بسم الله الرحمن الرحيم

آداب الجهاد بعد انتهاء المعركة ( 88 -94)

(88)

الفرع الثالث : آداب الجهاد بعد انتهاء المعركة
أولا: إظهار التجلد للعدو، ولو أحرز انتصاراً على المجاهدين المسلمين.
المسلم عزيز على عدوه الكافر في كل وقت من الأوقات، حتى ولو بدا ذلك العدو منتصراً في بعض الأحيان، فإن عاقبته الذلة والمهانة، لأنه من أولياء الطاغوت والمسلم من أولياء الله، والله عز وجل يقول: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فقاتلوا أولياء الشيطان إنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً} [النساء: 76]. {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}{المنافقون 8}
والكافر يألم كما يألم المؤمن، ولكن ألم المؤمن يخف، لأنه يرجو من ربه النصر في الدنيا والثواب في الآخرة، ولذلك لا ينبغي للمؤمن أن يظهر الضعف لعدوه، بل عليه أن يتجلد ويريه من نفسه القوة: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون، وكان الله عليماً حكيماً} [النساء: 104].
وقد سبق الحديث المتفق عليه أن المشركين لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى مكة لعمرة القضاء، قالوا: إنه يقدم عليكم وقد وهنهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها، إلا الإبقاء عليهم [راجع ما سبق في الخيلاء في الحرب].
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يظهروا للمشركين أنهم أقوياء، بالإسراع في الطواف في الأشواط الثلاثة التي كان الععدو يرونهم فيها، وفي الشوط الرابع الذي لا يرونهم فيه راعى ضعفهم، فلم يكلفهم الإسراع فيه، كل ذلك من أجل أن يرى المشركون من جند الله قوة وجلداً.
ولقد نهى الله عباده المؤمنين عن الاستسلام وإظهار الضعف والحزن، وذكَّرهم بأنهم هم الأعلون على عدوهم، حتى في حالة نيله منهم وانتصاره عليهم، كما قال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران: 139].
قال ابن جرير رحمه الله: "وهذا من الله تعالى ذكره تعزية لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابهم من الجراح والقتل بأحد، قال ولا تهنوا ولا تحزنوا يا أصحاب محمد، يعني ولا تضعفوا بالذي نالكم من عدوكم بأُحد، من القتل والقروح عن جهاد عدوكم وحربهم.. ولا تحزنوا ولا تأسوا على ما أصابكم من المصيبة يومئذ، فإنكم أنتم الأعلون، يعني الظاهرون عليهم، ولكم العقبى في الظفر والنصرة إن كنتم مؤمنين) [جامع البيان عن تأويل آي القرآن (4/102)].
ويذكر الله المؤمنين بأن ما أصابهم يوم أحد، قد أصاب أعداءهم يوم بدر، وأصابهم شيء منه كذلك يوم أحد، وأن أيام الله التي يلتقي فيها أولياؤه وأعداؤه دول بين المسلمين وبين المشركين، إذا أخذ المسلمون بأسباب النصر أدالهم على عدوهم كما حصل يوم بدر، وإذا فرطوا فيها أدال عليهم أعداءه، كما حصل يوم أحد، ليميز الله صادق الإيمان من غيره، وليختار من المؤمنين – الذين انتهت آجالهم – شهداء تكريماً لهم، كما قال تعالى: {وليعلم الله الذين آمنوا، ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} [آل عمران: 140، وانظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن (4/103) وكذلك الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/216-217)].
ويصغي جند الله لهذه الآيات التي تثير فيهم عزة الإيمان، فينسون ما أصابهم من قتل وجراح، ويدعوهم الرسول صلى الله عليه وسلم والدماء تسيل من أجسادهم، لملاحقة المشركين بعد انتهاء معركة أحد، فيستجيبون له ويخرجون في أثر العدو حتى بلغوا حمراء الأسد، ليرى الناس أن به صلى الله عليه وسلم وبأصحابه قوة: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} [آل عمران: 172، وانظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن (4/176)].
ويوحي شياطين الجن إلى شياطين الإنس، أن يبثوا إشاعات كاذبة في صفوف المؤمنين لتخويفهم من أعاد الله، فيأتيهم من يقول لهم: إن المشركين قد جمعوا لكم جموعاً لا طاقة لكم بها، فيثبتهم الله ويزدادون إيماناً على إيمانهم، فلا يخافون إلا الله، بل يعتمدون عليه ويتوكلون عليه وحده: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيماناً، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} [آل عمران: 173].
قال ابن جرير رحمه الله: (والناس الأوّل، هم قوم فيما ذكر لنا كان أبوسفيان سألهم أن يثبطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين، خرجوا في طلبه بعد منصرفه من أحد إلى حمرراء الأسد، والناس الثاني، هم أبو سفيان وأصحابه من قريش الذين كانوا معه بأحد...) [جامع البيان (4/178)].
وعن عائشة رضي الله عنها: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبوك منهم: الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، فقال: (من يذهب في أثرهم؟) فانتدب منهم سبعون رجلاً، قال كان فيهم أبو بكر والزبير [صحيح البخاري رقم: 4077، فتح الباري (7/373)].
وبعد: فقد رأيتَ من هذه النصوص من الكتاب والسنة أن المؤمنين مهما أصابهم من البلاء، ومهما بدا أن عدوهم انتصر عليهم، حتى لو أصاب نبيهم بالجروح وقتل عمه حمزة وغيره من صناديد الصحابة، فإنهم هم الأعلون لا يضعفون ولا يستكينون، بل يظهرون لعدوهم القوة من أنفسهم بمطاردته وإظهاره بمظهر المهزوم في النهاية، فأين المنتسبون إلى الإسلام اليوم من هذه المعاني العالية التي سطرها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفيهم أسوة حسنة؟ إن المنتسبين إلى الإسلام اليوم ليروع غالب قادَتِهم شعوبَهم، ويدخلون عليهم الرعب من قوة أعداء الله، ويدعونهم إلى الاستسلام للكافرين ويركع غالب أولئك القادة لأولئك الأعداء ويذلون لهم، ناسين هذه المعاني الرفيعة وتلك الصفات الحميدة، في الأجداد الأوائل الذين لا يزالون يعيشون على فتات موائد جهادهم وتضحياتهم فلا حول ولا قوة إلى بالله.

(89)

الإقامة في أرض المعركة ثلاثة أيام بعد الانتصار على الأعداء
قد ينتصر في أول المعركة أحد الخصمين، وقد يستمر له النصر إلى النهاية، وقد لا يستمر بل قد يدال عليه خصمه، وليس النصر هو أن يصاب العدو بالقتل والجروح وأخذ الأموال والغنائم فقط، بل ذلك ومعه شعور العدو بالهزيمة الساحقة التي ييأس معها من العودة إلى المحاربة، وشعور الغالب بأنه الأعلى الذي أصبح مسيطراً وبيده زمام أمر المعركة السابقة، ويأمل أن يكون له النصر كذلك في معركة لاحقة.
ومن علامة الشعور بالهزيمة الساحقة أن يولي العدو هارباً لا يدري ما خلفه، بل لا يهمه إلا أن ينجو بنفسه، وهذا ما حصل في معركة بدر بالنسبة للمشركين فإنهم ولوا فارين مدبرين لا يلوون على شيء.
لا بل إن المشركين في أحد، وكانت الغلبة في ظاهرها لهم على المسلمين، ولكنهم لم يحافظوا على ذلك الغَلَب وذلك الانتصار عندما ولوا مدبرين، والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين تسيل أجسادهم دماً من جروح المعركة يتابعونهم، فكان ذلك ضرباً من الهزيمة، بخلاف المسلمين فإنهم –وإن بدا أنهم هزموا في المعركة فكان منهم سبعون قتيلاً وجرح الكثير منهم حتى نبيهم صلى الله عليه وسلم- مع ذلك أخذوا زمام مبادرة النصر بمتابعة المشركين، وهم على تلك الحال وفر المشركون عندما علموا بخروجهم إلى حمراء الأسد، وقد مضى ذلك قريباً في المبحث السابق.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حافظوا على انتصارهم في غزوة بدر، فأقام صلى الله عليه وسلم بها ثلاثاً، وكانت تلك عادته إذا غلب عدوه أقام بمكان المعركة ثلاثاً.
كما في حديث أبي طلحة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش، فقُذِفوا في طُوى من أطواء بدر، خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحله... الحديث [البخاري رقم الحديث: 3976، فتح الباري (7/300) ومسلم (4/2203)].
وقال الحافظ في الفتح: "وقال ابن الجوزي: إنما كان يقيم ليظهر تأثير الغلبة، وتنفيذ الأحكام، وقلة الاحتفال، فكأنه يقول: من كان فيه قوة منكم فليرجه إلينا) [فتح الباري (6/181)].
وقال ابن القيم رحمه الله: "ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرصتهم ثلاثاً، وكان إذا ظهر على قوم أقام بعرصتهم ثلاثاً، ثم ارتحل مؤيَّداً منصوراً قرير العين بنصر الله له...) [زاد المعاد في هدي خير العباد (2/100) وراجع البداية والنهاية لابن كثير (3/303)].

(90)

مواصلة التدريب القتالي وعدم القعود عنه
الجهاد في سبيل الله باق ما بقي في الأرض مسلم وكافر، فإذا أعد المسلمون العدة لمعركة مع عدو وانتصروا عليه، فعليهم أن يواصلوا الإعداد لمعركة أخرى مع عدو آخر – وسيأتي الكلام على إعداد العدة في فصل أنواع الجهاد إنشاء الله – والمقصود هنا التنبيه على أنه لا يجوز للمسلمين أن يكسلوا عن التدريب والتمرين على أساليب القتال وأنواع السلاح ركوناً إلى معركة انتصروا فيها.
وقد ظن بعض المسلمين بعد أن حققوا انتصاراً على الكافرين أن أمر القتال انتهى، وأنه لا حاجة بعد ذلك إلى اقتناء السلاح وإعداد العدة، بل جاء وقت الراحة والرخاء – هذا الظن كان بعد تحقيق النصر على العدو، فكيف حال من يزعم ذلك وهو مهزوم والعدو منتصر عليه – فكذب الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الظن، وأمر بالاستمرار في إعداد العدة والتدريب، كما في حديث سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله، أذال الناس الخيل – أي أهانوها واحتقروها ولم يُعْنَوا بها كما كانوا من قبل يهتمون بها استعداداً للحرب – ووضعوا السلاح، قالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال: (كذبوا! الآن جاء القتال ولا تزال في أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى يأتي وعد الله، الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحَى إليّ أني غير مُلَبَّثٍ، وأنتم تتبعوني، ألا فلا يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشام) [النسائي في كتاب الخيل (6/178) مطبعة الحلبي، وهو في جامع الأصول (2/570) رقم: 1049، قال المحشي: وإسناده صحيح].
وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى) [صحيح مسلم (3/1523) رقم الحديث: 1919].

(91)

دفن قتلى المسلمين في مصارعهم
والسنة أن يدفن قتلى المسلمين في مصارعهم – أي في مكان المعركة – ولا ينقلوا إلى المقبرة المعتادة، ولو كانت قريبة.
وقد ظن نساء الصحابة اللاتي قمن بالخدمة – من سقي وتمريض وغيرهما – في معركة أحد أن نقل الموتى إلى المقبرة – اعتباراً بالأصل – سنة فنقلن بعض الموتى مع الجرحى إلى المدينة، كما ثبت في صحيح البخاري عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها، قالت: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة [صحيح البخاري رقم: 2883، فتح الباري (2/80)].
فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَهم أن يردوا القتلى إلى مصارعهم، كما في حديث جابر قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم، وكانوا نقلوا إلى المدينة [المصنَّف (5/278) رقم: 9604، أبو داود (3/514) رقم: 3165، النسائي (4/65) الترمذي (5/279) رقم:1771، وانظر نيل الأوطار (4/27) وكذا بدائع الصنائع (2/808) في الفقه الحنفي، والكافي في الفقه الحنبلي (1/356)].
ولعل من حِكَم أمره صلى الله عليه وسلم بردهم إلى مضاجعهم كون ذلك عبرة للمسلمين الذين يجيئون بعدهم، ويزورون ساحة المعركة فيتذكرون أعلام الجهاد في سبيل الله الذين حملوا على أكتافهم دعوة الإسلام، وضحوا في سبيل الله تعالى من أجل رفع راية هذا الدين، وهداية الناس له بكل ما يملكون حتى نفوسهم وروَّوا بدمائهم تلك الأرض التي مازالت شاهد صدق على البذل والتضحية.
وكذلك عندما يقف المسلم متأملاً أحداث الغزوة ومواقع حزب الله المجاهدين، وحزب الشيطان المحاربين، يأخذ في الدعاء لهؤلاء الذين اختارهم الله شهداء عنده.
وكذلك إرشاد للمسلم بأن يدفن في أي أرض يموت، ولا داعي لنقله من مكان إلى آخر فالأرض كلها أرض الله {وما تدري نفس بأي أرض تموت} [لقمان: 34] وإذا كانت الأرض تشهد لأهل الطاعة بطاعتهم، وعلى أهل المعاصي بعصيانهم فإن خير عمل يقدمه المؤمن – بعد الإيمان بالله – الموت في سبيله، ومضجعه الذي فاضت روحه فيه، وهو يجاهد في سبيل الله أولى به من غيره من بقاع الأرض، كما أن مرقده في ذلك الجزء الذي بلله دمه خير لهه من بقعة أخرى، وفي تفسير ابن كثير: عن أبي هريرة قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {يومئذ تحدث أخبارها} [الزلزلة: 4] قال: (أتدرون ما أخبارها) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها) ثم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب اهـ [تفسير القرآن العظيم (4/539)].
أما حكم نقل الميت من مكان موته إلى مكان آخر، فالذي يظهر في الشهيد عدم مشروعية نقله من مضجعه إلا لضرورة، كأن يقتل وهو في البحر، ولا توجد جزيرة قريبة بمكان دفنه فيها، أو لا يتمكن المسلمون المجاهدون من دفنه في مكانه لتغلب الأعداء الكافرين عليه، ونحو ذلك، لأن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بردهم إلى مضاجعهم وقد نقلوا إلى المدينة ظاهر في الوجوب فنقل الشهيد غير مشروع، بخلاف الأموات غير الشهداء، فقد رأى بعض العلماء مشروعية ذلك، ففي تحفة الأحوذي: "والظاهر أن نهي النقل مختص بالشهداء، لأنه نقل ابن أبي وقاص من قصره إلى المدينة بحضور جماعة من الصحابة، ولم ينكروا" [تحفة الأحوذي، بشرج جامع الترمذي (5/380)]، وقال الحافظ في فتح الباري: "واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد" [فتح الباري (3/307)].
فقيل يكره، لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته، وقيل يستحب.
والأولى تنزيل ذلك على حالتين: فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح، كالدفن في البقاع الفاضلة، وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم.
والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة، لملة وغيرها والله أعلم" اهـ
ولكن ما جرى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه دفن الميت في مكان موته – في الأغلب – فالأولى عدم النقل.

(92)

التبشير بالنصر والفتح
الطائفة من الناس التي تشترك في بعض الأمور، كالعقيدة – أي عقيدة – أو التجارة، أو الأرض، يُسَرُّ أفرادُها إذا انتصروا على عدو لهم ينافسهم في شيء أو يحاول القضاء عليهم، ويحزنون إذا انهزموا وانتصر عدوهم.
وإذا أفرز جيش منهم لمحاربة ذلك العدو، فإنهم يتطلعون لأخباره ويتابعونها، ويودون أن تأتيهم تباعاً وأولاً بأول، لما في نتائج ذلك من السرور أو الحزن، والبقاء أو الفناء.
بل إنهم ليودون أن ينتصر من هو أقرب إليهم في العقيدة أو الفكر أو غير ذلك على من هو أبعد، ويتطلعون لأخباره كما يتطلعون لأخبار جيشهم.
وكان هذا واضحاً في أول الإسلام بمكة عندما انتصرت فارس، وهم وثنيون على الروم، وهم أهل كتاب، ففرح المشركون بذلك، وأخذوا يفخرون به على المسلمين، لأن أهل فارس والمشركين من العرب أهل أوثان، والروم أهل كتاب، كالمسلمين – في الجملة – وكان المسلمون يحبون أن تنتصر الروم على فارس، لما في ذلك من الإغاظة للمشركين وإنذارهم بأن الغلبة ستكون للمسلمين عليهم من باب أولى، لأنهم أهل الكتاب الحق، فذكر أبو بكر رضي الله عنه ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنهم سيهزمون، فذكر ذلك أبو بكر للمشركين.. فقالوا: أفنجعل بيننا وبينكم أجلاً، فإن غَلَبُوا كان لك كذا، وإن غَلَبْنا كان لنا كذا، فجعلوا بينهم وبينه أجلاً خمس سنين.
قال فمضت فلم يَغْلِبوا-أي الروم- فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أفلا جعلته دون العشر... والبضع ما دون العشر... فَغُلِبَ الروم، ثم غَلَبَت، فذلك قوله: {ألم. غلبت الروم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين. لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله... } [الروم: 1-5].
فقد بشر الله المؤمنين بأمرين:
الأمر الأول: غَلَب الروم على فارس كما مضى.
والأمر الثاني: نصر الله تعالى إياهم الذي سيفرحون به، ولذلك قال سفيان الثوري الذي روى القصة – بسنده إلى ابن عباس – بعد ذكر قوله تعالى: {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} قال: فبلغني أنهم غَلَبُوا يوم بدر.
لذلك كان من السنة أن يبعث المنتصرون بشيراً يبشر المسلمين بالنصر.
وقد بوب البخاري في صحيحه لحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه في قصة هدمه صنم خثعم – ذا الخَلَصة – فقال: "باب البشارة في الفتوح"
وأورد الحديث عن جرير قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تريحني من ذي الخلصة؟ وكان بيتاً فيه خثعم، يسمي كعبة اليمانية فانطلقتُ في خمسين ومائة فارس من أحمس-إلى أن قال-: فأتاها، فحرقها بالنار وكسرها، ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره بذلك، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب قال: فبَرَّك النبي صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات [الحديث رقم 3076، 4357، فتح الباري (6/189، 8/70)].
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: "وقد بعث عليه السلام – أي بعد بدر – بين يديه بشيرين إلى المدينة بالفتح والنصر والظفر على من أشرك بالله وجحده وبه كفر: أحدهما عبد الله بن رواحة إلى أعالي المدينة، والثاني زيد بن حارثة إلى السافلة... قال أسامة: فلما قدم أبي زيد بن حارثة جئته وهو واقف بالمصلى، وقد غشيه الناس، وهو يقول: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وزمعة بن الأسود، وأبو البختري العاصي بن هشام، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، قال قلت: أبه أحق هذا؟ قال: أي والله يا بُنَي [البداية والنهاية (3/3033-304)].
وكانت البشارة بما يسر من الأمور التي يسارع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، بل ويكافئ من بُشِّر بما يسره المُبَشِّرَ على بشارته، وقد بوب البخاري رحمه الله لذلك فقال: "باب ما يعطى البشير" وأشار إلى قصة كعب بن مالك رحمه الله، فقال: "وأعطى كعب بن مالك ثوبين حين بُشِّرَ بالتوبة"
وقصة كعب في الصحيحين وفيها: (فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي، وضاقت بي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفَى على جبل سلع بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، فقال: فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء فرج – إلى أن قال: - فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما) [البخاري رقم: 4418،فتح الباري (8/113) ومسلم (4/2120)].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالبشارة من حيث هي، كما في الصحيحين عن أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذاً إلى اليمن فقال: (يسرا ولا تعسرا وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا) [صحيح البخاري رقم: 3083، فتح الباري (6/191)].

(93)

استقبال المجاهدين والترحيب بهم
ومن حق المجاهدين في سبيل الله على من بقي من المسلمين في البلد أن يستقبلوهم ويرحبوا بهم ويشعروهم بالاحترام والتقدير، لما نالوه من مشقة في سبيل الله تعالى وما واجهوا من التعب والمشقة في الحروب، من الجوع والعطش ومفارقة المضاجع والظلال، ولكونهم أدوا الفرض وأسقطوه عن غيرهم، وهكذا كان السلف يعملون وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بوب لذلك البخاري رحمه الله فقال: "باب استقبال الغزاة" وأورد فيه حديثين: أحدهما حديث السائب بن زيد رضي الله عنه، قال: (ذهبنا نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثنية الوداع) [صحيح البخاري رقم: 3083، فتح الباري (6/191)].
وبينت رواية الترمذي لنفس الحديث أن ذلك كان عند قدومه من غزوة تبوك، وفيه توضيح أكثر للمتلقين (الناس) وهو يدل على كثرتهم وهذا نصه: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك خرج الناس يتلقونه إلى ثنية الوداع، قال السائب: فخرجت مع الناس وأنا غلام) [الترمذي رقم الحديث: 2772، تحفة الأحوذي (5/281)].
وقال ابن القيم رحمه الله: فلمادنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه، وخرج النساء والصبيان والولدان يقلن:
طلع البـدر علينـا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعـا لله داع
وبعض الرواة يَهِمُ في هذا، ويقول: إنما كان عند مقدمه المدينة من مكة، وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام... [زاد المعاد (3/12)].
هكذا كان السلف الصالح يعاملون المجاهدين في سبيل الله، يودعونهم عند سفرهم داعين لهم بالنصر والشهادة، ويكرمونهم عند قدومهم بالاستقبال والترحيب، لأن المقياس عندهم هو سبيل الله.
وكانوا إذا فرت طائفة من الجيش الإسلامي وتركته ورجعت إلى المدينة، بسبب ما رأت تلك الطائفة من كثرة العدو وغلبة ضعفها البشري عن التحمل والثبات، كانوا يستقبلون تلك الطائفة بالتأنيب ويَحثُون التراب عليهم، ويعيرونهم بقولهم لهم: يا فُرَّار فررتم في سبيل الله [السيرة النبوية لابن هشام (2/18) والبداية والنهاية لابن كثير (4/248)].
فهل بقي هذا المقياس للتكريم أو التأنيب عند المسلمين؟
لقد انعكست الأمور وانقلبت الموازين واختلت المقاييس وأصبح الخونة الجبناء الذين يبيعون الدين والأرض والشعوب للأعداء الكافرين، هم موضع التكريم وإذا خضع أحدهم لعدو المسلمين فركع له واستسلم وتآمر على شعبه ودينه وأرضه، ثم رجع إلي ذلك الشعب، رأيت غوغاء الناس وهم يركضون لاستقبال الزعيم والتصفيق له كأنهم قطعان من الحيوان، يهتفون بحياته ويثنون على خطواته، ويلقبونه بألقاب الفاتحين الأبطال، وقليل هم الذين يدركون الخيانة ويعرفون الخونة، فتراهم ينظرون إلى تلك الجموع الضائعة متعجبين مشفقين، يدعون لها بالهداية والإنابة إلى الله.
وهؤلاء القليل مغلبون على أمرهم لا حول لهم ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، محاصرون من كل جانب لا يملكون أن يوصلوا إلى تلك الجموع الضائعة الخاسرة كلمة الحق عن طريق أقل وسيلة للإعلام، وإذا تجرءوا فقالوا كلمة حق بأي وسيلة اتهموا بالشذوذ والتآمر على مصالح الشعب والخروج عن الصف، وقيل فيهم ما قال أعداء الله من قبل في ذوي الصلاح والهدى والدعوة إلى الله بأنهم خارجون على النظام مفسدون، يريدون القضاء على مكاسب الشعب التي حققها له القادة الأبطال: {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما، ويذهبان بطريقتكم المُثْلى} [طه:63].
وبمقدار ما تُسلط أجهزة الإعلام على أولئك الصالحين لتصفهم بكل أوصاف الذم حتى يظهروا أمام الجموع الضائعة بمظهر الشذاذ المفسدين الذين يجب نبذهم وعدم الإصغاء إلى آرائهم، بمقدار ذلك أو أكثر تكيل تلك الأجهزة المديح والثناء للأبطال المتآمرين حتى يصبحوا هم الملائكة الأبرار، الذين لا يريدون إلا الحق ولا يسلكون إلا سبيل الهداية والرشد، فيرتسم في أذهان الغوغاء أن هؤلاء الضالين المفسدين هم الهداة المهتدون، وأن أولئك المجاهدين – فعلاً – الأبرار، هم أهل الغواية والضلال.
وقد سبق هؤلاء الذين يقلبون الحقائق، فيظهرون الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق، سبقهم إخوانهم الذين سجل التاريخ عليهم كل تصرفاتهم، فلحقتهم لعائن الله في الأرض وتنتظرهم نقمته في الآخرة.
{وقال فرعون ذروني أقتلْ موسى ولْيَدْعُ ربَّه، إني أخاف أن يبدِّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} [غافر: 26].
قال فرعون {ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرَّشاد} [غافر: 29]
وليت الأمر يفق عند هذا الحد فقط، ولا يتعداه إلى التعذيب والإهانة والقتل والتشريد، وسيأتي مزيد بيان لهذا في الباب الثالث إنشاء الله عند الكلام على الابتلاء وأنواعه.
وممن ينالون التكريم والتعظيم أولئك العجول البشرية، الذين لا يذكرون الله إلا قليلا، بل ربما لو سألت الكثير منهم عن جهة القبلة ما دلك عليها، لعدم اتجاهه إليها، أولئك هم نجوم الرياضة وأبطالها الذين أصبحوا شغل الناس الشاغل قبل المباراة بالإعلانات عنها في جميع أجهزة الإعلام، وفي وقت المباراة بمراقبتها وتحمس كل طائفة لفريق منها، وبعد المباراة بالحديث عن البطولة والنصر، ورفع بيارق النصر والرقص في الشوارع والتصفيق وإزعاج الناس بأبواق السيارات وترديد علم المنتصر الذي يعرف به.
ومما يؤسف له أن يطلق على تلك الفرق أسماء غزوات كانت غرة في جبين التاريخ حقق المسلمون فيها انتصارات رائعة على أعدائهم، والآن تطلق على فرق عمد إلى إلهائها باللعب وتلهية الناس بها، حتى أصبحت مثل ثيران أسبانيا تتصارع ليتلهى بها الجمهور [راجع على سبيل المثال جريدة المدينة المنورة، عدد (4620) الصادرة بتاريخ 23 رجب سنة 1399هـ وعدد (4258) بتاريخ 11 رجب سنة 1399هـ وعدد (4615) بتاريخ 17 رجب سنة 1399 هـ].
وهكذا تجد التكريم والتعظيم للراقصات والمومسات اللاتي تتألق أسماؤهن وأشباههن من الرجال، ويلقبون بالألقاب الرفيعة: النجوم، الرواد العظماء، المبتكرون... وتفتح لهم أبواب الظهور، حتى يصبحوا أئمة الشعوب وقادتها في تحطيم الأخلاق والمعنويات والقضاء على الرجولة الشرف، وهكذا.
والسبب في ذلك أن المقياس عند عامة الناس انقلب من سبيل الله إلى سبيل الشيطان، فكان السلف يكرم أهل سبيل الله لأنه المقياس عندهم، وأصبح المنتسبون إلى الإسلام الآن يكرمون أهل سبيل الشيطان لأنه المقياس عندهم.

(94)

إشعار قادة البلاد المفتوحة بالتكريم
تأليفاً لقلوبهم
وينبغي أن يشعر المجاهدون في سبيل الله، أهلَ البلاد التي يتغلبون عليها ويفتحونها، بأنهم لم يفتحوا بلادهم ليذلوهم ويهينوهم، وإنما جاهدوهم لإعلاء كلمة الله تعال،ى وفي ذلك بركة وخير لهم، ومظهر ذلك تكريم بعض قادة البلاد، بأي نوع من أنواع التكريم التي تجعلهم يطمئنون للفاتحين ويألفونهم ويرحبون بهم، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة، فإنه أشعر أهلها بأنه لم يأت للقضاء عليهم وتدمير بيوتهم، على رغم ما مما عملوه معه صلى الله عليه وسلم ومع أصحابه قبل الهجرة، من الإيذاء والفتنة والتآمر، لذلك أمر صلى الله عليه وسلم أن ينادى في القوم أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن [مسلم (3/1480) رقم الحديث: 1780].
وفي رواية: فقال أبو سفيان: أَدارِي؟ فقال النبي صلى اله عليه وسلم: (نعم) [المصنف (5/376) رقم الحديث: 9739].
وفي أخرى، فقال له – أي للرسول صلى الله عليه وسلم –: يا رسول الله إن أبا سفيان رحل يحب هذا الفخر، فلو جعلت له شيئاً قال: (نعم. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق على نفسه الباب فهو آمن) [أبو داود (3/416) رقم الحديث: 3021، وانظر المبسوط للسرخسي (10/38)].
وأنت ترى أن هذا الأمر الذي أعطاه صلى الله عليه وسلم أبا سفيان، لا يختلف عن أي دار في مكة، لأن من دخل داره أو دار غيره وأغلق الباب مشيراً بذلك إلى عدم مقاومة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهو آمن، ولكن ذكر أبي سفيان باسمه في ذلك الموقف طيَّب نفسَه، وجعله يتعجب ويستفهم: أداري، أداري؟ ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعطه هذا الحق إلا بعد أن أسلم، كما في رواية أبي داود: (فأسلم بمر الظهران، فقال العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر...) الخ.
ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عزم على قتل بعض المشركين وعدم تأمينهم والعفو عنهم، وخشي أن يدخلوا في لفظه العام في قوله: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن...) استثناهم وأمر بقتلهم، وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة وهم: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن أبي السرح، فأما عبد الله بن خطل، فأُدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فقتل، وأما مقيس بن صبابة فأدركوه وهو في السوق فقتلوه أيضاً، وأما عكرمة فقد فر في سفينة في البحر، ثم أسلم بعد ذلك فحسن إسلامه، وأما عبد الله بن أبي السرح، فقد اختبأ عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة، جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه النبي أن يبايعه وهو ينظر إليه ولم يبايعه ثلاث مرات، وفي الرابعة بايعه وهو غير راض عنه، ثم أقبل صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقال: (ما كان منكم رجل شديد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله) قالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ قال: (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) [انظر مضمون هذه القصة في صحيح البخاري رقم: 4286، فتح الباري (8/15)، وصحيح مسلم (2/989) رقم: 1357، وسنن أبي داود (3/134) رقم: 2685، وجامع الأصول (8/373) وما بعدها رقم: 6148، 6149، والمبسوط (10/38-39)].

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل