بسم الله الرحمن الرحيم

الجهاد في سبيل الله - المقدمة والتعريف(1-2)


الحمد لله ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله ومجتباه .                   أما بعد

فإن الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام وناشر لوائه وحامي حماه ، بل لا قيام لهذا الدين في الأرض إلا به .
وإن المجاهدين في سبيل الله هم صفوة خلق الله وسادة عباده ، وهم الناصحون للعالم كله على الحقيقة ، الباذلون نفوسهم ومهجهم ليسعدوا البشرية بالتمتع بهذا الدين ، فينالوا بذلك رضوان الله في الدنيا والآخرة .
قوم باعوا أنفسهم وأموالهم لله ، ورغبوا في عاجل لقائه ، لينالوا الحياة الآجلة الأبدية التي يصطفي الله لها من خلقه خيارهم ، فيتخذهم عنده شهداء .
قوم ندبهم لإعلاء كلمته فانتدبوا ، وأمرهم بالدعوة إليه لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، فسارعوا للقيام بذلك واستجابوا ، يقيمون على خلقه الحجة ، ويرشدونهم إلى الصراط المستقيم ومهيع المحجة ، ينيرون بوحي الله الدروب ، ويحيون بدينه القلوب ، يضمون من اهتدى بهدى الله إلى صفهم ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، ويقومون بالسيف والسنان طغاة الصد عن سبيل الله ، حتى يدخلوا في الدين الحنيف أو يخضعوا لسلطان القائمين بأمر الله .
قوم يختارون الجوع والعطش والخوف على الشبع والري والأمن في هذه الحياة ، ليفوزوا في دار الكرامة بأجل نعيم أعده لهم الله ، ينام الناس ويسهرون ، ويتمتع الناس بملذات الدنيا وهم عنها شهواتها راغبون ، إذا نام القاعدون على فرش من حرير وتوسدوا ألين الوسائد ، افترش المجاهدون الحصى وتغطوا بنقع غبار العاديات ، وتوسدوا عدة الحرب وسيوف الغارات .
يتسابق الناس إلى تجارة الفضة والذهب الفانية ، ويشمرون هم إلى تجارة السوق الرابحة الباقية : ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تحري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ) ( 1 )
قوم رفع الله منزلتهم على من سواهم ، وجعلهم قادة البشر ومعلميهم وآمريهم وناهيهم : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) ( 2 )

( 2 )
تعريف الجهاد في سبيل الله

1-الجهاد في اللغة ، مأخوذ من الجهد ، وهو بذل الطاقة ، أو الوسع ، أو هو المشقة.
قال الراغب رحمه الله في مفرداته : " الجَهد والجُهد : الطاقة والمشقة ، وقيل الجهد بالفتح المشقة ، والجُهد الوسع "
وقال ابن حجر في الفتح (6/3) : " والجهاد بكسر الجيم ، أصله لغة المشقة . "
2- وهو في الشرع – عند غالب الفقهاء – قتال المسلم الكافر ، بعد دعوته إلى الإسلام أو الجزية ، وإبائه .
مراجع : بدائع الصنائع (9/4299) الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير (2/267) فتح الباري (6/3) مطالب أولي النهى (2/497)
وهذا التعريف ليس شاملا لمعنى الجهاد الشرعي .
وأشمل تعريف له ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، حيث قال : " والجهاد هو بذل الوسع – وهو القدرة – في حصول محبوب الحق " وقال في موضع آخر " وذلك أن الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح ، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان " مجموع الفتاوى (10/191-192) .
فهذا التعريف يشمل كل أنواع الجهاد التي يقوم بها المسلم ، يشمل اجتهاده في طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه في نفسه ، واجتهاده في دعوة غيره – مسلما كان أو كافرا - إلى طاعة الله ، واجتهاده في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله ، وغير ذلك .
والقيد " في سبيل الله " شرط في كون الجهاد شرعيا ، وهو يخرج كل سعي واجتهاد لا يقصد به وجه الله … وسيأتي الكلام على هذا القيد بالتفصيل في مكانه .

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل