بسم الله الرحمن الرحيم

وبقي العراق !


كانت جماهير أهل العراق، ما عدا أعضاء حزب البعث، الذين ارتبط مصيرهم بمصير زعيمهم "صدام" متفقين على وجوب التخلص من صدام حسين وحزبه.

وكان خلاف هذه الجماهير في كيفية التخلص من زعيم حزب البعث...
ففريق منهم رأوا أن التخلص منه، يجب أن يكون عن طريق أهل العراق أنفسهم، ولا يجوز مهما كان الأمر أن يكون عن طريق الصليبيين و اليهودي الأجانب، لما في ذلك

وفريق آخر كان يرى أن هذا الزعيم وحزبه، لا يمكن التخلص منه إلا بقوة أعظم من قوته، وهذه القوة لا تتوفر لأهل العراق جميعهم، ولهذا يجب اغتنام فرصة موقف حكام أمريكا وحكام بريطانيا [الذين يدفعهم العدو اليهودي]ليخلصوا الشعب العراقي من طغيانه.

والسبب الذي سوغ به هذا الفريق رأيه، أنه إذا قضى الأمريكان والإنجليز على الدكتاتور ونظامه، فسيعودون إلى بلادهم، وسيتمكن العراقيون كلهم من إقامة دولتهم الحرة المستقلة، بعد القضاء على حزبٍ ظالم دام ثلاثين سنة، يجثم على الشعب يعيث فيه فسادا، يسفك الدم الحرام، ويملأ السجون والمعتقلات، بالمخالفين....

وهناك فريق ثالث يزعم أنه من المعارضة العراقية، ويظهر ما يظهره الفريق السابق، ولكنه في حقيقة الأمر، من أعضاء [C.I.A] وهو يطمع أن ينجح العدو المحتل، في الحرب وفي غرس حكام تدعمهم دباباته، وتحميهم جيوشه وأجهزة أمنه، كما هو الحال في أفغانستان، لأن هذا الفريق يعلم أن ليس لهم في الشعب قبول، لأنه يخدم عدو الشعب الذي لم ترعرع بعيدا عنه، ويريد أن يتربع على كرسي الحكم لتحقيق مصالح العدو المحتل وأهدافه الآثمة.

ومع أن هذا الفريق قد رانت على قلوبهم أقذار موالاة أعداء الله، وضللت عقولهم أفكار قادة الظلم والعدوان، واعتقل أهواءهم فتات المال الحرام، فعبدوا الدولار بدلا من عبادة الله.

ومع ذلك فإنا لا نيأس من تحريك الفطرة الأزلية التي فطر الله عليها بني آدم عليها نفوسهم، عندما أخرجهم من ظهور آبائهم في عالم الذر: ((وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)) [الأعراف (172)].

ومن ميل ذي الرحم إلى أرحامه، فيؤثر صلتهم على القطيعة، ونصرهم على عدوهم، بدلا من نصر العدو عليهم:
((ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)) [النساء (1)]
((فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)) [محمد (22)]

أقول: لا نيأس من توبة هؤلاء إلى ربهم، ورجوعهم إلى فطرهم، وإيثار أهلهم على من سواهم، على الله بعزيز.

ولكنا نوجه نداءنا إلى الفريقين الأول و الثاني.
فنقول لهم: لقد تحقق ما كنتم إليه تصبون، وإن اختلفتم في وسيلة تحقيقه، قدر الله وما شاء فعل.

فقد ذهب صدام، وكبار قادته، وأصبحت تماثيله تُرمى بالنعال، وتُعطر بالبصاق، وتُجر لتسقط بسلاسل دبابات الأمريكان.

وخلت منه بروج مشيدة، بكل ما يشتهيه ساكنها مزودة، ما كان أحد من أفراد الشعب يجرؤ على تصويب نظره إلى ظاهرها، فضلا عن التفكير فيما تحتويه في باطنها، وأضحت اليوم مكسرة الأبواب، سهلة التناول و الانتهاب.
((فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون)) [النمل (52)]

نعم ذهب صدام، و بقي العراق، والعراق سفينتكم جميعا... اتسعت فيها خروق المفسدين، وتسربت إليها قاذورات المخربين، وتقاذفتها رياح عاتية عن شمال ويمين، وهي الآن تميد بركابها محاصرين مهددين.

سفينتكم تغرق، وقد أوغل المحتلون المعتدون في خرقها، ومن أعظم الخروق القاتلة، بث الفرقة والنزاع بينكم، والتحريش بين فئاتكم وأحزابكم، حتى يضربوا بعضكم ببعض، فيسهل عليهم السيطرة عليكم، وهي عادة الطغاة المتجبرين: ((إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين)) [القصص (4)]

فصونوا سفينتكم قبل أن تغرقوا جميعا، لا فرق بين شمالي وجنوبي، ولا مسلم ومسيحي، ولا سني وشيعي، ولا تركماني وكردي، ولا عشائري وآشوري.

فأجمعوا أمركم، واختاروا خبراء المهندسين لصيانة سفينتكم، واصطفوا ربانا ماهرا أمينا قويا يبحر بكم، واستنفروا حراسا صالحين مدربين لطرد المغتصبين لبلادكم.

غالب ركاب سفينتكم مسلمون، والعوامل الجامعة لكم، أكثر من الأسباب التي تمزقكم، فاعتصموا بحبل ربكم: ((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون)) [آل عمران (103)]

و اجتهدوا في إزالة أسباب نزاعكم، لتتقوا بذلك فشلكم وذهاب ريحكم: ((وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)) [الأنفال (46)]

لا تصدقوا دعاوى عدوكم، بأنه يريد تحريركم، فهو لا يريد إلا استعبادكم، ولكنه يسعى لتضليل عقول أبنائكم، فيقول كما قال سلفه لمن سبقكم: ((قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)) [غافر(29)]

لقد حل السرطان بجسم أمتكم، ولا سبيل إلى استئصاله إلا بسلوك سبيل الجراحين من آبائكم: ((ياأيها الذين ءامنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا)) [النساء (71)]
((انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)) [التوبة (41)]

وبدون هذه الجراحة التي تستأصل هذا السرطان، فسيستأصلكم: ((إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير)) [التوبة (39)]

إن عدوكم قد أعد العدة للاعتداء على جميع ضرورات حياتكم: "الدين والنفس والنسل والعرض والعقل والمال" والعدوان على واحدة منها، كاف لحفز هممكم وعزائمكم، لحفظ مقومات حياتكم وبقائكم.

وليعلم كافة المسلمين، وبخاصة سكان البلدان العربية، من حكام ومحكومين جميعا، أن العدو سيأكل بعد أكل الثور الأبيض، جميع الثيران: ((واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب)) [الأنفال (25)]

ولا سبيل إلى النجاة من هذه الغمة، إلا اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، ورفع علم الجهاد في سبيل الله، الذي هوالآن فرض عين على كل قادر عليه، خليا من الأعذار الشرعية، وهو شامل لكل ما يحققه من طب ومال، وتدريب وقتال، ومدد يقوى المجاهدون في ميدان النزال:
((إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرءان ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)) [التوبة (111)]

وعليكم أيها العلماء تقوموا بما أوجبه الله عليكم من البيان، وتتقوه فيما حذركم منه من الكتمان، والبيان المفروض عليكم، ليس مقصورا على شرح أحكام شعائر العبادات، ولا المشروع من المعاملات، ولا الحدود والتعزيرات، وإنما يشمل كل ما ينفع المسلمين أو يضرهم في في الحياة وبعد الممات.

ومن ذلك بيان مكائد الأعداء، من اليهود والنصارى والمشركين، التي يبرمونها ضد المسلمين، كما فصل الله ذلك في كتابه المبين، من سورة الفاتحة إلى سورة الناس.
ففي سورة الفاتحة: أهل الصراط المستقيم، والمغضوب عليهم والضالون، وفي سور البقرة، بيان لصفات المؤمنين والكافرين والمنافقين، وقد سميت ثلاث سور في كتاب الله بهذه الفئات: "سورة المؤمنون" وسورة "المنافقون" وسورة "الكافرون" وفي سائر السور تفاصيل مواقف أعداء الإسلام من المسلمين، في كتمانها لعنة الله:
((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون(159) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم(160) [البقرة]

السفينة تغرق فصونوها وقودوها إلى بر الأمان:
روى النعمان بن بشير: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) [صحيح البخاري رقم الحديث 2493، فتح الباري (5/132)].

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
abdullah_ahdal@hotmail.com