بسم الله الرحمن الرحيم

العاقبة وخيمة والصمت جريمة!


لقد ترددتُ كثيرا في كتابة هذا الموضوع، ظنا مني أن المصلحة الراجحة تقتضي تأجيله، وأن مفسدة تأجيله أقل من مفسدة تعجيله، تلك المصلحة الراجحة هي وقوف المسلمين على ما بين طوائفهم من خلاف شديد قد يصل ببعضهم إلى تكفير بعض، وتلك المفسدة العظمى هي السعي في زيادة أسباب الشقاق والنزاع المؤديين إلى مزيد من الفشل، ومنح أعداء الإسلام والمسلمين مزيدا من الفرص التي تتيح لهم الاستمرار في العدوان والظلم، ذلك هو سبب التردد، وليس لشك في أن الكتابة في الموضوع حق، وأن بيان الحق واجب.

ولشدة حرصي على تعاون العراقيين كلهم سنيهم وشيعيهم، وكرديهم وتركيهم، ومسلمهم ومسيحيهم على ما يعود عليهم جميعا بالخير ويدفع عنهم الشر، كتبت موضوعا عند سقوط بغداد، بعنوان: " وبقي العراق!"

http://www.al-rawdah.net/r.php?show=home&sub0=allbooks&sub1=a5_hadath&p=22

ولكن المصلحة التي كانت راجحة أصبحت عندي مرجوحة، يجب اطراحها، والمفسدة العظمى التي كانت عندي راجحة، أصبحت مرجوحة يجب ارتكابها، والحق أحق أن يتبع، وبيان الحق عند الحاجة واجب لا يجوز تأخيره لغير ضرورة، بل الضرورة هنا تقتضي تعجيل بيانه.

فما هو هذا الموضوع الذي حصل التردد في الكتابة فيه؟ ولما ذا انقلبت المصلحة والمفسدة الراجحتان مرجوحتين، فزال بذلك التردد في الكتابة وترجح الإقدام عليها؟

الموضوع بصراحة ودون مجاملة هو تواطؤ عامة الشيعة في العراق وخارج العراق على محاربة أهل السنة وإذلالهم، وكسر شوكتهم، وإقامة دولة عراقية تكون الهيمنة فيها للشيعة، الذين تدل القرائن على أنهم سيضطهدون أهل السنة، كما اضطهدوا في في دولة مجاورة، سبق أن قامت لهم فيها دولة.

وأنبه قبل البدء في ذكر الأسباب التي دفعتني للكتابة في هذا الموضوع، إلى أربعة أمور:

الأمر الأول: أن الشيعة ينالون دعما ماديا ومعنويا قويا، ليس لأهل السنة أقل القليل منه:

دعم من حكومة شيعية قوية، هي إيران.

ودعم من مرجعياتهم ذات الكلمة النافذة التي يسمعون لها ويطيعون دون تلكؤ أو سؤال، ولهذا تكون لها كلمة الفصل عندما يحصل بينهم خلاف.

ودعم مالي مستمر وكبير، وهو الخمس الذي يدفعه كل فرد منهم، بحسب ما يملك...

ودعم عسكري معد ينتظر اللحظة المناسبة التي يظهر فيها جيش بدر وأسلحته الثقيلة التي نقلها من إيران بعد سقوط بغداد... وتشير التعليقات والأخبار أن زعماء هذا الجيش مرشحون لحكم العراق، بتخطيط صامت بينهم وبين الاحتلال الأمريكي، ودعم من المراجع الشيعية القوية في العراق.

http://www.alwatan.com.sa/daily/2004-10-22/politics/politics02.htm

ودعم أمريكي بريطاني، يظهر في الاتجاه الذي ساروا عليه منذ سقوط بغداد إلى الآن...

الأمر الثاني: أن أهل السنة في العراق مضطرون إلى إظهار المداراة للشيعة بعدم إظهار الشكوى من تحيزهم وتعاونهم مع المحتلين الأمريكان، اتقاء لمزيد من الظلم والاضطهاد، وحرصا على ما أمكن من رأب الصدع والتعاون ضد المعتدي...

الأمر الثالث: أن الحكومات المجاورة للعراق، لها وضعها الخاص في ظروف سياسية وعسكرية يفرض عليها اتباع الدبلوماسية المعتادة، التي لا تتيح لها التدخل في موضوع الطائفية، ولهذا يجب على العلماء والمفكرين بيان الواقع والتحذير من عواقبه.

الأمر الرابع: أن زعماء الأكراد يلتقون مع زعماء الشيعة في الوقوف ضد المقاومة الجهادية التي غالب من يقوم بها هم أهل السنة، فزعماء الأكراد والشيعة والمحتل الأمريكي كلهم متفقون على القضاء على المقاومة، وإن زعموا كلهم أن الذين يقومون بالوقوف ضد الاحتلال، هم إرهابيون أجانب.

ومن هنا يبدو خذلان أهل السنة وتعاونهم جميعا ضدهم، مع العلم أن غالب الشعب الكردي هم من أهل السنة، والذين يتعاطفون من الأكراد مع إخوانهم المجاهدين السنة، يحاربهم الأمريكان والشيعة والأكراد جميعا، ونحن لا قدرة لنا على نصر مادي لإخواننا أهل السنة المظلومين من جميع تلك الجهات، ولكن يجب أن ننصرهم بكلمة الحق التي لا يجوز لنا السكوت عنها: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)

ما سبب ترجيح الكتابة في الموضوع؟

وإنما انقلبت كل من المصلحة والمفسدة الراجحتين إلى مرجوحتين عندي، للأسباب الآتية:

السبب الأول: تاريخي تجلى في العراق نفسه، عندما تواطأ ابن العلقمي الرافضي مع قادة التتار على أهل السنة، وقصتهم معروفة مسطرة في مصادر التاريخ…

السبب الثاني: أن الذين نقلتهم الدبابات الأمريكية ومكنتهم من السلطة المؤقتة، هم من الشيعة الذين استضافتهم الاستخبارات الأمريكية [C.I.A] .

السبب الثالث: أن الشيعة والمحتلين الأمريكان، صرحوا جميعا عندما سقطت بغداد أن الشيعة هم الأغلبية في العراق، ولا زالوا يكررون ذلك ليقنعوا الناس بنتيجة الانتخابات التي سيجرونها في ظل الاحتلال الأمريكي، وفي الوقت الذي لا تكف القوات الأمريكية عن عدوانها على مناطق أهل السنة كما سيأتي، وهذه دعوى تحتاج إلى تمحيص.

فهناك من يرى أن أهل السنة هم الأغلبية وليس العكس، وبخاصة أن غالب الأكراد هم من السنة، يضاف إلى ذلك أن أعدادا كثيرة من العراقيين يعيشون في خارج العراق، ولا يوجد إحصاء يعتمد عليه في ذلك، والأصل في مثل هذه الدعاوى إثباتها بالإحصاء الذي تيسرت سبله في هذا العصر، ولا يصدق من يدعي الأغلبية بدون برهان...

السبب الرابع: الصمت المطبق من المرجعية الشيعية على ما يجري من قتل أهل السنة رجالا ونساء وأطفالا، ومن تهديم قراهم ومدنهم بالقصف المستمر من الجو والبر، بل هدم مساجدهم في نهار شهر رمضان ولياليه و، وهم يتلون كتاب الله من مآذنها، ويكبرون ويهللون ويبتهلون إلى الله ليدفع عنهم ما هم فيه من الأذى والفتنة، دون أن يجدوا من ينكر ذلك باللسان من تلك المراجع...مع أن المرجع المشهور "السستاني" غادر سريره الأبيض من لندن لينهي الأزمة التي كانت شيعية في كربلاء...

ومعلوم ما قام به أهل السنة من تأييد معنوي ومادي لجماعة الصدر، في كربلاء عندما حصلت المعركة بينه وبين المحتلين الأمريكان...

السبب الخامس: الصمت الإيراني الرسمي المطبق على ما يجري في المناطق السنية من تدمير، بخلاف موقفهم مما يجري في كربلاء ومدينة الصدر وكل ما يحدث في المناطق الشيعية...

السبب السادس: الصمت المطبق من زعماء بعض أحزاب الشيعة في بلدان عربية عرفوا بإلقاء البيانات الحماسية في المناسبات المشابهة لما يعانيه أهل السنة في العراق، وبخاصة الفلوجة والقرى المجاورة لها، صمت مطبق على ما يجري في في تلك المناطق، وقد كانت لهم صولات وجولات عندما كانت أمريكا تقصف جماعة الصدر في مدينة النجف...!

السبب السابع: تهديد الحكومة المؤقتة لأهل السنة بالتدمير إذا لم يستسلموا ويسلموا من يسمونهم بالإرهابيين الأجانب الذين يدعون وجودهم في تلك المناطق المجاهدة للاحتلال، واستعداء القوات الأمريكية لتنفيذ ذلك التهديد الذي تنقل بعض مآسيه القنوات الفضائية...

السبب الثامن: إصرار كل من المحتل الأمريكي والحكومة المؤقتة والمرجعية الشيعية، على إجراء الانتخابات في وقتها المحدد، في مطلع العام الجديد 2005 ولو حرم من المشاركة في تلك الانتخابات المجاهدون الذين يقاومون الاحتلال، بحجة أن المصلحة العامة تقتضي إجراء تلك الانتخابات، تحت أزيز الطائرات الحربية وطائرات الهيلوكبتر، وهدير الدبابات وقصف الصواريخ الأمريكية...

السبب التاسع: استعداد علماء أهل السنة وزعمائها للتفاوض مع القوات الأمريكية والحكومة المؤقتة، لعقد هدنة بشروط يتفق عليها الجميع، وقد نفذ أهل السنة ما اتفقوا عليه في بعض تلك المفاوضات، ولكن الطرف الآخر لم يرق له الاستمرار على تلك الهدنة، ما لم يستسلم لهم المجاهدون استسلاما كاملا، يخضعون فيه للمحتل ويسمعون ويطيعون لحكومة نصبها المحتل نفسه...وكلما كادوا يتفقون على هدنة بادرتهم القوات الأمريكية بالقصف والتدمير...

السبب العاشر: اعتقال القوات الأمريكية لأئمة مساجد أهل السنة وزعمائهم، ومنهم الزعماء الذين تولوا المفاوضة عن أهل الفلوجة وغيرها، لإجبارهم على الرضا بالاحتلال والإهانات التي يقومون بها ضد المقاومين لعدوانهم...

السبب الحادي عشر: انتشار الفضائيات الشيعية في العراق بسرعة مذهلة، والذي يتتبعها وبخاصة الفضائية المسماة بـ(الفيحاء) يظهر له الإمكانات المادية الهائلة التي تمولها، والكفاءات التي تديرها، والبرامج التي تنشرها، والأصوات التي ترتفع فيها، تجأر بشكوى الشيعة من الظلم والاضطهاد الذي نالهم من النظام السابق، وتحرض على المقاومين للاحتلال (أهل السنة) وتصفهم بأنهم كانوا يسمعون ويطيعون لرئيس النظام السابق، على أساس وجوب طاعة ولي الأمر، ثم هم اليوم يقاومون ولاة الأمر (الحكام الذين نصبهم الاحتلال)

وكأنَّ النظام السابق لم يضطهد إلا الشيعة وحدهم، ناسين ما حصل لعلماء أهل السنة من قتل وتشريد وسجن واعتقال...

السبب الثاني عشر: ما ظهر في أحداث صعدة اليمنية التي تزعمها الحوثي الإثني عشري الإمامي الجارودي، الذي يعتقد هو وأتباعه كفر كافة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما عدا قليلا منهم يعدون على الأصابع، ويرى أن كل الكوارث التي حصلت على الأمة الإسلامية، منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الآن، سببها اغتصاب أبي بكر وعمر وعثمان للخلافة التي لم يكن يستحقها غير علي رضي الله عنهم أجمعين.

واتضح أنه كان يسعى لإسقاط الجمهورية اليمنية، وإقامة الإمامة الإثني عشرية مقامها، على ضوء الثورة الإيرانية، وكان ذلك بدعم شيعي رسمي خارجي وشعبي وحزبي داخلي وخارجي، مادي ومعنوي في كل من إيران وبعض البلدان العربية...

ولقد تجلى ذلك الدعم في الإمكانات المادية الهائلة، التي مكنته من الوقوف أمام الجيش اليمني ما يقارب ثلاثة أشهر، وقد انتشر مذهبه وتنظيمه في كثير من المحافظات اليمنية، وأنشأ فيها المدارس والمعاهد والمراكز وعبأ الشباب الذي سماه الشباب المؤمن تعبئة روحية وقتالية جعلهم يستميتون دونه ودون أفكاره...

ما واجب أهل السنة في العالم تجاه إخوانهم في العراق؟

إذا كانت تلك هي حال إخواننا السنة في العراق، وإذا كان ظلمهم واضحا من قبل تلك الفئات كلها، وإذا كان مستقبلهم في خطر شديد، فما الذي يجب على إخوانهم السنة في العالم؟

إن نصر المظلوم واجب في جميع الشرائع والقوانين الدولية، ويختلف النصر باختلاف القدرة، فالقادر على نصر المظلوم بيده يجب عليه النصر باليد، والقادر على النصر باللسان والقلم يجب عليه النصر باللسان والقلم، والقادر على النصر بالطرق السياسية والدبلوماسية، وجب عليه النصر بذلك.

ونحن نعلم في هذه الظروف العصيبة التي أحاطت بهذه الأمة أن النصر باليد يمكن أن يقوم به القادرون عليه من أهل العراق، كما أنهم يستطيعون النصر باللسان وبالمال والإيواء والعلاج....

أما المسلمون خارج العراق، فقدرة شعوبهم وعلمائهم وكتابهم ومفكريهم، تنحصر في إنكار ما يقوم به المحتلون وأعوانهم من قتل وتدمير وسجن واعتقال باللسان، كما أنهم قادرون على نصرهم بالمال الذي يوفر لهم الطعام والشراب والدواء وكل ما يمكنهم بالدفاع عن أنفسهم...

وقدرة حكامهم في اتخاذ الوسائل السياسية والدبلوماسية، مع الحكومة العراقية والمحتلين الأمريكان والبريطانيين ودفع المؤسسات الخيرية في مد يد العون لهم بكل ما تقدر عليه...

وقدرة جمعيات حقوق الإنسان في إظهار المآسي التي ينزلها المحتلون بالمسلمين، وإنكار ذلك في وسائل الإعلام وفي المنابر العالمية...

وقدرة أجهزة الإعلام في متابعة ما يجري من الظلم وتصويره أولا بأول، واستضافة المحللين السياسيين والمفكرين والعلماء وكل من يمكن أن يسهم في إظهار ظلم الظالمين وعدوانهم، ونشر ذلك باللغات العالمية في الشرق والغرب، ليطلع العالم على ما يقوم به دعاة حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية... فإن الشعوب الغربية إذا بلغها ذلك كله بالتفصيل صوتا بلغتهم وصورة مؤثرة، ستكون لهم مواقف من حكوماتهم...

وإذا تخاذل أهل السنة عن نصر إخوانهم في العراق، فيخشى أن يأتي اليوم الذي ينالهم ما نالهم، فيندمون ولات ساعة مندم.

((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)) [الأنفال]

وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ]

وفي حديث أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال انصر أخاك ظالما أو مظلوما) قلت: يا رسول الله هذا نصرته مظلوما، فكيف أنصره ظالما؟ قال صلى الله عليه وسلم: (تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه) البخاري وغيره
 

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

الصفحة الرئيسة    |    صفحة الشيخ