بسم الله الرحمن الرحيم

السباق إلى العقول (52-53)
وسائل أهل الحق في السباق إلى العقول


الوسيلة الثانية عشرة: النوادي.
إن النوادي بأقسامها المتنوعة، من أهم الوسائل التي يمكن لأهل الحق أن يسبقوا بحقهم أهلَ الباطل، إلى عقول الناس فيها سواء أكانت تلك النوادي ثقافية أو اجتماعية أو رياضية أو أدبية، رسمية-كانت-أو شعبية، ولذلك ينبغي أن يسعى أهل الدعوة إلى الله إلى اغتنام أي فرصة تتاح لهم، للدخول في تلك النوادي والاختلاط بأعضائها عن طريق الوظائف أو الاشتراك العضوي، من أجل إبلاغ الحق إلى عقول أهل تلك النوادي بالأساليب المشروعة المناسبة، ولا يجوز لأهل الحق ترك تلك النوادي لأهل الباطل الذين يجعلونها بؤرة لباطلهم.

خطوات استفادة أهل الحق من النوادي:
والخطوات التي يجب اتخاذها لمحاولة استفادة أهل الحق من تلك النوادي كثيرة، ومنها ما يأتي:
الخطوة الأولى: توجيه بعض الشباب المسلم المثقف ثقافة إسلامية جيدة والمربّى تربية إسلامية عالية، إلى الدراسة التي تؤهلهم لقيادة نشاطات تلك النوادي الرياضية والثقافية والأدبية والاجتماعية، حتى يكون تأثيرهم في أعضاء النوادي تأثيرا إيجابيا، لكونهم في مراكز توجيه فيها.
الخطوة الثانية: السعي لتوظيف أولئك الشباب المتخصص في النوادي المناسبة لتخصصاتهم، حتى يكون نشاطهم مشروعا بمقتضى نظمها، وتكون غايتهم غرس الإيمان بهذا الدين في نفوس أعضاء النوادي، وتثقيفهم ثقافة إسلامية تجعلهم واعين بما يحيط بهم، وبكيفية التعامل مع الواقع تعاملا هادئا مؤثرا بدون ضجيج، وبتربيتهم تربية إسلامية تحقق فيهم معنى العبودية لله تعالى والتحلي بالأخلاق الإسلامية العالية، وتحبب إليهم التطبيق العملي للإسلام في أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم.
الخطوة الثالثة: ينبغي أن يفرز عدد مناسب من الشباب الإسلامي المتربي على الإسلام، ليكونوا أعضاء في تلك النوادي من أجل التأثير في أعضائها بمعاني الإسلام.
الخطوة الرابعة: ينبغي أن يخطط أهل الحق لإبلاغ الحق إلى أعضاء النوادي، بكل الطرق والوسائل المشروعة المتاحة، من كتيبات ونشرات وصحف ومجلات إسلامية، وشُرُطْ كاسيت أو فيديو لتحقيق أهداف الدعوة الإسلامية في الأعضاء.
الخطوة الخامسة: يجب أن يعد أعضاء النوادي لحمل الدعوة الإسلامية إلى زملائهم في النوادي الأخرى، سواء كان في نفس بلدانهم أو في البلدان الأخرى إسلامية كانت تلك البلدان أو غير إسلامية.
وقد أصبحت الفرق الرياضية وغيرها في هذا العصر تجوب العالم كله للاشتراك في المسابقات الدولية، ولو أن هذه الفرق التي تنفق على تدريبها الأموال الكثيرة اعتني بها في الثقافة الإسلامية والتربية الإسلامية الشاملة، وحببت إليها الدعوة الإسلامية، والتزمت بالإسلام فكانت قدوة حسنة لغيرها، لكان لها أثر عظيم في نشر الإسلام وإظهار محاسنه، ولكانت من أهم وسائل إبلاغ الحق والسبق به إلى عقول الناس، وهكذا الفرق الثقافية والاجتماعية وغيرها.
الخطوة السادسة: ينبغي أن تهتم الجماعات أو الجمعيات الإسلامية بإنشاء نواد شعبية متنوعة، كتلك النوادي الرسمية أو شبه الرسمية، وتضع لها الأهداف والخطط والوسائل الممكنة، لتؤدي الدور المطلوب الذي قد يصعب تحقيقه في النوادي الرسمية، وإذا تعذّر إنشاء مثل هذه النوادي الشعبية في مَقَارَّ-جمع مقر-معينة لأسباب مادية وعسر في النفقات أو أمنية، كعدم إذن الجهات الرسمية-المحاربة للدعوة الإسلامية-بذلك، فينبغي إنشاء نواد مفتوحة متنقلة في الحدائق العامة أو الملاعب الشعبية، وهي الساحات التي توجد في الحارات أو في أطراف القرى والمدن تقام عليها المسابقات الرياضية المتنوعة بما أمكن من الأدوات والتخطيط.
وكثير من الشباب يفعلون ذلك بأنفسهم، ويمكن للشباب الإسلامي أن يختلط بهم ويشاركهم في نشاطهم، ويتخذ الأساليب والوسائل المناسبة لهدايتهم وتربيتهم وحفظهم من الضياع، بترتيب أوقاتهم في هذه النشاطات، وفي المحافظة على الصلوات في أوقاتها، وفي استذكار دروسهم وتحسين العلاقات معهم حتى تحصل الثقة بهم وقبول التوجيه منهم.
فالشباب المشتركون في هذه النشاطات يؤثر بعضهم في بعض أشد من تأثير غيرهم ممن لا يشاركهم في النشاطات، وبخاصة إذا أُحْسِنَتْ مداخل خطابهم في كل نشاط بما يناسبه من الموضوعات الإسلامية، كالفروسية وارتباطها في الإسلام بأهدافها العليا، كإعداد القوة للجهاد في سبيل الله ورفع راية الإسلام...
الخطوة السابعة: ينبغي أن يبتعد من يريد هداية الشباب في تلك النوادي، عن الدعوة إلى الحزبيات الضيقة التي تصدع صف المسلمين وتحدث التنازع بينهم، وأن يغرسوا في نفوسهم-فقط-الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، حرصا على جمع كلمة المسلمين تحت راية [لا إله إلا الله محمد رسول الله] وعملا بقول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا...}. وقوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. وفي تطبيق هذا الأمر فائدتان
الفائدة الأولى: ما سبق من اجتماع الكلمة واتقاء التنازع.
الفائدة الثانية: سد الباب على دعاوى من يضيقون ذرعا، بالتمسك بالإسلام، حيث يحاربون من يتمسك به، بحجة الدعوة إلى الحزبية.

الوسيلة الثالثة عشرة: الرحلات والمخيمات.

أولا: الرحلات.
كثير من الناس يرغبون في ترك منازلهم أو بلدانهم والرحيل عنها لأهداف متنوعة، منها تغيير نمط حياتهم الذي ألفوه في غالب أوقاتهم وحصل لهم منه ملل وسآمة، فيحبون أن يمتعوا أنفسهم بالانطلاق من ذلك النمط، كالتدريس والدراسة للمدرس والدارس، والأعمال الإدارية للموظفين في مكاتبهم على تنوعها واختصاصاتها، والأعمال الهندسية كذلك، كالمهندس المعماري والمهندس الزراعي، والمهندس الكهربائي، وغيرها من الأعمال الكبيرة والصغيرة.
وهذه الرحلات قد تكون قصيرة كالإجازة الأسبوعية، وقد تكون متوسطة كإجازة نصف السنة، وقد تكون طويلة كالإجازة الصيفية، وقد لا يكون بعض الناس مقيدا بعمل معين في مكان معين ولكنه يحب أن يضرب في أرض الله الواسعة...
