بسم الله الرحمن الرحيم

أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي (17)

(17)

المبحث الثالث: العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
إن القرآن الكريم لم ينزل إلا لهداية البشر وإقامة الحجة عليهم، كما قال سبحانه وتعالى: )الم، ذلك الكتاب لا ريب فيها هدى للمتقين( [البقرة: 1-2] وقال سبحانه: )إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم( [الإسراء: 9].
وقال تعالى: )هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون( [الصف: 9].
قال شيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "وهذه الآية (يعني آية الإسراء المذكورة) الكريمة أجمل الله جل وعلا فيها جميع مما في القرآن من الهدي إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة ..." [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (3/409)].
والعلم بكتاب الله لا يأتي إلا عن طريق تلاوته وتدبره وتطبيق أحكامه، وتزكية النفس بما اشتمل عليه من إيمان وأدلة يقينية عليه، وعمل صالح ومكارم أخلاق، والذي لا يقرأ يستطيع أن يأخذ حظه من تعلم ذلك وتطبيقه.
فقد بين الله تعالى في هذا القرآن ما يجب على العبد القيام به لربه ولنفسه ولغيره من المخلوقين، وما يجب اجتنابه كذلك. فإذا علم الإنسان القرآن الكريم وائتمر بأوامره وانزجر عن نواهيه، فإنه لا بد آتٍ بما ينفع نفسه وينفع الناس ويبتعد عما يضر نفسه ويضر الناس، وذلك هو الأمن في الحقيقة.
ولقد كان لهذا القرآن أثره في نفوس الذين أخذوه علماً وعملاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك كانت السعادة وكانت العزة وكان الأمن والاستقرار والإيثار والمودة والإخاء، وهذه المعاني التي ينشدها العالم اليوم لفقدها أو ضعفها الذي يكاد كالفقد، لا يمكن أن تعود إلى البشرية إلا إذا سلك المسلمون مسلك سلفهم الصالح في تعلم كتاب الله وسنة رسوله لتطبيقهما في حياتهم، كما طبقها أولئك السلف.
قال ابن كثير رحمه الله: "وقال الأعمش ... عن أبي وائل، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن، وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً" [تفسير القرآن العظيم (1/3) وانظر الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (13/331)].
وسنّة الرسول صلى الله عليه وسلم في التكليف كالقرآن، وقد فصَّلَتْ ما أجمل فيه، أو شرع الله فيها أحكاماً ليست في القرآن وهي وحي مثله، إلا أنها وحي غير مَتْلو، والله تعالى قد أمر بطاعته وطاعة رسوله وأمر بأخذ ما جاء به من السنّة كالقرآن.
قال تعالى: )قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين( [النور: 54] وقال تعالى: )وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى( [النجم: 3-4] وقال تعالى: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( [الحشر: 7].
لذلك لا بدّ من تعلم سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، لأنها التطبيق العملي للإسلام الذي جاء به من عند ربه.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل