اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/aiman/205.htm?print_it=1

المتحسرون يوم القيامة

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وجنده، وبعد:
الخلائق جميعا سيجمعهم الله تعالى في يوم تشيب له الولدان، وتتصدع فيه القلوب وتقشعر له الأبدان، في مشهد مهول، وأحوال فظيعة، وأوقات عصيبة، ومواقف عظيمة؛ ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ )[1].
الناس يوم القيامة صنفان، إما آمنون كما في قوله تعالى( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )[2]، هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك، له، ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة[3]، ( لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ )[4]، والصنف الآخر: خائفون نادمون متحسرون يحزنهم الفزع الأكبر.
والحسرة: شدة التلهف والندم والتأسف، على ما فات ومضى، وهو تعبير عن الحزن لمصاب وقع، ومن أسماء يوم القيامة " يوم الحسرة" قال تعالى( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ )[5]، وأي: حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته، واستحقاق سخطه والنار، على وجه لا يتمكن من الرجوع، ليستأنف العمل، ولا سبيل له إلى تغيير حاله بالعود إلى الدنيا؟![6].
وَالْمُرَادُ بِيَوْمِ الْحَسْرَةِ يَوْمُ الْحِسَابِ، أُضِيفَ الْيَوْمُ إِلَى الْحَسْرَةِ لِكَثْرَةِ مَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنْ تَحَسُّرِ الْمُجْرِمِينَ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِيهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ، فَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ كَأَنَّهُ مِمَّا اخْتَصَّتْ بِهِ الْحَسْرَةُ، فَهُوَ يَوْمُ حَسْرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ يَوْمَ فَرَحٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّالِحِينَ.[7]
وباعتبار آخر الناس جميعا يتحسرون يوم القيامة، المؤمن والمحسن يتحسر لعدم ازدياده من الطاعة والإحسان، والمسيء يتحسر لتفريطه في جنب الله وضياع أوقاته في المعاصي والموبقات.
{ وأنذرهم يوم الحسرة } نفسه في ذلك المشهد العظيم، يوم تزل القدم، ولا ينفع الندم، للمسيء على إساءته، وللمحسن على عدم ازدياده من الإحسان.[8]

هنالك حسرات خاصة لأهل الإيمان بسبب تفريطهم وتركهم أعمال محددة أو مقارفة أمور معينة، من ذلك:

- حسرة من ترك قراءة سورة البقرة لمن استطاع ذلك، فإذا عاين البركة والخير والأجر العميم فيما لو كان قرأها وتدبرها وانتفع بما فيها؛ فإنه يتحسر ولات ساعة مندم!

يقول عليه الصلاة والسلام( اقرؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أخْذَها بركةٌ، وترْكُها حسرةٌ، ولا تستطيعُها البطَلَةُ ).[9]

- حسرة أصحاب المجالس التي تخلو من ذكر الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم:

يقول عليه الصلاة والسلام( ما قعد قومٌ مَقعدًا لم يذكروا فيه اللهَ عزَّ وجلَّ، ويُصلُّوا على النَّبيِّ، إلَّا كان عليهم حسرةً يومَ القيامةِ، وإن دخلوا الجنَّةَ للثَّوابِ )[10].

- من حرص على الإمارة والمنصب والقيادة والمكانة، ثم لم يؤد حقها تكون عليه حسرة يوم القيامة:

يقول عليه الصلاة والسلام( إنكم ستَحرصون على الإمارةِ، وإنها ستكونُ ندامةً و حسرةً، فنعْمَتِ المُرْضِعَةُ، و بِئْسِتِ الفاطمةُ ).[11]

- الحسرة على أعمال صالحة خالطتها الشوائب والأكدار، من رياء وسمعة وعُجُب ومنة:

قال تعالى( وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ )[12].

أما حسرات الكفار والمجرمين والعصاة والظالمين المفرطين يوم القيامة عديدة ومتنوعة، هي عذاب معنوي أشد من العذاب الجسدي والحسي، من ذلك:

- حسرة أهل النار:
قال عليه الصلاة والسلام( لا يَدخلُ الجنةَ أحدٌ إلَّا أُرِيَ مَقعدَهُ من النارِ لوْ أساءَ لِيزدادَ شُكرًا، ولا يَدخلُ النارَ أحدٌ إلَّا أُرِيَ مَقعدَهُ من الجنةِ لوْ أحسَنَ لِيكونَ عليه حسرةً )[13].

- حسرة الكفار وتمنيهم الموت يوم القيامة:

قال تعالى( يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا )[14].
ولهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة والندم.[15]

- حسرة أتباع الشيطان الذين استجابوا لنزغاته ووساوسه، عندما يتخلى عنهم في النار:

قال تعالى( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )[16].

- حسرة المجرمين منكسي رؤوسهم عند معاينة العذاب:

قال تعالى( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ )[17].

- حسرة وندم المفرطين عند معاينة الموت:

قال تعالى( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )[18]، أي: مجرد قول باللسان، لا يفيد صاحبه إلا الحسرة والندم، وهو أيضا غير صادق في ذلك، فإنه لو رد لعاد لما نهي عنه.[19]

- الكافر يوم القيامة يرى أنه لم يلبث في الدنيا إلا قليلا فيتحسر على ذلك:

قال تعالى( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ )[20].

- حسرة عظيمة لمن خسر نفسه وأهله يوم القيامة:

قال تعالى( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )[21].

- حسرة المكذبين بلقاء الله ويوم القيامة:

قال تعالى( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ )[22]، يقول تعالى مخبرا عن خسارة من كذب بلقاء الله وعن خيبته إذا جاءته الساعة بغتة، وعن ندامته على ما فرط من العمل، وما أسلف من قبيح الفعال.[23]

- حسرة المشركين لعدم اتباعهم ما أُنزل من القرآن:

قال تعالى( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ . أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ )[24].

- حسرة مَن جانب طريق الهداية والتقوى:

قال تعالى( أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )[25].

- حسرة المفرطين عند رؤية العذاب:

قال تعالى( أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ )[26].

- حسرة الظالمين بمختلف أصنافهم:

قال تعالى( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا )[27]، ويوم يعضّ الظالم نفسه المشرك بربه على يديه ندما وأسفًا على ما فرط في جنب الله.[28]
وعض اليدين كناية عن شدة الحسرة والندامة والغيظ، لأن النادم ندما شديدا، يعض يديه. وليس أحد أشد ندما يوم القيامة من الكافرين.[29]

- حسرة الظالمين عند رؤية العذاب، وعدم تمكنهم من الافتداء والتحلل من الظلم:

قال تعالى( وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ).

- حسرة من اتخذ قرناء السوء وصاحبهم في الدنيا:

قال تعالى مخبرا عن حال هذا الصنف( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا )[30]، تشتد حسراته وتتصاعد زفراته يَقُولُ: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا.[31]

- حسرة من ضيع ماله في الدنيا ولم ينفق منه في سبيل الله؛ عند معاينة الموت:

قال تعالى( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ )[32].
الإنفاق إنما ينفع إذا كان عن ملكة السخاء، وهيئة التجرد في النفس. فأما عند حضور الموت، فالمال للوارث لا له، فلا ينفعه إنفاقه، وليس إلا التحسر والتندم، وتمني التأخير في الأجل بالجهل.[33]

- حسرة أهل النار عند معاينتهم وإذاقتهم أشد العذاب، مطالبين ربهم بالخروج منها والرجوع للدنيا ليعملوا الصالحات، لكن هيهات!

قال تعالى عن أهل النار أعاذنا الله وإياكم منهم( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ )[34].

- حسرة أهل النار عندما يناديهم أصحاب الجنة وقد فازوا بالنعيم المقيم:

قال تعالى( وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ )[35].
وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ، أي إذا استقروا في منازلهم، أَصْحابَ النَّارِ توبيخا وتحسيرا لهم.[36]

- حسرة أهل النار بعد طلبهم من أهل الجنة شرب الماء والطعام:

قال تعالى( وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ )[37].

- حسرة أهل النار بعد ندائهم خزنة جهنم وطلب التخفيف من العذاب:

قال تعالى( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ . قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ )[38].

- حسرة أهل النار بعد جواب مالك خازن النار لهم بأنهم خالدون ماكثون فيها بلا موت:

قال تعالى( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ )[39]، أي: مقيمون فيها، لا تخرجون عنها أبدا، فلم يحصل لهم ما قصدوه، بل أجابهم بنقيض قصدهم، وزادهم غما إلى غمهم.[40]

- حسرة الكفار على الأموال التي أنفقوها للصد عن سبيل الله:

قال تعالى( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ )[41].

- حسرة الإمعات أتباع كل ناعق، المقلدين المتعصبين لغيرهم دون بينة أو برهان، عندما يتخلى عنهم ويتبرأ منهم المتبوعين:

قال تعالى( وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ )[42].

- المقلدون الطائعون لأسيادهم وكبرائهم ومنظريهم ورؤسائهم، يتحسرون لأنهم أيقنوا ما كانوا فيه من ضلال:

قال تعالى( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا . رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا )[43].

- الحسرة على أعمال محدثة ومُبتَدعة تخالف الشريعة:

قال تعالى(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )[44].

- أعمال الكفار يتحسرون عليها لأنهم فقدوا أصل الإيمان والتوحيد:

قال تعالى( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ )[45].

- الأعمال التي لم تكن خالصة لوجه الله يتحسر عليها أهلها لأنها ذهبت سدى وهباءً:

قال تعالى( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا )[46].

- حسرة من تعلم العلم ولم يعمل به:

قال حاتم الأصم رحمه الله: ليس في القيامة أشد حسرة من رجل علم الناس علمًا فعملوا به ولم يعمل هو به، ففازوا بسببه وهلك هو.[47]

- كل أخوة وصداقة قائمة على غير تقوى الله، كصداقة المنفعة واللذة يتحسر أهلها يوم القيامة:

قال تعالى( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ . يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ )[48].
أي: لا خوف يلحقكم فيما تستقبلونه من الأمور، ولا حزن يصيبكم فيما مضى منها، وإذا انتفى المكروه من كل وجه، ثبت المحبوب المطلوب.[49]

- المنافقون والمنافقات يتحسرون لعدم تمكنهم من اقتباس نور أهل الإيمان يوم القيامة:

قال تعالى( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ )[50].

- كل من أضاع وقته في الدنيا بالملهيات، والخطايا والمنكرات، ولم يستجيب لأوامر رب الأرض والسماء، سيتحسر يوم القيامة على جميع الأوقات:

قال تعالى( يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي )[51]، أي أيام حياتي في الدنيا أو لأجل حياتي هذه الباقية التي لا موت بعدها[52].

نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن لا يجعلنا من النادمين المتحسرين يوم القيامة.
 
4/1/2015م

-------------------------------------
[1] ( الحج: 2 ).
[2] ( الأنعام:82 ).
[3] تفسير ابن كثير.
[4] ( الأنبياء:103).
[5] ( مريم:39 ).
[6] تفسير السعدي.
[7] التحرير والتنوير.
[8] تفسير البقاعي.
[9] صحيح الجامع برقم 1165.
[10] السلسلة الصحيحة برقم 76، وفي رواية ( ما من قومٍ اجْتَمَعُوا في مَجْلِسٍ، فَتَفَرَّقُوا و لمْ يَذْكُرُوا اللهَ إلَّا كان ذلكَ المَجْلِسُ حَسْرَةً عليهم يومَ القيامةِ ) كما في السلسلة الصحيحة برقم 2557، وهذا يشمل كل المجالس دون استثناء حتى المجاميع في مواقع التواصل كالفيسبوك والواتس آب وغيرها، لذلك وجب الانتباه فالأمر جد خطير.
[11] صحيح الترغيب والترهيب برقم 2178.
[12] (الزمر:47).
[13] صحيح الجامع برقم 7668.
[14] (النبأ:40).
[15] تفسير السعدي.
[16] (إبراهيم:22).
[17] (السجدة:12).
[18] (المؤمنون:99-100).
[19] تفسير السعدي.
[20] (يونس:45).
[21] (الزمر:15).
[22] (الأنعام:31).
[23] تفسير ابن كثير.
[24] ( الزمر:55-56).
[25] ( الزمر:57).
[26] (الزمر:58).
[27] (الفرقان:27).
[28] تفسير الطبري.
[29] التفسير الوسيط.
[30] (الفرقان:28).
[31] تفسير القاسمي.
[32] (المنافقون:10).
[33] تفسير القاسمي.
[34] (فاطر:37).
[35] (الأعراف:44).
[36] تفسير القاسمي.
[37] (الأعراف:50).
[38] (غافر:49-50).
[39] (الأعراف:77).
[40] تفسير السعدي.
[41] (الأنفال:36).
[42] (البقرة:167).
[43] (الأحزاب:67-68).
[44] (الكهف:103).
[45] (النور:39).
[46] (الفرقان:23).
[47] إحياء علوم الدين(1/63).
[48] ( الزخرف:67-68 ).
[49] تفسير السعدي.
[50] (الحديد:13).
[51] (الفجر:24).
[52] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.


 

أيمن الشعبان