اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/aiman/199.htm?print_it=1

وقفات تدبرية في سورة السجدة ( 6 )

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
قال تعالى(ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم )[1].
من يتفكر بعظيم مخلوقات الله، وجميل تدبيره لأوامره؛ يزداد يقينا بقدرته وقوته وأسماءه وصفاته، لذلك قال ( ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ).
كثير من الناس عند حصولهم على شهادات في الذرة والطب والهندسة وغيرها، يشار لهم بالبنان؛ عالم ذرة وعالم طب، وحتى يعلم كل واحد حجمه ومدى معلوماته قال سبحانه فيهم ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ )[2].
لقد حظيت صفة العلم في نصوص القرآن مكانة خاصة، لأن الأثر المترتب عليها بالنسبة للإنسان بالغ الأهمية، من خلال مراقبة الله التي تجعل قلب المؤمن مستحضر عظمة الله في قلبه، ما يصرفه عن المعاصي والآثام.
وتقدم الغيب على الشهادة: لأن علم الغيب أمدح، لأن الغيب عنا أكثر من المشاهدة، ولأنه تعالى يعلمه قبل أن يكون.[3]
البشر يعلمون ظاهر الأشياء ابتداء، ثم إن تيسر علموا بواطنها ضمن إدراك عقولهم، فلو رأيت نوع من الفاكهة نراه شكلا – ظاهرا- جميلا، لكن ما هو طعمه؟! ننتظر بعد أكله.
فعلومنا تبدأ بالظاهر وربما تصل لشيء من الباطن، لكن من قدرة الله وعظمته أنه يعلم الغيب والشهادة، وأحيانا يذكر الله فقط الغيب ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ) لأنه لو علم الغيب من باب أولى الشهادة.
فكل ما غاب عنا من أشياء يعلمها الله؛ ما يخفيه بعضنا عن بعض، ما غيبه الإنسان في ضميره، ما سيفعله الإنسان ولم ينوه بعد، ما أسره الإنسان لغيره، كل ذلك يعلمه الله.

هنالك آثار إيمانية وفوائد عملية لتلك الآية العظيمة منها:

- يقين المؤمن الدائم أن الله مطلع على كل ما يقترفه، يدفعه دائما للطاعات ومجانبة السيئات، حتى يرقى إلى مرتبة الإحسان.
- الغفلة عن هذا المعنى، تدفع الإنسان إلى بحر مظلم من الذنوب وظلم النفس وضعف الإيمان.
- يقين المؤمن بأن الله يعلم سره ونجواه، يدفعه لعدم الجرأة على حدود الله، كذلك إتقان الأعمال المكلف بها بما يتعلق بالفرائض أو حتى المهام والوظيفة الدنيوية.
فمهما تكن عند من امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم
- ينبغي تربية الأبناء على معاني مراقبة الله، وعظيم علمه، كما في وصية لقمان لابنه.
- أن يقف المؤمن عند حدود ما يدركه عقله، ولا يصدق الكهان والعرافين والمنجمين، أو يذهب عندهم! ومن ذلك معرفة الحظ عن طريق الأبراج وغيرها من الطرق!
- فضيلة العلم والتعلم، فالله العليم يحب العلماء، وما أوتي الإنسان نعمة بعد الإيمان أعظم من العلم.
- ينبغي للقوي كلما ازدادت قوته يتواضع أكثر ويتراحم ويتعاطف مع الآخرين، وهذه أخلاق الكبار، ولا يتكبر أو يترفع عندها سيقع في الظلم.
- الحق سبحانه يُعلِّمنا أن الآمر لا بد أنْ يتابع المأمور.[4]
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
 
26-9-2014

----------------------------------
[1] ( السجدة:6).
[2]( الروم: 6-7 ).
[3] ابن جماعة.
[4] الشعراوي.


 

أيمن الشعبان