بسم الله الرحمن الرحيم

بيان لمؤتمر القمة العربية في بيروت


أيها الزعماء المحترمون.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد وضعتم أنفسكم في موقع قيادة شعوبكم العربية، وأصبحتم بذلك مسؤولين أمام الله تعالى عن مصالح هذه الشعوب الداخلية والخارجية، سواء كانت دينية أوسياسية، اجتماعية أو تنظيمية، مالية أو اقتصادية ، تعليمية أو إعلامية، سلمية أو حربية....

وإن مسئوليتكم لعظيمة وثقيلة، لا يقوم بها إلا الأشداء من الرجال، وإنها لأمانة لا يحملها إلا الصادقون من القادة، وقد أمركم الله تعالى بأداء الأمانة والحكم بالعدل اللذين لا يتوافران إلا بتحكيم شرع الله، فقال تعالى: ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا)) [النساء:58]

وقد أوجب الله علينا جميعا، حكاما ومحكومين، النصح والتذكير، وإني إذ أوجه إليكم هذا الخطاب بصفتي الشخصية، إلا أني أؤكد لكم أن غالب شعوبكم-حسب ظني الغالب-وبخاصة مثقفيهم وذوي الرأي منهم يودون كما أود أن يصل إليكم، وأن يحظى باهتمامكم.
وأوجز ما أريد بيانه في الأمور الآتية:
الأمر الأول: الصدق والوضوح مع شعوبكم في كل الأمور التي تهمهم، وتعود عليهم – عاجلا أو آجلا – بمصالح أو مفاسد، فإن ذلك واجب عليكم دينا وسياسة، وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين-وأنتم أجدر بأمره- بالتقوى والصدق، فقال تعالى: ((ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)) [التوبة:119]
إن صدقكم شعوبكم يجعلكم محل ثقتهم، ويجلب لكم جميعا المصالح التي تستقيم بها الحياة، في الدنيا والآخرة، يوم لا ينفع عند الله إلا الصدق، كما قال تعالى: ((قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم)) [المائدة:119]
ومن الأمثال العربية: "إن الرائد لا يكذب أهله"
وكم ينال من ثناءً أي زعيم عربي يصارح أمته بصدق في أي أمر من أمورهم، لالأنهم يجهلون مضمون ما صارحهم، وإنما لخروجه عن المألوف الذي لم تعرف الشعوب العربية غيره من زعمائها.
إن الصدق مع شعوبكم، من أهم أسباب حصول الثقة الصادقة الظاهرة والباطنة، بينكم وبينهم، الثقة التي يبنى عليها الولاء الصادق، والتعاون النافع المثمر الدائم، وليست الثقة المزيفة التي يخالف باطنها ظاهرها، فهذه ثقة سراب خادع، يبرم كل من الشركاء فيه أمر سوء وهلاك لشريكه، في أقرب قرصة تتاح له منهم، ثقة هي اسم دون مسمى، ضارة غير نافعة في الدنيا والآخرة.

الأمر الثاني: العمل بقاعدة الشورى:
وإن أهم سبب في انتفاء تلك الثقة، عدم إشراك أهل الحل والعقد في الشعوب فيما شرعه الله من الشورى، في كل الأمور العامة التي يمسهم خيرها وشرها، فذلك حق قرره الله لهم، وليس لولي الأمر فيه خيار، ولا منة له عليهم فيه، ويكفي أن الله أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي كان الوحي ينزل عليه صباح مساء، فقال له: ((وشاورهم في الأمر)) [آل عمران:159]
وقد نفذ صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فشاور أصحابه في السلم والحرب، وعمل بمشورتهم في أحلك الظروف وأشدها.
وجعل تعالى الشورى من صفات المؤمنين، فقال عز وجل: ((وأمرهم شورى بينهم)) [الشورى: 38]
وعمل بالشورى خلفاؤه الراشدون، وهم أفضل الأمة دينا، وأزكاها خلقا، وأعظمها حكمة، وأسدها رأيا، وأصفاها ذهنا، وأذكاها عقلا، والأمثلة على ذلك كثيرة مدونة في كتب التفسير والحديث والسير.
ولم يترك عقلاء العالم وحكماؤهم مشاورة رعاياهم في أمورهم الكبار، وما ندم على الشورى زعيم استشار، ولا تركها مستبد إلا نال من استبداده الخسار، والحق برعيته الفساد والدمار...
وليست الشورى جسدا بلا روح، كما يحصل فيما يسمى بـ(البرلمانات) ونحوها، مما يحاول غالب الحكام تجميل حكمهم بها، وإنما هي عزم ولي الأمر على الأخذ بنتائجها، لأنها ثمرة عقول غاصت في بحار الأفكار، وسقت الأمر لمعروض عليها بغيثها المدرار، حتى أينع وأثمر غاية الإثمار.
وإذا فرض أن المجموع قد لا يصل في الشورى إلى صواب، ففرض بُعد الفرد عنه أولى وأقرب عند ذوي الألباب.
وبالشورى تأتلف القلوب، ويقوى الوئام بين الحكام و الشعوب، ويتم التعاون على ما أفرزه التشاور، ويحصل الرضا بنتائجه ولو ترتبت عليه خسائر.
وأقرب الصواب في الشورى الإلزام، لما فيه لها من احترام، ولسد باب الوساوس بين الرعية والحكام....
ومعلوم أن زعماء اليهود لا يتربعون على كراسي الحكم في الأرض المحتلة، إلا بعد أن يشرحوا منهاج حكمهم الذي سيسيرون عليه في المدة المقررة لهم، وأن الشعب اليهودي قد يسقط الزعيم الذي لا يرضى عن أدائه قبل انتهاء مدته، وأن الاتفاقات التي يبرمها هذا الزعيم يأتي خلفه فينقضها من بعده.
ولكل رئيس وزراء كتب قام بتأليفها مدونا فيها منهجه في الحكم، ومنهم شمعون بيريز ونتنياهو ... وغيرهما، فهم يلعبون بالاتفاقات والمعاهدات، كما تلعب فرق الرياضة بالكرة في ملاعبهم...
فإذا كان زعماء اليهود لا يستبدون بأمر قومهم-وهم أعداء مغتصبون لأرض المسلمين-فهل يليق بزعمائنا أن يتخذوا شعوبهم ظهريا، فلا يأخذون رأيهم في أخطر القضايا وأصعبها وأشدها بلاء عليهم، ونحن أمة الشورى وأهل الحق والأرض؟!
إن هذا ليوجب على زعمائنا أن يعودوا إلى شعوبهم ويعرضوا الأمر عليهم عرضا صريحا واضحا لا التواء فيه، ليعلموا حقيقة ما يدور في نفوس هذه الشعوب في الاعتراف بأرض مغتصبة لشعب مسلم مشرد..

الأمر الثالث: قضية فلسطين ليست مسؤولية طرف واحد بل أطراف:
وإذا كانت الحاجة إلى الشورى ملحة إلحاحا شديدا في كل نازلة مهمة، تمس الأمة، فإن الحاجة-بل الضرورة- اليوم إليها أشد في النازلة الْجُلَّى "قضية الأرض المبارك" التي اغتصبها أعداء الله وأعداء الإسلام والمسلمين "اليهود"
إنكم أيها الزعماء تبحثون في مصير هذه الأرض التي يجب أن تعلموا أنكم لستم المسؤولين عنها وحدكم، وإنما هي مسؤولية الأمة الإسلامية كلها، ولا يمكن أن تنهي توقيعاتكم على تثبيت احتلال اليهود للأرض الفلسطينية، ودعم بقاء دولتهم الصهيونية المعتدية، الصراع الثابت الجذور دينيا وتاريخيا وسياسيا وجغرافيا، بل إن ذلك –لو حصل- سيزيد اشتعال النار وضرام المعارك وتوسيع دائرتها.

الأطراف المسؤولة عن هذه الأرض كثيرة، ولها الحق في المشاركة في مصيرها:
الطرف الأول: الشرطة الفلسطينية التي استبدت بالأمر في اتفاق أوسلو عن الشعب الفلسطيني، وفصائله ذات الشأن، كما أبرمت هذه السلطة الاتفاق، بعيدا عنكم وعن زعماء المسلمين عامة، وكان من نتائج هذه الاستبداد ما نراه اليوم من نزاع وفشل ودمار.
الطرف الثاني: الشعب الفلسطيني الذي لا يجوز لأحد أن يستبد بأمره–ولو كان من أبنائه- ويسلم أرضه لليهود برغم أنفه، وإذا أبرم الأمر مع اليهود مع غياب هذا الشعب، فستكون النتائج المترتبة على ذلك خطيرة جدا، وستسفك الدماء التي حصل الاهتمام بصيانتها إلى الآن، بين الشعب ومن يستبد بأمره.
الطرف الثالث: هو أنتم يا "زعماءنا في الدول العربية"
الطرف الرابع: شعوبكم التي لا يجوز لكم أن تبرموا الأمور الخطيرة، دون الرجوع إليها، وبخاصة قضية فلسطين، التي يعتبر تثبيت الدولة اليهودية فيها زراعة لسرطان، لا يسلم من شره وانتشاره أي بلد من بلدانهم، ومعلوم أن المخاطر التي ستصيب الشعوب هي أعظم من المخاطر التي ستصيب الحكام، لأن الحكام أشخاص لهم آجال محدودة في الحياة وفي الحكم.
وليس كذلك الشعوب، فأعمارها أطول، ومعاناتها أدوم وأبقى، وهل يجوز لمن قصر أجله أن يُحَمِّل طويل الأجل ضرر تصرفاته وتدبيره؟!
الطرف الخامس: زعماء المسلمين من غير العرب، من إندونيسيا إلى موريتانيا، وهؤلاء ينتظرون سَلَّ أقلامكم التي توقعون بها على هذه الكلمات "الاعتراف الكامل بإسرائيل" ليسارعوا بالتوقيع على مثل ما وقعتم عليه، ثم يجتمعوا معكم في قمة "منظمة المؤتمر الإسلامي" لإصدار بيان بـ"لإجماع" على اتفاقات سياسية واقتصادية واجتماعية.... مع الدولة اليهودية...
الطرف السادس: الشعوب الإسلامية التي لا يجوز لزعمائها –كما لا يجوز لزعماء الدول العربية- الإقدام على الاعتراف بهذه الدولة المغتصبة لأرض المسلمين، لما في ذلك من المفاسد التي ستنال تلك الشعوب من هذا الاعتراف بذنب لم يقترفوه، وتدبير لم يبرموه.
وليس غريبا أن تصبح الدولة اليهودية-بعد الاعتراف بها-عضوا في "جامعة الشرق الأوسط" التي يطالبون بها من الآن، لأنها أصبحت جزءا قياديا في المنطقة، كما يدل على ذلك فحوى كتاب "الشرق الأوسط الجديد" لرئيس الوزراء الأسبق "بيريز" بدلا من "الجامعة العربية" التي يدل اسمها على "العنصرية" البغيضة! التي تجب محاربتها، بدلا من محاربة "الصهيونية" اللطيفة!

ولا غرابة –أيضا- أن تصبح الدولة اليهودية عضوا في منظمة المؤتمر الإسلامي، لأنها أصبحت جزءا من هذا العالم، وبها مواطنون عرب مسلمون إسرائيليون، وفيها مدينة القدس التي هم مصرون على وحدتها عاصمة لهم.
والغرب بأكمله بما فيه أمريكا ودول أوربا، والفاتيكان، متجهون لتدويل الأماكن الدينية، يعطى فيها المسلمون والمسيحيون مكاتب إدارية لشؤون مقدساتهم، تحت سلطة الدولة اليهودية، التي هي مصرة على بقاء ما تحت تلك المقدسات ملكا لها.
هذه كلها مؤهلات ليكون لرئس وزراء اليهود مقعد رسمي في منظمة المؤتمر الإسلامي، ويدعم ذلك قياسها على دولة مجاورة!
إن اليهود اليوم أيها "الزعماء العرب" يسعون بالتحريش بينكم بشتى الوسائل، وعلمهم الرسمي لم يشمل بلدانكم كلها... وسيكون تحريشهم بين دولكم أشد بعد الاعتراف... لا بل سيكون تحريشهم بينكم وبين شعوبكم، وبين الأحزاب والجماعات في هذه الشعوب.
وسيكون إفسادهم بين حكومات الشعوب الإسلامية، وبين المسلمين في كل شعب من شعوبهم أشد وأوسع، لأن اليهود لا يعيشون إلا على إلقاء النزاع والعداوة والبغضاء بين أعدائهم، كما فعلوا ذلك بين الأوس والخزرج قبل الإسلام، و استمروا على دسائسهم بين المسلمين بعد الإسلام.
وما حلوا بلدا من بلدان العالم إلا اتخذوا ذلك سلاحا ضد أعدائهم، وهم اليوم أقوى من الدول العربية مجتمعة بسبب اختلاف هذه الدول، وليس بسبب قوتهم الذاتية...
الطرف السابع: علماء المسلمين الذين لهم الحق، بل يجب عليهم بيان الحق، في هذا الأمر الخطير، وسيحاسبهم الله تعالى على كتمانه، ومعلوم أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ويكفي أن تهز العلماء الساكتين هذه الآيات هزا، وتنبههم من غفلتهم تنبيها، وتوقظهم من نومهم إيقاظا:
((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)) (159) إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) (174) [البقرة]
إن الشعوب الإسلامية تنتظر من علمائها أن يحسموا الأمر حسما لا لبس فيه، ليس بحملهم المدفع والرشاش، وإنما ببيان الحكم الشرعي في الاعتراف بدولة اليهود المحتلة للأرض المباركة.
إن في أبواب الفقه الإسلامي مخرجا لزعماء العرب والمسلمين، إذا كانوا غير قادرين على تحرير الأرض المغتصبة اليوم من أيدي اليهود، إنه باب الهدنة الذي وردت فيه نصوص واضحة في القرآن والسنة، والسيرة النبوية، وأعمال الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
ففي الهدنة-مع ما فيها من إجحاف بالمسلمين- مخرج للمسلمين من تسليم أرضهم لأعدائهم تسليما قانونيا، يلزمهم أمام المجتمع الدولي بتنفيذه وعدم الرجوع عنه.
فعليكم أيها "الزعماء العرب" أن تطلبوا من علماء المسلمين بيان الحكم الشرعي، وستجدون فهي بإذن الله مخرجا شرعيا، يحفظ لكم كرامتكم وكرامة شعوبكم، ولا تتخذوا هؤلاء العلماء وراءكم ظهريا، لا ترجعون إليهم إلا عند حاجتكم إلى بيانات تؤيد مواقفكم في أمر من الأمور، وتنسونهم في أخطر الأمور وأولاها بمعرفة الحكم الشرعي والعمل به...
وعليكم أيها "العلماء" المبادرة ببيان الحكم الشرعي وعدم التردد في ذلك، لتبرئوا أنفسكم أمام ربكم، وأمام حكامكم وشعوبكم المسلمة التي أصبح الكثير منهم يتهامسون، وبعضهم يصرحون متسائلين: أين علماؤنا من الأحداث الخطيرة التي تتوالى ويتبع بعضها بعضا وهم ساكتون؟!
إن الإسلام لا يمنع المسلمين من أن يعيش بينهم ابن الزنا، ولا يمنعهم من الاعتراف بأنه إنسان له حقوق الإنسان... يجب الإحسان إليه، مادام محتاجا إلى الإحسان معترفا به، غير جاحد له ولا معتديا على من أحسن إليه.
ولكنه لا يبيح لهم أن يثبتوا له نسبا تترتب عليه أحكام النسب والقرابة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) [متفق عليه]
إن وجود الدولة اليهودية ورم خبيث، نبت في جسم الأمة، وهو طارئ كطروء ابن الزنا، وهو مع طروئه متغطرس متكبر معتد، يجب في –لأصل- استئصال شأفته، وليس إمداده بما يمكنه من البقاء والانتشار، وإنه كلما طال بقاؤه اشتدت ضراوته، وعظم هجومه على خلايا جسم الأمة... وتسكينه بالهدنة أولى من تمكينه الدائم بالاعتراف به عند ذوي الألباب!
أما قرأتم يا زعماءنا العرب ما يكرره اليهود عنكم في كتبهم المنشورة المترجمة إلى لغتكم العربية... ؟
إنهم يرون أنه لا سلام معكم ولا صلح إلا بالقوة الرادعة، ويذكرون السبب الذي عليه بنوا هذا الحكم... وهذا أنموذج لأحد زعمائهم، ينبغي أن تقرءوه، لتعلموا منزلتكم عندهم، قال نتنياهو في كتابه: "مكان تحت الشمس" صفحة: ص305
"ولكن في مواجهة أنظمة دكتاتورية يجب اتباع سياسة مختلفة تماما…ففي إطار العلاقات مع مثل هذه الأنظمة يمكن تحقيق السلام على الردع، والطريق الوحيدة لتحقيقه هي زيادة قوة الدول الديمقراطية، وإضعاف قوة الدول الدكتاتورية.
وهذه هي خلاصة الصعوبة في صنع السلام في الشرق الأوسط؛ إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة؛ إذ لم تجر في أية دولة عربية انتخابات حرة، ولا توجد صحافة حرة، ولا حقوق مواطنة حقيقية…، لا توجد دولة عربية واحدة تبدي ولو مؤشرا واحدا ضعيفا لوجود ديمقراطية فيها.." انتهى كلامه.

