اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/aiman/182.htm?print_it=1

رمضان واحة الإيمان " حفظ الوقت" (11-14 )

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم

                      
الحمد لله الذي خصنا بشهر الطاعات، وأجزل لنا فيه المثوبة ورفع الدرجات، وَعَدَ من صامه إيمانا واحتسابا بتكفير الذنوب والسيئات، وشرّف أوقاته على سائر الأوقات، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير البريات، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والمكرمات،والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد، وبعد:
من أعظم ثمار هذا الشهر الكريم، أنه أفضل دورة تدريبية لفن إدارة الوقت، وحفظه واستثماره بشكل دقيق ونافع، فلا ينتظر الناس رؤية هلال شهر كرمضان، فمعرفة بداية الشهر وترقبه بداية عملية تنظيمية لترتيب أوقات المسلم فيما يأتي من أيام.
قال تعالى مبينا وموضحا أهمية ظهور الهلال، لتنظيم مواقيت الناس ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ).[1]
الوقت رأس مال المسلم في هذه الدنيا، وهو أنفس من المال وأغلى من الذهب والفضة، والوقت كالنفَس سريع الانقضاء عديم الرجوع، فيا لخسارة من أضاع وقته في الغفلة والملهيات، وفرط في طاعة رب الأرض والسماوات.
إدارة الوقت في رمضان تختلف عن سائر الشهور، إذ يبدأ الصائم تحري وقت الإمساك عند الفجر، ثم وقت الإفطار عند الغروب، ثم وقت صلاة التراويح، ووقت السحور، فيصبح لديه ملكة شيئا فشيئا وإتقان لبرمجة أوقاته طيلة شهر كامل، فيكون مؤهلا لأن ينظم ويرتب أوقاته ويحافظ عليها بالخير طيلة العام لو استشعر ماذا يفعل.
تزداد قيمة وأهمية الحفاظ على الوقت في رمضان، كونه موسما من مواسم الحصاد والخيرات، يقول أحد الصالحين: العمر قصير فلا تقصره بالغفلة.
الوقت عظمه الله سبحانه وتعالى، فأقسم به في غير ما سورة وآية، من ذلك:
قوله سبحانه( وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ).[2]
وقوله عز وجل( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى . وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ).[3]
وقوله تعالى( وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ . وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ).[4]
وقوله تعالى( والضحى. والليل إذا سجى ).[5]
وقوله عز وجل( والفجر. وليال عشر ).[6]
إن أشد اللحظات التي يتحسر عليها أهلها ويتمنون إرجاعهم لتعويض ما فاتهم من وقت، عند سكرات الموت ويوم القيامة، قال سبحانه( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ).[7]
يقول أحد الصالحين: إضاعة الوقت من علامات المقت.
ويقول آخر: الوقت كالنفس إذا خرج لا يعود.
ولأهمية الوقت حث عليه الصلاة والسلام في غير ما حديث على ضرورة المحافظة عليه، إذ يقول عليه الصلاة والسلام( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ )[8]، فالعمر كنز من أنفقه واستثمره في طاعة الله وجده يوم لا ينفع مال ولا بنون، ومن أضاعه في الغفلة والملهيات ندم وخسر وقال: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله.

دقات قلب المرء قائلة له * إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها * فالذكر للإنسان عمر ثان

يقول الحسن البصري: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود.[9]
يقول عليه الصلاة والسلام مؤكدا على أهمية استغلال الوقت في أحلك الظروف( إن قامتِ الساعةُ و في يدِ أحدِكم فسيلةً ، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْها ).[10]
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كما أنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ، فَاعْمَلْ فِيهِمَا.[11]
يقول عليه الصلاة والسلام( اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك ).[12]
يقول الحسن البصري: أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم.[13]
ولأهمية الوقت كان للسلف الصالح صور مشرقة ومقولات ذهبية ينصحون إخوانهم، نذكر منها:
قال عبد الله ابن مسعود: ما ندمت على شيء، ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي.[14]
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ابْنَ آدَمَ طَأِ الْأَرْضَ بِقَدَمِكَ، فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ تَكُونُ قَبْرَكَ، ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، فَكُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ. ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمُرِكَ مُنْذُ يَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ.[15]
وقال الشافعي: الوقت كالسيف فإن لم تقطعه قطعك، ونفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر.
وقال أحد الصالحين لتلاميذه: إذا خرجتم من المسجد فتفرّقوا لتقرؤوا القرآن، وتسبّحوا الله، فإنكم إذا اجتمعتم في الطريق، تكلمتم وضاعت أوقاتكم.
قال الإمام ابن القيم: إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.
وقال ابن عقيل الحنبلي:  وأنا أقصّر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سفّ الكعك، وتحسّيه بالماء على الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، وإن أجلّ تحصيل عند العقلاء -بإجماع العلماء- هو الوقت، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص، فالتكاليف كثيرة، والأوقات خاطفة.

وكَانَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ يَشْرَبُ الْفَتِيتَ وَلَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بَيْنَ مَضْغِ الْخُبْزِ وَشُرْبِ الْفَتِيتِ قِرَاءَةُ خَمْسِينَ آيَةً.[16]
إن استغلال واستثمار الوقت، وإدارته بأتم وجه، يحتاج لنية صادقة وهمة قوية وإرادة ومثابرة، مع توفيق الله سبحانه وتعالى.

يا مذهبا ساعات عُمرٍ ما لها * عوض وليس لفوتها إرجاع
أنفقت عمرك في الخسار وإنه * عمل ستأتي بعده أوجاع

بذلك ينبغي أن يكون شهر رمضان منطلقا لتنظيم أوقاتنا، فيما سواه من الشهور، والمبادرة بالأعمال الصالحة وتقديمها على اللهو واللغو واللعب، عسى أن ننال رضى الرحمن، والفوز بالجنان.

24- رمضان- 1435هـ
 

----------------------------------
[1] ( البقرة: 189).
[2] ( العصر:1-2).
[3] ( الليل:1-2).
[4] ( التكوير:17-18).
[5] ( الضحى:1-2).
[6] ( الفجر:1-2).
[7] ( المؤمنون:99-100).
[8] صحيح البخاري.
[9] مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار.
[10] صحيح الجامع برقم 1424.
[11] مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا.
[12] صحيح الجامع برقم 1077.
[13] مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار.
[14] المصدر السابق.
[15] الزهد لابن أبي الدنيا.
[16] المجالسة وجواهر العلم.

 

أيمن الشعبان