بسم الله الرحمن الرحيم

بعض الشبهات في قضية التوسل!!!!


(حديث الأعمى)
*فتاوى ج 10 ص 20
*ج1 ص157
والمشركون الذين وصفهم الله ورسوله بالشرك أصلهم صنفان
قوم نوح وقوم إبراهيم فقوم نوح كان أصل شركهم العكوف على قبور الصالحين ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم
وقوم إبراهيم كان أصل شركهم عبادة الكواكب والشمس والقمر
وكل من هؤلاء يعبدون الجن فإن الشياطين قد تخاطبهم وتعينهم على أشياء وقد يعتقدون أنهم يعبدون الملائكة وإن كانوا فى الحقيقة إنما يعبدون الجن فإن الجن هم الذين يعينونهم ويرضون بشركهم قال تعالى ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون
قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون
والملائكة لا تعينهم على الشرك لا فى المحيا ولا فى الممات ولا يرضون بذلك ولكن الشياطين قد تعينهم وتتصور لهم فى صور الآدميين فيرونهم بأعينهم ويقول أحدهم أنا إبراهيم أنا المسيح أنا محمد أنا الخضر أنا أبو بكر أنا عمر أنا عثمان أنا على أنا الشيخ فلان وقد يقول بعضهم عن بعض هذا هو النبى فلان أو هذا هو الخضر ويكون أولئك كلهم جنا يشهد بعضهم لبعض والجن كالإنس فمنهم الكافر ومنهم الفاسق ومنهم العاصى وفيهم العابد الجاهل فمنهم من يحب شيخا فيتزيا فى صورته ويقول أنا فلان ويكون ذلك فى برية ومكان قفر فيطعم ذلك الشخص طعاما ويسقيه شرابا أو يدله على الطريق أو يخبره ببعض الأمور الواقعة الغائبة فيظن ذلك الرجل أن نفس الشيخ الميت أو الحى فعل ذلك وقد يقول هذا سر الشيخ وهذه رقيقته وهذه حقيقته أو هذا ملك جاء على صورته وإنما يكون ذلك جنيا فإن الملائكة لا تعين على الشرك والإفك والإثم والعدوان
وقد قال الله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا قال طائفة من السلف كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء كالعزير والمسيح فبين الله تعالى أن الملائكة والأنبياء عباد الله كما أن الذين يعبدونهم عباد الله وبين أنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ويتقربون إليه كما يفعل سائر عباده الصالحين

والمشركون من هؤلاء قد يقولون إنا نستشفع بهم أى نطلب من الملائكة والأنبياء أن يشفعوا فإذا أتينا قبر أحدهم طلبنا منه أن يشفع لنا فإذا صورنا تمثاله والتماثيل إما مجسدة وإما تماثيل مصورة كما يصورها النصارى فى كنائسهم قالوا فمقصودنا بهذه التماثيل تذكر أصحابها وسيرهم ونحن نخاطب هذه التماثيل ومقصودنا خطاب أصحابها ليشفعوا لنا إلى الله فيقول أحدهم يا سيدى فلان أو يا سيدى جرجس أو بطرس أو ياستى الحنونة مريم أو يا سيدى الخليل أو موسى بن عمران أو غير ذلك اشفع لى إلى ربك

وقد يخاطبون الميت عند قبره سل لى ربك أو يخاطبون الحى وهو غائب كما يخاطبونه لو كان حاضرا حيا وينشدون قصائد يقول أحدهم فيها يا سيدى فلان أنا فى حسبك أنا فى جوارك اشفع لى إلى الله سل الله لنا أن ينصرناعلى عدونا سل الله أن يكشف عنا هذه الشدة أشكوا إليك كذا وكذا فسل الله أن يكشف هذه الكربة أو يقول أحدهم سل الله أن يغفر لى
*ج1 ص159
ومنهم من يتأول قوله تعالى ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ويقولون إذا طلبنا منه الإستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الإستغفار من الصحابة ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين فإن أحدا منهم لم يطلب من النبى صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئا ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين فى كتبهم وإنما ذكر ذلك من ذكره من متأخرى الفقهاء وحكوا حكاية مكذوبة على مالك رضى الله عنه سيأتى ذكرها وبسط الكلام عليها إن شاء الله تعالى
