بسم الله الرحمن الرحيم

السباق إلى العقول (10-11)
حصول رضا النفس وطمأنينتها في الدنيا لمن رضي الله عنه


حصول رضا النفس وطمأنينتها في الدنيا لمن رضي الله عنه.
ويجب أن يعلم أن هذه الغاية –رضا الله-التي جعلها أهل الحق نصب أعينهم-بل جعلوها أم الغايات-للسباق إلى العقول بالحق هي التي يتحقق بها الاطمئنان والسعادة والرضا لمن حققها، ويدل على ذلك أمران:
الأمر الأول: نصوص الكتاب والسنة، ما ذكر هنا منها وما لم يذكر، وبخاصةٍ قوله تعالى: ((رضي الله عنهم ورضوا عنه..)).[ المجادلة: 22 والبينة: 8]
وإن صاحب هذه الغاية ليجد الرضا في نفسه والطمأنينة والسعادة في أشد الظروف امتحانا وابتلاء، يتضح ذلك بتأمل قوله تعالى-مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيه من اقتدى به من أمته-: ((فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى)).[طه: 13] وفي معنى ذلك قوله تعالى: ((ألا بذكر تطمئن القلوب)). [الرعد: 28]
الأمر الثاني: شهادة الواقع فما من أحد سعى للوصول إلى هذه الغاية-سواء كان فردا أو أسرة أو أمة-إلا وجد في نفسه الرضا الطمأنينة والسعادة، وإن الذين ينأون بأنفسهم عن هذه الغاية ليحرمون أنفسهم من الرضا والطمأنينة والسعادة، مع كدهم واجتهادهم في الحصول على الرضا والطمأنينة والسعادة، عن غير هذه السبيل العظيم.
وبهذا يعلم أن أهل الحق عندما يسابقون بالحق إلى عقول الناس إنما يبتغون للناس الوصول إلى هذه الغاية ليتحقق لهم الرضا والاطمئنان والسعادة، إذ كلما كثر أهل هذه الغاية زادت في الأرض هذه المعاني التي ينشدها كل الناس.
وإذا كان رضا الله هو الغاية العليا الشاملة لكل غايات أهل الحق من سباقهم إلى العقول، فما الغايات التي تتفرع عن هذه الغاية وتعتبر وسائل لتحقيقها-وإن كانت كل واحدة منها غاية بذاتها-؟[ كون بعض الغايات تعتبر وسائل لغايات أخرى أمر معروف.]

الغايات المتفرعة عن الغاية العليا:
من أهم الغايات المتفرعة عن تلك الغاية ما يأتي:
أولا: تبليغ رسالات الله إلى الناس.
ثانيا: إقامة الحجة على الخلق.
ثالثا: إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
رابعا: تحقيق توحيد الله في الأرض.
خامسا: غرس الإيمان بالغيب في النفوس.
سادسا: تحكيم شرع الله في حياة الناس.
سابعا: تثبيت الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين والبراء من الكافرين.
ثامنا: غرس الأخلاق الفاضلة ومطاردة الأخلاق الفاسدة.
تاسعا: طلب العزة من الله وحده..
عاشرا: القيام بالخلافة في الأرض على أساس هدى الله.

أولا: تبليغ رسالات الله إلى الناس.
والمراد إيصال تلك الرسالات ببراهينها وحججها، حتى تكون واضحة بينة تفهمها العقول فهما تقوم به الحجة على أصحابها، وهذا هو البلاغ المبين الذي هو وظيفة الرسل عليهم السلام ووظيفة أتباعهم.
قال تعالى: ((الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا)). [الأحزاب: 38]
وقال تعالى: ((ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم)).[الجن: 28 ]
وكان الرسل عليهم الصلاة والسلام يعلنون لأقوامهم أنهم جاءوهم لتبليغهم رسالات الله إليهم.
قال تعالى عن نوح عليه السلام: ((أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم)).[الأعراف: 62]
وقال تعالى عن هود عليه السلام: ((أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين)). [الأعراف: 68]
وقال تعالى عن صالح عليه السلام: ((يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين)).الأعراف: 79]
وقال تعالى عن شعيب عليه السلام: ((يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين)).[الأعراف: 93]
وقال تعالى: ((فهل على الرسل إلا البلاغ المبين)). [النحل: 35]
وقال تعالى: ((وما على الرسول إلا البلاغ المبين)) [النور: 54، والعنكبوت: 18]
وإذا كانت هذه الوظيفة هي-في الأصل-وظيفة الرسل، فإنها وظيفة أتباعهم بعدهم، وبخاصة أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين لم يبق دين حق في الأرض غير دينهم، قال تعالى: ((قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني..)). [يوسف: 108]
وإذا ما حصل تقصير أو توان في هذه الوظيفة ممن كلفهم الله القيام بها-وحاشا رسل الله أن يقصروا ويتوانوا في ذلك-فإن ذلك إخلال بالوظيفة، كما قال تعالى: ((يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)).[ المائدة: 67]
ثانيا: إقامة الحجة على الناس.
حتى لا يكون لهم عذر يحتجون به على ربهم، وهذه الغاية ملازمة لما قبلها، لأن في تبليغ الرسالات إقامة للحجة، ولكن كلا منهما غاية من غايات أهل الحق في السباق إلى العقول.
قال تعالى: ((رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وكان الله عزيزا حكيما)).[ النساء: 165]
وقال تعالى: ((وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون، أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين، أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون)).[ الأنعام: 155، 157]

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

صيد الفوائد العلماء وطلبة العلم د. عبدالله قادري الأهدل