بسم الله الرحمن الرحيم

والله لأرمين بها بين أكتافكم!


استعرت هذا العنوان من الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، وقد قال هذه العبارة، بعد أن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره) كما في صحيحي البخاري ومسلم
والحديث يدل على مشروعية تعاون الجيران فيما بينهم، بحيث يقضي بعضهم حاجة بعض، وقد كان الخشب هو مادة البناء- ولازال في كثير من البلدان، وقد يحتاج الجار أن يضع طرف خشبته على جدار جاره، فحث الرسول صلى الله عليه وسلم الجيران على ألاّ يمنع بعضهم بعضا من ذلك.
ويبدو أن أبا هريرة رضي الله عنه، رأى من بعض الجيران عدم الاستجابة للعمل بهذا التوجيه النبوي ، فقال : " مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم" والظاهر أنه يريد الصدع بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أعرض عنها بعض الناس.

ويؤخذ من هذا – ومن غيره من نصوص القرآن والسنة-أن الواجب الصدع بالحق وعدم السكوت عنه.
وإني لأعرف قدر نفسي، وأعلم أنني اقل من أن أظهر نفسي ناصحا للعلماء، فأنا أكثر حاجة إلى نصحهم، من حاجتهم إلى نصحي، ولكن الله تعالى قد كلفنا نصح بعضنا لبعض، وحصر الرسول صلى الله عليه وسلم الدين في النصيحة، فقال: (الدين النصيحة) وهذا ما يسوغ لقليل العلم والمعرفة نصحه لكثيرهما.
يا علماء الأمة الإسلامية!
لقد كلف الله رسوله صلى الله عليه وسلم القيام بالبلاغ المبين، وجعله وظيفته الرئيسة، وقال له: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}.
وقد قام بذلك صلى الله عليه وسلم خير قيام، إلى أن أشهد الأمة على قيامه بذلك في حجة الوداع: (ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد!) بعد أن تلقى من ربه قوله جل وعز:{اليوم أكملت لكم دينكم ورضيت لكم الإسلام دين}
لقد قام صلى الله عليه وسلم بالبلاغ المبين، متخذا لذلك كل وسيلة أتيحت له:
1- الاتصال الفردي المباشر.
2- إتيان الناس في تجمعاتهم ودعوته لهم
3- قصد مخيمات الحجيج.
3- قصد الأسواق والقرى
4- الصعود على الجبل ليسمع الناس بلاغه.
5- بعث رسله ودعاته.
6- بعث كتبه إلى الزعماء.
7- ركوب كل مركوب وجده: حمار، ناقة، بغلة، حصان...
8-الغزوات والسرايا....
لم يبق صلى الله وسلم أي وسيلة أتيحت له إلا اتخذها لتبليغ رسالة الله.

وإننا إذا أنعمنا النظر في وسائل دعوة الأنبياء الذين سبقوا الرسول صلى الله عليه وسلم، في حياتهم وبعد مماتهم، ووسائل الدعوة التي وجدت بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم على يومنا هذا، لوجدنا أن الوسائل التي وجدت للرسالة الخاتمة لم توجد لدعوة أي رسول، وذلك هو الذي تقتضيه حكمة الله تعالى، لأن دعوات الرسل السابقين، كانت خاصة بأقوامهم، وتنتهي بانتهاء حياتهم، ثم يبعث الله رسلا آخرين.
أما رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم، فهي دعوة لا تخص أمة دون أمة، ولا مكانا دون مكان، ولا زمنا دون زمن، بل هي ممتدة لجميع الأمم، وفي كل الأزمان، وفي سائر أرض الله.
لهذا كانت جديرة بإيجاد وسائل تناسبها، لتصل على مل الناس، في كل زمان وكل مكان.
(1)
ولهذا تعددت وسائل البلاغ المبين، وبخاصة في هذا العصر، الذي قرب الله فيه الزمان والمكان والصوت والصورة، حتى أصبح زائر أي كوكب في السماء، قادرا أن يرى من يتحرك على الأرض ويسمع صوته، والعكس صحيح.

يا علماء الإسلام! المذياع والهاتف صوتا ، والتلفاز صوتا وصورة، والمواصلات: سيارات، طائرات، بواخر... تستطيعون أن تخاطبوا الناس وأنتم في بلادكم خطابا مباشرا، في كل أنحاء الأرض، لتقيموا عليهم حجة الله تعالى، وتخرجوا من مغبة كتمان ما أنزل الله في كتابه وبلغه رسوله صلى الله عليه وسلم.
وتستطيعون أن تنتقلوا إليهم بوسائل المواصلات في زمن يسير دون تعب يذكر.

واليوم يا علماء الإسلام! تستطيعون أن تخاطبوا الناس من غرف نومكم عن طريق وسيلة سهلة سريعة ميسرة، وهي الشبكة العالمية(الإنترنت) التي يصول فيها ذوو الأفكار المتنوعة ويجولون، ويؤمها الناس في كل أنحاء الأرض: شبابا وشيبا، نساء ورجالا، مسلمين وغير مسلمين، علماء وجهالا.
وكل شخص أو جماعة تعرض ما عندها، حتى أصبحت سوق حراج للأفكار، كما هي سوق حراج للبضائع والنقود والعقارات.

وكم من الشباب المسلم يا علماءنا الأفاضل، يؤم هذا السوق ويجود بوقته فيه ما لا يجود به في غيره، ويطلع فيه على الغث والسمين، والإيمان والكفر، والخلق الحسين والخلق السيئ.
وكثير من شبابكم يا علماءنا الأفاضل! يتصارعون في المواقع بأفكار وعقائد، كما تتصارع الثيران في أسبانيا، هذا يكفر ذلك، وذلك يفسق هذا، مع جهل شديد بحقائق الإسلام، وتعالم وغرور! ولو وجدوا علماءهم قريبين منهم يتابعون حواراتهم ويسددونهم بالدليل والحكمة واللين، لاستفاد الجميع، وخفت الحدة، وقويت الأخوة الإسلامية.

يا علماءنا الأفاضل! ألا ترون أنه عيب كل العيب، أن يهيئ الله لنا من الوسائل ما يمكننا به نشر الإسلام، وإيصال الحق إلى كل الناس، ثم نتخلف عن اتخاذ ذلك ويتقدم غيرنا؟!
لقد ظهر المذياع فتأخرنا عن استغلاله، واستغله أعداؤنا، حتى مضى وقت غير يسير، وأخذنا نحاول استدراك ما فات.
وظهر التلفاز، فوقف كثير منا موقف المعارض له، حتى استغل في غالب البلدان الإسلامية في معصية الله، ثم أخذنا نهرول لنتدارك ما فات.
وهذه الفضائيات يتحلق حولها العالم، ومنهم أبناؤنا ، ليستقوا منها ما يبث أيا كان.
واليوم هذه هي الشبكة العالمية، جامعة مفتوحة للعالم، ونحن متأخرون عنها، ونعتذر عن استغلالها بأعذار واهية، لا تنفعنا حجةً عند لقاء ربنا.
فمنا من يقول: تضيع الوقت!
ومنا من يقول: يصعب علينا تعلمها!
ومنا من يقولك: نخشى على أبنائنا من شرها!
إلى غير ذلك من أعذار العجز وضعف الإرادة التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال(احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)
فليس في إيصال الخير وتسديد الناس وإصلاحهم وأنت في منزلك ضياع وقت.
وليس في تعلم العمل على الحاسب والإنترنت صعوبة، لو تمت الإرادة، ويمكنني أن أتعلم على يد ولدي في منزلي، أو استغلال هذه الوسيلة عن طريق أولادنا، أو استئجار من يمكن أن يساعدنا.
أما الأولاد فالأولى أن نشرف عليهم نحن، بدلا من تسربهم إلى مقاهي الإنترنت بعيدين عنا، فقد كنا نقول ذلك عندما ظهر التلفاز، ولم يصن أولادنا ذلك عما كنا نحذر.
واسمحوا لي يا علماءنا الأفاضل! أن أقول لكم : والله لأرمين بها بين أكتافكم!
====================
(1) قد يقال: إن الله سخر لسليمان عليه السلام الريح والطير والجن...
والجواب أن ذلك من تسخير الله له وانتهى ذلك التسخير بموته، ولم يكن في وسع الناس عمل ذلك، أما الآن فإننا نستطيع عمل ذلك بأنفسنا، وهذا هو الفرق.
 

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل