اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/aiman/223.htm?print_it=1

وظيفة الدعوة أم دعوة إلى الوظيفة!

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، والصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم إلى يوم الدين، وبعد:

الدعوة إلى الله من أفضل الطاعات، وأجلّ القربات، وأنفس العبادات؛ كيف لا وهي وظيفة أنبياء الله ورسله ممن اصطفاهم الله من خلقه، وجعل أتباعهم من العلماء الربانيين والدعاة المصلحين ورثتهم فيها.

إن خير ما تُبذل فيه الأموال والطاقات، وتُصرف لأجله الجهود والأوقات؛ الدعوة إلى الله بنشر هذا الدين إلى الناس، لإرضاء رب البريات، قال تعالى( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )[1]، أي لا أحد أحسن مقالا ممن دعا الناس إلى عبادته تعالى، وكان من الصالحين المؤتمرين، والمسلمين وجوههم إليه تعالى في التوحيد.[2]

الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ومسلمة، في جميع الأوقات والأحوال، كلٌّ بحسب قدرته وحاله وعلمه، بل إن أول مهمة وعمل ومسؤولية تناط بالمسلم بعد الإيمان بالله وغير قابلة للتأخير والتأجيل؛ هي الدعوة إلى الله ونشر هذا الدين.

قال تعالى( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )[3]، وفي الآية دلالة على أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الذين آمنوا به مأمورون بأن يدعوا إلى الإيمان بما يستطيعون.[4]

والآية نص عام مطلق في الزمان- الليل والنهار- والمكان والجنس- العرب والعجم- والنوع – رجل أو امرأة- والسن- كبير أو صغير- واللون- أبيض أو أسود- والطبقة والمكانة والمنصب والحال والظروف، فالدعوة إلى الله ضرورة ملحَّة وحاجة مهمة ومصلحة مؤكدة.

لا أريد الإسهاب في أهمية وضرورة نشر ثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآثار الوخيمة على المجتمعات فيما لو قصر الناس في ذلك أو تركوا هذه الفريضة، ويكفينا هنا أن نذكر بقوله عليه الصلاة والسلام( والذي نفسي بيدِه؛ لتأمرُنَّ بالمعروفِ، ولتنهوُنَّ عن المنكرِ؛ أو ليوشكَنَّ اللهُ أن يبعثَ عليكم عقابًا منه، ثم تدْعونه فلا يَستجيبُ لكم )[5].

الوقفة المهمة التي أود استحضارها والتذكير بها والسؤال المُلِحّ، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه الأمة، والتكالب الفظيع عليها؛ هل الدعوة إلى الله وظيفة مؤقتة يمكن التخلي عنها، واستبدالها بمهام أخرى بحسب الظروف والمستجدات؟!! وما هي أولويات الداعية وطالب العلم في ظل تزاحم المهام وكثرة التكليفات بمختلف الجوانب؟!
في أوقات الفتن وتراجع الأمة وضعفها وانكسارها، تزداد الحاجة للعلم وأهله وتبرز أهمية الدعاة المصلحين وطلاب العلم العاملين، فمن أعظم أسباب نهوض الأمة وقوتها وعزها ورفعتها إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلها وظيفة عملية تطبيقية لكل مسلم، أيا كان دوره ومكانته وشحذ الهمم وبذل كل الأسباب لتأهيل دعاة مخلصين، لحمل هذه الأمانة.

الداعية الناجح هو المخلص لله في دعوته، ولا يبتغي من حطام الدنيا شيئا، إلا ما يعينه على هذا الطريق، والموفق من وفقه الله للجمع بين أشياء ثلاثة:

( فهم الواجب، وفقه الواقع، وإنزال الواجب المطلوب على الواقع الموجود بحكمة وأولوية ومعرفة بالمقاصد ).

ومن باب تشخيص الواقع المرير، ومعرفة الشر لتوقيه؛ سأقف مع بعض الآفات والمزالق والمنغصات، في طريق الدعوة والدعاة في ظل تلك المرحلة الحرجة العصيبة التي نمر بها، عسى أن نجد حلولا ناجعة وفعالة لهذه المشكلات، أو توجيها لتصويب المسار وترشيد الدعوة إلى الله:

1-    من المزالق الشيطانية لبعض الدعاة، تفضيل وظائف إدارية بعضها بمجالات شرعية أو خيرية، تستغرق وقته وتستنزف جهده الدعوي، حتى ينهمك بروتين الوظيفة الجديدة، ويحصل الخلل ويقع التقصير فيما كان يقوم به من أنشطة وبرامج دعوية!
2-    بعض الدعاة بدلا من تأثيرهم على عامة الناس، من خلال توجيهات سديدة ونصائح مجدية، لبيان حقيقة هذه الدنيا المادية وأضرارها، تأثروا هم ببهرجها بحجج واهية، طلبا للوجاهة تارة والوظيفة المرموقة تارة أخرى، ومواكبة الحياة المادية ومتطلباتها الأسرية الكثيرة! ليضعف الجانب الدعوي عندهم.
3-    هنالك فئة خطيرة من الدعاة وطلاب العلم، ممن لديهم جهود طيبة، إلا أن مشكلتهم رضوا بالوظيفة الجديدة والمنصب المرموق- ظنا منهم أنها في سبيل الدعوة – وبدلا من أن يكونوا عونا لإخوانهم في تنشيط وتفعيل الجانب الدعوي، أصبحوا حجر عثرة وعائق كبير أمام كل مشروع، خوفا منهم وتحسبا لمنافسة هؤلاء المساكين في تلك الوظائف، والله المستعان!!
4-    بعض الدعاة وطلاب العلم بمجرد أن ينتقل من بيئة إلى أخرى، ومن مجال عمل إلى غيره، أو يتوسع عمله التجاري، أو وضعه الجديد، يترك الدعوة ومجالاتها، أو أفضلهم حالا أن يجعلها كتحصيل حاصل ومن الأمور الثانوية المتأخرة بعد إنجاز أعماله التجارية اليومية التي لا تنتهي!
5-    بعض طلاب العلم والدعاة نظر إلى حال الناس من البعد عن الله، والزهد في العلم والانغماس في الماديات، وعدم التفاعل مع الدروس والمحاضرات والبرامج العلمية والدورات؛ وبدلا من بذل جهده ومضاعفة برامجه وتعليم الناس، صار يعرقل ويضع المبررات المزعومة لعدم تنفيذ تلك البرامج، حتى أحَبَطَ من حوله!
6-    ليحذر إمام المسجد- الذي وفقه الله لهذه المكانة-، أن يكون دوره وظيفي محض دون استثمار مكانه في الدعوة إلى الله وتعليم المسلمين دينهم، وكذا الخطيب فعليه مسؤولية كبرى لا تقتصر على أداء الخطبة فحسب!
7-    بعض الدعاة الذين دخلوا عالم السياسة، ضعفت جهودهم الدعوية كثيرا، فلم يعد لهم دور دعوي، ويا ليتهم سدوا ثغرة أو قللوا منكرا بدخولهم السياسة، إلا من عصمهم الله ورحمهم وقليل ما هم!
8-    من الأخطاء الحاصلة والمظاهر السلبية، استغراق العديد من المؤسسات الخيرية وتركيزهم على الجانب الإغاثي والخيري- مع أهميته وضرورته- وضعف الجوانب الدعوية التي هي أساس وأصل هام وركيزة قوية لعمل تلك المؤسسات!
9-    ما يعاب على بعض الدعاة التركيز في علاقاتهم وبرامجهم على الوجاهة والمحسوبية والطبقية، دون النظر لحاجة المجتمع وفئاته المتنوعة لتوجيهاتهم!
10- كثير ممن تحمسوا للعلم والدعوة عند بدايات الطلب، وحصلوا على شهادات شرعية، بمجرد دخولهم عالم الوظيفة أيا كانت، انشغلوا بها وفتروا و ضَعفوا أو تركوا ما هم عليه من خير وعلم ودعوة!
11- من أخطر المظاهر والآفات، التي من شأنها تدمير الجهود الدعوية، وتفتيت مشروع الأمة الشمولي المتكامل؛ تلك المشاريع الفردية الذاتية الشخصية! وكأن الداعية بلسان حاله ( الحق لا يكون إلا من خلالي! ) " ما أريكم إلا ما أرى " عياذا بالله!
12- من أعظم الآفات التي أدت لانتكاس الدعوة، وانعدام البركة وضعف الثمرة؛ استثمار واستخدام الدعوة – من البعض- كواجهة لتحقيق مآرب شخصية ومشاريع فردية ومصالح دنيوية، فبدلا من بذل الجهد والمال والوقت لخدمة الدعوة، حصل استخدام وبذل الدعوة من أجل المال والجاه والمنصب والثناء والمحمدة!!
أخيرا.. نحن بحاجة لداعية لا دعاية! وخادم للدعوة لا مستخدم! وحامل لهمها لا محمول!!
وإذا لم نحمل هم الدعوة والدين على الوجه المطلوب، فإن سنة الاستبدال ماضية ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم )[6].
 
16-8-2015م
 

----------------------------------------------
[1] (فصلت:33).
[2] تفسير القاسمي.
[3] (يوسف:108).
[4] تفسير ابن عاشور.
[5] صحيح الترغيب برقم 2313.
[6] (محمد:38).

 

أيمن الشعبان