وأكثر الناس لا هدف لهم إلا التمتع العادي والاستجمام.
ومنها-أي أهداف الرحيل-الاطلاع على بعض المناطق أو البلدان والتعرف عليها جغرافيا، أو اجتماعيا ومعرفة عادات أهلها، وسلوكهم وحضارتهم، ونظمهم الإدارية، وحالتهم الاقتصادية وسلعهم المتوافرة، وغير ذلك من المعارف المتعلقة بأهل البلد، والناس يختلفون في الاهتمام بشيء مما ذكر أو أشياء.
ومنها التجارة ومعاملاتها، بيعا أو شراء أو ما يتعلق بهما.
ومنها طلب العلم-أي علم كان مما يرغب فيه الدارس-ومنها أداء وظيفة كُلِّفَها من قبل دولته، كالوظائف الدبلوماسية وما يتعلق بها، أو التدرب على أعمال خاصة في دورات محددة.
ومنها قضاء أوطار هابطة ومزاولة أعمال فاسدة، لا يستطيع المرء الحصول عليها بحرية كاملة في بلاده، كتناول المسكرات والمخدرات والولوغ في مستنقع الشهوات والفواحش، وغير ذلك من الأهداف المباحة أو المحرمة.

ولكن هناك أهدافا أخرى عليا يحرص عليها المؤمن التقي وبخاصة الراغب في هداية الناس بمنهج الله، ومن تلك الأهداف:
1- تقوية المسافر إيمانه بسياحته في الأرض ونظره في الكون وتأمله فيه وأخذ العبرة منه، سواء مشى على قدميه أم استقل دابة، أم صعد إلى السماء في طائرة، أم ركب سيارة أو قطارا، أم مخر عباب البحر في سفينة.
فهو عندما يسيح في الأرض يرى كل شئ في الكون كأنه جديد: البحار والأنهار، والغابات، والحيوانات، والسحاب والمطر والجبال، والكواكب، والبشر الذين تختلف ألوانهم ولغاتهم وعاداتهم وغير ذلك، كما أن في الاطلاع على آثار الماضين-صالحين أو طالحين-عبرة لمن اعتبر، فيزداد المعتبر باعتباره صلاحا، ويهرب من الاتصاف بفساد الفاسدين، قال تعالى: {أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ..}.
وقال تعالى: {قل انظروا ماذا في السماوات والأرض..}.
وقال تعالى: {فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شئ قدير...}.
وقال تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون..}.
وقال تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.
وقال تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}.
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذه المعاني.
2- ومن الأهداف العليا للراحل والمسافر، الدعوة إلى الله وبيان الحق للناس والحث على قبوله، وبيان الباطل والحض على تركه والبعد عنه، فقد سن الله تعالى لملائكته الانتقال من مواطنهم في السماء، والهبوط منها إلى الأرض لتبليغ وحيه إلى رسله، وكذلك شرع لرسله عليهم السلام أن يرحلوا من أجل إبلاغ الحق إلى الناس في بلدان نائية وتوطين الحق وأهله فيها، كما سافر إبراهيم عليه السلام بزوجه هاجر إلى مكان البيت الحرام، وتركها هنالك وولدت ابنه إسماعيل عليه، ثم بني بعد ذلك معه البيت، فكان ذلك نواة لانبثاق الرسالة الخاتمة بعد ذلك التي انطلقت من هناك، وهكذا كان للرسول صلى الله عليه وسلم نصيب وافر في ذلك، حيث كان يؤم أسواق الناس ومخيماتهم بل وقراهم، مبلغا دعوة الله كما حصل له ذلك مع أهل الطائف، وهكذا هاجر هو وأصحابه إلى المدينة، حيث قامت دولة الإسلام، وقبل ذلك هاجر أصحابه إلى الحبشة، فرارا بدينهم ودعوة إليه، وقد بذروا الإسلام في الحبشة التي استوطنها قبل غيرها من مدن الجزيرة العربية بما فيها المدينة المنورة، ولا زال راسخا فيها إلى اليوم برغم كيد أعدائه له ولأهله، وهكذا انطلق الصحابة والتابعون فيما بعد بالحق إلى كل أنحاء الأرض المعروفة آنذاك، فارتفعت راية الإسلام ودولته في مشارق الأرض ومغاربها.
3- ومن الأهداف العليا للراحل: رفع راية الجهاد في سبيل الله، لتحطيم الحواجز التي توضع للصد عن سبيل الله والدعوة إليه، ولدفع عدوان أعداء الإسلام وتحصين الثغور منهم.
وقد بسطت القول في هذا في مجلدين كبيرين بعنوان: الجهاد في سبيل الله، حقيقته وغايته، وسيأتي توضيح كون الجهاد وسيلة من وسائل السباق إلى العقول، ليس لإكراه الناس على الدخول في الإسلام وإنما لفتح المجال لإبلاغ الحق وسماعه.
4- ومن الأهداف العليا للراحل، تفقد أحوال المسلمين، ومد يد العون لهم من ذوي اليسار والغنى، بإنشاء المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية وغير ذلك مما المسلمون في أمس الحاجة إليه في كل مكان، ولا سيما الأقليات منهم في البلدان غير الإسلامية.
5- ومن أهم الرحلات المؤثرة في السباق إلى العقول بالحق، الرحلات العبادية، كرحلات الحج والعمرة من بلدان المسلمين القريبة والبعيدة، فإن أجواء هذه الرحلات مهيأة للأخذ والعطاء، صاحب الحق القادر على إبلاغه يعطي، ومرافقه المحتاج إلى سماع ذلك الحق يسمع ويأخذ.
6- هذا عدا الرحلات التي ينبغي أن ينظمها أهل الحق للشباب، لتحقيق إبلاغ الحق إلى عقولهم وإقناعهم به بالطرق والأساليب الممكنة المناسبة، سواء كانت رحلات استجمام أو رحلات صيد أو رحلات رياضية، أو غيرها.
إن هذه الأهداف وغيرها من الأهداف الحميدة النافعة، ينبغي أن تبين للمسلمين وأن يضعوها نصب أعينهم وهم يرحلون من بلادهم، وإذا تمكن القادرون على السباق بالحق إلى العقول من مرافقة الراحلين من إخوانهم وأبنائهم في أسفارهم، فعليهم أن يغتنموا الفرصة بتطبيق هذه الأهداف فيهم عملا.
ولما كان الراحل معرضا للمغريات والشهوات والتعامل مع غير أهل بلده ممن لا يعرفونه، و قد يدفعه ذلك إلى عدم الاحتراز عن مقارفة بعض الخلال السيئة في غربته، بخلاف بلده الذي يعرفه فيه أهله وجيرانه ومجتمعه، ولهم أخلاق وعادات يلتزمون بها ويعدون الخروج عنها شاذا عن ضوابط حياتهم، ولما كان الشارع يريد منه الالتزام بضوابط الشريعة في سفره كحضره، ويزيد على ذلك الإكثار من فعل الخير بما في ذلك الدعوة إلى الله وهداية الضال بإبلاغ الحق إلى العقول، فقد شرع الله له دعاء يلجأ به إليه عند سفره، ليحقق له به كل تلك الأهداف وغيرها من أعمال الخير، وهو يبدأ بهذه العبارة العظيمة التي تعتبر-مع كونها دعاء-توجيها للمسافر ليبني تصرفاته عليها: [اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى...] وتأتي في أثنائه هذه العبارة الدالة على حرص المسافر على حفظ الله إياه حفظا يجعله هو وأهله ممن يلازمون البر والتقوى والعمل بما يرضي الله: [اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل...]

ثانيا: المخيمات.
والمخيمات من الوسائل المهمة للسباق إلى العقول، من الناحتين النظرية والعملية.
لذلك ينبغي العناية بها وإقامتها في الأوقات والأماكن المناسبة، في المصيفات والصحارى والشواطئ، والإعداد لها وتنظيمها تنظيما يحقق الهدف من إقامتها، ويُكَلَّف الإعدادَ لها وتنظيمها والإشراف عليها ووضع برامجها، ذوو الكفاءة والخبرة فيها، ويُختار لها ذوو اختصاصات متنوعة من الاجتماعيين والثقافيين والرياضيين والعلماء الشرعيين، وتملأ أوقاتها كلها بالمواد المنظمة المفيدة غير المملة، بحيث تكون متنوعة ومشوقة، من مسابقات ثقافية وأدبية ورياضية، وتمثيليات، وأناشيد، ودروس علمية خفيفة ومحاضرات وحوارات، ونكات ذات مغزى وهدف، وفروسية، وتدريب على أعمال المخيمات، كنصب الخيام وتنظيفها وحراستها وفرشها، ونشاط الجوالة، وطبخ الطعام وإعداد السُّفر، وشراء ما يحتاج إليه المخيم من البلد المجاور وغير ذلك، مع الحرص على إقامة حلقات قرآنية يتحلق فيها أعضاء المخيم، لقراءة القرآن مجودا، وإشارة من عنده علم في الحلقة إلى بعض الفوائد والآداب القرآنية باختصار، وكذلك مدارسة شئ من السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين، وإبراز بعض المعاني التي تدعم هدف المخيم المقام.
ويتوقف الإيجاز والإسهاب في هذه المواد على ضيق الوقت وسعته، فقد يقام المخيم لمدة شهر أو شهرين، وقد يقام لمدة أسبوع أو أسبوعين أو يوم أو يومين، ولكل زمان ما يناسبه.
ثم إنه يختلف نشاط المخيم باختلاف الهدف منه، وباختلاف الأعضاء المشاركين فيه، فقد يكون الهدف منه مدارسة حدث معين من أحداث المسلمين الكثيرة والخطيرة، كقضية فلسطين، أو قضية البوسنة والهرسك، أو الصومال، أو إريتريا، أو بعض دول آسيا الوسطى، أو قضية أفغانستان، أو الفلبين أو غيرها من القضايا النازلة بالبلدان الإسلامية أو بلد واحد منها، يراد دراسة القضية من حيث الأهداف-أهداف المسلمين أو أهداف أعدائهم-والأسباب التي نشأت عنها القضية والمؤامرات التي تحاك لها، وما يجب على المسلمين فعله، وموقف المنظمات الإسلامية الرسمية والهيئات الشعبية، والشبهات التي قد ترد على بعض المسلمين فيها ومحاولة دحضها وإزالتها على ضوء موقف الشريعة الإسلامية منها.
وقد يكون الهدف من المخيم تربية أعضائه أو بعضهم على معاني إسلامية معينة، كقيام الليل، والمحافظة على الأذكار المطلقة والمقيدة، والصبر والإيثار، والأخوة الإسلامية، وقد يكون الهدف منه التدريب على الدعوة وأساليبها وكيفية مخاطبة الناس بالخطبة أو المحاضرة.
وقد يكون الهدف تدريب بعض الأعضاء على إجادة العمل في بعض الوسائل الإعلامية، كالصحافة والتصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني، وصحافة الحائط والملصقات ونحو ذلك، من فنون الإعلام ومواده، كالتمثيلية والمسرحية وإدارة ندوة أو حوار أو مقابلة.
وقد يكون الهدف منه التدريب على الأعمال الإغاثية، من جمع الأموال والمواد المحتاج إليها للإغاثة، كالأدوية والملابس والأغطية وغيرها، ثم التخطيط لإبلاغها إلى مستحقيها بالطرق الظاهرة والخفية، وكذلك التدرب على الإسعافات الأولية التي تمكن من يشترك في أعمال الإغاثة من مساعدة المرضى والعجزة والمصابين.
وقد يكون الهدف التدريب على أساليب مكافحة نشاطات التنصير في العالم الإسلامي، بالتعرف على المؤسسات النصرانية النشطة، ومصادر دعمها، والبلدان المستهدفة للتنصير، والوسائل المتخذة في ذلك، وما يجب على المسلمين القيام به، وكيف يُقْنَع القادرون على مكافحة التنصير بأداء واجبهم فيه، من أغنياء الأمة بالتمويل، ومن العلماء الشرعيين بالأسفار إلى تلك البلدان لتبصير الناس بالخطر التنصيري وأساليبه الماكرة، وتعليمهم عقيدة الإسلام وفرائضه، والرد على شبهات المنصرين في تزيين دينهم أو الطعن في دين الإسلام، وكذلك إقناع بعض ذوي الاختصاصات التي يحتاج إليها المسلمون المتسهدفون بالتنصير، كالطب والبيطرة والهندسة الزراعية والكهربية ونحوها، لمشاركة العلماء الشرعيين في مساعدة المسلمين المستهدفين الذي يغريهم النصارى بالمساعدة في تلك المجالات، وهكذا يحدد لكل مخيم هدفه ويخطط في إقامته لتحقيق ذلك الهدف.
إن المخيمات تعتبر مجالا خصبا لأهل الحق لإبلاغ حقهم إلى عقول الناس وبخاصة الشباب، كما أنها مجال كذلك لإزالة الباطل من العقول وصيانتها منه، إذا ما وجد المشرفون الأكفاء الذين يقومون عليها.
والمناسبات المسوغة لإقامتها كثيرة، والمهم اهتبال الفرص والتحلي بالحكمة والعمل الهادئ، والبعد عن الشعارات المثيرة التي تسبب قطع الطريق على الحق قبل وصوله إلى العقول.

الوسيلة الرابعة عشرة: العلا قات الدبلوماسية.
إن العلاقات التي تربط بين الدول-سواء أكانت دول البلدان الإسلامية فيما بينها، أو هي مع الدول غير الإسلامية-من أهم الوسائل التي يمكن استغلالها لإبلاغ الحق إلى عقول الناس وسبقه الباطل، لما للدول من إمكانات لا تتوافر للأفراد ولا الجماعات ولا الجمعيات.
والأصل في كل دولة أن تخدم عقيدتها ونظامها بالأساليب المتاحة لها.
ومجالات علاقات الدولة بالدولة مجالات واسعة، تشمل كل النشاطات المهمة تقريبا: السياسية والاقتصادية والثقافية-وهي من أهم العلاقات بل أهمها-والأمنية والعسكرية والتجارية، وكثيرا ما تتعدى إلى الشؤون الاجتماعية، ولذلك تجد لكل سفارة ملحقاتها المتخصصة في مجالها من العلاقات.
والواجب أن يكون ممثلو الدولة التي تقر بمنهج الإسلام، من الملتزمين بذلك المنهج في حياتهم نظريا وعمليا، حتى يكونوا صورة تحكي لرائيها ما عليه تلك الدولة من الالتزام بمنهج الإسلام.
إن السفير المسلم يجب أن يكون داعية إلى الإسلام، وأن يكون مثقفا ثقافة إسلامية متحليا بأخلاق الإسلام محققا العبودية لله في نفسه، وأن يكون شجاعا في قوله: {إنني من المسلمين...}.
وكذلك الملحقون بالسفارات ينبغي أن يكونوا ممثلين لدينهم، إيمانا وفكرا وسلوكا.
واقع محزن لبعض سفراء المسلمين.
وما قيمة سفير علماني أو ملحق علماني يمثل دولة إسلامية، وهل يؤتمن من يكره الإسلام أن ينصر قضايا الإسلام؟!
إن كثيرا من سفراء حكومات الشعوب الإسلامية، يسيرون في سلوكهم في خط معاكس لمنهج الإسلام، وأمثال هؤلاء إنما يمثلون في حقيقة الأمر منهجا غير منهج الإسلام، وانتسابهم إلى الإسلام يشوه صورته لدى غير المسلمين.
كيف يمثل الإسلام من لا يصلي جمعة ولا جماعة ولا صلاة العيد مع المسلمين، وبخاصة في البلدان غير الإسلامية، وكيف يمثل الإسلام من يحتسي في الحفلات المختلطة الصاخبة كأس الخمر أمام الملأ، وكيف يمثل الإسلام من يراقص النساء الأجنبيات، وتراقص امرأته أو ابنته الرجال الأجانب؟!
كيف يمثل الإسلام من يستدعي من بلاده فرقَ الرقص والغناء لإظهار وجه بلده المسلم بالراقصين والمغنين الذين قد امتلأت بهم كل بلدان العالم؟!
كيف يمثل الإسلام من يحارب الدعاة إلى الله، من الأئمة والخطباء الذين يبينون للناس حقائق الإسلام، ويقف في صف دعاة يحرفون معاني الإسلام ويطوعونها لأهوائه العلمانية؟!
هذه الصورة السوداء هي الغالبة على سفارات كثير من حكومات الأقطار الإسلامية التي لم ترض الإسلام منهجا لحياتها وحياة شعوبها، يعرف ذلك من تجول في عواصم بعض الدول، وبخاصة الدول غير الإسلامية التي تشكو الأقليات الإسلامية فيها شكوى مرة من تصرفات تلك السفارات العابثة.
ولكن-والحق يقال-يوجد أفراد في بعض السفارات-وإن كانوا قليلين-يمثلون الإسلام خير تمثيل هم وأهلوهم. كثر الله من أمثالهم.

سبل سباق السفارات الإسلامية إلى العقول.
وإذا وجد السفير الذي يمثل الإسلام [1] ويصطبغ بمعانيه فإنه-هو وملحقو سفارته يستطيعون أن يوجدوا سبلا كثيرة لسبق الحق إلى عقول الناس، ومن ذلك ما يأتي:
أولا: ينبغي أن يكون الملحق الثقافي في سفارته، جامعا بين الشريعة الإسلامية والثقافة العامة، ومضيفا إلى اللغة العربية أو لغة بلاده الإسلامية لغة البلد الذي يعمل فيه، ويكون عنده قدرة على الإجابة عن أسئلة الناس واستفساراتهم الإسلامية التي ليست شديدة الصعوبة، وإذا وجدت أسئلة صعبة يسرع في الاتصال بالعلماء الكبار في بلده للاستفادة منهم، ليفيد الناس بالإجابات الصادرة منهم، وأن يكون قادرا على رد كثير من الشبهات التي يوردها أعداء الإسلام بقصد تشويه صورته، كالمستشرقين والمنصرين والملحدين والإباحيين وغيرهم، وليس من اللائق بملحق ثقافي مسلم يحضر اجتماعا يُتَّهَم فيه الإسلامُ بالباطل فلا يقدر على تفنيد ذلك الباطل.
ثانيا: نبغي أن تزود كل سفارات بلدان المسلمين، بمكتبة تضم أهم مصادر الإسلام ومراجعه، في التفسير والعقيدة والحديث والفقه والأصول والتاريخ والحضارة الإسلامية وغيرها من كتب اللغة العربية، وما أمكن من الكتب الإسلامية التي كتبت بلغة البلد الذي فيه السفارة أو يترجم إليها ليتمكن أعضاء السفارة أو أهل البلد من الاستفادة من تلك المكتبة.
ثالثا: ينبغي أن تزود تلك السفارة بكتيبات صغيرة، كل كتيب يتضمن شرح أحد الموضوعات الإسلامية، كالعقيدة المبسطة، لا المعقدة، وبدون ذكر مذاهب الفرق واختلافها، بل تذكر منها العقيدة الإسلامية على بساطتها كما جاءت في القرآن والسنة بعيدة عن الفلسفات الكلامية، وكصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والطهارة والوضوء، والغسل، وأحكام الصيام، والحج، والزكاة، وغيرها من فروض العين وفروض الكفاية، والمعاملات المشروعة والمحرمة، والأخلاق، وبيان شمول الإسلام، وبعض الكتيبات تكون في الرد على الشبهات التي يتهم بها الإسلام، كشبهات المستشرقين والمنصرين وغيرهم، تكتب كلها بلغة البلد الذي به السفارة أو تترجم إلى تلك اللغة، وتوزع على أفراد المسلمين الذين يترددون على السفارة أو على المراكز والمؤسسات الإسلامية والمساجد.
رابعا: ينبغي أن يكون عند كل سفارة إسلامية إمكانات لكتابة نشرات صغيرة وطبعها وتوزيعها، لبيان ما يطرأ في المناسبات والنوازل مما يتعلق بالإسلام، وكذلك إعلانات وملصقات لنشر الوعي بالمعاني الإسلامية.
خامسا: ينبغي أن تتولى السفارة الإسلامية إقامة محاضرات وندوات، تستضيف لها رجال العلم من بلدها أو من البلد الذي هي فيه، وتدعو لحضورها أعيان البلد ومفكريها، لتوضيح بعض المفاهيم الإسلامية، وبخاصة تلك التي يتعمد أعداء الإسلام تشويه الإسلام بها، كموضوع المرأة، وموضوع الرق، وموضوع انتشار الإسلام بالسيف، والإكراه على الدخول في الإسلام، وموقف الإسلام من الديمقراطية والتعددية والحزبية ونحوها.
سادسا: ينبغي أن تزود السفارة الإسلامية ببعض أشرطة الكاسيت وأشرطة الفيديو، المشتملة على شرح بعض الموضوعات الإسلامية، إما عن طريق المحاضرات والندوات أو المؤتمرات، أو غيرها من مظاهر الإسلام، كمسيرة الحج والتجمعات الإسلامية كصلاة الجمعة وصلاة العيد، لما في ذلك من تشويق المسلمين وتحريك عواطفهم نحو الإسلام، وتعريف غير المسلمين بذلك، وإهداء تلك الأشرطة للمراكز الإسلامية والمراكز الثقافية غير الإسلامية، وحبذا لو كانت ترجمت بلغة أهل البلد [2].
سابعا: أن يغتنم المؤهلون من أعضاء السفارة الفرص والمناسبات والاحتفالات التي يدعون إليها، لشرح قضايا المسلمين وعدالتها ومناصرتها، والبعد عن الحيف فيها، ويفعلون ذلك كذلك بالتصريحات في أجهزة الإعلام، وبخاصة الغربية منها، ليوصلوا إلى عقول الناس والرأي العام حقائق الأمور المتعلقة بالمسلمين والتي قلبها أعداء الإسلام بطرق شتى منها أجهزة الإعلام، بحيث أصبح المظلوم بسبب ذلك ظالما، والمعتدي الظالم مظلوما، كما هو الشأن في قضية فلسطين وغيرها.

-----------
[1]-هذا إذا كانت دولته التي يمثلها مسلمة تطبق الإسلام وتعتز به وتعينه على القيام بالواجب الإسلامي في وظيفته، أما إذا كانت تحارب الإسلام فالغالب أنها لا تختار إلا من هو على شاكلتها إذ فاقد الشيء لا يعطيه، فإن شذت واختارت رجلا صالحا فليتق الله ما استطاع ولا يكلف الله نفسا إلى وسعها.
[2]-ومما ينبغي الاهتمام به الآن: استغلال مواقع في وسيلة "الإنترنت" التي أصبحت في متناول الناس في كل مكان.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

صيد الفوائد العلماء وطلبة العلم د. عبدالله قادري الأهدل