فهذه الأنواع من خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم وفى مغيبهم وخطاب تماثيلهم هو من أعظم أنواع الشرك الموجود فى المشركين من غير أهل الكتاب وفى مبتدعة أهل الكتاب والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات مالم يأذن به الله تعالى قال الله تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله
فإن دعاء الملائكة والأنبياء بعد موتهم وفى مغيبهم وسؤالهم والإستغاثة بهم والإستشفاع بهم فى هذه الحال ونصب تماثيلهم بمعنى طلب الشفاعة منهم هو من الدين الذى لم يشرعه الله ولا ابتعث به رسولا ولا أنزل به كتابا وليس هو واجبا ولا مستحبا باتفاق المسلمين ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين وإن كان ذلك مما يفعله كثير من الناس ممن له عبادة وزهد ويذكرون فيه حكايات ومنامات فهذا كله من الشيطان

وفيهم من ينظم القصائد فى دعاء الميت والإستشفاع به والإستغاثة أو يذكر ذلك فى ضمن مديح الأنبياء والصالحين فهذا كله ليس بمشروع ولا واجب ولا مستحب باتفاق أئمة المسلمين ومن تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع بدعة سيئة لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين فإن الله لا يعبد إلا بما هو واجب أو مستحب
وكثير من الناس يذكرون فى هذه الأنواع من الشرك منافع ومصالح ويحتجون عليها بحجج من جهة الرأى أو الذوق أو من جهة التقليد والمنامات ونحو ذلك
*ج1 ص160
وجواب هؤلاء من طريقين
أحدهما الإحتجاج بالنص والإجماع
والثاني القياس والذوق والإعتبار ببيان ما فى ذلك من الفساد فإن فساد ذلك راجح على ما يظن فيه من المصلحة
أما الأول فيقال قد علم بالإضطرار والتواتر من دين الإسلام وبإجماع سلف الأمة وأئمتها أن ذلك ليس بواجب ولا مستحب
وعلم أنه لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للناس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصالحين ولا يستشفعوا بهم لا بعد مماتهم ولا فى مغيبهم فلا يقول أحد يا ملائكة الله اشفعوا لى عند الله سلو الله لنا أن ينصرنا أو يرزقنا أو يهدينا وكذلك لا يقول لمن مات من الأنبياء والصالحين يا نبى الله يا رسول الله ادع الله لى سل الله لى استغفر الله لى سل الله لى أن يغفر لى أو يهدينى أو ينصرنى أو يعافينى ولا يقول أشكو اليك ذنوبى أو نقص رزقى أو تسلط العدو على أو أشكو إليك فلانا االذى ظلمنى ولا يقول أنا نزيلك أنا ضيفك أنا جارك أو أنت تجير من يستجير أو أنت خير معاذ يستعاذ به
ولا يكتب أحد ورقة ويعلقها عند القبور ولا يكتب أحد محضرا أنه استجار بفلان ويذهب بالمحضر الى من يعمل بذلك المحضر ونحو ذلك مما يفعله أهل البدع من أهل الكتاب والمسلمين كما يفعله النصارى فى كنائسهم وكما يفعله المبتدعون من المسلمين عند قبور الأنبياء والصالحين أو فى مغيبهم فهذا مما علم بالإضطرار من دين الإسلام وبالنقل المتواتر وبإجماع المسلمين أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يشرع هذا لأمته
وكذلك الأنبياء قبله لم يشرعوا شيئا من ذلك بل أهل الكتاب ليس عندهم عن الأنبياء نقل بذلك كما أن المسلمين ليس عندهم عن نبيهم نقل بذلك ولا فعل هذا أحد من أصحاب نبيهم والتابعين لهم بإحسان ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم ولا ذكر أحد من الأئمة لا فى مناسك الحج ولا غيرها أنه يستحب لأحد أن يسأل النبى صلى الله عليه وسلم عند قبره أن يشفع له أو يدعو لأمته أو يشكو إليه ما نزل بأمته من مصائب الدنيا والدين
وكان أصحابه يبتلون بأنواع من البلاء بعد موته فتارة بالجدب وتارة بنقص الرزق وتارة بالخوف وقوة العدو وتارة بالذنوب والمعاصى ولم يكن أحد منهم يأتى الى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا قبر الخليل ولا قبر أحد من الأنبياء فيقول نشكوا اليك جدب الزمان أو قوة العدو أو كثرة الذنوب ولا يقول سل الله لنا أو لأمتك أن يرزقهم أو ينصرهم أو يغفر لهم بل هذا وما يشبهه من البدع المحدثة التى لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين فليست واجبة ولا مستحبة باتفاق أئمة المسلمين
ومن تقرب الى الله بما ليس من الحسنات المأمور بها أمر ايجاب ولا استحباب فهو ضال متبع للشيطان وسبيله من سبيل الشيطان كما قال عبد الله ابن مسعود خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه ثم قرأ وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله
فهذا أصل جامع يجب على كل من آمن بالله ورسوله أن يتبعه ولا يخالف السنة المعلومة وسبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان باتباع من خالف السنة والإجماع القديم لا سيما وليس معه فى بدعته إمام من أئمة المسلمين ولا مجتهد يعتمد على قوله فى الدين ولا من يعتبر قوله فى مسائل الإجماع والنزاع فلا ينخرم الإجماع بمخالفته ولا يتوقف الإجماع على موافقته
ولو قدر أنه نازع فى ذلك عالم مجتهد لكان مخصوما بما عليه السنة المتواترة وباتفاق الأئمة قبله فكيف إذا كان المنازع ليس من المجتهدين ولا معه دليل شرعى وإنما اتبع من تكلم فى الدين بلا علم ويجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير

بل إن النبى صلى الله عليه وسلم مع كونه لم يشرع هذا فليس هو واجبا ولا مستحبا فإنه قد حرم ذلك وحرم ما يفضى اليه كما حرم اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد
ففى صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإنى أنهاكم عن ذلك وفى الصحيحين عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال قبل موته لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا قالت عائشة ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا
واتخاذ المكان مسجدا هو أن يتخذ للصلوات الخمس وغيرها كما تبنى المساجد لذلك والمكان المتخذ مسجدا إنما يقصد فيه عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين
فحرم صلى الله عليه وسلم أن تتخذ قبورهم مساجد بقصد الصلوات فيها كما تقصد المساجد وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده لأن ذلك ذريعة إلا أن يقصدوا المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه والدعاء به والدعاء عنده فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده لئلا يتخذ ذريعة الى الشرك بالله
والفعل إذا كان يفضى إلا مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة ينهى عنه كما نهى عن الصلاة فى الأوقات الثلاثة لما فى ذلك من المفسدة الراجحة وهو التشبه بالمشركين الذى يفضى الى الشرك وليس فى قصد الصلاة فى تلك الأوقات مصلحة راجحة لإمكان التطوع فى غير ذلك من الأوقات, فإذا كان نهيه عن الصلاة فى هذه الأوقات لسد ذريعة الشرك لئلا يفضى ذلك الى السجود للشمس ودعائها وسؤالها كما يفعله أهل دعوة الشمس والقمر والكواكب الذين يدعونها ويسألونها كان معلوما أن دعوة الشمس والسجود لها هو محرم فى نفسه أعظم تحريما من الصلاة التى نهى عنها لئلا يفضى الى دعاء الكواكب
كذلك لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد فنهى عن قصدها للصلاة عندها لئلا يفضى ذلك الى دعائهم والسجود لهم كان دعاؤهم والسجود لهم أعظم تحريما من اتخاذ قبورهم مساجد
ولو قصد الصلاة عند قبور الأنبياء والصالحين من غير أن يقصد دعاءهم والدعاء عندهم مثل أن يتخذ قبورهم مساجد لكان ذلك محرما منهيا عنه ولكان صاحبه متعرضا لغضب الله ولعنته كما قال النبى صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وقال قاتل الله اليهود والنصارى إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا وقال ان من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإنى أنهاكم عن ذلك
فإذا كان هذا محرما وهو سبب لسخط الرب ولعنته فكيف بمن يقصد دعاء الميت والدعاء عنده وبه واعتقد أن ذلك من أسباب إجابة الدعوات ونيل الطلبات وقضاء الحاجات وهذا كان أول أسباب الشرك فى قوم نوح وعبادة الأوثان فى الناس قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام ثم ظهر الشرك بسبب تعظيم قبور صالحيهم
وقد استفاض عن ابن عباس وغيره فى صحيح البخارى وفى كتب التفسير وقصص الأنبياء فى قوله وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا
ولا يغوث ويعوق ونسرا ان هؤلاء كانوا قوما صالحين فى قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثليهم فعبدوهم قال ابن عباس ثم صارت هذه الأوثان فى قبائل العرب
*ج1 ص168
ولا ريب أن الأوثان يحصل عندها من الشياطين وخطابهم وتصرفهم ما هو من أسباب ضلال بنى آدم وجعل القبور أوثانا هو أول الشرك ولهذا يحصل عند القبور لبعض الناس من خطاب يسمعه وشخص يراه وتصرف عجيب ما يظن أنه من الميت وقد يكون من الجن والشياطين مثل أن يرى القبر قد انشق وخرج منه الميت وكلمه وعانقه وهذا يرى عند قبور الأنبياء وغيرهم وإنما هو شيطان فإن الشيطان يتصور بصور الإنس ويدعى أحدهم أنه النبى فلان أو الشيخ فلان ويكون كاذبا فى ذلك
وفى هذا الباب من الوقائع ما يضيق هذا الموضع عن ذكره وهى كثيرة جدا والجاهل يظن أن ذلك الذى رآه قد خرج من القبر وعانقه أو كلمه هو المقبور أو النبى أو الصالح وغيرهما والمؤمن العظيم يعلم أنه شيطان
ويتبين ذلك بأمور
أحدها أن يقرأ آية الكرسى بصدق فإذا قرأها تغيب ذلك الشخص أو ساخ فى الأرض أو احتجب ولو كان رجلا صالحا أو ملكا أو جنيا مؤمنا لم تضره آية الكرسى وإنما تضر الشياطين كما ثبت فى الصحيح من حديث أبى هريرة لما قال له الجنى اقرأ آية الكرسى إذا أويت الى فراشك فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبى صلى الله عليه وسلم صدقك وهو كذوب

و منها أن يستعيذ بالله من الشياطين
و منها أن يستعيذ بالعوذ الشرعية فإن الشياطين كانت تعرض للأنبياء فى حياتهم وتريد أن تؤذيهم وتفسد عبادتهم كما جاءت الجن الى النبى صلى الله عليه وسلم بشعلة من النار تريد أن تحرقه فأتاه جبريل بالعوذة المعروفة التى تضمنها الحديث المروى عن أبى التياح أنه قال سأل رجل عبد الرحمن بن حبيش وكان شيخا كبيرا قد أدرك النبى صلى الله عليه وسلم كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كادته الشياطين قال تحدرت عليه من الشعاب والأودية وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرعب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل عليه السلام فقال يا محمد قل قال ما أقول قال قل أعوذ بكلمات الله التامات التى لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما يخرج من الأرض ومن شر ما ينزل فيها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق يطرق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن قال فطفئت نارهم وهزمهم الله عز وجل

وثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان عفريتا من الجن جاء يفتك بى البارحة ليقطع على صلاتى فأمكننى الله عز وجل منه فذعته فأردت أن آخذه فأربطه الى سارية من المسجد حتى تصبحوا فتنظروا اليه ثم ذكرت قول سليمان عليه السلام رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى فرده الله تعالى خاسئا
وعن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى فأتاه الشيطان فأخذه صلى الله عليه وسلم فصرعه فخنقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وجدت برد لسانه على يدى ولولا دعوة سليمان لأصبح موثقا حتى يراه الناس أخرجه النسائى واسناده على شرط البخارى كما ذكر ذلك أبو عبد الله المقدسى فى مختاره الذى هو خير من صحيح الحاكم وعن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى صلاة الصبح وهو خلفه فالتبست عليه القراءة فلما فرغ من صلاته قال لو رأيتمونى وإبليس فأهويت بيدى فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين إصبعى هاتين الإبهام والتى تليها ولولا دعوة أخى سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سوارى المسجد يتلاعب به صبيان المدينة فمن استطاع أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل رواه الإمام أحمد فى مسنده وأبو داود فى سننه
وفى صحيح مسلم عن أبى الدرداء أنه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فسمعناه يقول أعوذ بالله منك ثم قال ألعنك بلعنة الله ثلاثا وبسط يده كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من صلاته قلنا يا رسول الله سمعناك تقول شيئا فى الصلاة لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك قال ان عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله فى وجهى فقلت أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت ألعنك بلعنة الله التامة فاستأخر ثم أردت أن آخذه ولولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان المدينة
فإذا كانت الشياطين تأتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لتؤذيهم وتفسد عبادتهم فيدفعهم الله تعالى بما يؤيد به الأنبياء من الدعاء والذكر والعبادة ومن الجهاد باليد فكيف من هو دون الأنبياء
فالنبى صلى الله عليه وسلم قمع شياطين الإنس والجن بما أيده الله تعالى من أنواع العلوم والأعمال ومن أعظمها الصلاة والجهاد وأكثر أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة والجهاد فمن كان متبعا للأنبياء نصره الله سبحانه بما نصر به الأنبياء
وأما من ابتدع دينا لم يشرعوه فترك ما أمروا به من عبادة الله وحده لا شريك له واتباع نبيه فيما شرعه لأمته وابتدع الغلو فى الأنبياء والصالحين والشرك بهم فإن هذا تتلعب به الشياطين قال تعالى إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون
إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون وقال تعالى إن عبادى ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين
و منها أن يدعو الرائى بذلك ربه تبارك وتعالى ليبين له الحال
و منها أن يقول لذلك الشخص أأنت فلان ويقسم عليه بالاقسام المعظمة ويقرأ عليه قوارع القرآن الى غير ذلك من الأسباب التى تضر الشياطين
وهذا كما أن كثيرا من العباد يرى الكعبة تطوف به ويرى عرشا عظيما وعليه صورة عظيمة ويرى أشخاصا تصعد وتنزل فيظنها الملائكة ويظن أن تلك الصورة هى الله تعالى وتقدس ويكون ذلك شيطانا

وقد جرت هذه القصة لغير واحد من الناس فمنهم من عصمه الله وعرف أنه الشيطان كالشيخ عبدالقادر فى حكايته المشهورة حيث قال كنت مرة فى العبادة فرأيت عرشا عظيما وعليه نور فقال لى يا عبدالقادر أنا ربك وقد حللت لك ما حرمت على غيرك قال فقلت له أنت الله الذى لا إله إلا هو اخسأ يا عدو الله قال فتمزق ذلك النور وصار ظلمة وقال يا عبد القادر نجوت منى بفقهك فى دينك وعلمك وبمنازلاتك فى أحوالك لقد فتنت بهذه القصة سبعين رجلا فقيل له كيف علمت أنه الشيطان قال بقوله لى حللت لك ما حرمت على غيرك وقد علمت أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا تنسخ ولا تبدل ولأنه قال أنا ربك ولم يقدر أن يقول أنا الله الذى لا إله إلا أنا