الأمر الرابع: لا يجوز تسمية الأشياء بغير أسمائها:
إن إطلاق اسم "السلام" على الاعتراف بالدولة اليهودية، هو من تسمية الأشياء بغير أسمائها، كتسمية "الخمر" بـ"الشراب الروحي" وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه سيأتي زمان يسمي الناس "الخمر" بغير اسمها... وإن تسمية الخمر بغير اسمها لأهون من تسمية الاستسلام "سلما"....
والسلم في الإسلام أمر مطلوب مرغوب، أما الاستسلام، فلا يطلبه إلا من هو عن العزة والكرامة محجوب....
السلم هو أن يميل العدو الكافر إلى المسالمة ويطلبها، دون عدوان على أرض المسلمين وسفك لدمائهم وإخراج لهم من ديارهم، وهدم منازلهم...وهل يزعم عاقل مسلم أو غير مسلم أن الاعتراف باليهود المعتدين، وتسليم أرض الإسلام، وأرض الشعب الفلسطيني المشرد بغير، هو سلام...!!!
السلم أو السلام مع العدو هو سلام القوة والعزة: ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون(60) وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم(61) [الأنفال]
وليس استسلام الصغار والمهانة اللذين لا يليقان بالمؤمنين ((فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم)) [محمد: 35]
الأمر الخامس: أن الحركة الجهادية في الأرض المباركة، تعتبر فرصة لا يجوز تفويتها.
فهي الزلازل المتفجرة التي لا يرتدع اليهود عن كبريائهم إلا بها، وإن بقاء هذه الحركة واستمرارها هو الخيار الراجح لمصلحة فلسطين ومصلحة العرب والمسلمين، وقد ظهر هذا الرججان في الخسائر الفادحة التي نزلت باليهود اقتصاديا وعسكريا ونفسيا.
والواجب عليكم دعم هذه الحركة بالوسائل التي تبقيها حربة في نحر العدو، الذي سنرى منه ما لا يسر، إذا تم الاعتراف به واستتب له الأمن.

الأمر السادس: إن شعوبكم قد سئمت من نزاعاتكم واختلافاتكم، التي تحاولون تغطيتها في الأوقات العادية، ولكنها إذا خفيت على العامة لم تخف على الخاصة، وهي تطفح في الأوقات الصعبة التي تجبر بعضكم أن يصرح بأمور خطيرة فيها، كما حصل في مؤتمر القمة العربي في القاهرة، عندما احتلت العراق الكويت...

لهذا يجب عليكم أن تتدارسوا أموركم وتتقوا الله في شعوبكم، فقد نزلت بهذه الشعوب بسبب هذا النزاع مصائب، وحلت بهم مفاسد، وفاتت عليهم مصالح، وما هذه المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإهانات اليهودية لهذه الشعوب إلا أثر كبير من آثار نزاعكم...
لقد نشأت جامعتكم العربية، في الوقت الذي نشأت فيه منظمة الوحدة الاقتصادية الأوربية، وهي اليوم على أبواب إعلان: الولايات المتحدة الأوربية، برغم ما واجهتها من صعوبات...
فما سبب بعد جامعتنا العربية عن الاتفاق على مجرد تنسيق إيجابي في أي مجال من المجالات، وما سبب نجاح الدول الأوربية المشهود؟1
سؤال لا يجيب عليه إجابة صريحة واضحة مقنعة إلا انتم يا زعماءنا الكبار.

الأمر السابع: الحذر من ترتيب هدام للمنطقة:
يجب أن تعلموا أن أمريكا عازمة على ترتيب جديد للمنطقة، وهو مخطط له من قبل... وقد أشار إليه "نكسون" في كتابه: "الفرصة السانحة" عندما قال: يجب عليينا أن نعيد "ترتيب العالم" ومن ذلك تقسيم بعض الدول العربية...وإذا وقفتم موقف المتفرج على تقسيم دولة العراق مثلا... فما الذي يمنع من تقسيم بعض دولكم؟
فهذا التقسيم هو من أهم سبيل ضعفكم زيادة على نزاعاتكم، ومن أهم تقوية عدوكم "اليهود" وأرجو ألا نسمع بعد فترة من الزمن تلك الشكوى المأثورة: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض!"
وكذلك يجب أن تحذروا من مؤتمرات "بون" التي افتتحت بمصير أفغانستان، وتم فيها تنصيب "كرزاي" فإن السلسلة قد تمتد إلى بلدان أخرى لا يرضي أمريكا بقاء حكامها، وما من دولة إلا وفيها معارضة مستعدة لتنصيب "كرزاي" فيها، والذي يستمرئ اليوم تدبير أمريكا في تنصيب من تشاء وإسقاط من تشاء، قد يأتي عليه الدور، فيندم ولات ساعة مندم!

الأمر الثامن: لقد وَلَّى وقت التعتيم والتضليل الإعلاميين:
إن شعوبكم اليوم أيها "الزعماء العرب" ليسوا كشعوبكم بالأمس، كانت وسائل الإعلام تحت تصرف الدولة، تظهر فيها ما تريد، وتخفي ما تريد، ولا يصل إلى بعض المعلومات القليلة إلا القلة المغامرون، الذين يبذلون من أوقاتهم وأموالهم وراحتهم ما يرهقهم، في سبيل الحصول على وثيقة أو وثائق لا تعادل ما بذلوه.
كانت الجمارك في كثير من بلدان المسلمين، تمنع ما لا تريد أجهزة الأمن دخوله إلى البلدان العربية، وزارات الإعلام تمنع الترخيص للكتب والمنشورات التي لا تريد أجهزة الأمن انتشارها في بلدانها، وتأذن لما تريد من ذلك.
وكان اليهود يكسرون عظام الأطفال الفلسطينيين بالحجارة، فلا يرى لقطة منها إلا قلة من الناس.
أما اليوم فإن العالم كله يسمع ويشاهد المرأة الفلسطينية، وهي تصيح، مع أولادها على أنقاض منزلها الذي هدمه اليهود قائلة: "وينكم يا عرب؟؟!!!"
وكانت كثير من الدول العربية تصدر البيانات والأخبار غير الصحيحة، فلا يجد غالب المستمعين أو المشاهدين إلا التسليم لها، غير قادر على تمييز الصحيح والفاسد، وقد يلجأ إلى وسائل الإعلام الأجنبية التي كانت أكثر ثقة عندهم، مع ما فيها من السموم...

فإذا حاولت وسائل إعلام الدول العربية إخراج الاستسلام، في صورة سلام، فإن في الفضائيات وما تنشره على الهواء مباشرة، لأي حدث ينجم مع التحليل والنقد الصحيح أو الفاسد، من قبل عدو أو صديق، بالصوت والصورة، ما يفضح ذلك التضليل ولم تعد وسائل أي دولة قادرة على قلب الحقائق وتضليل العقول، دون أن ينبري له ما يدحضه ويظهر زيفه...
وأصبحت الشبكة العالمية تمد الصغير والكبير، والمثقف وغير المثقف، بالأخبار والتحليلات والأحداث، بل والوثائق والكتب، بتنافس شديد، ويجد فيها القارئ الرأي وضده...... وإذا ضاقت عليه أرض الفضائيات وجد في بحار الشبكة أرضا واسعة تشبع رغبته...
ومهما حصل من حملات لسد هذا السيل الجارف، بحذف مواقعه، فإن الفشل لهذه الحملات هو النهاية، لأن الموقع الذي يحذف في الصباح، يعود في ثوب جديد وزخم قوي في المساء، بشتى الحيل والوسائل التي لاتخفى على أحد.
فأعدوا يا زعماءنا العرب للأمور عدتها، واحسبوا للخطوات حسابها، واحفظوا لأجيالكم عزتها وكرامتها، وابعثوا لسجلات تاريخكم ما يزينها ويجملها، فإن سجلات التاريخ لا ترحم من أساء إلى نفسه في صفحاتها...
وإني لأعلم أن صدور مثل هذا البيان الصريح الذي لم يعرف كاتبه الخطاب الدبلوماسي ولم يتدرب عليه، ثقيل على مقاماتكم... ولكنه الحق الذي في الجهر به مصلحتكم ومصلحة شعوبكم، وأن وقت النصح هو اليوم، قبل أن تبدأ الخطوة الأولى، وليس غدا بعد أن نندم ولات ساعة مندم!

قدر لرجلك قبل الخطو موضعها ** فمن على غرة يخطو بها زلجا
مَحَضْتُهُمُ نصحي بمنعرج اللوا **  فَلَمْ يَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إَلاَّ ضُحَى الْغَدِ

((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون))
وحسبنا الله ونعم الوكيل.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل