بسم الله الرحمن الرحيم

سد الذرائع


الحمد لله تعالى وكفي وسلام على عباده الذين اصطفي ...أما بعد:
فمسألة سد الذرائع من المسائل التي جُهلت ولا يعلمها كثير من اخواننا , وكثير ما يذكرونها أهل العلم والمفتون في كلامهم , وهذا مقال يسير أقرب فيه لهذه المسألة الهامة حتى يكون القارئ له على معرفة بمسألة يعرف إسمها ويُجهل رسمها ومضمونها , فأقول وبالله تعالى التوفيق:

* الذريعة لغة: قال في لسان العرب
الذَّرِيعة: الوسيلة. وقد تَذَرَّع فلان بذَريعةٍ أَي توسَّل، والجمع الذرائعُ.
* الذريعة إصطلاحا وشرعا:
* في شرح المعتمد في أصول الفقه..لمحمد الحبش
مباحث الأدلة، ويراد بذلك بحوث مصادر التشريع وهي أربعة متفق عليها: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وأخرى مختلف فيها نعد منها: الاستصلاح والعرف وسد الذرائع وقول الصحابي وشرع من قبلنا وعمل أهل المدينة والاستصحاب.
* الذريعة لغة: الوسيلة، وهي في تعريف الأصوليين: ما ظاهره مباح، ويتوصل به إلى محرم. فالنهي عن هذا المباح خوفاً من أثره، وهو ما يسمى: (سد الذرائع) مثاله: النهي عن سب المشركين في قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}، فسبُّ المشركين وأوثانهم مباح في الأصل، ولكن نهى الله عنه لئلا يكون ذريعة لسب الله.
* المالكية والحنابلة قالوا بأن سدَّ الذرائعِ حجةٌ تتقرر لأجلها الأحكام،
أما الشافعي رحمه الله عنه فقد اتفق مع الجمهور في المآل، ولكنه لا يرى ذات السبيل، بل يقول: إنما تحرم الذريعة ذاتها بالأدلة المعتبرة، ولا داعي لتحريمها بالتبع.
وأكدا أي أحمد ومالك، أكدا هذه القاعدة بالمثال السابق الذي أشرنا إليه، حول منع شتم المشركين.
ورأى الشافعي أن منع شتم المشركين تقرر بالآية وليس بالاجتهاد، فلو لم تنص عليه الآية لم يكن لأحد أن يقوم بتحريمه بحجة سد الذرائع.
* فائدة:
إن الأخذ بالعزائم ضمانة حقيقية لسد الذرائع، بينما يؤدي تتبع الرخص إلى التهاون أحياناً في بعض شرائع الدين.أ.هـ

** قال القرطبى:..[ عند بيان الأية 104 من سورة البقرة]
والذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع....
ويدل عليه الكتاب والسنة:
* أما الكتاب:
قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا"(سورة البقرة. الآية: 104)
، ووجه التمسك بها أن اليهود كانوا يقولون ذلك وهي سب بلغتهم، فلما علم الله ذلك منهم منع من إطلاق ذلك اللفظ، لأنه ذريعة للسب، وقوله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم" [الأنعام: 108] فمنع من سب آلهتهم مخافة مقابلتهم بمثل ذلك،وقوله تعالى لآدم وحواء: "ولا تقربا هذه الشجرة" [البقرة: 35] قال ابن العربي: سمعت الشاشي في مجلس النضر [بن شميل] يقول: إذا قيل لا تقرب (بفتح الراء) كان معناه لا تلبس بالفعل، وإذا كان (بضم الراء) فإن معناه لا تدن منه. وقال ابن عطية: قال بعض الحذاق: إن الله تعالى لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظ يقتضي الأكل وما يدعو إليه العرب وهو القرب. قال ابن عطية: وهذا مثال بين في سد الذرائع.
* وأما السنة فأحاديث كثيرة ثابتة صحيحة، منها حديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهن ذكرتا كنيسة رأياها بالحبشة فيها تصاوير [فذكرتا ذلك] لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله). أخرجه البخاري ومسلم. قال علماؤنا: ففعل ذلك أوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون الله عز وجل عند قبورهم، فمضت لهم بذلك أزمان، ثم أنهم خلف من بعدهم خلوف جهلوا أغراضهم، ووسوس لهم الشيطان أن آباءكم وأجدادكم كانوا يعبدون هذه الصورة فعبدوها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك، وشدد النكير والوعيد على من فعل ذلك، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال: (اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد) وقال: (اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد). وروى مسلم عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلال بيّن والحرام بين وبينهما أمور متشابهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) الحديث، فمنع من الإقدام على الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات، وذلك سدا للذريعة. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس). وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من الكبائر شتم الرجل والديه) قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: (نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه). فجعل التعرض لسب الآباء كسب الآباء. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم). وقال أبو عبيد الهروي: العينة هو أن يبيع الرجل من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به. قال: فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمى ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن فهذه أيضا عينة، وهي أهون من الأولى،وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة، وذلك لأن العين هو المال الحاضر والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضر يصل إليه من فوره. وروى ابن وهب عن مالك أن أم ولد لزيد بن الأرقم ذكرت لعائشة رضي الله عنها أنها باعت من زيد عبدا بثمانمائة إلى العطاء ثم ابتاعته منه بستمائة نقدا، فقالت عائشة: بئس ما شريت، وبئس ما اشتريت! أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب. ومثل هذا لا يقال بالرأي، لأن إبطال الأعمال لا يتوصل إلى معرفتها إلا بالوحي، فثبت أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعوا الربا والريبة. ونهى ابن عباس رضي الله عنهما عن دراهم بدراهم بينهما حريزة".أ.هـ


*الثلاثاء, 16 ذو القعدة, 1422هـ,,,,[‏29‏‏/‏01‏‏/‏2002‏ م05:28:53 ص]...

وكتبه الفقير إلى عفو ربه تعالى…
د/ السيد العربى بن كمال