ومن هؤلاء من اعتقد أن المرئى هو الله وصار هو وأصحابه يعتقدون أنهم يرون الله تعالى فى اليقظة ومستندهم ما شاهدوه وهم صادقون فيما يخبرون به ولكن لم يعلموا أن ذلك هو الشيطان
وهذا قد وقع كثيرا لطوائف من جهال العباد يظن أحدهم أنه يرى الله تعالى بعينه فى الدنيا لأن كثيرا منهم رأى ما ظن أنه الله وانما هو شيطان
وكثير منهم رأى من ظن أنه نبى أو رجل صالح أو الخضر وكان شيطانا
وقد ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من رآنى فى المنام فقد رآنى حقا فإن الشيطان لا يتمثل فى صورتى فهذا فى رؤية المنام لأن الرؤية فى المنام تكون حقا وتكون من الشيطان فمنعه الله أن يتمثل به فى المنام وأما فى اليقظة فلا يراه أحد بعينه فى الدنيا

فمن ظن أن المرئى هو الميت فإنما أتى من جهله ولهذا لم يقع مثل هذا لأحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان
وبعض من رأى هذا أو صدق من قال أنه رآه اعتقد أن الشخص الواحد يكون بمكانين فى حالة واحدة فخالف صريح المعقول
ومنهم من يقول هذه رقيقة ذلك المرئى أو هذه روحانيته أو هذا معناه تشكل ولا يعرفون أنه جنى تصور بصورته
ومنهم من يظن أنه ملك والملك يتميز عن الجنى بأمور كثيرة والجن فيهم الكفار والفساق والجهال وفيهم المؤمنون المتبعون لمحمد صلى الله عليه وسلم تسليما فكثير ممن لم يعرف أن هؤلاء جن وشياطين يعتقدهم ملائكة
وكذلك الذين يدعون الكواكب وغيرها من الأوثان تتنزل على أحدهم روح يقول هى روحانية الكواكب ويظن بعضهم أنه من الملائكة وإنما هو من الجن والشياطين يغوون المشركين
والشياطين يوالون من يفعل ما يحبونه من الشرك والفسوق والعصيان
فتارة يخبرونه ببعض الأمور الغائبة ليكاشف بها
وتارة يؤذون من يريد أذاه بقتل وتمريض ونحو ذلك وتارة يجلبون له من يريده من الإنس
وتارة يسرقون له ما يسرقونه من أموال الناس من نقد وطعام وثياب وغير ذلك فيعتقد أنه من كرامات الأولياء وإنما يكون مسروقا
وتارة يحملونه فى الهواء فيذهبون به الى مكان بعيد فمنهم من يذهبون به الى مكة عشية عرفة ويعودون به فيعتقد هذه كرامة مع أنه لم يحج حج المسلمين لا أحرم ولا لبى ولا طاف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ومعلوم أن هذا من أعظم الضلال
ومنهم من يذهب الى مكة ليطوف بالبيت من غير عمرة شرعية فلا يحرم إذا حاذى الميقات ومعلوم أن من أراد نسكا بمكة لم يكن له أن يجاوز الميقات إلا محرما ولو قصدها لتجارة أو لزيارة قريب له أو طلب علم كان مأمورا أيضا بالإحرام من الميقات وهل ذلك واجب أو مستحب فيه قولان مشهوران للعلماء وهذا باب واسع
ومنه السحر والكهانة وقد بسط الكلام على هذا فى غير هذا الموضع
وعند المشركين عباد الأوثان ومن ضاهاهم من النصارى ومبتدعة هذه الأمة فى ذلك من الحكايات ما يطول وصفه فإنه ما من أحد يعتاد دعاء الميت والإستغاثة به نبيا كان أو غير نبى إلا وقد بلغه من ذلك ما كان من أسباب ضلاله كما أن الذين يدعونهم فى مغيبهم ويستغيثون بهم فيرون من يكون فى صورتهم أو يظنون أنه فى صورتهم ويقول أنا فلان ويكلمهم ويقضى بعض حوائجهم فإنهم يظنون أن الميت المستغاث به هو الذى كلمهم وقضى مطلوبهم وإنما هو من الجن والشياطين ومنهم من يقول هو ملك من الملائكة والملائكة لا تعين المشركين وإنما هم شياطين أضلوهم عن سبيل الله
وفى مواضع الشرك من الوقائع والحكايات التى يعرفها من هنالك ومن وقعت له ما يطول وصفه.
وهؤلاء لا بد أن يكون فيهم كذب وفيهم مخالفة للشرع ففيهم من الإثم والإفك بحسب ما فارقوا أمر الله ونهيه الذى بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم وتلك الأحوال الشيطانية نتيجة ضلالهم وشركهم وبدعتهم وجهلهم وكفرهم وهى دلالة وعلامة على ذلك

والتوكل والاستعانة للعبد لانه هو الوسيلة والطريق الذي ينال به مقصوده ومطلوبه من العبادة فالاستعانة كالدعاء والمسئلة وقد روى الطبراني فى كتاب الدعاء عن النبى صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل يا ابن آدم إنما هي أربع واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك وواحدة بينك وبين خلقى فاما التى لي فتعبدنى لا تشرك بي شيئا واما التى هي لك فعملك اجازيك به احوج ما تكون اليه واما التى بينى وبينك فمنك الدعاء وعلى الاجابة واما التى بينك وبين خلقى فأت للناس ما تحب ان يأتوا اليك
وكون هذا لله وهذا للعبد هو باعتبار تعلق المحبة والرضا ابتداء فان العبد ابتداء يحب ويريد ما يراه ملائما له والله تعالى يحب ويرضى ما هو الغاية المقصودة فى رضاه ويحب الوسيلة تبعا لذلك والا فكل مأمور به فمنفعته عائدة على العبد وكل ذلك يحبه الله ويرضاه
*ج10 ص62
يبتغون إلى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه الآية وقال إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله
و رحمته اسم جامع لكل خير وعذابه اسم جامع لكل شر ودار الرحمة الخالصة هى الجنة ودار العذاب الخالص هى النار واما الدنيا فدار امتزاج فالرجاء وإن تعلق بدخول الجنة فالجنةاسم جامع لكل نعيم واعلاه النظر الى وجه الله كما فى صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن ابى ليلى عن صهيب عن النبى صلى الله عليه وسلم قال اذا دخل اهل الجنة الجنة نادى مناد يا اهل الجنة ان لكم عند الله موعدا يريد ان ينجزكموه فيقولون ما هو الم يبيض وجوهنا الم يثقل موازيننا ويدخلنا الجنة وينحينا من النار قال فيكشف الحجاب فينظرون اليه فما اعطاهم شيئا احب اليهم من النظر اليه وهو الزيادة
ومن هنا يتبين زوال الاشتباه فى قول من قال ما عبدتك شوقا الى جنتك ولا خوفا من نارك وانما عبدتك شوقا الى رؤيتك فان هذا القائل ظن هو ومن تابعه ان الجنة لا يدخل فى مسماها الا الأكل والشرب واللباس والنكاح والسماح ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات كما يوافقه على ذلك من ينكر رؤية الله من الجهمية او من يقربها ويزعم انه لاتمتع بنفس رؤية الله كما يقوله طائفة من المتفقهة فهؤلاء متفقون على ان مسمى الجنة والآخرة لا يدخل فيه الا التمتع بالمخلوقات ولهذا قال بعض من غلط من المشائخ لما سمع قوله منكم من يريد الدينا ومنكم من يريد الآخرة قال فأين من يريد الله وقال آخر فى قوله تعالى ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بأن لهم الجنة قال اذا كانت النفوس والأموال بالجنة فأين النظر اليه وكل هذا لظنهم ان الجنة لا يدخل فيها النظر
و التحقيق ان الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم واعلى ما فيها النظر الى وجه الله وهو من النعيم الذى ينالونه فى الجنة كما اخبرت به النصوص وكذلك اهل النار فانهم محجوبون عن ربهم يدخلون النار مع ان قائل هذا القول اذا كان عارفا بما يقول فانما قصده انك لو لم تخلق نارا او لو لم تخلق جنة لكان يجب ان تعبد ويجب التقرب اليك والنظر اليك ومقصوده بالجنة هنا ما يتمتع فيه المخلوق
*ج11 ص390
ويأس الانسان ان يصل إلى ما يحبه الله ويرضاه من معرفته وتوحيده كبيرة من الكبائر بل عليه ان يرجو ذلك ويطمع فيه لكن من رجاء شيئا طلبه ومن خاف من شىء هرب منه وإذا اجتهد واستعان بالله تعالى ولازم الاستغفار والاجتهاد فلابد ان يؤتيه الله من فضله ما لم يخطر ببال وإذا رأى انه لا ينشرح صدره ولا يحصل له حلاوة الايمان ونور الهداية فليكثر التوبة والاستغفار وليلازم الاجتهاد بحسب الامكان فان الله يقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وعليه باقامة الفرائض ظاهرا وباطنا ولزوم الصراط المستقيم مستعينا بالله متبرئا من الحول والقوة إلا به
لا ففى الجملة ليس لاحد ان ييأس بل عليه ان يرجو رحمة الله كما انه ليس له ان لا ييأس بل عليه ان يخاف عذابه قال تعالى أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ان عذاب ربك كان محذورا وقال بعضهم من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ومن عبده بالخوف وحده فهوحرورى ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجىء ومن عبده بالحب والرجاء والخوف فهو مؤمن موحد

وجمعه وكتبه الفقير الى عفو ربه تعالى…
د/ السيد العربى بن كمال