بسم الله الرحمن الرحيم

قواعد الثبات على الحق


كنت قلت في آخر موضوع: هديتي لحماس: [-وأساس كل نشاطا ناجح في علاقات سلمية أو حربية، هو تقوى الله تعالى والتوكل على الله والاعتماد عليه والصدق معه، واللجوء إليه في الشدة والرخاء، ولهذا البند موضوع آخر يأتي في وقته بإذن الله.]
http://www.saaid.net/Doat/ahdal/141.htm 

وفي هذا الموضوع محاولة لبيان بعض تلك القواعد:
إن الرسول صلى الله عليه وسلم، هو قدوة المسلمين فرادى وجماعات ودولا، ومن أهم ما يجب أن يقتدوا به فيه ثباته صلى الله عليه وسلم على الحق الذي شرعه الله له، من أول بعثته إلى أن التحق بالرفيق الأعلى.
فقد بعثه الله تعالى في مكة، ومكث فترة من الزمن وحيدا، و كان هو والقلة التي آمنت به يؤذن أشد الأذى، ويمتحنون أشد الامتحان.
ولا حاجة إلى سوق الأمثلة لما ابتلاه الله به هو وأصحابَه إهداؤهم المشركون، لأن ذلك كله مفصل في سيرته الطاهرة صلى الله عليه وسلم، وفي هجرة أصحابه للحبشة وهجرتهم معه إلى المدينة، ليعبدوا الله فيها أحرارا من الظلم والاضطهاد والفتنة، مثال لذلك، وما قام في الأرض داع إلى الله بصدق من رسول أو تابع لمنهجه إلا أوذي وامتحن.

والذي نريد التنبيه عليه من كل ذلك ما وجه الله به رسوله ومن اتبعه في الدعوة إليه من أسس للثبات على تلك الدعوة وقواعدها التي تعينهم على ذلك الثبات، مهما عظمت المحن واشتدت الفتن، وهي تتلخص – بعد الإيمان الصادق، واليقين القوي – في القواعد الآتية:
القاعدة الأولى: الصبر الدائم الذي لا انفصال بينه وبين صاحب الدعوة إلى الله: ويمكن لمن أراد الاطلاع على نصوص هذه القاعدة من القرآن والسنة، أن يفتح مصحفه ويتتبع مادة الصبر، فعلا ماضيا، ومضارعا وأمرا، ومصدرا، واسم فاعل للمذكر والمؤنث، ومن السهل اليوم الوصول إلى هذه المادة وغيرها عن طريق البحث في برامج الحاسب.
فمن أمثلة الماضي قوله تعال: (( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)) [ (43) الشورى]
ومن أمثلة المضارع قوله تعالى: ((إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)) [(90) يوسف]
ومن أمثلة الأمر والمصدر قوله تعالى: ((واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ)) [النحل (127)]
ومن أمثلة اسم الفاعل للمذكر والمؤنث قوله تعالى: ((وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ)) [الأحزاب (35)]
هذه القاعدة وردت في القرآن الكريم مقصودا بها كل من آمن بالله، وأرد الفوز برضاه الذي لا يتحقق بغير الصبر، والدعاة إليه سبحانه الذين يريدون الثبات على منهجه، هم أولى الناس بذلك، لما يواجهونه في حياتهم من مشقات، لا يجتازونها بدون الصبر.
والنبي عليه الصلاة والسلام، وهو آخر الرسل تلقى من ربه أوامر بالصبر في وحيه في مقامات كان أحوج ما يكون فيها إلى هذه القاعدة العظيمة.
كقوله تعالى: ((فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)) [غافر(55)]
وقوله تعالى: ((فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)) [ ق (39)]
وكان الله تعالى يسلي رسوله بذكر ما جرى لإخوانه الرسل من قبله من الأذى، ليتخذ من ذلك عدة ويصبر كما صبروا، كما قال تعالى: ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ)) [الأحقاف (35)]
ومن ذلك ما ذكره الله تعالى من صبر النبيين قبله على من قاتلهم من أقوامهم، منوها تعالى بمحبته لمن صبر على الأذي في سبيله، كما قال تعالى: ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)) [ آل عمران (146)]
وإن أعلى من الصبر في الشدائد وبخاصة، في مواجهة الأعداء: المصابرة وهي أن يكون المؤمن أكثر صبرا من عدوه الذي يكون جديرا بالهزيمة، لنقص صبره عن صبر المسلم، وإنما الأعمال بالخواتيم، ولهذا قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [آل عمران (200)] و كلمة "لعل" كما ذكر العلماء تفيد من الخلق الرجاء، و تفيد من الله التحقيق.
وكان صلى الله عليه وسلم عندما يناله أذى من أحد، يذكر لأصحابه صبر من سبقه منهم، كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:
" لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله، فقلت والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته فأخبرته"
فقال: (فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر) والحديث في صحيح البخاري ومسلم، وغيرهما.
وكان يأمر أصحابه بالصبر على شدة الأذى إذا شكوا إليه ذلك، ويذكرهم بأذى من سبقهم من الصابرين في الأمم السابقة، كما في حديث خباب بن الأرت قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا؟"
قال: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون) رواه البخاري في صحيحه وغيره.
كما كان يأمر بالصبر أصحابه إذا لقوا عدوهم في ساح المعارك، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاصبروا) رواه البخاري أيضا.
وفي حديث طويل لأنس بن مالك رضي الله عنه، في قصة توزيع غنائم هوازن، قال للأنصار آمرا لهم بالصبر:
(إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على الحوض) رواه البخاري ومسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على الصبر، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "سألت نافعا على أي شيء بايعهم على الموت؟ قال: لا بل بايعهم على الصبر" والمراد بيعتهم له صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة عام الحديبية والذي يبايع على الصبر، لا يفر من الموت في المعركة لمبايعته على الصبر.
ومن جوامع كلمه في الصبر قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث لأبي سعيد الخدري: (وما أُعطِي أحدٌ من عطاءً خير وأوسع من الصبر) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ولو أردنا تتبع ما ورد في الكتاب والسنة في هذه القاعدة – قاعدة الصبر – وما يترتب عليها من جلب مصالح ودفع مفاسد لا اقتضى كتابا مستقلا، فلنكتف بما ذكر.
القاعدة الثانية: التوكل على الله والاعتماد عليه وإحسان الظن به وبنصره: وهذه القاعدة كأختها السابقة: الصبر، وصف الله بها عباده المؤمنين، وأنبياءه ورسله بل قصرها عليهم، وهم قدوة المؤمنين وعلى رأسهم خاتمهم نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد طبقوها في حياتهم، وأمروا بها أتباعهم، ففازوا في الدنيا والآخرة وكان النصر حليفهم.
قال تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)) [الأنفال (2)]
وقد أمر الله تعالى رسوله بالتوكل عليه واصفا نفسه بـ(الحي الذي لا يموت) إشارة إلى أن كل من سوى الله تعالى، مهما عظمت منزلته واشتدت قوته، فمصيره الهلاك والهالك لا يجلب نفعا لأحد اعتمد عليه من دون الله، كما قال: ((وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ)) [الفرقان (58)]
وأخبر تعالى أنه كاف من توكل عليه صادقا، فقال: (( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)) [الطلاق (3)]
أمثلة لتطبيق رسل الله التوكل عليه
ومن تطبيقات رسله عليهم الصلاة والسلام التوكل على ربهم والاعتماد عليه، موقف نوح عليه الصلاة والسلام من عناد قومه وجبروتهم وقوة تحديه لهم وهو لا يملك جيشا وسندا قويا غير الذي توكل عليه، كما قال تعالى:
((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ)) [يونس (71)]
فهو يتحداهم بأن يعزموا جميعا على فعل ما يريدونه به من السوء والأذى، ويستعينوا بشركائهم التي يعبدونها من دون الله، وليكن عملهم ضده واضحا جليا لا يخفونه، ويعجلوا به بلا تأخير ولا إمهال.
أعلن هذا التحدي بعد أ، خبرهم بِقَصْر اعتماده وتوكله على ربه الذي لا يضيع من توكل عليه: ((فعلى الله توكلت)).
وشبيه بنفس موقف نوح موقف هود عليه السلام، من قومه الذين ادعوا أن آلهتهم التي نهاهم عن عبادتها من دون الله، أصابته بسوء وكأـنهم يهددونه بالمزيد من ذلك، فرد عليهم ذلك الرد القوي الذي لا يصدر إلا ممن استند إلى من يقول للشيء: ((كن فيكون)) معللا موقفه ورده عليهم بتوكله على الله، قال تعالى:  ((إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) [(56)]
وهذا هو سبيل جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام، يتحدون أقوامهم العتاة الجبابرة، بقوة توكلهم على الله القوي القادر على كل شيء.
وتأمل كذلك موقف إبراهيم عليه السلام من تخويف قومه له، كيف صرح لهم باستبعاد خوفه من شركائهم، متعجبا من عدم خوفهم الله في إشراكهم به، مقرعا لهم مقيما عليهم الحجة التي آتاه الله إياها عن طريق الاستفهام الذي لا يستطيعون الإجابة الصحيحة عليه إلا بما يرمي إليه، وهو أن الفريق الأحق بالأمن هو من عبد الله وحده وخافه، لا من عبد الشركاء من دونه وخافهم، ولهذا لم يجيبوا، فكان الجواب منه مباشرة قال تعالى:
((وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)) [الأنعام (81)]
وعندما أرسل المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسولا ليهولو عليه الأمر ويخوفوه بكثرتهم وقوتهم، بعد معركة أحد التي خرج بعدها بأصحابه الذين أصيبوا في الغزوة بجروح فيها يتتبعون قريشا المعتدية، تحداهم وأظهر لهم أنه غير مكترث بكثرتهم وقوتهم، وإن كان قد أوذي هو وصحبه بما أصيبوا به، وبين أن سبب تحديه لهم هو توكله على الله الذي سيكفيه شرهم، كما حكى الله تعالى ذلك عنه في قوله تعالى:
((الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [آل عمران (175)]
وأكد لله تعالى له ولصحبه، أن ذلك التخويف هو من الشيطان الذي يسوس لهم ببأس أوليائه من المشركين، ونهاهم عن الاستجابة لتخويفه، كما أمرهم بالخوف منه وحده، لأن في خوفهم منه الأمن وفي خوفهم من غيره فقده.
ولقد اشترك رسولنا محمد وأبونا إبراهيم، صلى الله عليهما وسلم، في تطبيق معنى هذه الآية عندما تعرض كل منهما للشدة والمحنة من أعدائهما.
فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((حسبنا الله ونعم الوكيل)) قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: ((إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)) [صحيح البخاري]
ولنتذكر ببعض غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم التي اشتدت فيها المحنة عليه وعلى أصحابه، وكيف نصرهم الله على أعتى أعدائهم قوة وأكثرهم عددا، كغزوات بدر وحنين والأحزاب وغيرهما حتى غزوة أحد التي كانت في ظاهرها هزيمة للمسلمين، كانت عاقبته النصر لهم، حيث لم يحقق فيها أعداؤه هدفهم، وهو استئصال الرسول وقومه واجتثاث دعوتهم، وقد أعقبها ملاحقته صلى الله عليه وسلم للمعتدين بعد انتهاء الغزوة، فلم يجرؤوا على العودة لملاقاته.
ولنكتف بما ذكر في قاعدة التوكل و الآيات والأحاديث والسيرة النبوية وقصص الأنبياء غنية بالكثير منها، لأن المقصود هنا التنبيه على القاعدة.

القاعدة الثالثة: قوة الصلة بالله وطاعته بأداء الفرائض من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة وغيرها مما أوجبه الله تعالى لنفسه، أو أوجبه لعباده من الحقوق، لأن عدم القيام بالفرائض والواجبات يغضب الله تعالى، فهو من معاصي الله والمعاصي سبب في خذلان الله لأهلها، و خذلان الله مقتض للفشل وليس للثبات على الحق.
والذي يتتبع توجهات الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في دعوته للناس وتحمل المشاق التي تواجهه منهم، يجد هذه التوجيهات تحث الرسول صلى الله عليه وسلم على الاجتهاد في قوة الصلة بالله تعالى في كل أوقاته من أجزا ء الليل والنهار يُكثر فيها من تسبيح الله وتحميده و والمداومة على قيام الليل.
ذلك أن من يدعو إلى الحق الإلهي ويريد الثبات عليه، يجد من الأسباب والمعوقات التي تضعف قوة إرادته واستمراره في الثبات، لأن من يدعوهم إلى الحق قد ألفوا من الباطل خلاف ما يدعوهم إليه من الحق ، فيقفون ضد تلك الدعوة وقوفا صلبا يحاربون كل من يريد تغيير ما ألفوه من الباطل، فإذا لم يكن صاحب الحق له ما يسنده ويقويه على ثباته، سرعان ما ينهار ويصاب باليأس المثبط له عن استمراره.
وليس لصاحب الحق ما يثبته عليه إلا الله الذي منحه الحق وأمره به، فإن قويت صلته به وأكثر من عمل ما يحبه من طاعته، وفقه الله وأعانه، وإن ضعفت صلته به ضعفت قوة إرادته وضعف ثباته، وهذه أمثلة من القرآن الكريم تبين هذه القاعدة وتدعمها.
تأمل هذه الآيات من سورة المزمل وما تلاها من آيات في سور أخر التي أسردها بدون تعليق، لوضوح المراد منها، تأمل كيف يوجه الله رسوله صلى الله عليه وسلم، إلى الإكثار من قيام الليل والتسبيح والتحميد والسجود ودوام العبادة في سياق دعوته الناس وثباته عليه، لأن ما يتلقاه من ثقل التكاليف القرآنيه للقيام بتبليغ الحق إلى الناس والاستمرار على ذلك، لا يتحمله إلا من قَوَّى صلته بمن ألقاه عليه قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)) [المزمل(10)]
وقال تعالى: ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)) [الحجر (99) ]
وقال تعالى: ((وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)) [الحجر (49)]
وقال تعالى: ((فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ)) [ق (40) ]
وقال تعالى: ((أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى (128) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى)) [طه (130)]
وقال تعالى: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً)) [الإنسان (26) ]

القاعدة الرابعة: الإكثار من ذكرالله الشامل، من القرآن الكريم، والأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء كانت أذكارا مقيدة بعدد أو وقت، أو مطلقة، فإن ذكر الله تعالى – بالقلب واللسان - والمداومة عليه يزيد في قوة الإيمان، والذي يذكر الله جدير بأن يثبته الله وينصره ويهزم عدوه.
فقد قرن تعالى أمره بالثبات، بأمره بالذكر في سياق لقاء الأعداء في ساحات المعارك التي لا يثبت فيها على الحق إلا من أحب لقاء الله، قال تعالى:
((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [الأنفال (45)]
ومن أهم ذكر الله تعالى الإكثار من دعائه و اللجوء إليه استعانة به على التوفيق للثبات على الحق والنصر على أعدائه الذي لا يرضون إلا باتباعهم على الباطل، كما قال تعالى: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)) [البقرة (120)]
تأمل دعاء الأنبياء الذين ذكر الله تعالى أنهم قاتل معهم ربيون كثير [والربيون: أهل العلم والفقه] كما سبق قريبا: ((وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) [آل عمران (148)]
وكذلك دعاء قوم طالوت – وهم قلة - عندما قابلوا جالوت وقومه هم كثرة، كما قال تعالى:
((وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ)) [(251)]
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلح على ربه في الدعاء طالبا نصره وهزيمة عدوه، كما في حديث خالد عن عبد الله بن أبي أوفى قال: "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم)" رواه مسلم.
وفي حديث عبد الله بن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه.
فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)) فأمده الله بالملائكة [الآية في الأنفال (9)] روى الحديث مسلم.
فينبغي أن يحرص من يريد الثبات من المسلمين على الحق على اللجوء إلى الله ودعائه ليحقق له ذلك، سواء كان فردا أو جماعة أو حزبا أو دولة، فإنهم كلهم فقراء إلى الله تعالى، وهو سبحانه وحده المعين لمن استعان به، ولهذا شرع الله لنا قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة من صلواتنا، وفيها قوله تعالى: ((إياك نعبد وإياك نستعين)) فلولا إعانته تعالى لمن يريد عبادته لما تمت له عبادة، وشرع لنا عند سماع قول المؤذن: "حي على الصلاة، حي على الفلاح" قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
فعلى من احتل الأعداء بلادهم من المسلمين، أن يثروا من دعاء الله موقنين بنصره، وبخاصة في قيام الليل وأوقات السحر التي ينبغي أن يكونوا جميعهم متجهين إلى الله مرسلين دموعهم على وجناتهم، فقد يرسل الله على عدوهم مع كل دمعة كم دموعهم جندا لا يعلمه إلا الله، لهزيمة عدوهم:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً)) [الأحزاب (9)]
وإذا كان عدوكم لا يعرف هذه المعاني فتيقنوها أنتم واجتهدوا فيها، فقد حصل في فلسطين في الفترة الأخيرة شيء منها، فأنزل الله بأسه يقائد القتل والتدمير في لحظة نشوته وجبروته، كما جعل الشعب الفلسطيني يعطي ثقته لمن وفقهم الله للسير على هديه في مقارعة العدو، وننتظر بإذن الله المزيد من نصر الله على الأعداء الذين احتلوا ديار المسلمين في كل مكان.

