بسم الله الرحمن الرحيم

المسلمون في أوربا ومسئوليتنا عنهم (2)


موقف الأوربيين من الدين.
الديانة النصرانية قد حرفت، واختلط ما بقي منها بالأديان الوثنية القديمة: البوذية واليونانية والرومانية وغيرها. وما بقي منها سليما من التحريف، كتمه علماء أهل الكتاب، سواء أكانوا من اليهود أم من النصارى، كما قص الله تعالى عنهم ذلك في كتابه!
ومرت فترة كانت الكنيسة تسيطر فيها على حياة الناس، بطغيانها، حيث تجبرهم على التسليم الكامل بما يصدر عنها، مما يخالف العقل والواقع، ويُمَكِّن للظلم والظالمين، وكل من خرج عما يصدر عنها اعتبرته زنديقا يستحق القتل والنفي والتعذيب، لأنها تنسب كل أفكارها إلى الله وتتحدث باسمه!
فقد نقل المسلمون ما ترجموه من علوم اليونان التي كانت نظريات ذهنية مجردة، لا وجود لغالبها في التجارب الواقعية المثمرة،فحولوا أي-المسلمون-تلك العلوم إلى تجارب تطبيقية، مع إضافتهم ابتكارات أخرى لم يُسْبَقوا إليها، وعندما اختلط الأوربيون بالمسلمين في الأندلس تلقوا-الأوربيون-منهم-المسلمين-تلك العلوم التي كانت نواة القفزة الغربية المادية المعاصرة التي وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، كما استفاد الأوربيون من المسلمين بعض الأنظمة والقوانين.
والشيء المهم الذي رفضوه ولم يرفعوا به رأسا، هو العقيدة الإسلامية التي حاربوها، كما حاربوا الكنيسة النصرانية التي وقفت لهم بالمرصاد، لتحول بينهم وبين العلوم الكونية التي كانت تعتبرها زندقة وخروجا على دين الله في زعمها، وحجرت على عقولهم من التفكير المؤدي إلى نفيي ما أثبتته أو إثبات ما نفته، ولو كان ما وصلت إليه العقول واضحا وضوح الشمس في كبد السماء، لذلك اضطهدت علماءهم الذين استقوا من المسلمين المنهج التجريبي، وقتلتهم وسجنتهم ونفتهم، فوقفوا من كل الأديان موقف المعارضة والرفض، ورأوا أنهم بمروقهم من الدين وعدم التزامهم به، قد تحرروا من القيود والأغلال التي أجبرتهم على الخضوع للظلم والطغيان والجهل، وللتسليم بما يخالف العقول والفطر، واعتقدوا أن العلم والدين لا يجتمعان ولو أنهم فكروا بعقولهم قليلا من التفكير، لعلموا أن الدين الإسلامي الذي أخذوا تلك العلوم من أهله، لا يمكن أن يقارن بالدين الكنسي، لأنه لو كان مثل الدين الكنسي لما سمح لأهله بإتقان تلك العلوم مع التدين، ولكن القوم عميت بصائرهم، فحرموا أنفسهم وحرموا الأجيال بعدهم من نعمة الله العظمى، وهي دين الإسلام الذي كان سينقذهم وينقذ البشرية من الويلات التي نزلت بها من فصل العلم المادي عن هدى الله!.
أقسام الأوربيين من حيث مواقفهم من الدين:
وقد انقسم الأوربيون بالنسبة لموقفهم من الدين أربعة أقسام:
القسم الأول: رفض التدين مطلقا، واعتنق الإلحاد، فلا يؤمن بالغيب، ومن ذلك الإله.
القسم الثاني: لم يهتم بأمر الدين، ولا يرى فائدة في التفكير فيما وراء المادة، لأنه لا يقدم الإنسان، بل يؤخره، ويمكنه أن يأخذ بعض السلوكيات التي تناسبه من أي مجتمع إنساني، بصرف النظر عن تدينه أو عدم تدينه.
القسم الثالث: بقي مظهرا التمسك بالدين النصراني المحرف الذي يدعو إليه في خارج المجتمع النصراني أكثر منه فيه.
وغالب هؤلاء جهلة مرتزقة، وقد يوجد من بينهم عدد قليل صادقون في التزامهم ببعض الطقوس والعبادات، وإن كانوا يشعرون في قرارة نفوسهم أن عقولهم وفطرهم لا تستسيغ العقيدة النصرانية وتعقيداتها.
القسم الرابع: فئة تشعر بفراغ قلبي، لم تملأه العقيدة النصرانية، ولم تجد بدا من أن تبحث عن الحقيقة، لتصل إلى اقتناع بالتدين أو عدمه، فترى الشخص من هذه الفئة يبحث في جميع الأديان التي يعثر عليها، ويقارن بينها، وقد يصل في النهاية إلى الاقتناع بدين الإسلام، إذا وفق لمعرفته عن طريق الكتب أو عن طريق بعض المسلمين.

تابـــــع

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل