بسم الله الرحمن الرحيم

السباق إلى العقول (27-30)
نماذج من قساة القلوب في عصر حقوق الإنسان!


نماذج من قساة القلوب في عصر حقوق الإنسان!
لا نريد-كما سبق-تتبع قسوة الطغاة ووحشيتهم التي يعاملون بها الضعيف من قديم الزمان، بسبب فقد قلوبهم الرحمة والرأفة، والاستشهاد على ذلك بحوادث التاريخ، سواء أكان ذلك صادرا من أهل الكتاب، من اليهود و النصارى، أو الوثنيين من مجوس وغيرهم من الهندوس والبوذيين، وسواء عاملوا بتلك القسوة والوحشية دعاة الحق من الأنبياء والرسل واتباعهم، أو عاملوا بها أبناء جنسهم من الكفار، فإن ذلك-لو أردنا تتبعه-من الصعوبة بمكان.
والذي يرغب في الاطلاع على نماذج من قسوة أي أمة من تلك الأمم فإنه واجد في كتب التاريخ القديمة والحديثة ما يغنيه، فهذه الرسالة ليست معنية بذلك، وحسبها أن تشير بسبابتها إلى المكتبات العامة والخاصة، والمكتبات التجارية لمن عنده تلك الرغبة.
ولكنها-أي هذه الرسالة-معنية بذكر نماذج تثبت بها دعواها، وهي أن صفات أهل الباطل الذين يسابقون بباطلهم أهل الحق إلى العقول، هي على نقيض صفات أهل الحق، فإذا كان أهل الحق يتصفون بالرحمة بالخلق، ورحمتهم بهم تحملهم على إبلاغ الحق إلى عقولهم، فإن أهل الباطل يتصفون بالقسوة والغلظة، ولعدم رحمتهم بالخلق يحاولون أن يسبقوا أهل الحق بإبلاغ باطلهم إلى عقول الناس، ويتخذون لذلك كل الوسائل القاسية الغليظة الخالية من الرحمة لذلك السباق.
ولما كانت النماذج المعاصرة، أقرب إلى ذهن القارئ لأنه يراها ويسمع عنها، ويعيش في زمن أحداثها، فإن الاستشهاد بها أقرب إلى إقامة الحجة بها.
وسنعرض هنا خمسة نماذج من قساة القلوب الذين نزعت الرحمة من قلوبهم:
النموذج الأول: قساة القلوب من اليهود.
النموذج الثاني: قساة النصارى.
النموذج الثالث: قساة الوثنيين.
النموذج الرابع: قساة الملحدين.
النموذج الخامس: قساة المنافقين.

النموذج الأول قساة اليهود.
إن الأمة التي تكذب قادة دعاة الحق-الأنبياء والرسل-وتقتلهم، وهم يتوجهون إليها بدعوتها إلى الدخول في رحمة الله بها في الدنيا والآخرة، هي أمة بلغت أقصى حد القسوة والغلظة، وإذا نزعت الرحمة من قلوبها في معاملتها لأنبيائها ورسلها، فما الذي يتوقع منها في معاملتها لغيرهم؟ وبخاصة إذا كانوا أعداءها، وبالأخص إذا كان أعداؤها هم المسلمين الذين حسدوا رسولهم ورسالته في أول مجيئها، وحاولوا القضاء عليها في مهدها بقتل نبيها غيلة، وتأليب قوى الشر في الجزيرة العربية على حملتها، بعد نقضهم العهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهاهم اليوم يغتصبون بلاد المسلمين-بمعاونة النصارى-ويقتلون أبناءهم، ويسجنونهم، ويعذبونهم بأقسى أنواع التعذيب، ويخرجونهم من ديارهم، ويهدمون على رؤوسهم منازلهم، ويدنسون مقدسا تهم-ومنها قبلة المسلمين الأولى ومسرى رسولهم صلى الله عليه وسلم-.
وقد اغتصبوا أرض فلسطين سنة 1948م وأخذوا يعيثون فسادا في البلاد والعباد، ولست بمحاول تتبع معاملتهم القاسية لأهل البلاد من ذلك التاريخ، وإنما أذكر أمثلة قليلة من تلك المعاملة قريبة العهد، قرأها الناس في الصحف والمجلات، وشاهدوها في التلفاز وسمعوها في الإذاعة، وأكثر ما تذكر ذلك مفصلا وسائل الإعلام الأجنبية الموالية والمؤيدة لليهود: الأوربية والأمريكية [هذا كان قبل وجود بعض الفضائيات العربية التي أصبحت تنقل مجازر اليهود للفلسطينيين ساعة بساعة، وفي مواقع الإنترنت خير شاهد على ذلك] وشهادة الأهل على الأهل أقوى حجة من غيرها-ومع أن هذه الإشارة كافية لمن يعيش في هذه الأيام على الكوكب الأرضي، لأن مظاهر قسوة اليهود تعتبر بدهية عندهم، ويكفي أن يُذكَّرُوا بها للدلالة على فقد اليهود الرحمة في قلوبهم، أقول مع أن ذلك كاف فلا بد من ضرب أمثلة لتكون أكثر تذكير للحاضر ومرجعا للأجيال القادمة.
وسأقتصر على بعض الأمثلة بذكرها من مرجع واحد وهو: (الانتفاضة المباركة، وقائع وأبعاد)[للكاتب غسان حمدان].
فقد ذكر في الفصل الثالث من الكتاب-وعنوانه الإجراءات الإسرائيلية الإرهابية-: العناوين الآتية:
سياسة القبضة الحديدية. الاعتقالات العشوائية.
مبدأ رابين [كان وزيرا للدفاع، ثم أصبح رئيسا للوزراء، وقد اغتاله بنو جلدته احتجاجا على ما ظهر لهم من تقارب مع الشرطة الفلسطينية] في تكسير العظام. تعطيل الخدمات الصحية.
العقاب الجماعي. انتهاك حرمة المقدسات الإسلامية.
الحرب الاقتصادية. اشتراك المستوطنين في القمع.
محاولة كسر الإضراب التجاري. دفن الأحياء.
الاعتداء على المؤسسات التعليمية. هدم ونسف المنازل.
قنابل الغاز السامة. أجهزة عسكرية متطورة.
إبعاد المواطنين خارج فلسطين. الحرب النفسية.
التعتيم الإعلامي.
وسأقتطف بعض الجمل مما فصل المؤلف، بعد ذكره هذه البنود قال: (لم يترك جنود الجيش الإسرائيلي أسلوبا للتنكيل بالمواطنين إلا وتسابقوا على تنفيذه، حتى وإن أثار إرهابهم العالم-إلى أن قال-: وحول الأساليب القمعية والإجراءات التي اعترف المجرم شامير[كان رئيسا للوزراء] بأن الجنود كلفوا بتنفيذها، فإنها تحتاج إلى مجلدات كبيرة، ويكفي أن نورد أبرز هذه الأساليب مدعمة ببعض الشواهد، على سبيل المثال، لا الحصر:
1- اقتحام المنازل بعد فرض حظر التجول، وتحطيم الأثاث وزجاج النوافذ، والعبث بمحتويات المنزل... بالإضافة إلى الاعتداء على الموجودين فيها... رجالا ونساء... كبارا في السن أو صغارا...
2- قذف قنابل الغاز السامة والمسيلة للدموع داخل المنازل... كما عمدت قوات العدو إلى أسلوب جديد للتنكيل باستخدام هذه القنابل، حيث يقوم الجنود بإطلاق عدد من القنابل الغازية والدخانية في المنازل، ثم يجبرون المواطنين على دخول المنازل تحت الضرب الشديد.
3- إطلاق يد حرس الحدود... بأعمال تخريب وإهانة..
4- إخراج الرجال والأطفال من منازلهم وضربهم ضربا مبرحا بالهراوات وأعقاب البنادق، ثم ربطهم إلى أعمدة الكهرباء والهاتف والاستمرار في ضربهم إلى أن يفقد الشخص المربوط وعيه، وعندئذٍ يرش عليه الماء البارد ويعود الضرب من جديد، وقد يلجأ الجنود إلى ضرب رأس المعتقل بالحائط والعمود...
5- استغلال تأخر بعض المواطنين في الوصول إلى منازلهم ليلا، فيقوم الجنود باعتقالهم وتكسير أطرافهم... وإلقائهم في أماكن نائية في الطريق...
6- تجميع أعداد كبيرة من المواطنين ممن يتصادف مرورهم في الشوارع، وحشرهم في محلات تجارية، بعد فتحها بالقوة ثم يقوم الجنود بإلقاء قنابل غاز مسيل للدموع...
ويغلقون أبواب المحال والمواطنون بداخلها...
7-... إلقاء الحجارة أو إطلاق النار على اللواقط الزجاجية للسخانات الشمسية المنصوبة على أسطح المنازل.. وتحطيمها.. إطلاق النار على خزانات المياه لتفريغها من الماء، بهدف تعطيش المجاهدين الصامدين، ووصل الأمر إلى أن يقوم بعض الجنود الذين يحتلون أسطح المنازل والمدارس بالتبول داخل خزانات المياه.. وتحطيم أسقف المنازل المصنوعة من القراميد، ونتيجة لهذا العمل باتت كثير من الأسر الفلسطينية في مخيم جباليا تحت المطر وفي البرد والعراء.
8- ربط بعض الشباب إلى مقدمة سيارات الجيب العسكرية، التي تنطلق بسرعة ثم تتوقف فجأة، مما يؤدي إلى قذف الشخص الذي كان موثوقا إلى مقدمة السيارة مسافة بعيدة عنها، مما يؤدي إلى إصابتهم بجروح وكسور ورضوض في جميع أنحاء الجسم.
9- استخدام الجيش بعض المعتقلين أو المارة دروعا بشرية في مواجهة المظاهرات، وحجارة المجاهدين..
10- إدخال الإطارات المشتعلة إلى منازل المواطنين الذين يرفضون إطفاءها مما يؤدي إلى احتراق المنازل أو أجزاء منها...
11- تجميع المعتقلين في سيارة باص.. والاعتداء عليهم بالضرب، ثم إلقاؤهم واحدا بعد الآخر أثناء سير الباص في أماكن مختلفة...
12- إلقاء مواد تموينية فاسدة، وبخاصة البسكويت والشكلاتة في مداخل القرى والمخيمات-لتقع-تحت متناول الأطفال في محاولة لتسميمهم وقتل أكبر عدد ممكن من أبطال الانتفاضة...
13- قتل الأسرى والمعتقلين.
14- استخدام طائرات الهليكوبتر.. في إطلاق القنابل الغازية والمسيلة للدموع، على جموع المتظاهرين في داخل القرى والمخيمات عند عجز قوات المشاة والآليات في اقتحام مناطق المظاهرات، كما جرى تطوير عدد من هذه الطائرات، حتى تتمكن من إلقاء كمية كبيرة من الحجارة على المجاهدين، حيث زودت بمدفع قاذف للحجارة... كما تقوم الطائرات العسكرية المروحية بعمليات إنزال جوي للمظليين في القرى التي يغلق أهلها جميع مداخلها في وجه الجنود.. وتستخدم شبكة تلقيها من الطائرة لاعتقال الشباب المجاهد-كما يفعل صيادو الأسماك في البحر-.
بل إن الجنود يحملون المعتقل في الطائرة ويرمونه من الجو فيصاب بجروح وكسور خطيرة...
15- الانقضاض على من يتم القبض عليهم من الشباب المجاهد بالهراوات والعصي وأعقاب البنادق، وعلى جميع الأعضاء في الجسد وخاصة اليدين والقدمين.. وهذا هو مبدأ إسحاق رابين الذي نعت هذه العمل بقوله: (إن هذا الأسلوب أكثر فعالية من الاعتقالات، حيث إن المعتقل في سجن الفارعة مثلا يمكث.. (18يوما)يعود بعدها إلى الشوارع للتظاهر وقذف الحجارة، أما إذا قام الجنود بكسر يديه فإنه لن يتمكن من العودة إلى الشارع قبل شهر ونصف على الأقل...[ وقد شاهد العالم في كل مكان الجنود اليهود وهم يكسرون عظام الشباب الفلسطيني بالحجارة.]
وهكذا يضرب الجنود اليهود كثيرا من الشباب الفلسطيني حتى يموتوا...
16- يضاف إلى ذلك أنواع أخرى من التعذيب الوحشي الذي يصعب حصره، وقطع المواصلات والاتصالات الهاتفية، ومنع إبلاغ المواد الغذائية والتموينية إلى المخيمات، وقطع الخدمات الأساسية، كالكهرباء والماء وتخفيض السيولة النقدية في المناطق المحتلة إلى أدنى حد ممكن، ووقف صرف رواتب المعلمين والمعلمات، ورفع الضرائب المرهقة، ومنع تصدير المنتجات الزراعية لإحداث خسائر فادحة على الفلسطينيين، وإغلاق الأسواق وإتلاف المحاصيل الزراعية، وإغلاق الجامعات والمدارس، وتحويل بعض المدارس إلى ثكنات عسكرية وتعطيل الخدمات الصحية، ومداهمة المستشفيات والعيادات الصحية.
17- انتهاك حرمات المقدسات الإسلامية:
-تكثيف الوجود العسكري حول المساجد وإقامة الحواجز في الطرق المؤدية إليها ومضايقة.. الذاهبين لأداء الصلاة بتفتيشهم ومصادرة هويا تهم-مع السب والشتم المؤذي لمشاعرهم-.
-اقتحام المساجد والاعتداء على المصلين بالضرب بالهراوات وأعقاب البنادق والركل بالأرجل، ولا يستثنى من هذا الاعتداء أئمة المساجد.
-قطع الكهرباء عن المساجد قبيل موعد صلاة الجمعة لمنع الخطباء من التطرق إلى الانتفاضة الجهادية عن طريق مكبرات الصوت..
-اعتقال عدد من علماء الإسلام وخطباء المساجد.
-قذف قنابل الغاز داخل المساجد أثناء تجمع المصلين وإغلاق أبواب المساجد، وأحيانا إطلاق الرصاص على المصلين...
-إغلاق عدد من المساجد ومنع المواطنين من أداء الصلاة فيها...
-مصادرة مكبرات الصوت الخاصة بالآذان...
-الاعتداء على كبار العلماء مثل مفتي القدس ومحاولة إحراق المسجد الأقصى...
-الإذن للعصابات اليهودية بتدنيس المسجد الأقصى.
-تمزيق جنود اليهود أعدادا كبيرة من المصاحف وسب الدين الإسلامي...
18- دفن الأحياء من شباب الجهاد.
19-هدم ونسف المنازل.
20-إبعاد المواطنين خارج فلسطين (إخراجهم من أرضهم وديارهم..)[ راجع الكتاب المذكور من صفحة 327، 376 وقد حاولت أن أسجل للقارئ صور مختصرة جدا مع شيء من التصرف.]
وبمناسبة ذكر إبعاد المواطنين عن ديارهم وأرضهم، فإن المناسب ذكر حادثة حصلت هذه الأيام، وهي حادثة مؤلمة أمام سمع العالم وبصره، وأمام سمع العالم الإسلامي وبصره، وأمام من يسمى بالعالم العربي وبصره.
وخلاصتها:
أن شباب الجهاد (المنتمين إلى منظمة حماس)اختطفوا جنديا يهوديا في الأرض التي احتلها اليهود سنة 1948م وطالبوا بالإفراج عن زعيمهم المقعد المحكوم عليه بالسجن الأستاذ أحمد ياسين مقابل الإفراج عن الجندي اليهودي وحددوا وقتا معينا لدولة اليهود وإذا لم يفرجوا عن الزعيم المسلم فإنهم سيقتلون الجندي اليهودي، وبعد مضي المدة المحددة بفترة قتلوه ووجدت القوات اليهودية القتيل في الضفة الغربية مقتولا فطارت طائرتهم بعد أن حملوا حملة اعتقالات وداهموا المدن والقرى والمنازل وقتلوا عددا من شباب فلسطين وجرحوهم قبل العثور على جثة القتيل.
أما بعد ذلك فقد أضاف اليهود إلى قسوتهم قسوة أشد فأخذوا آلافا من منازلهم وزجوا بهم في السجون والمعتقلات واختاروا أربعمائة وخمسة عشر من خيرة رجال الدعوة والجهاد من ذوي المؤهلات العلمية من حملة الدكتوراه والماجستير والليسانس من معلمين وأطباء ومهندسين وكتاب وعلماء شريعة وحملوهم في شاحنات معصوبي الأعين وتعاونت الحكومة اليهودية والمحكمة العليا اليهودية فأصدرت هذه حكمها القاسي الظالم وطرد العدد المذكور ونفذت تلك المحكمة اليهودية الظالمة هذا الحكم الجائر!
وفي الحدود بين ما يسمى بالشريط الأمني الذي اغتصبته الدولة اليهودية من لبنان وبين الحدود اللبنانية، أنزلوا المظلومين وأطلقوا فوق رؤوسهم النار ليدخلوا الأراضي اللبنانية، واستقبلهم الجنود اللبنانيون بالنار من الجهة اللبنانية، فإذا هم على قمة جبل تتساقط عليه الثلوج وهم في العراء في الشتاء القارص، لا طعام، ولا شراب ولا مأوى، ولا غطاء ولا دواء، وكان ذلك في يوم الخميس الموافق ل-23من شهر جمادى الآخرة سنة 1413هـ-17ديسمبر سنة 1992م، وتمكن الصليب الأحمر في الأيام الأولى من مساعدتهم بعدد من الخيام والأغطية والطعام والماء والدواء، ثم تآمر اليهود من الجنوب، والنصارى والعلمانيون من الشمال، على منع أي مساعدات لهم عن طريق أهليهم أو الصليب الأحمر، لا من فلسطين المغتصبة، ولا من لبنان، بحجة أن كل دولة منهما ليست مسؤولة عنهم، أما اليهود فلا يريدون الاعتراف بأن لهم أي حق في المساعدة التي تأتيهم من دولتهم، لأنهم قد أبعدوا إلى خارجها، وأما اللبنانيون فيريدون أن لا يتحملوا تصرفات حكومة اليهود، ويزعمون أن في ذلك ضغطا على اليهود لإعادتهم، فانقطع عنهم كل شيء في ذلك الجبل وفشت في بعضهم الأمراض وصورهم المحزنة تنقل للعالم كله عبر التلفاز، وأصدر مجلس الأمن الأمريكي الذي يُزْعَم له بأنه تابع لهيئة الأمم المتحدة، قرارا يدين الدولة اليهودية ويطلب منها إعادة النظر في قرارها، وبعث النصراني المتعصب الحاقد على الإسلام والمسلمين بطرس غالي أمين عام هيئة الأمم المتحدة، مندوبا عنه إلى دولة اليهود ودولة لبنان للإذن بإسعاف المظلومين، الذين يطلقون عليهم كلمة مبعدين، ولكن كلتا الدولتين ردته على عقبه خائبا وهو يوالي ضحكاته في اجتماعاته مع اليهود واللبنانيين وكأنه بعث لحضور عرس وليس لإنقاذ نفوس.
و هاأنا أكتب هذه الصفحات في يوم الثلاثاء الموافق 5 من شهر رجب سنة 1413هـ-وهم على حالهم من الجوع والعطش والبرد والمرض وقد مضت عليهم اثنتا عشرة ليلة على تلك الحال، والعالم يتفرج والمسلمون يتفرجون والعرب يتفرجون!.
فهل من قسوة فوق هذه القسوة اليهودية، وهل يمكن أن تكون في قلوب أعداء الله وأعداء رسله رحمة بعد هذه الأعمال [1]؟!
وقد اضطرت الدولة اليهودية المُغتَصِبَة إلى قبول عودتهم، لكثرة الاحتجاجات العالمية، وزجت بكثير منهم في السجون بعد أشهر من الإبعاد والحرمان من أي حق يستحقه أي حيوان في الأرض!
هؤلاء هم اليهود وهذا فعلهم بذرا ري من آووهم وحموهم، وفتحوا لهم أبواب الاقتصاد والعلم والسياسة والحرية العقدية والعبادية من المسلمين، عندما كان النصارى يتتبعونهم ويضطهدونهم، وينزلون بهم أنواع النكال فيجازون الآن أبناء المسلمين الذين أحسنوا إليهم كما يجزى سنمار[راجع كتاب: خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية لعبد الله التل لمعرفة ما واجهه اليهود من مطاردة وقتل وتشريد في الدول الأوربية، وبخاصة بريطانيا وفرنسا وأسبانيا وألمانيا وغيرها كبولندا وإيطاليا ورومانيا وبلغاريا وسويسرا وهنغاريا، وفي روسيا أيضا، كل ذلك بسبب ما عرفه العالم من مكر اليهود وخبثهم ومحاولتهم السيطرة على غيرهم واستعباد الشعوب. ولم يجد اليهود من يجمعهم ويرعاهم ويحسن إليهم إلا المسلمون في أسبانيا ثم في البلدان الإسلامية في الشرق راجع الكتاب المذكور من ص 106-120. دار القلم الطبعة الثانية.]
وكان ينبغي أن يعتبر اليهود بما نالهم من عذاب وقسوة من عهد فرعون إلى عصرنا هذا، ويقدروا صفة الرحمة التي كانوا في أمس الحاجة إلى من يعاملهم بها فيدربوا أنفسهم على اكتسابها-وإن كانت مفقودة في قلوبهم-ولكنهم لم يعتبروا، بل لا زالت قلوبهم تقسو وتزداد غلظة كلما زادت قوتهم وسيطرتهم.
كانت كتابة هذه السطور قبل تسع سنين. وقد اشتدت المحنة على إخواننا الفلسطينيين، بعد قيام الحرة الجهادية الثانية-حركة الأقصى-التي أشعل فتيلها المجرم شارون، عندما دنس بدخوله باحة الأقصى بحماية الجيش اليهودي، بتاريخ1/7/1421هـ ـ 28/9/2000م قبل أن يكون رئيسا للوزراء، وهو اليوم[بعد أن أصبح رئيسا للوزراء] يعيث في الأرض المباركة فسادا لا يخفى على أهل الأرض جميعا، بعون ومدد من الدولة الصليبية المعاصرة[أمريكا] وحلفائها الأوربيين، مع خذلان زعماء العالم الإسلامي، وبخاصة زعماء العرب للمظلومين من أبناء هذا الشعب المجاهد المسلم، وكأن الأمر لا يعني هؤلاء الزعماء، الذين سيتفرغ لهم اليهود بعد القضاء على الشعب الفلسطيني وتشريده من أرضه[نرجو الله ألاَّ يحصل ذلك] وسيقول كب زعيم عندئذ: أكلت يوم أكل الثور الأبيض!
هؤلاء هم اليهود، فما نصيب النصارى من الرحمة؟!

النموذج الثاني: قساة النصارى في العصور الماضية.
من الصعب جدا تتبع الأمثلة الدالة على أن الرحمة قد نزعت من قلوب زعماء النصارى وكثير من مفكريهم، وأن القسوة والغلظة والوحشية قد حلت محلها، ويكفي المرء دليلا على ذلك أن يتتبع ممارساتهم في هذا العصر، في مشارق الأرض ومغاربها، عن طريق أجهزة إعلام النصارى أنفسهم-وما يخفونه أكبر-وبخاصة ما يسومون به المسلمين من قتل وتشريد وظلم متعمد.
وسأكتفي بمثالين بارزين قديمين دالين على قسوة كثير من النصارى ووحشيتهم وغلظ قلوبهم وخلو قلوبهم تلك من الرحمة، قبل أن أنتقل إلى ذكر بعض الأمثلة المعاصرة الدالة على ذلك.
المثال الأول:
معاملة النصارى في الأندلس للمسلمين الذين أسسوا في بلادهم-عندما فتحوها-حضارة لم تعهدها أوروبا ولا غيرها من بلاد العالم، حتى أشرقت أنوار تلك الحضارة على أوروبا، وكانت هي منطلق التقدم المادي الذي نشاهده الآن في الغرب، ولو أن أهل الغرب أخذوا بتوجيه المنهج الإسلامي كله، لكانوا حملة راية الإسلام وقادة المسلمين في العالم كله.
وشهد شاهد من أهلها‍.
وسأنقل نصا فيه شيء من الطول لهذا المثال، من كتاب لمؤلف غربي حتى ينطبق عليه المثل القرآني السائر: ((وشهد شاهد من أهلها...))[يوسف: 36].
قال غوستاف لوبون: (وعاهد فرديناند[نصراني أسباني كاثوليكي استولى على أخر مملكة إسلامية وهي غرناطة سنة 1492م.] العرب على منحهم حرية التدين واللغة، ولكنه في سنة 1499م، لم تكد تحل حتى حل بالعرب دور الاضطهاد والتعذيب الذي دام قرونا، والذي لم ينته إلا بطرد العرب من أسبانية، وكان تعميد العرب كرها فاتحة ذلك الدور، ثم صارت محاكم التفتيش تأمر بإحراق كثير من المعمدين على أنهم من النصارى، ولم تتم عملية التطهر بالنار إلا بالتدريج، لتعذر إحراق الملايين من العرب دفعة واحدة، ونصح كردينال طليطلة التقي! الذي كان رئيسا لمحاكم التفتيش، بقطع رؤوس جميع من لم يتنصر من العرب رجالا ونساء وشيوخا وولدانا، ولم ير الراهب الدومينيكي "بليدا" الكفاية في ذلك، فأشار بضرب رقاب من تنصر من العرب، ومن بقي على دينه منهم، وحجته في ذلك أن من المستحيل معرفة صدق إيمان من تنصر من العرب، فمن المستحب إذن، قتل جميع العرب بحد السيف، لكي يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى ويُدخِل النار من لم يكن صادق النصرانية منهم، ولم تر الحكومة الأسبانية أن تعمل بما أشار به هذا الدومينيكي الذي أيده الأكليروس في رأيه، لما قد يبديه الضحايا من مقاومة، وإنما أمرت في سنة 1610م بإجلاء العرب عن أسبانية، فقتل أكثر مهاجري العرب في الطريق، وأبدى ذلك الراهب البارع "بليدا" ارتياحه لقتل ثلاثة أرباع هؤلاء المهاجرين في أثناء هجرتهم، وهو الذي قتل مائة آلف مهاجر من قافلة واحدة، كانت مؤلفة من أربعين ألفا ومائة ألف مهاجر (140000)مسلم حينما كانت متجهة إلى إفريقية.
وخسرت أسبانية بذلك مليون مسلم من رعاياها في بضعة أشهر، ويقدر كثير من العلماء، ومنهم "سيديو" عدد المسلمين الذين خسرتهم أسبانية منذ أن فتح "فرديناند" غرناطة حتى إجلائهم الأخير بثلاثة ملايين، ولا تعد ملحمة سان باتلمي إزاء تلك المذابح سوى حادث تافه لا يؤبه له.
ولا يسعنا سوى الاعتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه مظالم قتل كتلك التي اقترفت ضد المسلمين.
ومما يرثى له أن حرمت أسبانية عمدا، هؤلاء الملايين الثلاثة الذين كانت لهم إمامة السكان الثقافية.. والصناعية..
وسيرى القارئ في الفصل الذي خصصناه للبحث في وارثي العرب، مقدار الانحطاط الذي أسفر عن إبادة العرب، وإذا كنت قد أشرت إلى هذا هنا فلأن شأن العرب المدني لم يبد في قطر ملكوه كما أبيد في أسبانية، التي لم تكن ذات حضارة تذكر قبل الفتح العربي، فصارت ذات حضارة ناضرة في زمن العرب، ثم هبطت إلى الدرك الأسفل من الانحطاط بعد جلاء العرب، وهذا مثال بارز على ما يمكن أن يتفق لعرق من التأثير...)[ كتاب حضارة العرب، للدكتور غوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر، الطبعة الرابعة ص 270، 272 وراجع الفصل الذي يليه لمعرفة أثر الحضارة الإسلامية في أوروبا.].
المثال الثاني:
ومما يدل على قسوة كثير من النصارى ووحشيتهم وخلو قلوبهم من الرحمة، ما عاملوا به المسلمين في بعض الحروب الصليبية.
وأنقل في ذلك نصا فيه شيء من الطول كذلك لنفس الكاتب: "غوستاف لوبون" الذي قال:
(ويدل سلوك الصليبيين في جميع المعارك على أنهم من أشد الوحوش حماقة، فقد كانوا لا يفرقون بين الحلفاء والأعداء، والأهلين الْعُزل والمحاربين، والنساء والشيوخ والأطفال، وقد كانوا يقتلون وينهبون على غير هدى.
ونرى في كل صفحة من الكتب التي ألفها النصارى في ذلك الزمن براهين على توحش الصليبيين، ويكفي لبيان ذلك أن ننقل الخبر الآتي الذي رواه الشاهد الراهب "روبرت" عن سلوك الصليبيين الحربية [الصواب أن يقال: (الحربي) لأنه نعت حقيقي لسلوك، وهو مفرد، ونعت المفرد يكون مفردا.] وذلك بالإضافة إلى ما حدث حين الاستيلاء على القدس.
قال المؤرخ الراهب التقي! روبرت:
" وكان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت، ليرووا غليلهم من التقتيل، وذلك كاللبؤات التي خطفت صغارها، وكانوا يذبحون الأولاد والشبان والشيوخ ويقطعونهم إرْبا إرْبا، وكانوا لا يستبقون إنسانا، وكانوا يشنقون أناسا كثيرين بحبل واحد بغية السرعة، فيا للعجب ويا للغرابة أن تذبح تلك الجماعة الكبيرة المسلحة بأمضى سلاح من غير أن تقاوم![ يبدو أنه يستبعد أن يكون هؤلاء الضحايا مسلحين، لأنهم لو كانوا مسلحين لدافعوا عن أنفسهم. ]
وكان قومنا يقبضون على كل شيء يجدونه، فيبقرون بطون الموتى، ليخرجوا منها قطعا ذهبية، فيا للشره وحب الذهب! وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث فيا لتلك الشعوب العمي المعدة للقتل! ولم يكن بين تلك الجماعة الكبرى واحد ليرضى بالنصرانية دينا، ثم أحضر "بوهيموند" جميع الذين أعتقلهم في برج القصر، وأمر بضرب رقاب عجائزهم وشيوخهم وضعفائهم، وبسوق فتيانهم وكهولهم إلى إنطاكية لكي يباعوا فيها...". إلى أن قال:
"وكان سلوك الصليبيين حين دخلوا القدس غير سلوك الخليفة عمر بن الخطاب نحو النصارى حين دخلها منذ بضعة قرون، قال كاهن مدينة "لوبوي" "ريموند داجي": حدث ما هو عجب بيد العرب عندما استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعضهم.فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم(!) وبقرت بطون بعضهم فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من على الأسوار، وحرق بعضهم في النار، فكان ذلك بعد عذاب طويل، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا...".
وروى ذلك الكاهن الحليم خبر ذبح عشرة آلاف مسلم في مسجد عمر، فعرض الوصف اللطيف الآتي:
" لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان، وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك، وكانت الأيدي والأذرع المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها، فإذا ما اتصلت ذراع بجسم لم يعرف أصلها، وكان الجنود الذي أحدثوا تلك الملحمة لا يطيقون رائحة البخار المنبعثة من ذلك إلا بمشقة..."[ المرجع السابق: ص325، 327.]

قسوة النصارى ووحشيتهم في هذا العصر.
أما الأمثلة على قساوة قلوب النصارى وغلظتهم ووحشيتهم في هذا العصر وبخاصة على المسلمين، فالكرة الأرضية كلها تشهد بها وتئن من وطئتها، وساكنو هذا الكوكب يقرؤون ذلك ويسمعونه ويشاهدونه في كل مكان[لا نريد الحديث عن الفظائع التي أرتكبها النصارى في القارات التي احتلوها بالكامل وقضوا على سكانها بدون رحمة وجعلوا من بقى منهم ذليلا مهانا أقل عندهم من رتبة الحيوان، كما هو الحال في أمريكا الشمالية والجنوبية واستراليا، ولا الحديث عن تجارة الرقيق التي عمت أقطار إفريقية وأسهمت فيها كل دول النصارى فهذا أمر يطول (راجع كتاب إفريقيا الإسلامية للدكتورة عنايات الطحاوي ص 231).].
فقد عاثت الدول النصرانية فسادا، اعتدت فيه على ما اتفقت الأمم على وجوب حفظه، من الضرورات التي لا تحيى تلك الأمم إلا بحفظها، وهي: النفوس والعقول والنسل والمال-إضافة إلى الدين ومن أمثلة ذلك:
أولا: في القارة الإفريقية:
فقد تداعت دول أوروبا النصرانية على البلدان الإفريقية، في شمالها وجنوبها وشرقها وغربها ووسطها، وتقاسموها فيما بينهم-على شدة الاختلافات السائدة بينهم-وأنزلوا بسكانها من الدمار والهلاك، ما تتورع عنه الوحوش في غاباتها، قضوا في كل بلد على زعمائه وقادته وسفكوا دماء الآلاف من أبنائه، بدون تفرقة بين الرجال والنساء، والشيوخ والكهول والشباب والأطفال، وشردوا الآلاف المؤلفة، وحرموا من بقي في البلاد من أقل حقوق الإنسان التي يتشدق النصارى بالدعوة إليها، فأذلوا بذلك سكان البلدان الإفريقية كلهم واستعبدوهم ونهبوا خيراتهم، كل ذلك باسم الاستعمار والتحرير.
في شمال إفريقيا:
فقد نقل الأمير شكيب أرسلان عن بعض المراسلين الأوروبيين الذين رافقوا الجيوش الإيطالية عندما اغتصبت ليبيا شيئا، يسيرا مما ذكره أولئك المراسلون وشاهدوه من أعمال غزاة النصارى الوحشية، فقال:
(وليس المسلمون وحدهم هم الذين شاهدوا أعمال الطليان وضجوا منها، بل ثمة كثير من الإفرنج شاهدوها وأنكروها، ومن ذلك المستر "فرانسس ماكولا" الإنجليزي الذي كان مرافقا للجيش الإيطالي في طرابلس عند الاحتلال وشاهد تلك الفظائع بعينه، فقد قال: "أبيت البقاء مع جيش لا هم له إلا ارتكاب جرائم القتل، وإن ما رأيته من المذابح، وترك النساء المريضات العربيات وأولادهن يعالجون سكرات الموت على قارعة الطريق جعلني أكتب للجنرال "كانيفا" كتابا شديد اللهجة، قلت له: إني أرفض البقاء مع جيش لا أعده جيشا، بل عصابة من قطاع الطرق والقتلة).
(ومن ذلك شهادة الكاتب الألماني "فون غوتبرغ" الذي قال: " إنه لم يفعل جيش بعدوه من أنواع الغدر ما فعله الطليان في طرابلس، فقد كان الجنرال كانيفا يستهين بكل قانون حربي، ويأمر بقتل جميع الأسرى، سواء أقبض عليهم في الحرب أو في بيوتهم، وفي سيراكوزه الآن كثير من الأسرى الذين لم يؤسر واحد منهم في الحرب، وأكثرهم من الجنود الذين تركوا في مستشفى طرابلس.
وقد قبض الطليان على ألوف من أهل طرابلس في بيوتهم ونفوهم، بدون أدنى مسوغ إلى جزر إيطاليا حيث مات أكثرهم من سوء المعاملة.
وأقر ما قاله "هرمان رنولوف" المراسل النمساوي الحربي فقد وجد في الباخرة التي نقلت جانبا من هؤلاء الأسرى فوصف تلك الحالة، فقال:
" في الساعة السادسة من مساء كل يوم يكبل هؤلاء المرضى بالحديد في اليد اليمنى والرجل اليسرى، حقا إن موسيقى هذه السلاسل تتفق مع المدنية التي نقلتها إيطاليا إلى إفريقيا، لا ريب أن الطليان قد أهانوا كثيرا، فلم يكف أنهم أسقطوا منزلة أوروبا العسكرية في نظر إفريقيا، حتى شوهوا اسم النصرانية أمام الإسلام "ثم قال:" وقد قتل الطليان في غير ميدان الحرب كل عربي زاد عمره على أربع عشرة سنة، ومنهم من اكتفوا بنفيه.
وأحرق الطليان في 26 أكتوبر سنة 1911م حيا خلف بنك روما، بعد أن ذبحوا أكثر سكانه بينهم النساء والشيوخ والأطفال "قال:" ورجوت طبيبين عسكريين من أطباء المستشفى، أن ينقلوا بعض المرضى والمصابين المطروحين على الأرض تحت حرارة الشمس فلم يفعلا، فلجأت إلى راهب من كبار جمعية الصليب الأحمر، هو الأب "يوسف بافيلاكو" وعرضت عليه الأمر، وأخبرت شابا فرنسيا أيضا، لكن الأب "بافيلاكو" حول نظره عني ونصح الشاب بأن لا يزعج نفسه بشأن عربي في سكرات الموت، وقال: "دعه يموت".
قلت (القائل هو الأمير أرسلان): "ليتأمل القارئ أن هذا الذي يقول هذا القول هو قسيس يزعم أنه ممثل المسيح على الأرض، وأنه من رجال الصليب الأحمر، أي الجمعية التي تزعم أنها تخدم الإنسانية بلا استثناء" ثم قال هذا المراسل النمساوي: "ورأيت على مسافة قريبة جنديا إيطاليا يرفس جثة عربي برجله، وصباح اليوم التالي وجدت الجرحى والمرضى الذين رجوت الراهب من أجلهم قد ماتوا..." ثم قال: "رأينا طائفة من الجنود تطوف الشوارع مفرغة رصاص مسدساتها في قلب كل عربي تجده في طريقها، قد نزع أكثرهم معاطفهم، ورفعوا أكمام قمصانهم كأنهم جزارون......"
وقال مراسل التايمز يومئذٍ-قلت [القائل هو شكيب أرسلان]: ولا يجوز أن ننسى أن غارة إيطاليا على طرابلس كانت بالاتفاق مع فرنسا وإنجلترا، استرضاء لإيطاليا على إثر تقاسم إنكلترا وفرنسا مصر والمغرب-: "إن قسوة الانتقام التي استعملها الطليان في وقعة يوم الاثنين يليق أن يقال عنها إنها أعمال قتل عام، فقد فتكوا بكثير من الأبرياء، وستبقى ذكرى هذا الانتقام زمنا طويلا".
وقال المسي كسيرا مراسل جريدة " إكسليسيور" الباريسية:" لا يخطر ببال أحد ما رأيناه بأعيننا من مشاهد القتل العام ومن أكوام جثث الشيوخ والنساء والأطفال، يتصاعد منها الدخان تحت ملابسهم الصوفية كالبخور يحرق أمام مذبح من مذابح النصر الباهر، ومررت بمائة جثة بجانب حائط قضي عليهم بأشكال مختلفة.
وما فررت من هذا المنظر حتى تمثلت أمام عيني عائلة عربية قتلت عن آخرها، وهي تستعد للطعام، ورأيت طفلة صغيرة أدخلت رأسها في صندوق حتى لا ترى ما يحل بها وبأهلها. إن الإيطاليين فقدوا عقولهم وإنسانيتهم من كل وجه"....)[حاضر العالم الإسلامي (264-128) ذكر فيها الأمير شكيب أرسلان من الفظائع الوحشية التي قام بها النصارى الإيطاليون ما لا يكاد يصدقه العقل فراجع ذلك إن شئت والتاريخ الإسلامي (14/24).].
هذه نصوص مختزلة لبعض المراسلين الأوروبيين عن وحشية النصارى وقساوة قلوبهم وخلوها من الرحمة، في بلد واحد وهو ليبيا ومن جيش بلد أوروبي نصراني واحد، هو الجيش الإيطالي برضا الدول النصرانية الأخرى في أوروبا، وهو مثال ينطبق على كل البلدان التي اغتصبها النصارى في إفريقيا-وغيرها-.
والعالم كله يعرف غلظة النصارى الفرنسيين وقسوتهم ووحشيتهم التي عاملوا بها الشعب الجزائري الذي قدم مليون شهيد، في سبيل إزاحة نير أولئك القساة من على كاهله، مع إهانة مقدساته والاعتداء على مساجده، التي حولوها إلى كنائس ودنسوها بالشرك بدلا من التوحيد الذي كان يعمرها[راجع كتاب: الاستعمار أحقاد وأطماع للأستاذ محمد الغزالي ص37. وراجع كذلك التاريخ الإسلامي 14/229 وما بعدها لمحمود شاكر. ].
وحدث عن قسوة النصارى واليهود مجتمعين على المسلمين اجتماعا مباشرا، كما حصل من بريطانيا وفرنسا ودولة اليهود على مصر المسلمة، ولا حرج.
واقرأ السطور القليلة الآتية التي سطرها الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله) عن العدوان الثلاثي على مصر سنة:
قال: "وإني ساعة كتابة هذه السطور أستمع إلى رواية شاهد عيان يصف غزو الحلفاء الثلاثة: إنجلترا وفرنسا وإسرائيل لمدينة ,, بور سعيد،، قال: بذل الأهلون قصارا هم في رد الجنود الهابطين بالمظلات، واستطاعوا مغالبة الأفواج الأولى منهم، بيد أنهم بوغتوا بمئات الطائرات ترجم المدينة بقذائفها الحارقة، وكان الأفق مليئا بهذه الأسراب المغيرة، تغدو وتروح، وهي تفرغ الهلاك في كل مكان!
خمسمائة غارة في هذا اليوم الأغبر-كما نطقت بذلك بلاغات العدو-وانضمت سفن الأسطول إلى هذا الهجوم، فأخذت تطلق مدافعها على المدينة اللاغبة، فرئيت القصور والنار تخرج من نوافذها، ثم ما هي إلا لحظات حتى تندك فوق رؤوس ساكنيها.
وسرى الرعب إلى الحيوانات التي تقطن المدينة، فانسابت تجري في شو راعها على غير هدى، غير أن الرصاص المنهمر لا يدعها تصل إلى مهرب، فأين المهرب للإنسان والحيوان في هذا البلاء المحيط؟ ولذلك تجاورت في الميادين والأزقة جثة كلب شارد وإنسان بائس… وكانت الجثث المتناثرة كأوراق الشجر الساقطة في فصل الخريف، تكسو الأرض المخضبة في منظر يثير اللوعة وأحيانا تجد كوما من الموتى وقع بعضهم على بعض فتتساءل: أُركِموا هكذا بفعل فاعل؟... لله كم هي رخيصة دماء أولئك المسلمين؟![الاستعمار أحقاد وأطماع ص 130، 131.]
أما ما فعله الاستعمار الفرنسي ثم الاستعمار الإنجليزي في مصر فله شأن آخر وكذلك في السودان.[ راجع شيئا من فظائع الفرنسيين في مصر في نفس الكتاب ص 152، 169.]
في شرق إفريقيا:
ولا يختلف ظلم النصارى الأحباش، وبخاصة في عهد الطاغية هيلاسلاسي، عن ظلم النصارى الأوروبيين للمسلمين وقسوتهم، إلا في أن ظلم نصارى الحبشة وقهرهم للمسلمين مستمر طويل لأنه صادر من قساة قلوب حاكمين من أهل البلاد أنفسهم، أما الأوروبيون فاغتصابهم للبلاد طارئ، ومقاومة الطارئ مهما عتي وتجبر أخف من مقاومة طاغ أصيل في البلاد، يمكنه أن ينال عون الظالم الأجنبي الطارئ، كما حصل لوحش الحبشة الذي أيدته جميع الدول النصرانية في الغرب، لإنزال الضربات القاسية على المسلمين قتلا وتشريدا وإذلالا واعتداء على كل ضرورات الحياة، هذا مع أن نسبة المسلمين في البلاد تفوق نسبة غيرهم، ولكن عدوهم ينكر ذلك ويدعي العكس، وتعدت قسوتهم حدود الحبشة إلى الأوغادين الصومالية.
فكم قتلوا من النفوس وكم هدموا من القرى وكم شردوا من البشر [اقرأ في ذلك المرجع السابق من ص71، 106.]
أما "إريتريا" المسلمة فقد دمروها وأحرقوها حرقا وأبادوا شعبها إبادة جماعية، برغم مقاومته الباسلة.
يقول هارون آدم علي: " تمكنت حركة الكفاح المسلح للشعب الإريتري في الفترة من 1381هـ-1386هـ من تصعيد عملياتها الجهادية بأسلوب حرب العصابات، حتى استطاعت استقطاب الجماهير في الريف الإريتري، وأصبحت عملياتها العسكرية تقض مضاجع الاستعمار الأثيوبي... (و) جن جنون الإمبراطور هيلاسلاسي، فأمر قواته بالزحف على الريف الإريتري معقل الثوار برا وجوا للقضاء على اليابس والأخضر، دون تمييز بين الثوار والشعب الأعزل من النساء والأطفال، بل أمر جنوده بإبادة ما يصادفونه من المواطنين بالرصاص وإضرام النار في المنازل، حيث عمت البلاد في عام 1387هـ سلسلة من المجازر البشرية ما تفوق في قسوتها مجازر دير ياسين بفلسطين وشارب بفيل في جنوب إفريقيا، إذ سقط خلال عدة شهور من القصف الجوي الأثيوبي أكثر من 60 ألف مواطن، جلهم من النساء والأطفال والكهول، ودمرت أكثر من 1500 قرية، وقتل ما يقارب المليون رأس من الثروة الحيوانية، بالإضافة لانتهاك الحرمات وعمليات النهب والسلب والتدمير التي مارستها قوات الاحتلال الأثيوبي ضد الشعب الإريتري..."[ واقرأ كذلك: الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام ص 178، 184.]
ولا زال المسلمون في إريتريا يعانون عنتا من النصارى، وبخاصة بعد استيلاء الحزب النصراني على البلاد الآن، بقيادة أسياسي أفورقي الذي ارتمى في أحضان اليهود وأنزل من الأذى والتشريد بالمسلمين ما يندى له الجبين.
ولعل هذه النماذج لقسوة النصارى في شمال إفريقيا وشرقها كافية لليقين بأن هؤلاء الأجلاف العتاة الذين يزعمون التمدن وحماية حقوق الإنسان و إعمار الأرض وتحضير الناس والارتقاء بهم، قد نزعت الرحمة من قلوبهم.
ولا داعي لزيادة ذكر نماذج في بقية بلدان إفريقيا في غربها ووسطها وجنوبها، فالنماذج متقاربة، ولكن يضاف إلى أعمال الغاصبين الأوروبيين في غرب إفريقيا ووسطها، أنهم اتخذوا الجنس البشري بضاعة مزجاة، إذ كانوا يصطادون أهل البلاد رجالا ونساء وصغارا وكبارا بأعداد هائلة ويملئون بهم السفن التي تبحر بهم إلى بلدان أوروبا وأمريكا، ليبيعوهم عبيدا بأبخس الإثمان، حيث يستعبدهم الجنس الأبيض ويرهقهم بالأعمال الشاقة، ليجود عليهم بلقمة العيش التي يبقون بها أحياء يكدون ويكدحون في المزارع والمصانع، ويعاملونهم معاملة أدنى من معاملة الحيوان، فلا يساكنونهم ولا يؤاكلونهم ولا يشار بونهم، ولا يسمحون لهم أن يلبسوا مثل لباسهم، ولا يركبوا مركوبا تهم، ولا يأذنون لهم بتلقي التعليم مثلهم، وعندما انفرج الأمر قليلا أذن لهم بالتعليم في مدارس خاصة بهم لا يختلطون بالبيض في مدارسهم.
وكان كثيرا من هؤلاء الأفارقة مسلمين.
ولم تلغ التفرقة العنصرية البغيضة قانونا إلا بعد كفاح مرير ومعاناة شديدة مروا بها.
ولا زال الاحتقار عمليا موجودا ضد الأفارقة في أمريكا، وكان أول حصن يحتمون به من تلك التفرقة العنصرية ويكافحون الجنس الأبيض انطلاقا منه، هو الإسلام الذي اعتنقه أليجا محمد من أجل تحرير قومه من ذلك الظلم الغاشم، وكان فهمه للإسلام فهما منحرفا، وبعد وفاته خلفه ابنه وارث الدين الذي بدأ يتفهم الإسلام شيئا فشيئا، بسبب زياراته للحرمين ولقائه العلماء في الحجاز واتصاله بالمسلمين العرب وغيرهم به في أمريكا حتى تخلص من مفاهيم والده الخطيرة للإسلام.
وأصبح هو وقومه الآن أقرب إلى فهم الإسلام، وبذلك أصبحت عندهم عزة وبدأ الأمريكيون يحترمونهم.
قسوة النصارى في آسيا:
قسوة الإنجليز على أهل فلسطين قبل أن تسلم أرضهم لليهود.
وقد ذكر نبذة مختصرة من ذلك الشيخ الغزالي، فقال:
(تفننت السلطة البريطانية في أساليب التعذيب ووسائله، واستخدمت العلم وأدواته لإنزال أشد ما يمكن من الألم بأهالي فلسطين، والتعذيب عندهم على نوعين: تعذيب فردي لإكراه الفرد على الاعتراف. وهو ما يجري عادة في سراديب تحت الأرض[وهو أسلوب متبع لدى كل من انتزعت الرحمة من قلبه حتى من المنتسبين إلى الإسلام، كما سيأتي. ] وتعذيب عام يرتكب في الجماعات لإرهاب الأهلين وإرهاقهم، وهو ما يجري على ملأ من الناس في البيوت والطرق وساحات القرى في الليل والنهار.
التعذيب الفردي
[وهو أيضا أسلوب متبع يمارسه الآن اليهود في فلسطين والعلمانيون في بلاد المسلمين.]
1- الزنزانة: وهي سجن ضيق لا يكاد يسع الإنسان، وطعام السجين كسرة صغيرة من الخبز الرديء مع قليل من الماء.
2- الضرب، وهم يضربون الشخص بالسياط والأيدي والأرجل، حتى يغمى عليه، وتتورم الرجلان من كثرة الضرب، ثم يضعونه تحت صنابير الماء البارد زيادة في إيلامه.
3-التهديد بالقتل، يخرجون المسدسات، ويصوبونها إلى وجهه، ويهددونه بإطلاقها عليه.
4-الزجاج والمسامير، يكرهونه على السير فوق قطع من الزجاج والمسامير، ويكرهونه على القفز فوقها، فإذا توقف ضربوه بالسياط، فلا يزال يقوم ويقع والدم ينزف من رجليه ويديه وسائر جسمه، حتى يرتمي آخر الأمر منهوكا أو مغمى عليه، وينزعون ثيابه، ويضربونه بألواح من خشب فيها مسامير فيسيل دمه.
5-أو يجلسونه على خشبة خازوق ويربطون في رجليه أثقالا من أكياس الرمل، حتى يغمى عليه.
6-أو يربطون إبهامي رجليه بسلك من الحديد، ثم يشدونه حتى تكاد إبهامه تنقطع.
7-أو يربطون أعضاءه التناسلية برباط متصل بِبَكْرة من السقف، ثم يجذبون الحبل شيئا فشيئا حتى يغمى عليه، وكثيرا ما قطعوا عضوه التناسلي.
8-تقطيع الأظافر والشعر بكلاليب خاصة، ويشدونه من شاربه ولحيته وينتفون شعره.
9-صب الماء في الجوف، ويصبون الماء في فمه بواسطة قمع خاص، حتى يملئوا جوفه، وينتفخ كالقربة ويتألم أشد الألم.
10-الكي بالنار، ويحمون أسياخ الحديد حتى تلتهب كالجمر، ثم ينخسونه بأطرافها، ويأتون بالمسامير المحماة بالنار ويغرسونها تحت أظافره.
11-التعذيب بالكهرباء: يضعون في يديه جهازا كهربائيا ويسلطون عليه تيارا كهربائيا أقل قوة مما يكفي للموت فيرتعد ويضطرب ويختلج، ولا يستطيع أن يلقى الجهاز من يديه.
12-الفعل الشنيع!.
13- سلخ قدمي المعذب، وصب الزيت المغلي عليها، ونسف الرجال بالديناميت، كما حدث في قرية الزيت.
14- ينقلونه إلى المستشفى، حتى إذا شفي أرجعوه إلى التعذيب ثانية.
15- يخفون الشخص الذي يظهر عليه أثر التعذيب، وأحيانا يقتلونه، ليخفوا أثر الجريمة.
16-التعذيب بالإغراق، يلقونه في البحر حتى يشرف على الغرق، لإكراهه على الاعتراف.
17-المسكرات والمخدرات، يجرعونها للقرويين كرها يصبونها بحلوقهم، ويحقنونهم بالمورفين، ويسممونهم بالكوكايين والهروين، كما جرى مع رفاق الشهيد المرحوم الشيخ فرحان السعدي.
18-يعدون سراديب خاصة للتعذيب في دائرة المباحث الجنائية بالقدس وغيرها، فلما يجيء دور الرجل المراد تعذيبه، يأخذونه إلى أقبية التعذيب، وهو معصوب العينين بعد منتصف الليل، وبعد إغمائه من الألم ينقلونه إلى مخفر البوليس، ثم إذا أفاق يعودون به إلى أقبية التعذيب.
19-يخفون المعذبين عن أهلهم وسائر الناس، لكي لا يمكنوا أحدا من زيارتهم أو معرفة مكانهم.
فإذا فرغوا من تعذيبهم وزال أثر التعذيب، نقلوهم إلى سجن القدس أو عكا أو معتقل الزرعة.
التعذيب العام.
عندما يعجز الجيش عن أن ينال من المجاهدين، ينقلب إلى الفلاحين المساكين الآمنين في بيوتهم ينتقم منهم، ويشفي صدره بتعذيبهم بالضرب الشديد بأعقاب البنادق والهراوات الغليظة بلا شفقة ولا رحمة، وبدون تفريق بين الصغار والكبار والرجال والنساء، يسمون هذا العمل عملية تفتيشية، ويرتكب خلالها من الفظائع أشكالا وألوانا، وكل القرى ذاقت فظاعة التفتيش، ويتخلله تخريب البيوت ونسفها بالديناميت، وإتلاف أمتعة الفلاحين ومؤنهم ونهب الحلي والأموال، وترويع النساء والأطفال، وقتل الآمنين على قارعة الطريق من رجال ونساء وأطفال [الاستعمار أحقاد وأطماع 280، 288.
وقد كانت هذه الأساليب من الإنجليز نواة لأساليب اليهود في فلسطين الآن، وهاهم اليوم قد نفوا أكثر من أربعمائة من خيرة المسلمين في فلسطين إلى جبل في مرج الزهور في فصل الشتاء القارص بدون طعام ولا شراب ولا دواء ومر عليهم في هذا التعذيب الجماعي أكثر من شهر. راجع ما مضى في هذه القصة.]
قسوة الإنجليز على المسلمين في الهند.
عندما استولى الإنجليز على الهند وجهوا حقدهم على المسلمين إلى محاربتهم، و تحريض الهندوس والسيخ على الفتك بهم، بعد أن فتكوا هم بمن استطاعوا الفتك به منهم، والاستيلاء على أملاكهم وأراضيهم، وبعد ان أعلن الحاكم البريطاني: "أن العنصر الإسلامي في الهند هو عدو بريطانيا اللدود، وأن السياسة البريطانية يجب أن تهدف إلى تقريب العناصر الهندوكية لتساعدهم في القضاء على الخطر الذي يتهدد بريطانيا في هذه البلاد...."
" فاشتد الإنجليز في هجمتهم على المسلمين بعد إنهاء الثورة واستولوا على أراضيهم، ففقد المسلمون أملاكهم الواسعة ولم يبق لهم سوى 5% من أراضيهم التي كانوا يملكونها من قبل وسدت في وجوههم أبواب الرزق في الدواوين، وصودرت أملاكهم، وأخذ الإنجليز جانب الهندوس والسيخ وأطلقوهم يهزءون بالمسلمين وبدينهم، ويسومونهم سوء العذاب فكانت المذابح التي راح ضحيتها الآلاف من المسلمين..." ل[حاضر العالم الإسلامي وقضاياه ة للدكتور جميل عبد الله المصري ص 397. دربت بريطانيا الهندوس على ارتكاب المذابح للمسلمين في الهند كما دربت اليهود-وهم في الأصل مُدَرِّبون-على ذلك بالنسبة للفلسطينيين.]
لقد اغتصب النصارى الأوروبيون عامة البلدان الآسيوية، وعاثوا فيها فسادا وقتلوا وشردوا ودمروا وأذلوا أهلها، وعاملوا المسلمين بالذات معاملات وحشية قاسية دلت على نزع الرحمة من قلوبهم من غرب آسيا إلى شرقها وجنوب شرقها، لا فرق بين إنجليزي وفرنسي وأسباني وبرتغالي وهولندي، وختموا أعمالهم في البلدان الإسلامية بإيجاد أحزاب متناحرة ودول متحاربة يكيد بعضها لبعض، وهم الآن يورون زناد المعارك بين الشعوب الإسلامية ويصنعون لهم السلاح الذي يقتل به بعضهم بعضا، ولكنهم يحجرون على الحكومات القائمة في الشعوب الإسلامية أن تقتني سلاحا متطورا يكون شبه هجومي، ويأذنون بذلك لأعداء المسلمين من اليهود في فلسطين والهند في جنوب القارة الهندية ليمكنوا الدولتين من السيطرة على الشعوب الإسلامية وضربها بشدة وبدون رحمة عند اللزوم.
قسوة نصارى الفلبين وغلظتهم على المسلمين.
تعرض المسلمون في الفلبين لحملة إبادة من نصارى أوروبا، ومن أمريكا-مؤخرا-ولا نحتاج للحديث عن ذلك، فقد عرفنا كيف نزعت الرحمة من قلوبهم في معاملتهم المسلمين في الأندلس، وفي الحروب الصليبية، وفي زمن اغتصابهم بلدان المسلمين في الشمال الإفريقي وشرقه، والقارة الإفريقية بصفة عامة والآن في البوسنة والهرسك.
والذي نريد الإشارة إليه هو ما قام به نصارى الفلبين أنفسهم، في العصر الحاضر ضد المسلمين.
فقد تآمر ماركوس والرهبان والقسس في الفلبين-بإمداد من اليهود في فلسطين، ومن النصارى في الدول الغربية-على المسلمين وقرروا إبادتهم وأنشئت منظمة نصرانية إرهابية أطلق عليها: (إيلاجا) أي جماعة الفئران-على اعتبار أنها منظمة شعبية، والواقع أن ماركوس هو الذي أمدها وأيدها بكل الوسائل، بل يقال: إنه هو الذي أنشأها، وقد ارتكبت هذه المنظمة من الفظائع ما يترفع عنه وحوش الغاب، فطردت المسلمين من ديارهم وأرضهم، وأحرقت بيوتهم ومساجدهم ومزارعهم ومصاحفهم، وقتلوا علماءهم وأئمتهم، وهتكوا أعراض نسائهم ومثلوا بشهدائهم، حيث يقطعون رؤوس الأطفال وآذان الرجال وأثداء النساء، وينالون جوائز على هذا التمثيل من المنظمات السرية مقابل كل أذن أو رأس أو ثدي يحضرونه[راجع مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، العدد الثالث من السنة الخامسة محرم سنة 1393ه-فبراير 1973م ص 105 وما بعدها.].
وعلم العالم كله بالمذابح والاعتداءات على المسلمين العُزْل، ولا زالت الاعتداء ت مستمرة من قبل حكام الفلبين على المسلمين حتى كتابة هذه السطور [1422هـ ـ2001م] ، وأمامي رسائل من لجنة الإعلام التابعة "لجبهة تحرير مورو الإسلامية" تبين الحملات التي يقوم بها الجيش الفلبيني بين حين وأخر على المسلمين، وحشد قواته في جنوب الفلبين، ومحاصرة معسكر أبي بكر الصديق الذي يحتمي فيه الشيخ سلامت هاشم قائد الجبهة.
والمسلمون يستنجدون في هذه الرسائل، يطلبون أن يمدوا بالمؤن الغذائية والملابس والأغطية والأموال التي يؤمنون بها لأنفسهم سلاحا، يدافعون به عن أنفسهم وأعراضهم[التقيت الشيخ سلامت هاشم في مقر قيادته وسجلت بعض المعلومات-كتابة-عن تاريخ جهادهم، كان ذلك في 2 صفر سنة 1410هـ.]
هؤلاء هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهذه نتف قليلة جدا من حوادث قسوتهم، تكفي وحدها للدلالة على غلظ قلوبهم وخلوها من الرحمة وبخاصة على المسلمين.
وإذا كانوا بهذه الصفة وهم يسابقون بمبادئهم وأفكارهم الباطلة إلى العقول، فهل يرجى منهم بكثرة أتباعهم واستيلائهم على العالم، إلا القسوة والغلظة والوحشية التي دمروا ولا زالوا يدمرون بها العالم.!

=======
[1]-هذه الحادثة لا تحتاج إلى ذكر مرجع، ويكفي أن يعرف القارئ التاريخ ثم يضع يده على أي جريدة أو مجلة في أي بلد وبأي لغة ليقرأ تفاصيل القصة، والذي يشاهد التلفاز لا يحتاج إلى قراءة، والذي سيقرأ القصة في المستقبل يستطيع البحث عن شريط فيديو ليرى ما رأينا.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

صيد الفوائد العلماء وطلبة العلم د. عبدالله قادري الأهدل