القاعدة الخامسة: اتخاذ الأسباب المادية التي أمر الله بها:
فالذي أمر بالتقرب إليه بالطاعة والعبادة والدعاء والذكر، هو تعالى الذي أمر بإعداد العدة التي ترهب العدو في حدود القدرة التي يعلم الله أن المؤمن قد استنفدها ولا قدرة له على غيرها، قال تعالى:
((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)) [الأنفال (60)]
فالإعداد المشروع يشمل الرجال والسلاح والمال، وغيرها حتى نعل المجاهد.
والمسلم الذي يطلب من الله تعالى الثبات ويمنحه النصر، بما يقوم به من الشعائر التعبدية، بدون إعداد العدة المأمور بها مع قدرته عليها، يخدع نفسه بذلك ويخالف أمر الله تعالى وشريعته، ولا يستحق من الله النصر ولا الثبات، لأن الله تعالى له سنن شرعية وسنن قانونية طبيعية، فإذا ترك المسلم أيا منهما لم يكن جديرا بوعد الله تعالى بالنصر والثبات.

القاعدة السادسة: الموازنة بين المصالح والمفاسد في تعاطي المعاملة مع العدو، فإذا ما بذل المسلمون وسعهم في تقوية صلتهم بالله، وسعوا جهدهم في إعداد العدة، وتبين لهم أن قوتهم المادية لا تفي بالوقوف أمام العدو، فعليهم أن يتخذوا الممكن من معاملة العدو.
ومن أهم ذلك فتح باب التفاوض و عقد الهدنة المحددة بوقت معين أو المطلقة معه، وتأجيل ما لم يمكن تحقيقه من المطالب المشروعة، إلى أن يحين الوقت الذي تتوفر فيه القدرة لانتزاعه بالقوة، ولا يجوز الإقدام على معركة حربية يغلب على الظن أن المفسدة المترتبة عليها أعظم من مفسدة القعود عنها.
ومما يجب التنبيه عليه، أن مصابرة العدو التي أمر الله بها شاملة لمصابرته في ميدان المعركة، و مصابرته في المفاوصات السياسية، وعقودها وصيغها، التي يحاول كل من الطرفين تحقيق أكبر قدر من مصالحه فيها، ولقد مضت فترة طويلة من الزمن، تفاوضت فيها السلطة الفلسطينية مع اليهود كان اليهود أكثر مصابرة من السلطة، وترتب على ذلك تنازلات كثيرة من قبل السلطة، ذاق منها الشعب الفلسطيني مرارتها ولا زال.
إن اليهود بأيديهم كل من الأوراق في فلسطين، ما لا يملكه الفلسطينيون من الأمور المادية: يملك العدو الأرض، ويملك الأسرى، ويملك المال، ويملك الماء، ويملك الكهرباء، ويملك السلاح، ويملك المناصرة من أوليائه في الداخل والخارج.
ولا يملك الشعب الفلسطيني شيئا من ذلك إلا المقاومة الجهادية، وهي التي لا يخضع العدو لسواها، فإذا اجتمعت مصابرتهم بالمقاومة، وبالمفاوضات الدقيقة التي لا تتنازل عن الثوابت التي لا حياة للشعب الفلسطيني بدونها، كان إدراك النجاح والنصر متوقعا بإذن الله، وإذا حصل تراخ فيهما أو في أحدهما، فلا أمل في غير الفشل وذهاب الريح.
ولهذا نقول للحركة الإسلامية "حماس" صابروا عدوكم في المفاوضات واستمروا في مصابرته بالمقاومة الجهادية إذا لم تنجح المفاوضات، وأعدوا عدتكم في أوقات المفاوضات ولا تساهلوا في ذلك، فإن الله تعالى يقول:
((وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً)) [النساء 102)]
فكل من يريد أن يثبت على دينه ورسالته من المسلمين، سواء كان فردا أو جماعة أوحزبا أو دولة، لا بد أن يطبق هذه القواعد أمام أعدائه الذين يتكالبون عليه، فإذا تخلى عنها هزم وفشل فشلا كاملا، وبمقدار ضعفها وقوتها عنده تكون نسبة نجاحه وفشله، لأن أمر بأخذ الأسباب مع أنه قادر على نصر أوليائه بدون عمل منهم.
فهو على كل شيء قدير، ومهما قوي الأعداء عَدَدا، وعُدة ومالا، فإن نهايتهم الفشل والهزيمة بإذن الله، بشرط أن يتخذ المتوكلون الأسباب المعنوية والمادية التي أمره الله بها، فإذا استنفدوا قدرتهم التي يعلم الله أنه لا يستطيع غيرها، أعانهم الله ونصرهم.
((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر (16)]
وفي هذه السورة عبرة للمسلمين في الانتصار على اليهود، اقرءوها بتأمل.
 

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

الصفحة الرئيسة    |    صفحة الشيخ