين ولم يذكر الشركة بينهم وبين الذين أشركوا في الدنيا، تنبيها على أنه إنما خلقها للذين آمنوا بطريق الأصالة، والكفار تبع لهم في الدنيا، ولذلك خاطب الله المؤمنين بقوله تعالى: )هو الذي خلق لكم في الأرض جميعا( [البحر المحيط 4/291]
ومما يدل على أن رزق الله تعالى منحه خلقه فتنة منه لهم واختبارا أيشكرونه أم يكفرونه، قوله تعالى: )واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم( [سورة الأنفال: 28]
ودلت آية أخرى على أن رزق الكفار يكون حسرة عليهم، لأنهم ينفقون رزق الله في معصية الله ،كما قال تعالى: )إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون( [سورة الأنفال: 36]
ومن الآيات الدالة على أن الأمة المهتدية بهدى الله، يكرمها الله تعالى بالسعادة والخير والبركات في الدنيا، فتحيا حياة الأمن والعيش الرغيد، قوله تعالىولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماوات والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون( [سورة الأعراف: 96]
وإذا رأيت أمة من أمم الأرض محادة لله ورسوله، وقد أغدق الله عليها من رزقه من السماء والأرض، وظهرت بصفة المسيطر المتعالي ، فاعلم أن ذلك ليس بركات عليهم ولا تكريم من الله لها، وإنما هو محنة واستدراج لها، لتنال عقابها الأليم في نهاية المطاف، كما قال تعالى في الأمم التي كفرت بأنعم الله قبل بعث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: )ولقد أرسلنا رسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون. فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا، ولكن قست قلوبهم وزين لهمم الشيطان ما كانوا يعملون. فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة، فإذا هم مبلسون. فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين( [سورة الأنعام: 43-45]
ومن أصرح الآيات وأجمعها لسعادة المهتدين بهدى الله وطيب حياتهم في الدنيا والآخرة، قوله تعالىمن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون( [سورة النحل: 97]
والحياة الطيبة ليست هي الحياة التي تتوافر فيها أنواع المتع المادية من مأكل ومشرب ومركب وملبس ومنكح، وصناعة وزراعة واختراعات فحسب، وإنما هي الحياة الآمنة التي تطمئن فيها القلوب، ويأمن فيها الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ينتشر فيها العدل، ويختفي فيها الظلم أو يقل، ويقود الناسَ فيها الأكفياء الصالحون إلى ما يرضي الله تعالى. ومتاع الدنيا المادي المباح جزء من الحياة الطيبة.
ومن الآيات التي جمعت بين إثبات السعادة لمن اتبع هدى الله في الدنيا والآخرة، وإثبات الشقاء والضنك والضلال لمن بَعُدَ عن هدى الله وحاربه، قول الله عز وجلقال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو، فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري قإن له معيشة ضنكا. ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى( [سورة طه: 123-126]
تأمل كيف نفى الله الضلال والشقاء عمن اتبع هداه، وأثبت المعيشة النكدة الضيقة والضلال المبين -الذي عبر عنه بالعمى-لمن أعرض عن ذلك الهدى، وهو ذكر الله، ثم أكد تعالى شقاء من لم يهتد بهدى الله في الدنيا بالحياة الضنك، وفي الآخرة بالعذاب الأليم، فقالوكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى( [سورة طه: 127 وراجع كتاب شيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 3/9 ]

(2)

دلالة السنة على نزول الشقاء بالأمم البعيدة عن هدى الله
وأما السنة فقد دلت على أن الله تعالى ينزل ألوانا من الشقاء على الأمم التي تحارب منهج الله وتصد عن هداه: شقاء الجهل وشقاء انتهاك الأعراض، وشقاء ارتكاب ما يفسد العقول، وإذا فسدت العقول وانتهكت الأعراض، وفشا الجهل، فسدت الحياة كلها! وأي حياة تلك التي تحيا بها أمة هذا شانها إلا حياة الضنك والضيق التي بينها القرآن.
روى أنس رضي الله عنه ، قال: "لأحدثنكم حديثا لا يحدثكم أحد بعدي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد.) [صحيح البخاري 1/28]
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يتقارب الزمان، ويلقى الشح، ويكثر الهرج) قالوا: يا رسول الله ، أيُّمَ هو؟ قال: (القتل القتل) [البخاري 8/89]
وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل) [البخاري 8/89]
أي إن آخر الزمان يخالف أوله، بمعنى أن العصور الأولى كانت عصور نور وهدى، انتشر فيها العلم وثبت العمل الصالح، وأمن الناس على أموالهم وأعراضهم ودمائهم، لأنهم كانوا ملتزمين بهدى الله، يتعلمون الكتاب والسنة، ويعملون بما تعلموه منهما ويطبقون ذلك اعتقادا وقولا وعملا.
ولهذا أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلك القرون بحسب سبقها الزمني، لسبقها العملي، كما في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونههم" قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ قرنين أو ثلاثة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن) [البخاري 3/151، 4/189]
وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: (قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته ...) [البخاري: 7/224]
وسبب هذا التفضيل، تلك التزكية التي زكى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالوحي الذي كان ينزل عليه، علما وعملا، وكذا تزكية أصحابه بعده للتابعين، ثم تزكية التابعين لأتباعهم ... كما قال تعالى: ( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون( [سورة البقرة: 151]
وقال تعالى: ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) [سورة الجمعة: 2]

(3)

دلالة الواقع التاريخي على شقاء الأمم البعيدة عن هدى الله
أما الواقع التاريخي، فإن الذي يتتبع فيه حياة الأمم سيجده شاهد صدق على أن الأمة المهتدية بهدى الله، هي التي تحوز قصب السبق في العزة والتمكين والسعادة والطمأنينة في هذه الحياة، وأن الأمة الرافضة لهدى الله البعيدة عن اتباع منهجه، هي التي تمنى بحياة الذل والشقاء والاضطراب والخوف والقلق ، مهما أوتيت من ثراء وقوة ومن ألوان المتع المادية، ومهما شيدت من قصور، ومدت من جسور، وشقت من طرق، وأعلت من أهرامات، تجد فيها السادة المتجبرين، والعبيد الأذلاء المستضعفين، والظلمة الباطشين المستأثرين، والمظلومين المحرومين، لا ينصر فيها القوي –بالعدل- ضعيفا، ولا يدفع فيها القادر عن الخائف مخوفا، كما تجد فيها الفواحش المنكرة، والأمراض الفتاكة المنتشرة، وتجد فيها الجهل بأصول الإيمان وفروعه، وبذلك يعبد أفرادها وجماعتها أهواءهم، ويعتدون على الناس فلا يردهم عن عدوانهم إلا القوة الرادعة لهم.
وهذا ما نشاهده في هذا القرن الذي نعيش فيه: القرن العشرين-المنصرم- الذي تطرب لذكره أسماع، وتخشع لعظمته قلوب، القرن الذي بنيت فيه ناطحات السحاب، وعُبِّدَت فيه الطرق البرية الواسعات، حتى أصبح ساكن أقصى الأرض في الشرق، يسافر بسيارته إلى أقصاها في الغرب، وصنعت فيه الطائرات التي تقطع في ساعات ما بين المشرق والمغرب، وامتلأت البحار المحيطات بالسفن الضخمة، المدنية والحربية والغواصات، وأصبحت بعض كواكب السماء، للمسافرين محطات، وقد وطئت أقدام الإنسان على وجه القمر الذي كانت تشبه به الغيد الجميلات!
وهكذا ما من شيء محسوس في هذا الكون إلا كان هدفا لتفكير المفكرين، ومحلا لبحث الباحثين، ليكتشفوا فوائده، ويغوصوا في أعماق أسراره، ويخضعوه للاستفادة منه مدنيا وعسكريا.
ولكن الحياة مع ذلك كله، لا زالت حياة شقاء ونكد، تنتشر فيها الفوضى الحسية والمعنوية، ويعم كثيرا من سكان الأرض الخوف والجوع والفقر والمرض، فلا تجد شعبا ولا دولة-صغرت أم كبرت-آمنة من اعتداء شعب ودولة أخرى، تعد للاعتداء عليها العدة، وتتربص بها الدوائر، ولا تجد شعبا ولا دولة يأمن فيها الناس من الظلم والجور والإجرام، بل إنك لتجد الجرائم تتصاعد كلما تقدم الناس في الاكتشافات العلمية والصناعات القوية، يدل على ذلك ارتفاع نسبة الإجرام والمجرمين في المحاكم والسجون والمعتقلات-عدا من لم تضبطه أجهزة الشرطة ومن يسندها ممن يسمون بأجهزة الأمن-لا بل إنك لتجد الصالح المصلح الأمين، العالم المحب لأمته الساعي إلى تحقيق مصالحها وسعادتها، هو المجرم المكبل بالقيود المودع في المعتقلات، المصلت على رقبته سيف الموت من قبل من آتاه الله القوة من المتكبرين الطغاة، الذين هم أولى بوصف المجرمين، وأحق بالسجون والمعتقلات والنفي والقتل.
كما تجد من يموتون جوعا، في كثير من المعمورة، وبجانبهم من يموتون من الشبع والتخمة، وتجد العرايا من الملبس والبساط والغطاء، لا يجدون ما يستر عوراتهم، ولا ما يفترشونه تحت جنوبهم، و ما يتغطون به من الحر والقر، وبجانبهم من يؤثثون المنتزهات المؤقتة -بله المساكن الدائمة- بأجود أنواع الأثاث ، وقد امتلأت خزائنهم بالملابس الغالية، وافترشوا الزرابي والنمارق.
وتجد من يدعي مناصرة حقوق الإنسان والديمقراطية، وهو يفتك بالإنسان قتلا وتشريدا، ويربي الكلاب والقرود، ويقدم لها ما تشتهيه أنفسها من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ورخاء، وتكبت أي صوت يرتفع مطالبا بالعدل والمساواة، إذا لم يكن ذلك الصوت مؤيدا لمدعي مناصرة حقوق الإنسان والديمقراطية زورا وبهتانا.
إن هذا العصر الذي توجد فيه هذه الكوارث وغيرها، لمن أعظم شواهد الحق على أن الأمة التي تَبعُد منهج الله وهداه، خليقة بالشقاء والخوف والقلق والاضطراب والدمار، مهما أوتيت من متاع الدنيا الزائل، وأن التربية الإسلامية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هي التي تجلب للأمة السعادة، وتجنبها من الويلات والضنك والمحن، وتبدلها بذلك الحياة الطيبة المستقرة.
ومما يدل على ذلك أن حياة الشعوب الإسلامية التي حافظت على القليل من منهج الله، هي أسعد من غيرها من الدول التي لم تحافظ على شيء من ذلك.
إن تعليم الأمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتزكيتها بذلك، وحملها على العمل بهما، هي التي تحقق السعادة للفرد والأسرة والمجتمع معا، بدون طغيان بعضها على بعض، كل يأخذ حقه، ويؤدي واجبه، بدون صراع ولا نزاع ولا تطاحن، بل برضا واطمئنان، فلا يفرض أمن فرد ولا أسرة ولا مجتمع بقوة السلطة فحسب، لأن الفرد والأسرة والمجتمع يؤمنون بالواجبات والحقوق، وبالتعاون على البر والتقوى، فلا طغيان لأحد على سواه، وإذا أراد أحد الاعتداء على غيره، وجد ما يردعه من أحكام الشرع التي كلف الله الأمة تطبيقها على القوي والضعيف.
هذا وقد دفعني التأمل في أحوال الناس عامة، وأحوال المسلمين خاصة، أن اجمع في هذا الكتاب جملة من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وأقوال علماء الإسلام ما عسى أن يقنع المسلمين أولا، وغيرهم ممن ينشدون الأمن والسعادة ثانيا، بضرورة السعي الجاد لتطبيق التربية الإسلامية، لينبني على تطبيقها أثرها، وهو أمن الفرد والأسرة والمجتمع، وأنه بدون ذلك لا أمن ولا حياة طيبة سعيدة.
وسميته: [أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي] إشارة إلى أن ما تسمى بأجهزة الأمن لا تحقق – مستقلة عن هذه التربية- للفرد والأسرة والمجتمع الأمن المنشود.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل