بسم الله الرحمن الرحيم

المسلمون في أوربا ومسئوليتنا عنهم (8)


وضع المسلمين الأوروبيين وصلة الوافدين بهم.
أما وضع هؤلاء المسلمين في مجتمعاتهم الأوربية وصلة المسلمين الوافدين بهم، فإن الاطلاع على ذلك يؤسف ويحزن-في غالب الأحوال-فقد شكا غالب هؤلاء المسلمين شكوى مرة مما يعانونه بعد إسلامهم، فهم بإسلامهم قد أعلنوا مخالفتهم لمجتمع نشئوا فيه، وأسر تربوا فيها، فقدوا بذلك الآباء والأمهات والإخوان والأخوات والأصدقاء، وربما الزوجات والأبناء والبنات، فمن الصعب عليهم أن يحافظوا على الاختلاط بهم إلا إذا تنازلوا عن التمسك بكثير مما يوجبه عليهم دينهم الجديد على مجتمعهم، في المنزل والشارع والمنتزه والسوق وغير ذلك.
وفي ذات الوقت لا يجد المسلم الغربي مجتمعا إسلاميا ينضم إليه، لقلة المسلمين وتفرقهم في السكن والعمل، وإذا أراد أن يلتقي بعضهم فلا يستطيع-غالبا-إلا في إجازة الأسبوع في بعض المساجد أو المراكز الإسلامية، هذا إذا اجتهد هو وترك مشاغله الشخصية وضحى براحته ونزهته، فإذا جاء إلى المسجد أو المركز، وجد المسلمين يتحدثون فيما بينهم عن مشكلاتهم الخاصة، أو يلقون دروسا بلغاتهم عربية أو أردية أو تركية أو غيرها، ومشكلاته تختلف عن مشكلاتهم، واللغة التي يتحدثون بها غير لغته.
لذلك تجد صلة المسلم الأوربي بالمسلمين الوافدين قليلة جدا هذا في الغالب، وقد تكون صلة بعض أفرادهم ببعض الوافدين من المسلمين جيدة.، حتى لقد قال لي بعض المسلمين الجدد: إننا نشعر بدخولنا الإسلام أننا صرنا كالأطفال الصغار الذين فقدوا آباءهم، فلا أسرنا ومجتمعنا وأصدقاؤنا بقوا معنا، ولا المسلمون الوافدون اهتموا بنا.
وقال لي آخر: إني أشعر بأن الانتماء إلى بلدي يجذبني، والولاء للمسلمين يشدني، ولكني لا أجد المجتمع المسلم الذي يكون قادرا على جذبي، وإني أفكر كثيرا فيما إذا حصلت حرب بين أهل بلدي وبين المسلمين، ما ذا أفعل؟ إسلامي يحتم علي أن أكون في صف المسلمين، وأهل بلدي يرون أني مواطن، وحق الوطن عندهم مقدم على كل شيء

أما أثر المسلمين الأوربيين على المسلمين الوافدين، فإنه ينقسم قسمين، بحسب حال المسلم الأوربي:
القسم الأول: أن بعض المسلمين الوافدين الذين كانوا متسيبين إلى الإسلام وهم غير ملتزمين به، عندما رأوا بعض المسلمين من الأوربيين يلتزمون الإسلام التزاما صادقا، أثر ذلك في نفوسهم فرجعوا إلى الله، فقد يتزوج المسلم غير الملتزم نصرانية لم تدخل في الإسلام بعد، وعندما تختلط به تبدأ تسأله عن دينه فلا يستطيع الإجابة عن أسئلتها لجهله، فيشعر بالخجل، فيذهب إلى بعض أئمة المساجد ليسألهم عما سألته زوجه وينقل لها الجواب، أو يذهب معها إلى بعض المراكز الإسلامية لتتلقى الجواب بنفسها، وقد تسمع بعض الأحاديث أو المحاضرات، فيهديها الله، فتدخل في الإسلام وتلتزم وتقوم بأداء الواجبات وتترك المحرمات، فيتأثر بها زوجها ويعود إلى الله، وقد يمتد ذلك الأثر منه إلى زملائه من الرجال، وقد تؤثر هي في بعض المسلمات الوافدات غير الملتزمات، وهكذا قد يدخل الرجل أو المرأة من الأوربيين في الإسلام ويلتزم أو تلتزم به، فيؤثرون بذلك في أصدقاءهم من المسلمين الوافدين غير الملتزمين. وقد يحصل عكس هذا تماما، فيتزوج المسلم الضعيف الإيمان النصرانية التي تبقى على دينها وعاداتها، وقد يطلب منها أن تدخل في الإسلام، أو تبدي رغبتها هي في ذلك فتسلم، ولكنها تبقى أيضا على عاداتها وأخلاقها، فتغلبه بطباعها وعاداتها، وتجرفه معها، فيقع في المحرمات، وقد يترك دينه بسبب الشبهات التي يورده أعداء الإسلام عليه، وقد توردها هي، وقد يؤثر هو في بعض زملائه من المسلمين من أهل بلده بما تأثر به هو، وقد تنجب له أولادا وتتولى تربيتهم على دينها وأخلاقها وعاداتها، وما أكثر ما يذوب أبناء المسلمين في المجتمعات الأوربية ويفقدون دين آبائهم.
هذه مجرد أمثلة، وهي واقعة وليست مفترضة ، والذي يراجع ما كتبته في مقابلاتي مع الفريقين المسلمين الوافدين والمسلمين الأوربيين في الكتاب السابع من سلسلة (في المشارق والمغارب) سيجد ذلك واضحا، وكذا كتاب: حوارات مع مسلمين أوربيين.
وهذا يبين لنا شيئا من حكمة وجوب الهجرة على المسلم من دار الكفر إلى دار الإسلام، وهذا شيء من أثر الأوربي المسلم على المسلم الوافد، فما بالك بأثر المجتمع الأوربي كله على المسلم، وبخاصة إذا كان ضعيف الإيمان!

تابـــــع

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل