بسم الله الرحمن الرحيم

بعض آداب الجهاد العامة ( 95 -96)

(95)

الفرع الرابع : بعض آداب الجهاد العامة
سبق الكلام على بعض آداب الجهاد قبل المعركة –غالبا- وفي أثنائها، وبعدها.
وهذه بعض الآداب التي لا وقت لها، إذ يجوز أن تكون قبل الحرب، ويجوز أن تكون أثناءها، ويجوز أن تكون بعدها.
عدم قتل الرسل
الناس – كل الناس – مهما حصل بينهم من نزاع، أو حروب، لا بد أن يحتاج بعضهم للاتصال بالآخرين، للتفاوض معهم، أو عرض تنازل، لعدم قدرتهم على الاستمرار في المقاطعة أو الحرب أو غير ذلك.
والمسلمون أهل حق ودعوة إلى ذلك الحق، وهم حريصون على إيصال ذلك الحق إلى الناس كلهم بالوسائل السلمية، ولا يلجأون إلى القتال إلا مضطرين، عندما يقف أعداء دعوتهم في طريقها لصد الناس عنها، والْحَوْل بين الدعاة إلى الله وبين الناس، أو عندما لا ينصاعون لحكم الله تعالى بأن يدخلوا في دين الله أو يؤدوا الجزية وهم صاغرون، هنالك يكون آخر الدواء الكي، إذ على المسلمين أن يحملوا السلاح لتأديب أعداء الله، وفي هذه الحال قد يبدو للمحاربين رأي في الأمر، فيحتاجون إلى الاتصال بالمجاهدين في سبيل الله، فيرسلون منهم من يبلغ أمرهم إلى المسلمين، وهم الذين يسمون بالرسل، فإذا جاء رسول أو أكثر من المحاربين إلى المسلمين، فإنه يكون آمناً على نفسه وماله فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يتعدى عليه حتى يبلغ رسالته ويغادر آخر جزء من بلاد المسلمين.
وهذا الأدب السماوي العظيم جاء في السنة النبوية قولاً وفعلاً، وطبقه بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابُه في كل البلدان التي جاهدوا فيها لرفع راية الإسلام.
كما في حديث نعيم بن مسعود الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ كتاب مسيلمة الكذاب، قال للرسولين: (فما تقولان أنتما؟) قالا نقول كما قال، فقال صلى الله عليه وسلم: (لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما) [أحمد في المسند (3/487) أبو داود (3/191) رقم الحديث: 2761، وانظر نيل الأوطار (8/34) وقال في عون المعبود: "فيه دليل على تحريم قتل الرسل الواصلين من الكفار، وإن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام، والحديث سكت عليه المنذري [عون المعبود 7/442]" وانظر قصة رسول قيصر إلى رسول صلى الله عليه وسلم، وهو في تبوك في البداية والنهاية" (5/15)]، قال ابن قدامة: "ويجوز عقد الأمان للرسول، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمن رسل المشركين، ولما جاء رسول مسيلمة قال لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك، فإننا لو قتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا، فتفوت مصلحة المراسلة" [المغني (9/244)].
وكان صلى الله عليه وسلم يشتد غيظه إذا قتل الأعداء أحد رسله، فقد بعث الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، فقتله... فاشتد ذلك عليه، وكان ذلك هو السبب في غزوة مؤتة [انظر الطبقات الكبرى لابن سعد (2/128) وفتح الباري (7/511)].

(96)

تأمين من طلب من المحاربين سماع كلام الله وتعلم معنى الإسلام
وإذا طلب بعض المحاربين الكافرين الإذن له بدخول دار الإسلام أو مقابلة من يعلمه الإسلام من المجاهدين، فإن على المسلمين أن يؤمنوا من طلب ذلك ويسمعوهم كلام الله، ويشرحوا لهم معاني الإسلام ويرغبوهم فيه، ويحذروهم من محاربته لأن ذلك هو المقصود الأساس للمجاهدين، فإذا فعلوا ذلك فعليهم أن يوصلوه إلى المكان الذي يأمن فيه على نفسه، بأن يحموه من أي اعتداء عليه في بلاد الإسلام، أو في معسكر المسلمين المجاهدين، كما قال تعالى: {وإنْ أحدٌ من المشركين استجارك فأَجِرْه حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه مأمنه} [التوبة: 6].
قال ابن قدامة: "ومن طلب الأمان ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام، وجب أن يعطاه، ثم يرد إلى مأمنه، لا نعلم في هذا خلافاً، وبه قال قتادة ومكحول والأوزاعي والشافعي، وكتب عمر بن عبد العزيز بذلك إلى الناس، لقوله تعالى: {وإنْ أحدٌ من المشركين استجارك فاَجِرْه حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه مأمنه}.
ولكن يجب على المسلمين الحذر من أن يكون إنما فعل ذلك ليتجسس عليهم، فيجب أن لا يمكن من معرفة شيء من أسرارهم التي لو اطلع عليها العدو لاستفاد منها" [المغني (9/44)].

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل